الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (47)

عماد علي

2019 / 3 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


و في اطار تحديد الخصوصيات و الملامح الرئيسية لهذا التيار الباطني، هناك باحث اخر في شهاته الماجستير، اقترح سبع خصائص، و نحن نعتقد عدا النقطة السابعة منها فان النقاط الاخرى تبينلنا الى حد كبير حقيقة هذا الاتجاه الديني. انه يطرح النقاط السبع بهذا الشكل:
اولا: الاعتماد التام على فكرة الظاهر والباطن. و هذه من الملامح الرئيسية لهذا الاتجاه، و تتوقف عليها الخصائص الاخرى. انهم يعتقدون بان ما موجود في الوجود ينقسم الى قسمين، قسم معلوم و علني و قسم مجهول و سري. المستوى الاول للناس البسطاء و العوام، و الثاني للخاص و الذين لهم القدرة على التعمق و فهم الاسرار، و هذا الجانب الباطني و الميتافيزيقي للوجود. و الجزء الذي هو حكمة الوجود فيمكن ان نصل اليه من خلال علو الروح و الابتعاد عن الدنيا و الجسد و الاقتراب من النور الالهي. و بهذا الشكل، و كما ان النصوص الدينية المقدسة تحمل هذين الاتجاهين فالعبادة تضمنهما ايضا، وعليه، كل شيء درج و بداية للوصول الى النهاية و العلو الى مستوى الحكمة الالهية و الوصول الى المعرفة المطلقة و كل ما هو موجود هو ستار امام هذاالاتجاه من عمل العارف و الولي وفق المؤلفات الصوفية السنية او الامام و الحجة وفق المؤلفات الشيعية الاسماعيلية، هذا؛ وهم يقطعون هذه الستائر الحاجبة للوصول الى الحقيقة الحقة.
ثانيا: الايمان بوجود زعيم و ولي و امام و شيخ. جميعهم و هم من ساعدهم الله للوصول الى العلم الباطني، و من وصل هو المميز و النخبة و بعد الجهد و السهر و العمل و الرياضة المتعبة، وصلوا الى هذا المقام الذي لم تصل اليه الناس بعد، و للوصول الى هذا المستوى يجب على المريدين و التابعين للحقيقة ان يتبعونهم و يقتفوهم و يؤيدونهم، وهذا الذي يعتبر في الادبيات الصوفية علاقة المريد بالشيخ و عند الشيعة علاقة الامام بالتابعين.
ثالثا: التعيلمات و التعليم السري: علم الاولياء، او المعلمين و شيوخ ذلك النهج هو علم سري، لذا ايصاله و تعلمه يمر بطريق سري و غريب. عدا ذلك لا يمكن للشخص المريد ان ينتظر او يعتقد ان يتعلم و يحصل كل تلك العلوم ببساطة ولمرة واحدة. يجب ان يهدا و يصبر في هذا النهج و يستعد لمدة طويلة لكي يتمكن من هذا العلم و يهضمه. و بهذا الشكل فان العلم السري ليس بشيء يمكن للمستلم ان يتعلمه و يستوعبه بمحاولة واحدة و انما يجب ان يمر بمراحل و مقامات كعملية (التنمية النفسية و الروحية).
رابعا: اشارات الحروف و الاعداد او الارقام: عند الاتجاه الباطني و الغنوصي تكون الاعداد حاملا للاشارات السرية و المجهولة للاشخاص العاديين، و لكن الشخص العارف يعلم ان الاعداد حال لاكبر الاسرار التي لم تُقال للكلمات و الحروف، مثلا الرقم سبعة عند الاسماعيليين و حروف بداية السور القرآنية و حروف المؤلفة لكلمة و اسماء الله الى الحروف الاخرى، انها بحر مليء بالاسرار التي لم تُقال و التي لها العلاقة مع الرؤية الدنيوية للشيعة و افكارهم كائمة.
في دنيا التصوف تكون لهذه الارقام كلمات سرية غير المعروفة باستمرار و انها من معارف الله، الى ان قال ابن عربي ان الحروف امة و لهم الانبياء. اهتمام التصوف بالحروف يعود الى اهتمام الشيعة الاسماعيلية بالحروف، وهو امتداد الاديان الشرقية القديمة، و جاءت جميعها من تلك البنى التحتية الفكرية التي تعتبر بان الارقام لها الجانب المعلوم و المجهول، الجانب المعلوم و المكشوف هو كونهم ارقام و احرف، و الجانب السري و المخفي منه هو بحر من المعاني الهية و الحكمة العليا التي يدركها العارف عند التصوف و الامام عند الشيعة فقط. تفسيرات الشيعة و التصوف بشكل عام مليء بهذه التحليلات.
خامسا: الاقتراح الخامس هو التاويل الباطني الذي هو عبارة عن اخراج معنى غير مُقال لظاهر نص مقدس ديني مُقال، او تحليل نص مقدس عن مبدا اشارة و رمز بعيدا عن المعنى و الظاهر له. بهذا الشكل ان المعاني ليست التي قيل و انما تلك التي هي يُشار اليها بسرية، و الشخص العارف ( او الامام) هو الذات التي لها القدرة ان تدرك تلك الاسرار و تفتح الارقام السرية امام ذلك الكهف عن طريق الكشف و التلذذ، للوصول الى خزينة المعاني الالهية.
السادس: المعرفة الباطنية الغنوصية: عند هذا الاتجاه فان المعرفة المطلقة و علم المجهول بشكل عام، سيكون عن طريق المخفيات القلبية، انه فعل باطني و يهبه الله الى العارف عن طرق سرية، لذا فان تعلمهم ليس بشيء يمكن ان تصل اليه بالقراءة و المطالعة و انما حقيقة الهية يسقطه في قلوبهم، فعل ذاتي و هبة الهية، والطريق التي تفتح لك الحظ للوصول الى ذلك العلم الذي هو هبة الله، عبارة عن الابتعاد عن الرغبات و الملذات الجسدية و الزهد في الحياة. كان شعارهم الرئيسي : طالما اقترب الانسان من الله يلمع ذلك العلم في باطنه و يتوضح اكثر. اي طريق التعلم هي رياصة و تامل في الذات و الطهارة و الابتعاد عن الجرائم و عن كل شيء عدا الله و عامل الروحانيات، انهم قالوا ان قلب الانسان المرآة الحقيقة لله، و لكي تعكس تلك المرآة تلك الصور الجميلة لكل الحقائق يجب ان ينظف و ُيبتعد عن قاذورات الدنيا، قلب يصفّى الى الله، و يكون هو فيه لوحده فقط، ذلك القلب بقادر على ان يصبح مرآة الحقائق الالهية، و من هنا فان الاولياء هم تلك الاشخاص الذين على تواصل دائم مع الله عن طريق قلوبهم، و كما كانت الانبياء حاملين للوحي و موصلين للحقائق الالهية الى الانسان، ان الاولياء هم المفسرون و المحللون لتلك الاسرار عن طريق التاويل، فان تاويل اهل العرفان كشف الهي و الله يهبهم تلك الحقائق . اما العلم عند الامام و عند الاسماعيلية الشيعة، فهو نفس الشيء بفارق ان الشخص الامام قبل ان يتمكن من الوصول الى ذلك العلم يجب ان ينتمي اصله الى امام اخر، اي يكون من نسل امام اخر و تكون له علاقة دم مباشر بامام اخر، لان الواضح عن الشيعة الامامية انهم يعودون الى اهل البيت النبي، عن طريق الامام علي، و ان كان الكثير من الصوفية القديمة الكبار انتسبوا علمهم و نفسهم الى الامام علي و لكن بسلسلة الائمة فيما بعد الامام علي الذي انفصلوا عن التشيع، عدم رؤية هذه الاختلافات الجذرية ما بين الكشف العرفاني الاسلامي و العلم الغيبي للائمة عند الشيعة الاسماعيلية، وهو حدا بالصوفية الكبار كثيرا ان يُتهموا بالباطنية و الاسماعيلية كالحلاج في القرن الرابع و عين القضاة الهمداني في القرن السادس.
السابع: وحدة الاديان: هذه الاتجاهات الباطنية ان كانت في الشكل و التركيب مختلفين وحتى مخالفين و انما في الباطن و الاتجاهات العامة فهي واحدة، لان جمعهم العام لاي دين او اعتقاد كانوا ، انهم يتحدون في تلك النقطة التي تقول ان الدين هو طرق شتى للعباد للوصول الى الله و المعرفة الالهية. المهم هو الهدف و ليس الطرق و الجسور للعبور، اي الاديان في النتيجة هم شيء واحد و ان كانوا مختلفين في التفصيلات و الظاهر. و في الحقيقة يمكن ان تُرى هذه النقطة كافراز فعلي للاتجاه الباطني و ليس اساس فكري، و بدلا منه يمكن ان يكون من المستحق ان يوضع الشكل العبادي للمباديء الالهية لذلك الاتجاه بالنقطة السابعة، و هي نقطة الايمان بالله، و ان عُبر عنها احيانا عن طريق الاتحاد و اخرى بالذوبان و بعد ابن عربي بالوحدة و التوحيد. و انه بشكل عام عبارة عن الايمان بان وجود الحقيقة هو الله فقط, و الوجود المادي هو وجود ظل لوجوده، افراز لوجوده و وجود هذه الدنيا يقف على وجوده و ليس شيء اخر. و بهذا الشكل فان الله ليس ذات خارج الوجود و كما ليس بوجود خارج الله، يمعنى اخر وكما يقول الصوفيون، ان وجود انعكاس وجود الله في المرآة، الصورة الموجودة داخل المرآة وجود مادي و ليست الصورة الحقيقية، و لذا انه وجود الوجود لان الانسان له قدرة التخيل، كما هو الحال للوجود في الحلم، في الوقت انه وجود خيالي، و لكن عندما تستيقض من النوم تتفهم ان الوجود الذي كنت موجودا فيه كان وجودا خياليا و هو اللاوجود، و بالشكل ذاته عندما يموت الانسان العوام يعلمون بان هذا الوجود ليس بالحقيقة، عدا الذين فهموا الدنيا و هم من مقام الاولياء الذين عرفوا تلك الحقيقة، هؤلاء بوعيهم في الحياة عرفوا ذلك، بينما الناس يعرفونه عند موتهم، و كما يعرفه هؤلاء عند استيقاضهم من النوم ان ما كانوا فيه هو خيال. هناك حاجب او ستار ما بين هذه الحياة الوهمية و الحياة الحقيقية، و بسقوط هذا الستار فان الموتى يعلمون بان الذي اعتقدوا بانه الحياة ليس الا سراب و وهم، في الوقت ان العارف و الصوفي و الامام و المريدين لهم في العلم، فان هؤلاء و عن طريق علمهم لهم القدرة ان يروا ماوراء الستار و يفهموه. و احدى تلك الافرازات من هذا الشكل من الفهم، هو ان كل تلك التعددية في شكل التدين في الوجود وهمية و ليست بحقيقية، الحقيقية هي ان الوجود واحد فقط وهو وجود اهلع و لا غير، و هذا المصدر الاول لايمان بوحدة الاديان، بمعنى اخر ان اتحاد الاديان نتيجة الايمان بتوحد وفق سياق تحليل مباديء ابن عربي في الكتاب الثالث لدين الحب الذي نقف على هذا المفهوم المهم للتصوف كثيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط