الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستون عاما على ولادة جماعة العلماء

حسين سميسم

2019 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ابناء العلماء

مرت علينا ذكرى تشكيل جماعة العلماء اواخر عام 1958 ، وقد مرت هذه الذكرى بهدوء غطته الاخبار السياسية وتناسته القوى التي كان لها مصلحة في زج رجال الدين والفقهاء في واجهة الحراك السياسي ، وكنت اظن ان تلك القوى ستضع هذه الذكرى مبجلة في متحف حراكها السياسي وتحتفل بها في ذكراها الستينية، لكن المرء لايجدها الا بين سكراب جهاد الاحزاب السياسية الاسلامية ، لذلك ارتأيت مسح الغبار الذي تراكم على هذه الذكرى وتنظيف ماعلق فيها من اوساخ السياسة لاكتشاف لونها الحقيقي وفتح كتابها وقراءته قراءة تاريخية جديدة ، وتسليط الضوء على اسباب تأسيس هذه الجماعة ومناقشة الامر بهدوء يتناسب مع هيبة العقود الستة التي مرت . ويتطلب ذلك النظر اليها من جوانب عدة لبيان حجمها وعمقها وتأثيرها وتأثرها ، اذ ان الكتابات التي تناولتها في السابق قفزت فوق السبب وتجاوزته وتوقفت في حقل النتيجة وظلت تحفر فيه ، سيما وان تلك الكتابات نظرت الى تشكيل هذه الجماعة نظرة احادية مسطحة ، وغلبت المصلحة السياسية على حقيقة الاحداث التاريخية التي رافقت تأسيسها ثم استخدمتها مثلما تستخدم الافكار والاديان في السياسة .
الجماعة متكونة من رجال دين من الطبقة الثانية بعد المراجع الدينية الكبرى ، ومن هذه الطبقة يرشح المرجع الجديد ويتبوأ المرجعية الدينية بعد غياب المرجع القديم بسبب وفاته . وهذه الجماعة تسيطر على مجريات الدروس الدينية وبعض المدارس ، وقد استقل اغلبهم بالصلاة في صحن الامام علي ع او في الروضة ومن خلالهم يتواصل المرجع مع الاطراف المحلية والخارجية فهم بالتالي سفراؤه . ولم تك هذه الجماعة موحدة في تنظيم خاص بها بل يتصل افرادها بشكل فردي مع مختلف الفقهاء ويحافظ البعض على مسافة متساوية من جميع الفقهاء .
لقد تشكلت هذه الجماعة لالسبب علمي يحتاج الى مناقشة جدية ولا الى تجمع المجتهدين لدراسة قضية اجتهادية محددة ، ولا لسبب سياسي يراد منه نصرة الدين ضد الافكار الملحدة ، بل تاسست بسبب وظيفي تنظيمي يخص ادارة المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم للمرجعية ، وذلك عكس التصورات والكتابات التي غلبت القراءة الاحادية وحاولت البرهنة على وحدانيتها وكأنها رد فعل طبيعي على انتشار الالحاد بعد ثورة تموز 1958 فخلطت تلك القوى التي لها مصلحة آنية في استغلال تلك الأحداث المتسارعة ، فتاه المتابع بين ترابط تسلسل الاحداث وبين انفصالها حتى اصبحت احداث تلك الفترة جزرا لايربط بينها رابط . وساعد هذا الامر عدم مناقشة المؤرخين ولا الاكاديميين - تاريخ جماعة العلماء لتسليط الضوء على زاوية مازالت مظلمة .
ولكي لا نسبق النتائج دعونا نطل على كيفية تشكيل جماعة العلماء واقوال المؤسسين عنها :
قال الشيخ حسن الجواهري في احدى مقابلاته (انظر كتاب محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة ص 299) ( عندما كان العلم زاهرا في هذا البلد كانت المهام موزعة بين الشخصيات المتواجدة في هذا البلد . كان هناك مرجع يقوم بمهامه المعهودة من تدريس وافتاء وقبض واقباض وما الى هناك ، وكان الى جانبه شخصيات علمية سياسية واجتماعية ، وكانت عبارة عن حلقة وصل بين المرجعية وبين الرأي العام ، وكانوا في الساحة ، فاذا ماحدث فيه ضرر على الاسلام والمجتمع كانوا يعملون والمرجعية تسندهم ، الا ان الوضع تغير ، فقد اصبح المرجع يريد ان يكون هو الكل في الكل وبيده كل الامور ، ويريد ان يكون هو ابنه حلقة الوصل بينه وبين الحكومة ، فلا حاجة الى الشيخ جواد صاحب الجواهر ، الشيخ عبد الكريم الجزائري ،السيد محمد تقي بحر العلوم ... عندها اختل النظام واختل التوازن وعمت الفوضى ، لان هؤلاء لم يكونوا وليدي الساعة وانما كانوا وليدي عشرات السنين يعرفون ماذا يقولون وماذا يفعلون وكيف يدخلون وكيف يخرجون اما ابن المرجع فهو فارغ من جميع الجهات ولا يملك ما يملكه هؤلاء ). وفي اليوم التالي التقى الشيخ الجواهري بالشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي بحر العلوم والسيد محمد صادق الصدر والسيد اسماعيل الصدر والسيد موسى بحر العلوم والشيخ جواد الشيخ راضي والشيخ محمد طاهر الشيخ راضي والسيد مرتضى الخلخالي والشيخ محمد تقي الايرواني وآخرين وقال لهم (ان الذي أراه هو أن تكليفنا في الوقت الراهن هو أن نقوم بتشكيل جماعة من العلماء يكون لها وزنها ومكانتها ويكون لها رئيس لا يطمع في مرجعية أو قيادة ، وإنما هو رئيس هذه المجموعة العلمية ، فإذا تم هذا الموضوع حينئذ نشرع في المرحلة الثانية في ماهو التكليف المتوجه إلى الجماعة ، فوافقوا على ذلك بالاجتماع) .
فلو اعدنا قراءة هذه النص لتبين مايلي :
_ كانت مهمة المرجع في الحوزات العلمية هي _التدريس _ والافتاء _ والقبض _ والاقباض . وهي مهمات متصلة به وتسقط كلها بوفاته .
_ يوجد الى جانبه شخصيات علمية سياسية واجتماعية هي حلقة الوصل بين المرجع والمجتمع . اي ان لهم ادوارا علمية في تدريس الطلاب وتقديم المحاضرات لشتى المستويات (المقدمات والسطوح وفي بعض الاحيان البحث الخارج) ، وقد ذكرالشيخ الجواهري اسماء افاضل المجتهدين في النجف . اما الدور الاجتماعي المذكور فهو من صلب مهماتهم اليومية ، فهم بحكم اتصالهم بالناس يستطيعون اداء مهام اجتماعية بامر وتكليف من المرجع ويكونون حلقة وصل بين المرجع والمجتمع مثل توزيع الحقوق الشرعية من رواتب ومساعدات اخرى على مستحقيها وادارة المدارس الدينية والاقسام الداخلية والمكتبات وترشيح الوكلاء ....الخ .اما الدور السياسي فقد اعتاد المرجع تكليف من له القدرة والحنكة السياسية في متابعة الشأن السياسي مع الحكومة المركزية والمحلية الى جانب قيام المرجع بالالتقاء مع الرؤساء والوزراء والمحافظين للتباحث والاتفاق على امور مهمة تتطلب تدخل المرجع .
_يشير النص الى ان الوضع قد تغير عن السابق واصبح الامر مقتصرا على المرجع وعلى ابنائه ، واصبح الابناء يقومون بالدور المناط اصلا بالمجتهدين المحيطين بالمرجع رغم انهم لم يصلوا بعد الى مستوى الاجتهاد ( وليدي الساعة، فارغ من كل الجهات ). وقد لاحظت هذه المجموعة من المجتهدين بان المرجعية بدأت تنحرف باتجاه العائلة وتقتصر عليها . فكان الشيخ محمد حسن الجواهري يفكر بانتفاضة علمائية ضد هذا الانحراف ، وقد استعرض في مخيلته واقع الحوزة العلمية فلم يجد فيها وراثة علمية ولامرجعية بين الاب المرجع وابنائه ، . . وربما يظهر فقيه ما من ابناء ذلك المرجع لكنه لايأخذ مكانه مباشرة بل يحتاج الى سنين طويلة من الدراسة الحوزوية والاعمال التي ترشحه لنيل هذا المنصب ، وفي الماضي القريب لم نر مرجعا نصب احد ابنائه لهذا المنصب ، فهذا السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد كاظم اليزدي والخراساني والنائيني والسيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والبروجردي والسيد محمود الشاهرودي وحتى السيد الخميني وعشرات غيرهم لم يبادروا الى تنصيب ابناءهم خلفاءا لهم ، ولم يحجزوا اماكن صلاة الجماعة التي يصلون عادة بها لابنائهم . وابعدوهم عن الحقوق الشرعية ، ولم يسمحوا لهم بالتصرف بها .
لقد اقترح السيد الشهيد محمد باقر الصدر بعد اكثر من عقد نفس المقترحات التي حاول الشيخ محمد حسن الجواهري تثبيتها في الوسط الحوزوي منذ ذلك الوقت ، وكتب في هذا الشأن بعد وفاة السيد محسن الحكيم حيث تحرر من هيمنة المرجع وبدأ نجمه يصعد وتصدى بنفسه للمرجعية ، وبدى لنفسه ان الامر قابل للتحقق ، لكنه اصطدم بحقيقة بصخرة وراثة الابناء لمرجعية ابائهم المالية ، وقوة تأثيرهم في الوسط الديني مادام المال المتجمع من الحقوق الشرعية تحت تصرفهم .
كان السيد محمد باقر الصدر يريد تنظيم اداء المرجعية بحيث تتحول الى مؤسسة يكون فيها المرجع فقرة واحدة من فقراتها العديدة ، وعند وفاته يتم التداول الطبيعي للمرجعية ، فقد يظهر مرجع واحد او اكثر قبل وفاة المرجع السابق يتميز بالاعلمية والصلاحية التامة لهذا المنصب فتميل اليه المؤسسة ويتحقق التلاقي الطبيعي بين علمية وصلاحية المرجع الجديد وعدالته مع شروط وقوانين المؤسسة ، وقد ذكر السيد كاظم الحائري في كتاب مباحث الاصول ص ٩٢ بان المرجعية لا تؤدي الى وجود مؤسسة مرجعية صالحة بل بالعكس فان المؤسسة المرجعية الصالحة هي التي تؤدي الى وجود مرجع صالح ) .
وطالب السيد محمد باقر الصدر بتشكيل لجان لتلك المؤسسة للاشراف على تسيير الوضع الدراسي في الحوزة وتنظيم شؤون الطلبة والاصدارات العلمية ، ولجنة لتسيير الوكلاء في جميع المناطق ولجنة مالية تعني بتسجيل المال وضبط موارده وتنمية الموارد الطبيعية لبيت المال ، وتنظيم مؤسسة المرجعية بشكل هرمي حيث يمارس المرجع عمله من خلال مجلس يضم علماء الشيعة ويقود هذا المجلس جميع اللجان جماعيا ( الدراسية والمدارس الدينية ،والعتبات المقدسة ، والوكلاء ، وبيت المال والتمثيل السياسي ....الخ ) ويشرف المرجع (نائب عن الامام الغائب على هذا المجلس ويحظى بتوجيهاته (انظر مباحث الاصول ص ٩٩ ) .
لم يستطع الشيخ محمد حسن الجواهري والا السيد محمد باقر الصدر تغيير قضية وراثة الابناء للحقوق الشرعية للاسباب التالية : -
- توسع عمل المرجعية وتمددها الى بلدان بعيدة وتضخم ايراداتها من جهة وتطور مؤسسة الاستلام بالترافق مع تأخر مؤسسات الصرف الشرعية، فيحصل فائض متزايد عند المرجع لم يصرف ، ويتسرب تدريجيا الى اماكن آمنة بعيدة عن عيون السلطة وخوفا من استيلاءها عليه ، ويلعب نقص الشفافية دورا كبيرا في عدم امكانية المرجع من مراقبة المال ولم تعد المؤسسة المالية تحت تصرفه .
_ المال اشد قوة واسرع تنظيما واقوى من الفقه ، ويتيح لحائزه الشعور بالسلطة . ويعني ذلك ان المرجع المتوفي الذي وزع الحقوق الشرعية الواردة على مستحقيها في حياته سينفي اصل الوراثة المالية للحقوق الشرعية ويسمح للابناء سلوك الخط الحوزوي العادي للوصول مرة اخرى الى المرجعية بعد اجتيازهم الشروط الضرورية لهذا المنصب ، وستنتفي في هذه الحالة امكانية تكوين مرجعية مدعومة بالمال ، وينطبق هذا الامر على الفقهاء الذين ذكرناهم من السيد محمد سعيد الحبوبي ولغاية السيد الخميني فقد عاشوا فقهاء وماتوا فقراء .
_ عدم وجود مؤسسة دينية قائمة بذاتها ومنفصلة عن بيت المرجع لها الحق في استثمار المال والاملاك والاوقاف التي تبقى بحوزة المرجع السابق ، فينبري الابناء لادارتها وتوزيعها داخل العائلة او استثمارها في مؤسسات دينية يقسم ريعها بينهم . كما ان انعدام وجود نظام داخلي وشكل قانوني حقوقي واعتماد مبدأ الوراثة العشائرية القديم يمنح الابناء حق وراثة الاباء دون مسوغات دينية او قانونية . وسيكون الدفاع عن بقاء هذه الحالة عن طريق اضفاء القداسة الوهمية ومنع الشفافية والاقتصار على مجموعة صغيرة جدا من الاقرباء والالتجاء الى السرية المفرطة ورسم الخطوط الحمراء واشعال هالة من المقدسات تعمي الابصار .
-عدم وجود نيابة مرجعية محددة في حياة المرجع السابق تبيح للمرجع الجديد التصرف المالي بالمال والاملاك المتبقية من المرجع السابق .
- تسجيل الاملاك والمؤسسات الدينية باسماء الورثة وهو عائق قانوني لايسمح للمرجع الجديد ادارة تلك المؤسسات . ( وصية السيد الخوئي مثلا ) .
هذه الاسباب وغيرها تجعل المرجع الجديد يبدأ من نفس النقطة التي بدأ بها المرجع السابق ، فيعلن عن مرجعيته ويصل بالتدريج الى مراكز جمع الحقوق الشرعية ومصادرها ، ويستعين في احيان عديدة بحاشية المرجع السابق للاستفادة من خبرتهم في تثبيت مرجعيته والتعرف على مصادر المال وادارة المؤسسات الدينية . وقد يتصدى للمرجعية أحد ابناء المرجع السابق سيما وان لديه عدة العمل التي يستطيع بها شق طريقه بمفرده وبمساعدة حاشية والده .
كما حدثت بعض الحالات غير المسبوقة في تاريخ المرجعية مثل عدم حصول ابن المرجع المتوفي على تأهيل حوزوي يبيح له التصدي للمرجعية ( يملك المال لكنه لايملك العدة الفقهية ) ، فيعتمد على مرجع جاهز في الافتاء فقط ويظل الابن متمسكا بالمقلدين والحقوق وجميع صلاحيات الوالد . وقد ذهب بعض الابناء الى تأجيل تصديهم للمرجعية عن طريق ابقاء مكتب الوالد المتوفي مفتوحا ، فيستقبل الاستفتاءات والحقوق الشرعية وكأن الوالد المتوفي مازال حيا . وقد طور الفقه نفسه في هذا الجانب وسمح للمقلدين غير المبتدئين بتقليد المتوفي ، وتلك من الفتاوي الحديثة .
لقد فشلت محاولة الشيخ محمد حسن الجواهري ولم تستمر الا اياما او اسابيعا معدودة ، كما فشلت محاولة السيد محمد باقر الصدر واصطدم حينها بمرجعية السيد الخوئي وثبت من خلال الممارسة ان قوة وراثة الابناء هي اشد بأسا من غيرها واقوى من امكانية تأسيس مؤسسة حوزوية مختصة ، وسيبقى الابناء يقاومون كل التغييرات التي تهدد وضعهم في وراثة الحقوق الشرعية والحلول بواسطتها محل ابائهم .


ستون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد


.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ




.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف