الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنظيم وقفات احتجاجية امام قصور الملك -- النقد الذاتي --

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2019 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


منذ مدة ليست بالبعيدة ، ثارت على سطح الاحداث ، ظاهرة جديدة لم تكن مُتعودة في نضال الجماعات ، والأحزاب ، والتنسيقيات ، وهي تنظيم وقفات امام قصور الملك ، للاحتجاج ، او للتنديد ببعض السياسات ، او لإثارة انتباه الرأي العام المحلي والوطني ، لما يجري ويحصل بالمغرب .
وبالرجوع الى تاريخ بدأ هذه الوقفات ، سنجد ان اول من وقف وراء هذا النوع من الاحتجاج الغير المُتعوّد في تاريخ الاحتجاجات بالمغرب ، كان الضباط السابق القبطان مصطفى اديب ، وذلك بسبب الظلم الذي سُلّط عليه من قبل النظام المغربي ، الذي ادخله الى السجن سنتين ونصف ، بسبب تنديده بسرقة البنزين من قبل ضباط كبار في الجيش .
ان معاناة مصطفى اديب لم تقتصر فقط على سلب حريته ، بل ستمتد حتى بعد خروجه من السجن ، وذلك للعقبات التي فرضت على محاولات إيجاد شغل له ، حيث كلما توجه الى احدى المؤسسات ، الاّ وكان يجد الأبواب مصدة ومقفولة في وجهه ، ودائما بسبب التعليمات السامية .
ان هذه الحگرة المسلطة عليه ، كمواطن يكفل له الدستور حقوقا اصبح محروما منها تعسفيا ، ولدّت في نفسه حقدا ، وكرها ، وكراهية إزاء النظام ، وبالضبط إزاء شخص الملك محمد السادس ، الذي رغم علمه بحقيقة المظالم المسلطة عليه ، فهو لم يحميه ، ولم يدافع عليه ، بل تركه عرضة لتلك المظالم ، التي يستحيل تقبلها من قبل أي شخص ، يشعر بالكبرياء ، والانفة ، وله ثقة في نفسه ، وفي مقدراته المتنوعة التي راكمها ، سواء اثناء الدراسة بمدارس الجيش ، او لمّا كان يمارس كضابط تدرج في عدة درجات ، حتى وصل الى رتبة رقيب ( قبطان ) ، او تلك التي راكمها في الساحة ، كمعارض لشخص الملك الذي حمّله مسؤولية الظلم الذي سُلط عليه . وهنا لا بد ان نشير الى علاقات اديب مع المجَمّع المدني المغربي ، كالجمعية المغربية لحقوق الانسان ، او تنظيمات اليسار ، وعلى رأسها حزب النهج الديمقراطي الذي يسيطر على الجمعية الحقوقية المذكورة .
قبل ان يرحل اديب الى فرنسا للشغل ، رحل عن طريق الزواج بمتجنسة بالجنسية الفرنسية ، الامر الذي سهل عليه الحصول على الجنسية الفرنسية ، فهو لم يلتحق بفرنسا كلاجئ سياسي ، بل التحق بطريقة عادية .
قبل ان يرحل اديب الى فرنسا ليواصل نضاله ضد شخص محمد السادس ، وليس ضد نظامه ، لأنه في كل تحركاته كان يركز فقط على الملك ، خاض نضالات مختلفة ، حقوقية و سياسية بالمغرب . وهنا كضابط سابق ، وثق علاقاته مع العسكريين الذي تعرضوا لمختلف أنواع المظالم التي سُلطت عليهم ، وكان ابرزهم العسكري المُقتدر عبدالرحيم المرنيسي الذي رفض الإهانة ، وتشبت بالكرامة ، وعزة النفس ، عندما رفض خدمة زوجة عقيد في الجيش ، وللإشارة فعبدالحريم المرنيسي اليوم طالب لجوء بفرنسا .
في هذا الاطار ، سينظمون وقفات امام مقر القيادة العليا للجيش للاحتجاج ، وللتنديد بالآذان الصماء لآهاتهم ، وكانت بحق تلك الوقفات ، نوعا فريدا في تاريخ الاشكال النضالية التي عرفها المغرب ، في تاريخ الاحتجاجات التي قامت بها كل الشرائح الاجتماعية على طول الوطن .
لكن هل سبق لأديب ، و للعسكريين المتضررين مثله ، ان نظموا وقفات امام قصر الملك بتوارگة ، على غرار الوقفات التي نظموها بالقرب من قصر " بيتْزْ " بفرنسا ؟
من خلال المراجعة ، ومن خلال تحليل كل الإمكانيات التي يُمكن انْ تكون مُتاحة لتنظيم وقفة احتجاجية امام قصر الملك بالرباط ، نجزم انه يستحيل الوصول الى هذا المبتغى ، نظرا لان الاصوار المحيطة بالقصر ، محروسة من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة ، بوليس ، قوات مساعدة ، درك ، حرس ، جيش . لذا فالولوج الى خلف الاصوار ، خاصة إذا كان مشبوها ، هو من ضروب المستحيلات ، فأحرى التجرأ على تنظيم وقفة امام أبواب القصر .
ان رد فعل البوليس سيكون من البشاعة بمكان ، زيادة على الإسراع بتقديم المسؤولين عن الوقفة ، الى المحاكم التي ستصدر في حقهم عقوبات خيالية . وهنا نتذكر ما تعرض له الأساتذة المتعاقدون ، فقط بسبب مرورهم امام اصوار توارگة مؤخرا .
لكن هل يمكن اعتبار الوقفات التي حصلت امام أبواب القيادة العليا للجيش ، والتي يفصلها طريق رئيسي عن اصوار توارگة التي يتواجد وراءها القصر ، بمثابة وقفات امام القصر ؟
الجواب طبعا يكون بالنفي ، وخاصة وإنْ نجحت الوقفة ، وفي غفلة عن عيون مختلف القوات العمومية ، ستكون سبقا قد يفتح المجال لوقفات أخرى قادمة ، ولفئات اجتماعية مختلفة ، وهو ما يجعل احتمال تحول ساحة " المشور السعيد " الى " شارع محمد الخامس " جديد . كما لا يجب ان ننسى العقوبات القاسية ، التي سينزلها القصر بالحراس الذين تغافلوا عن الحيلولة دون حصول الوقفة .
لكن ماذا عن الوقفات بالقرب من قصر الملك ب " بيتز " .
بالفعل وامام الحرية المتاحة ولو شكليا بفرنسا ، وبعد ربط شبكة اتصالات بتنظيمات حقوقية وسياسية ، سيؤسس الضابط السابق مصطفى اديب " الائتلاف للتنديد بالديكتاتورية في المغرب " .
بعد التأسيس ، سيعرف الائتلاف حركة دؤوبة على مستوى النشاط السياسي والحقوقي ، كما انظم اليه العديد من مغاربة المهجر خاصة ، سواء الذين يعارضون النظام وليس فقط شخص الملك ، او بعض طالبي اللجوء السياسي ظنّا منهم ان الانتماء الى الائتلاف ، سيسهل عليهم الحصول على حق اللجوء .
عندما تبين للسلطات الفرنسية الخطر الذي اضحى الائتلاف يشكله فوق ترابها ، خاصة وانه عروبي العقيدة ، لم تمانع من مضايقته ، باستعمال أساليب مختلفة ، تنظيمية ، إدارية ، وبوليسية ، وقد تكون السلطات البوليسية الفرنسية التي تنسق مع البوليس المغربي ، وراء انسحاب طالبي اللجوء من الائتلاف ، مقابل وعدهم بالحصول على حق اللجوء ، انْ انسحبوا من الائتلاف . كما انها لم تكن مرتاحة امام طلبات الائتلاف ، لتنظيم وقفات احتجاجية ، امام قصر الملك ب " بيتز " .
بالطبع عندما كان الائتلاف يعتمد المساطر الإدارية ، والحقوقية المعترف بها من قبل القوانين الفرنسية ، فهي وانْ لم تكن تمانع في رفض طلبات الوقوف امام القصر ، فهي كانت تتلاعب بالهامش الذي يوفره لها مجال الضبط الإداري ، بدعوى انها وحدها تملك السلطة التقديرية لتنظيم مسطرة الوقفة . هكذا سنجد أنّ البوليس الفرنسي عوض ان يسمح للمحتجين بالوقوف مباشرة امام أبواب قصر الملك ، فهو كان يبعدهم بعشرات الأمتار ( 700 متر ) ، حتى تكون الوقفة قد افرغت من مضمونها ، الذي هو الاحراج للملك ، ولسكان قرية " بيتز " الذين يستضيفون قصر الملك .
وبالرغم من الدعوات التي وجهها الائتلاف ، لعدة جمعيات وتنظيمات ، للمشاركة في الوقفات امام قصر الملك ، الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، النهج الديمقراطي ، اليسار الاشتراكي الموحد ..لخ ، فهؤلاء لم يكونوا يلبون الدعوة ، ولم يكلفوا انفسهم عناء تبرير رفض الدعوة ، فكانوا يتجاهلون الدعوة التي قد تخلق لعلاقاتهم المشبوهة مع أجهزة النظام ، مشاكل هم في غنى عنها .
الوقفة الأولى حضرها بضعة اشخاص لا تتجاوز ستة ، لكن ابرزها كان حضور اقدم لاجئ سياسي بفرنسا منذ سنة 1963 ، وهو المهندس عبدالله البارودي .
ستأتي الدعوة لتنظيم وقفات أخرى ، ومثل الوقفة الأولى فعدد الواقفين تقلص عن الستة افراد . وهنا ستؤدي هذه التطورات الى فض التنسيق بين " الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية في المغرب " ، وبين " النهج الديمقراطي " ، بل ستتطور العلاقات الى مشادات كلامية ، واتهامات ، واتهامات متبادلة بين الطرفين .
بعد وقفات " الائتلاف للتنديد بالدكتاتورية بالمغرب " ، ستأتي وقفات أخرى ، دعا اليها اشخاص قطعوا علاقاتهم بالائتلاف ، ومثل وقفات الائتلاف ، لم يتعد من حضروا الوقفة ثلاثة اشخاص ، او شخصين ، وفي وقفة أخرى حضرها عنصريون من الريف ، لم تكن تتجاوز الوقفة تسعة أعضاء .
لقد انسحب بعض من عوّلوا على انتماءهم الى الائتلاف للحصول على اللجوء ، بعد ان اقنعتهم الدوائر الفرنسية بذلك ، وهذه كانت تبحث عن اية وسيلة لإضعاف الائتلاف ، الذي كان يهدد العلاقات بين البوليس المغربي ، والبوليس الفرنسي ، عند الترخيص من قبل سلطات العمالة بالوقفة امام قصر الملك ، كما ان الائتلاف وامام كل العراقيل البوليسية الفرنسية الموضوعة امامه ، بدأ يشهد انسحابات غير معلنة ، بحيث لم يتوفر النصاب القانوني لدعوتين ، لحضور اجتماع داخلي مسطري وتنظيمي ، رغم ان المدعوين يسكنون في باريس وبالضواحي .
ومثل الضغط على طالبي اللجوء للانسحاب منه مقابل وعد بمنح اللجوء ، قد يكون هناك دور للبوليس الفرنسي ، في ارغام المنتسبين على عدم الحضور ، وقد يكون عجز الائتلاف في تدبير الأموال اللازمة للمشاركة في حفل الإنسانية وتغيبه عنها ، كافيا عن وصول الائتلاف الى وضع جعل مصطفى اديب يكره ليس فقط النظام المغربي ، بل صب كرهه حتى على النظام الفرنسي صديق النظام المغربي ، الذي وقف في وجه طموحاته ، للتأسيس لمعارضة اكثر جذرية من معارضة السبعينات بالديار الفرنسية ، وهو الامر الذي جعل منه يترك فرنسا ، ويهاجر طالبا اللجوء في أمريكا بواشنطن .
بعد مغادرة القبطان السابق في الجيش مصطفى اديب الى واشنطن طالبا اللجوء ، نتساءل . هل انتهت الى الابد مبادرات تنظيم وقفات سياسية امام قصر الملك ب " بيتز " الفرنسية ؟
ثم ما الجدوى من تنظيم وقفة بأربعة او خمسة اشخاص ، إذا كانت الوقفات السابقة لم تحظى باهتمام الاعلام الفرنسي ، باستثناء جريدة " لوباريزيان " ، وباهتمام الرأي العام الفرنسي ، وباستنكار ساكنة
" بيتز " المستفيد الأول من وجود قصر الملك بقريتهم ؟
اعتقد ان هناك فرق بين حصول وقفة سياسية او احتجاجية امام قصر الملك بفرنسا ، وامام قصره ب " تْوارگة " . ان المغزى من تنظيم وقفة ، إن نجحت امام قصر الرباط ، ستكون لها دلالات سياسية تصب في اصل الحكم لا فقط في ضفافه ، ونظرا لخطورة الحدث الذي يستهدف اصل النظام ، يبقى تنظيم وقفة امام القصر الجاثم وراء اصوار " توارگة " ، وفي ظل اختلال ميزان القوى المختل أصلا ، من ضروب المستحيلات .
ان الحالة الوحيدة التي يمكن للجمهور ، او للشعب ان يتجرأ ويعتصم ، او يقف محتجا امام قصور الملك بالمغرب ، هو ان تندلع ثورة شعبية يصبح غير متحكم فيها ، وتجعل من محاصرتها للقصر ، دعوى بتغيير الدولة ، وليس فقط النظام ، " الثورة الروسية " ، " الثورة الإيرانية " ، " الثورة الصينية " ، او ان يتحرك ضباط برجوازيون صغار وينجحوا في تغيير شكل النظام ، او تغيير شكل الدولة كما حصل في مصر ، وفي ليبيا ، والعراق ، وسورية ، والسودان ، وكما كان سيحصل لو نجح انقلاب الصخيرات في سنة 1971 ، وانقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وانقلاب الجنرال الدليمي في سنة 1982 .
ان الوصول او النجاح في تنظيم وقفات امام قصور الملك بالمغرب ، هي رسالة سياسية ، لا ولن تحيد عن التغيير الجذري للنظام ، لذا فالوصول اليها ، وفي ظل موازين القوة الحالية ، يبقى من المستحيلات ، والنظام سوف لا ، ولن يتسامح او يتهاون في السماح باحتجاجات تهدد وجوده وكيانه .
إذا كانت الوقفات امام قصور الملك بالمغرب ، إن حصلت ، تبقى ذات طابع سياسي يحيل على الثورة ، فان الوقفات التي نظمت امام قصر الملك ب " بيتز " ، تبقى وقفات تشخصن الصراع في شخص الملك لا في نظامه ، أي قد يستفاد منها ، أيْ من الوقفات ، انّها تُساءل الملك السؤال المحرج : من اين لك هذا ؟
وهنا ، هناك فرق شاسع بين تنظيم وقفات امام قصر الملك بالمغرب ، وبين تنظيم وقفات بفرنسا ، لأنه من خلال جميع الوقفات التي تم تنظيمها ب " بيتز " ، أي بما فيها الوقفات التي نظمها اشخاص انسحبوا من الائتلاف ، او لم يكونوا أعضاء فيه ، او تلك الوقفات التي نظمها عنصريو الريف ، كان التركيز فقط على شخص الملك ، وليس على نظامه ، او على الدولة العلوية ، كما انها وبخلاف اعتقاد الشعب المغربي ، كانت وقفات غريبة تدعو الى انفصال الصحراء ، وانفصال الريف ، بل وانفصال كل إقليم او جهة ، لم تعد تجد ذاتها في وحدة المغرب ، ووحدة الشعب المغربي .
لقد تم رفع رايات الجمهورية الصحراوية ، ورايات الجمهورية الريفية ، والغريب ان الوقفات لم يحضرها ما يسمى بالشعب الصحراوي ، ولم يحضرها اكثر من ستة اشخاص ممن يرفعون شعار " عاش الريف " وليس عاش المغرب .
إذن التساؤل مرة ثانية : هل بذهاب القبطان مصطفى اديب مبدع هذا الشكل النضالي الجديد ، والذي لم يكن متعودا في تاريخ النضالات التي مر منها المغرب ، وانتقاله كلاجئ بالولايات المتحدة الامريكية ، ستخمد إنْ لم نقل ، ستنتهي طلبات ، ودعوات تنظيم وقفات امام قصر الملك بفرنسا ؟
اعتقد ان المهم ليس الوقفة كوقفة ، لكن المهم هو الأثر الذي تكون الوقفة قد خلفته لذا الرأي العام الفرنسي ، من اعلام ، وأحزاب ، ومثقفين ، وطبقة سياسية ، ثم هل من تأثير لتلك الوقفات على ( الرأي العام ) المغربي الذي تجهل بالمطلق ( نخبته ) ، ان الملك محمد السادس اعترف بالجمهورية الصحراوية ؟
لنكن صريحين . فرغم ان تلك الوقفات كانت ابتكارا في وقته ، الاّ انها لم تعط ما كان مرجوا منها ، بسبب قلة الحضور الذي لا يتعدى خمسة واقفين ، وفي وقفة سابقة كان عدد الواقفين اثنين ، او في نوع الشعارات التي تم رفعها ، او بسبب تحايل البوليس الفرنسي ووزارة الداخلية بالاستناد على فزاعة السلطة التقديرية التي تعطي للبوليس ، تجاوز حتى قرارات السلطة القضائية للتحكم في الوقفة ، بما يرضي النظام المغربي ولا يغضبه .
هناك عائق آخر لعب دورا في تحجيم وعرقلة الوقفة ، واضعاف شعاعها، هو بُعد قصر الملك عن باريس ، ووجوده في منطقة الخلاء ، وهذا قد يكون خلق متاعب لبعض الافتراضيين الذين تدرعوا وتحججوا بعدم المشاركة في الوقفات ، ( كم حاجة قضيناها بتركها ) ، كما انه سهل على البوليس الفرنسي من خلال سلطات العمالة ، التحكم في الوقفة ، بما يحول دون وصول اخبارها الى الرأي العام الفرنسي . أي ان كل تحركات الائتلاف ، وتحركات غير الائتلافيين ، كانت تخضع لتحكم البوليس المتآمر مع البوليس المغربي .
إذن . ما الفائدة من تنظيم وقفة إن كانت لا تفي بالأغراض المنتظرة منها ؟
ثم انْ لم يكن من الممكن الوصول الى المبتغى ، من وقفة ستكون مُعتم عليها و محاصرة ، فما البديل ؟ هل يجب الاستمرار في انتاج نفس النتيجة ، ام يجب البحث عن اشكال نضالية أخرى ، ترقى بالفعل النضالي ، وتمكنه من التأثير الفعال ، سواء على الرأي العام الفرنسي ، او وصول اخبار الحدث الى المغرب من خلال قنوات الاتصال ، والاعلام الدولية والمحلية .
ولتبسيط التساؤل ، علينا ان نطرح السؤال عن ماهية الدولة الحاكمة في المغرب ، لان من خلال معرفة الجواب ، قد نصل الى النضال البديل عن نضال الوقفات امام قصر الملك ، ما دامت لا تفي بالمراد ، بسبب الأسباب التي اشرنا اليها أعلاه .
وقبل تحديد نوع الدولة الحاكمة ، يجب أولا معرفة نوع الإثنيات ، والقبائل التي تكون اليوم المجتمع المغربي وهي :
1 ) قبيلة العلويين التي دخلت المغرب منذ ثلاثمائة وخمسين سنة ، وهي قبيلة عربية جاءت من الشرق .
2 ) قبائل عربية تلك التي رحلت الى المغرب بعد طردها من قبل الدولة الفاطمية بمصر ، ومن قبل تونس ، وهؤلاء هم من تكلم عنهم ابن خلدون ، وهم قبائل بنو هلال وبني سليم ، وقد دخلوا كجحافل للمغرب منذ حوالي 1450 سنة .
3 ) القبائل البربرية ، وهؤلاء استوطنوا المغرب منذ آلاف السنين ، جاؤوا مباشرة بعد الإيگودة ، ويتكونون من الاثنيات التالية :
ا ) قبائل الاطلس المتوسط ، والاطلس الكبير والصغير .
ب ) قبائل الريف .
ج ) قبائل سوس .
4 ) قبائل جبالة ، وتاريخها جد قديم كقبائل الاطلس والريف ، ولهم ارتباط وامتداد مع الاطلس المتوسط ، ومع الريف .
5 ) قبائل الصحراء المتنازع عليها اليوم مع الجزائر .
إذن هذا هو المغرب ، وهذه هي القبائل التي تكونه ، والدولة التي تحكمه طبعا ، هي الدولة العلوية .
هنا ، يجب أثارت ملاحظة عن طبيعة الدولة . أي هل الدولة العلوية التي تحكم المغرب منذ ثلاثمائة وخمسين سنة ، هي من طينه نفس الدول التي يعرفها القانون الدولي ، ويعرفها القانون الدستوري والأنظمة السياسية ؟
رغم ان الدولة العلوية تمتلك عناصر تكوين الدولة، الأرض، الشعب، السيادة، الاّ انها تبقى دولة من نوع خاص ، لا علاقة له بأشكال وانماط الدول في القانون الدولي .
ان كل الدول التي مرت من المغرب ، وآخرها الدولة العلوية ، هي دول قبائل وعائلات ، وليست دول شعوب . لذا سنجد انه عندما تسقط الدولة ، تسقط العائلة ، ويستمر الشعب ، والغريب ان الدولة الجديدة التي تأتي على انقاض الدولة التي سقطت ، هي كذلك دولة قبيلة او عائلة .
من هنا وبخلاف الدول كما يعرفها القانون الدولي ، تمت تسمية الدول التي مرت بالمغرب ، بأسماء العائلات التي حكمته . هكذا سنجد الدولة السعدية ، الدولة المرينية ، الدولة الموحدية ، الدولة الوطاسية ، الدولة البرغواتية ، الدولة العلوية ... وهكذا .
وبخلاف الرقعة الأرضية لتشكل الدول ، فان جميع القبائل التي حكمت المغرب ، جاءت من الصحراء ، وسقطت بالصحراء . وما دام التاريخ يؤكد هذه الحقيقية ، فالدولة التي تحكم اليوم المغرب ، هي دولة العائلة والقبيلة العلوية .
إذن . امام هذا المعطى . ما الفائدة من التظاهر او الوقوف امام قصر الملك ب " بيتز " ، والوقفة طبعا تبقى شخصية ضد ملك ، والوقفة امام مؤسسات الدولة العلوية التي انتجت نظاما انتج ملكا ، هو جزء من النظام لا خارجه ؟
فهل المشكل هو في شخص الملك ، ام هو في النظام الذي هو نظامه ، والنظام يتغير شكلا لا جوهرا ، ام انه في الدولة التي تنتج الأنظمة التي تنتج نوع الملوك ؟
فمن خلال تحليل كل المعطيات لمختلف المعارك والنضالات، تأكدّتْ حقيقية ، هي انّ تنظيم وقفات امام قصر الملك ، لا ولن يفيد في شيء ، بسبب الأسباب التي ذكرنا سابقا .
واعتقد ان تنظيم أي وقفة امام السفارات التي تمثل الدولة العلوية ، وبمختلف العواصم الاوربية وبأمريكا ، سيكون اجدر وانجع ، واكثر عطاءا في التعريف بالقضية المختلف بشأنها .
فتنظيم وقفة امام سفارة الدولة بباريس " بتروكاديرو " حيث الرواج ، سيكون احسن من تنظيم وقفة في الخلاء ، ومُعتم عليها ومُحاصرة .
فهل المشكل هو في شخص الملك عن طريق تشخيص الصراع ، ام هو في النظام الذي انتج الملك ، ام في الدولة التي تنتج كل مرة نظام عند تغيير الملك ؟
لقد رحل مبدع الاحتجاجات امام قصر الملك ب "بيتز " ، القبطان السابق مصطفى اديب الى أمريكا ، وبذهابه لا ولن تتكرر وقفات اخريات بفرنسا ، خاصة وانها تكون باهتة ومُعتم عليها ، مما يجعل الوقوف امام السفارة ، اهم ، وانجع في ممارسة الضغط ، وتوجيه الرسائل المختلفة .
تذكير : في الولايات المتحدة الامريكية من حق أي مواطن ، جماعة ، حزب ، جمعية ، مجتمع مدني ... ان ينظموا وقفات يومية امام البيت الأبيض ، والرئيس يلوح بأيديه للواقفين ، دون أي تدخل من البوليس ، بل ان البيت الأبيض يشجع على هذه الوقفات التي هي اغنى تعبير عن النظام الديمقراطي الأمريكي .
في فرنسا يمنع على المحتجين الوقوف امام قصر الأليزيه ، لان مثل هكذا وقفات ، يذكرهم بغزوة سجن البستيل ، وكومونة باريس ، والثورة الفرنسية المجهوضة ، وبماي 1968 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا