الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين هو الجمهور الفلسفي؟

زهير الخويلدي

2019 / 3 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


" من يمتلك الإيمان الكافي لمقاومة تيار الجمهور هو استثناء غالبا ما يضحك عليه معاصروه وما يكون موضع إعجاب بعد عدة قرون"
- ايرك فروم

تضاءل الاهتمام بالفلسفة من جهة المتابعة للورشات الفكرية وحلقات النقاش والمطالعة للكتب المنشورة والمقالات المكتوبة والنصوص المدونة ومن جهة الحضور والمواكبة للدروس والحصص الييداغوجية.
ما مرد هذا العزوف؟ هل يعود إلى اتصاف الفلسفة بالتعالي والتعفف أم الأزمة الروحية والفراغ القيمي؟ هل هو الإفراط في تناول تاريخها وذاكرتها بدل التركيز على احراجاتها ومفارقتها واستهداف مقاصدها؟
لقد حازت مختلف التصورات الوجودية والرؤى المعرفية والأنماط التعبيرية على قسم هام من المتابعين المثابرين وشرائح من المجتمع والحريصين وجاء الدين والرياضة والفن والسياسة في المراتب الأولى. ن المعلوم أن الأديان ومعظم المعتقدات تجد رواجا كبيرا منذ بداية تشكل المجتمعات البشرية وذلك إما خوفا وإما رجاء وتجند فئة خاصة بحراسة طقوس المعبد والدعاية والتبشير بالمبادئ والتعاليم وفق جدلية الترغيب والترهيب ولقد لعبت وسائل الاتصال الحديثة دورا كبيرا في الانتشار الواسع لمختلف القناعات.أما الجمهور الرياضي فلا يقل عددا ونطاقا عن الجمهور الديني وذلك عندما تحولت الرياضة إلى صناعة وتقنية جماعية للتسلية وطريقة سياسية للضبط والتحكم والتوجيه وأسلوب في الحياة بالنسبة لعدد كبير من الناشطين والمتابعين المتحمسين للفرق والجمعيات وللنجوم والأبطال أثناء متابعة المباريات والتظاهرات.كما تساهم الموضة والدعاية والإشهار في زيادة عدد المعجبين بالفنون والفنانين من الجنسين ومن مختلف بلدان العالم ومن غالبية الدول والثقافات وتحولت الصناعة الفنية الى جزء من الآلة الإعلامية ومن النشاط الاقتصادي العالمي وخاصة السينما والموسيقى والغناء والرقص وبدرجات أقل الشعر والرواية والمسرح.
من جهة أخرى يتراوح الجمهور السياسي بين الزيادة والنقصان حسب العرض والطلب وحسب الحاجة والضرورة ووفق الشرائح العمرية ويتضخم في المناسبات الساخنة مثل الحروب والاحتجاجات والثورات والأزمات وفي المواسم الانتخابية وتجديد هياكل الأحزاب والمنظمات وكتابة دساتير جديدة وقيام أنظمة ديمقراطية ويمكن في المقابل أن يقتصر على المنتمين للإيديولوجيا التقليدية والشرائح المتقدمة في السن. بيد أن الفلسفة صارت بلا متابعين وتوارى عن الأنظار الجمهور الفلسفي أو لنقل انه لم يتشكل بعد على الرغم من حدوث العديد من الثورات الكوبرنيكية والمنعطفات الجذرية داخل الفضاء المعرفي للفلسفة منذ أن تخلى جزء كبير من النخب عن اقتحام مغامرة التفكير النقدي الحر والاكتفاء بالتقليد واستهلاك المنجز.يبرر البعض ذلك بالتغيرات السريعة وظهور الواقع الافتراضي والثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلوم العرفانية والعصبية وحدوث ثورات في المجالات الدقيقة وبقاء الفلسفة في فضاء قروسطي تجتر مقولات كلاسيكية وتتكلم بلغة صعبة وتتحرك ضمن حضارة الكتاب ومجتمع المطالعة وثقافة القراءة.فما المطلوب لكي تستعيد الفلسفة جمهورها؟ وبعبارة الأخرى ماذا عليها أن تفعل لكي تصنع جمهورا؟
حاول البعض تعويض العبارة الفلسفية بالعبارة الشعرية واستخدم الأسلوب الرمزي بدل الأسلوب المنطقي وضمن البعض الآخر أفكاره الفلسفية في الرواية والقصة والمسرحية والعمل السردي والمدونة التاريخية. وطالبت مجموعة أخرى باعتماد الليونة البيداغوجية وتبسيط النظريات المعقدة واختزال المبادئ الأساسية وتوضيح المقدمات وتلخيص النتائج واختصار الوسائط والاكتفاء بعدد من الجذاذات والتفاسير والشروح والنبذة والملخصات والابتعاد عن الرطانة في الأسلوب وعن التجريد في الكلام وعن الإطالة في التحليل والبقاء في الظاهر والسطحي والبسيط وعدم منازلة الشائك والمركب والمجهول وعدم النزول إلى العمق. لا أحد إلى الآن مارس الإبداع الفلسفي على أصوله واستقطب جمهوره عن طريق الإقناع وبالاعتماد على متانة النص ورجاحة الأسلوب وسداد الموقف وعن طريق الالتزام المبدئي ومحبة الحكمة وإيثار الحق والنضال العلمي من أجل إصلاح المجتمع والتمسك بالقيم الكونية في كل الوضعيات ومواجهة تفاهة الشر. في الواقع ليس من اللائق وضع حواجز بين الفلسفة والناس وليس من المحترم استجداء الوسائط بغية العبور بالأفكار الفلسفية نحو الشعب ولا يجب التعويل على الشاشة لتمكين المواطنين من متابعة الدرس الفلسفي وإنما يفترض من الفيلسوف أن ينزل إلى الشارع ويسير على الأرض وأن يخاطب الناس ويحاور منتقديه وأن يشتغل بالفضاء العمومي وأن يخوض معاركه الوجودية ونضالاته الاجتماعية في الميدان بنفسه وأن يتحدى الجميع ويرفع صوته عاليا لكي يتمكن من التغلب على التفاهة والابتذال واللامعنى . لا يتكون الجمهور الفلسفي من محبي الحكمة فقط ومن المشتغلين بالتعليم والتدريس والتربية على المواطنة والتمدن ولا يجب على الفيلسوف أن يتنزع الإقناع من جمهور الدين والرياضة والفن والسياسة والمال وإنما يلزم عليه أن يجلب إليها الآخرين وأن يصرف نظر كل هؤلاء عن الموقف الطبيعي وعن النظرة البديهية للأمور ويجعلهم في حيرة من أمرهم ويفكروا في ما يعجبون به ويراجعوا ما يهتمون به. ولا يمكن للفلسفة أن تحظى بالتأييد في المدينة عندما تتحالف مع السلطة المستبدة وتهادن كهنة الدين وتسكت عن شعوذات الجمهور بل عندما تتصل بالناس وتطرح قضاياهم وتنقد المعارف المبتسرة والعلم والتقنية وتعالج مشاكل الواقع وتستشرف المستقبل وتغادر المألوف وتسافر إلى عوالم ممكنة غير معهودة وتبحر في ممكلة الخيال الرحبة وتجد لنفسها مسطح محايثة وتنقذ الناس من المهالك وتقيهم من المخاطر. أليس من المفروض أن تضاعف الفلسفة الاهتمام بالإنسان والمجتمع والتاريخ لكي تلتحم بالجمهور؟

كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنصراف الفلاسفة
ميشيل نجيب ( 2019 / 3 / 15 - 09:28 )
الأستاذ/ زهير الخويلدى
تحية طيبة,
الجمهور الفلسفى لم يتضاءل إهتمامه بالفلسفة ومطالعة كتاباتها وإنما من يصفون أنفسهم بالفلاسفة هم الذين دفعوا الجمهور إلى الإنصراف عن تلك الفلسفة التى ترفض وجوده ولا تؤمن به، والدليل أن المقال بدأ بتحذير جمهور القراء من متابعتك وأوردت عبارة إيرك فروم القائلة- من يمتلك الإيمان الكافي لمقاومة تيار الجمهور هو استثناء غالبا ما يضحك عليه معاصروه وما يكون موضع إعجاب بعد عدة قرون-، لأنى لو حاولت فهمها وأستيعابها كواحد من تيار الجمهور بالتأكيد سأنصرف سريعاً عن متابعة هؤلاء المتفلسفين الذين لا يعبأون بالجمهور ومشكلاته، أما لو حاولت فهمها وأستيعابها كواحد من تيار النخبة الثقافية سأتابع مقالاتك وبقية كتابات الفلاسفة.
هناك حلقة مفرغة يدور فيها فلاسفة اليوم وهى أنهم يتكلمون بعبارات وشعارات كبيرة وكأنهم يؤمنون ويهتمون بوجود الإنسان وتعريف الإنسان بذاته ومشاكله، لكن عندما يتابع الفرد القراءة الفلسفية يكتشف إبتعادها عن إنسانيته،أى أننا نحتاج فلسفة واقعية تؤمن بأنسنة الفلسفة وتؤمن بالتغيير وأن زماننا ليس زمن أرسطو أو ديكارت أو إيرك فروم!!
هل لمس تعليقى سؤال المقال؟


2 - وأين هم الكتاب الفلسفيون الحقيقيون بالفعل ؟؟؟ يسأل
سلمى سعيد ( 2019 / 3 / 15 - 11:55 )
وأين هم الكتاب الفلسفيون الحقيقيون بالفعل ؟؟؟
يسأل من يعتبر نفسه (كاتبا فلسفيا) اعتبار من يظن أن ما يكتبه (فلسفة) حقا، ككاتب هذا النص، السؤال التالي:
أين هو الجمهور الفلسفي ؟
وقارئات الفلسفة المتابعات بجد وجدية، وأن منهن بكل ما أوتيت به من وعي وإدراك، يسألن بدورهن السؤال الرديف:
وأين هم الكتاب الفلسفيون الحقيقيون بالفعل ؟؟؟
وخاصة في بلادنا العربية الجوفاء فلسفيا، لتذكير من يعتبر نفسه (كاتبا فلسفيا)، خاصة في بلادنا التي لم تنجب فيلسوفا حقيقيا ولا حتى كاتبا فلسفيا حقيقيا من أي من الجنسين منذ أكثر من ستة قرون من الزمان !!!

اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات