الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر .. حلقة جديدة من الجهل والفوضى والحراك الاخواني في الشارع العربي ...!!!

زياد عبد الفتاح الاسدي

2019 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يس من السهل الالمام بحقيقة ما يحدث في الجزائر وبالخلفية الفعلية لأهداف المظاهرات الصاخبة التي ملأت شوارع العاصمة الجزائرية وأغلبية مُدنها ... ورغم أن ما يحدث في الجزائر لا يُمكن عزله بالكامل من حيث الظروف الاقتصادية والاقليمية والعالمية عن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية والشرق أوسطية بين فترة وأخرى , ورغم أن الهدف المُعلن لهذه الاحتجاجات الصاخبة كان عموماً رفض ترشح الرئيس الجزائري الطاعن في السن لولاية خامسة .. إلا أن المظاهرات لم تهدأ في الجزائر رغم إعلان الرئيس الجزائري (الذي يبدو أنه شارف على الموت) عدم ترشحه لولاية جديدة وتأجيله للانتخابات الرئاسية مع إقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط والاعلان وتشكيل ندوة وفاق وطني لتحقيق مطالب الشارع الجزائري بالاصلاحات السياسية والدستورية .
ولكن لكي نتمكن من فهم حقيقة وأبعاد ما يجري في الشارع الجزائري علينا أن نأخذ بعين الاعتبار دور الاعلام الاقليمي والغربي والقوى السياسية ولا سيما الاسلامية في تصعيد ألمظاهرات الجارية مع إمكانية وجود بعض التدخلات الخارجية التي تتم علناً أو من وراء الستار ... ولكن الاهم من ذلك بالتأكيد ومن أجل فهم أعمق وشمولي لما يحدث في الجزائر علينا أن نستطلع مًختلف فصائل المعارضة السياسية التي تتمايز في آيديولوجياتها وأهدافها وتوجهاتها السياسية وولاءاتها وانقساماتها, على الرغم من وحدة مطالبها الحالية ليس فقط في رفض ترشح الرئيس الحالي لولاية خامسة, بل أيضاً في رفض النظام السياسي الجزائري برمته بقيادة جبهة التحرير الجزائرية وحلفائها من التجمع الوطني الديمقراطي , على الرغم من عدم وجود البديل السياسي الفعلي والوطني المُؤهل لقيادة البلاد ... وهذا يشمل عموماُ أغلبية إن لم يكن جميع أحزاب المعارضة السياسية المُشتتة والمُنقسمة على نفسها والمُتفقة فقط على تحريض الشارع الجزائري وملئ الشوارع بمظاهرات صاخبة يغلب عليها ( دون تعميم ) طابع الشباب الصغار الذين يقفزون ويمرحون في الشوارع وهم يجهلون الى أين يقود حراكهم وماهية التغيير المطلوب (عدا عن رفض ترشح الرئيس بوتفليقة) , وطبيعة القوى السياسية التي تُحرض الشارع الجزائري , وماهية أهدافها وبرنامجها السياسي والاصلاحي للمرحلة المُقبلة .. هذا إذا كان لديها بالفعل برنامج سياسي وإصلاحي واقعي.. كما يجهل هؤاء المتظاهرون طبيعة الصراع والخلافات الانتهازية حتى بين الاحزاب السياسية المُعارضة التي تنتمي لاتجاهات آيديولوجية مُتماثلة .. وتحديداً أحزاب الاسلام السياسي ذات التوجه الاخواني.
وهنا لا بد لفهم شمولي أعمق للمسألة الجزائرية أن نلقي الضوء على مجمل الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والعرقية والتاريخية المُؤثرة في الداخل الجزائري بشكلٍ عام وليس بالضرورة تأثيرها في الحراك الحالي الذي يشهده الشارع الجزائري ... ويُمكن استعراض هذه الاوضاع باختصار شديد على النحو التالي :

أولاً : ينقسم المجتمع الجزائري الى بعض التمايزات العرقية بين أغلبية جزائرية تنتمي الى المكونات العربية ومجموعة من المكونات القبائلية والامازيغية المختلفة التي يجمعها مع المكون العربي التعايش التاريخي لمائات السنين والروابط الدينية والاجتماعية الوثيقة التي لا يُمكن تجاهلها .. كما يجمعها من جهة أخرى تضحياتها الوطنية والنضالية الكبرى في ثورة التحرير الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية التي وحدت المجتمع الجزائري في حرب الاستقلال وتمكنت بمساعدة النظام القومي العربي بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من إنتزاع الاستقلال من الاستعمار الاجرامي الفرنسي الذي نهب ثروات الجزائر بلا حساب لما يزيد عن مئة عام , وتسبب بقتل وسفك دماء الجزائريين بلا رحمة , مما أدى الى استشهاد ما يزيد عن المليون وربما مليون ونصف المليون شهيد .

ثانياً : تتشكل مُختلف المكونات البربرية والامازيغية في الجزائر من مجموعات من المكونات العرقية التي تتحدث بلغات مُتقاربة ومنها القبايلية والمُزابية والشاوية والطارقية والشلحية والريفية ..الخ ... لُتصبح في مجموعها موحدة تحت مايُسمى باللغة الامازيغية التي أصبحت لغة وطنية مُعترف بها دستورياً في الجزائر عام 2001 .. كما أصبحت الى جانب اللغة العربية " لغة رسمية " معترف بها من قبل حزب جبهة التحرير والسلطات الجزائرية عام 2016 رغم إعتراض العديد من المُتطرفين أو المُتعصبين للغة والقومية العربية في الجزائروالمغرب العربي .. مع العلم أن اللغة الامازيغية تعود في أصولها كما يُعتقد الى اللغات السامية التي تنتمي اليها اللغة العربية ... ومن الواضح أن التفاعل اللغوي بين العربية والامازيغية قد بدأ مع الفتح العربي الاسلامي لشمال أفريقيا حيث تحول مع الزمن بعض الامازيغ الى عرب .. فيما تحول حتى بعض العرب الى أمازيغ .. وهنا لعب التعايش التاريخي والتداخل الديني والاجتماعي لمئات السنين بين العرب والامازيغ دوراً كبيراً في هذا التفاعل والتداخل اللغوي والثقافي والاجتماعي .. والذي تعمق منذ ما يزيد عن قرن بالتلاحم النضالي والكفاحي ضد المُستعمر الفرنسي خلال سنوات حرب التحرير الجزائرية.

ثالثاً : لعب المُستعمر الفرنسي وبعض عملائه في الداخل الجزائري والعديد من المُتعصبين في الجانبين العربي والامازيغي دوراُ لا يُستهان به في تعميق وتضخيم التعصب والتمايزات العرقية والثقافية ... كما حاولت بعض الجهات الاعلامية في الغرب والمنطقة العربية اللعب على وتر الانقسام وتوسيع فجوة الخلافات العرقية والثقافية والتضخيم الوهمي للتمايز الثقافي والقومي بين العروبة والامازيغية .. وذلك لاضعاف المجتمع الجزائري والعبث بوحدته وأمنه القومي .
رابعاً : تُشكل الاحزاب الاسلامية ذات التوجه الاخواني والمُرتبطة بجهات عربية وأقليمية وربما دولية كتلة رئيسية كبيرة من المعارضة الجزائرية ... ويأتي في مُقدمة هذه الاحزاب حركة مُجتمع السلم التي يقودها عبد الرزاق مقري وحركة النهضة بقيادة محمد ذويبي وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبدلله جاب الله .. إضافة الى جبهة الانقاذ الاسلامية المحظورة التي يرأسها علي بلحاج ( ويقبع مُؤسسها عباس مدني في قطر) والتي لم تزل محظورة على هامش ألاحداث الارهابية الدموية والحرب الاهلية التي عصفت بالجزائر في تسعينات القرن الماضي وراح ضحيتها ما يزيد عن 100 ألف قتيل .... لذا فمن المعروف أن الاحزاب الاسلامية ذات التوجه الاخواني تُسيطر على قياداتها عقلية الانتقام تجاه السلطات الجزائرية وجبهة التحرير على خلفية أحداث التسعينات في مواجهة التيار الاسلامي ... ولكنها بالمقابل منقسمة فيما بينها في الصراع والتنافس الانتهازي على الزعامة السياسية , مما ساهم في تراجع نفوذها وتأثيرها في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها الجزائر عامي 2012 و2017 لصالح جبهة التحرير وحلفائها من التجمع الوطني الديمقراطي... ولكن مع ذلك ساهمت الاحزاب الاسلامية وبكل ثقلها في الاحتجاجات الضخمة الاخيرة التي عمت العاصمة ومعظم المدن الجزائرية رغم قناعتها بعدم قدرتها على تقديم أي مُرشح قد يحظى في الفوز بالانتخابات الرئاسية المُقبلة ... وهذا ما جعلها تتوحد وتساهم بكل ما تملك وبعقليتها الانتقامية في تحريض الشارع الجزائري لاطول مُدة ممكنة وبمختلف الحجج على أمل إحراج وإضعاف جبهة التحرير الجزائرية وحلفائها من التجمع الوطني الديمقراطي الذين يتمتعون بالاغلبية البرلمانية في البرلمان الجزائري .

خامساً : شارك اليسار الجزائري في الاحتجاجات والمظاهرات الضخمة التي شهدتها الجزائر رغم ما يُعانيه من الضعف والانحسار وغياب التجديد الفكري والتراجع في رصيده الشعبي والذي ظهر في تضاؤل حصته من المقاعد في الانتخابات البرلمانية لعامي 2012 و 2017... ومن أهم أحزاب اليسار في الجزائر هنالك حزب العمال الاشتراكي الذي ترأسه لويزة حنون وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية وهي حركة مزقتها الصراعات الداخلية الطويلة حول الزعامة بعدما إنبثقت من تفكك الجزب الشيوعي الجزائري في التسعينات بعدما تأسيس العديد من الأحزاب اليسارية الاشتراكية والشيوعية والتروتسكية عند السماح بالتعددية الحزبية في الدستور الجزائري عام 1989 .... إلا أنه مع إنهيار الاتحادالسوفيتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية بدأت هذه الاحزاب تواجه الضعف والانحسار والاختفاء من الشارع الجزائري خلال فترة التسعينات. ولكن رغم ضعف اليسار في الشارع الجزائري .. ومع ذلك فقد قدم اليسار مُرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية التي كانت مُقررة في شهر نيسان ابريل .. وهما لويزة حنون عن حزب العمال الاشتراكي وفتحي غراس عن الحركة الديمقراطية الاجتماعية .

سادساً : ليس من المُؤكد وجود تدخل خارجي في تحريك الشارع الجزائري لقلب نظام الحكم رغم بعض التكهنات عن وجود صراع وتدخل فرنسي وأمريكي في أحداث الجزائر ... ولكن من المُؤكد بأن فرنسا لا تُريد أي إنقلاب في موازين القوى الداخلية قد تُربك مصالحها الاقتصادية والسياسية في الجزائر رغم عدم أكتراثها لحدوث فوضى في الشارع الجزائري ضد جبهة التحرير طالما لا يُؤدي ذلك الى إسقاطها نفوذها في المشهد السياسي ... ولكن ليس من المستبعد وجود تدخل أمريكي غير مُباشر لصالح الاحزاب الاسلامية الاخوانية كحركة مؤتمر السلم وجبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة .. وقد تناقلت الانباء عن تدخل الناشط والمُنظر الصهيوني الفرنسي برنارد ليفي الذي ولد بالجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي في تحريض الشارع الجزائري ضد الرئيس بوتفليقة بدوافع أمريكية وصهيونية .. حيث دعا الى إسقاط نظام .. ولكن لا توجد الى الآن دلائل واضحة على تدخل سياسي أمريكي رسمي مُباشر في أحداث الجزائر .
سابعاً : يُعاني الاقتصاد الجزائري من صعوبات لا يُستهان بها رغم عدم لجوء الدولة الى الديون الخارجية وصندوق النقد الدولي .. وهذه الصعوبات تشمل تراجع معدلات النمو الاقتصادي الضرورية لمواكبة النمو السكاني المُتزايد في الجزائر مع اتفاع الدين العام الذي وصل الى ما يقرب من % 10 من الناتج القومي .. ورافق ذلك أيضاً زيادة العجز في الميزان التجاري وانخفاض رصيد الخزينة من النقد الاجنبي مع تدهور سعر الدينار الجزائري وانخفاض القيمة الشرائية للعملة الجزائرية .. وهذا ما قاد بالنتيجة الى زيادة التضخم مع إستدانة الحكومة من الخزينة المركزية التي تقوم بدورها بطبع الاموال التي وصلت قيمتها مُؤخراً الى ما يُعادل 50 مليار دولار دون وجود ما يُوازيها من زيادة في الناتج القومي .... وهنا تتمحور غالبية أسباب الازمة الاقتصادية الخانقة التي تُعاني منها الجزائر الى انخفاض أسعار النفط في السنوات الاخيرة باعتباره المصدر الرئيسي للدخل القومي الجزائري ... لذا لجأت الحكومة الجزائرية مُؤخراً من أجل خفض الانفاق العام الى بعض السياسات التقشفية التي فرضتها في ميزانياتها السنوية .. وظهرت هذه السياسة التقشفية بوضوح منذ عام 2018 مع استمرارها لعام 2019 وإمكانية زيادة سياسة التقشف في الاعموم المُقبلة ... ورغم استمرار الحكومة الجزائرية بدعم المواد الغذائية الاساسية وفي مُقدمتها سعر الخبز ... إلا أنها قامت مُؤخراً بزيادة أسعار الوقود .. وهذا ما أدى بدوره الى زيادة أسعار التنقل وكلفة المواصلات والعديد من السلع الاستهلاكية التي تتأثر بأسعار الوقود ... لتزيد مجمل هذه العوامل من نقمة المُواطن الجزائري ومن ثم سهولة لجوئه الى الشارع في ظل التحريض السياسي القائم ضد النظام الجزائري .

أخيراً نستطيع من بعض ما تقدم أن نسنتنج لماذا تمكنت المعارضة السياسية الانتهازية في الجزائر بمختلف أطيافها ولاسيما أحزاب الاسلام السياسي الاخواني من سهولة تحريض الشارع الجزائري ضد النظام دون أن تملك القدرة والخبرة والارادة والنزاهة وحتى الامانة الوطنية على قيادة البلاد ... وهنا يتمثل أمامنا بوضوح تاريخ وسلوك حركة النهضة الاخوانية التونسية التي أرسلت آلاف " المجاهدين " لتدمير سوريا وعبثت بالامن القومي التونسي ومنعت تحريم التطبيع مع العدو الصهيوني في البرلمان التونسية ومارست بجهازها السري الاغتيلات لاهم الرموز الوطنية والتقدمية في تونس ...... اليست حركة النهضة اتونسية هي الحزب الاسلامي الاقرب بكل تأكيد من سلوك الاحزاب الاسلامية والاخوانية في الجزائر ... وهنا وبالرغم من الاخطاء العديدة للقيادة الجزائرية وحزب جبهة التحرير في قيادة البلاد والتي كان آخرها وأسوأها إقناع الرئيس بوتفليقة المريض والذي شارف تقريبأ على الموت بالترشح لولاية جديدة .... بالرغم من ذلك يبقى النظام الجزائري الحالي بقيادة جبهة التحرير وحلفائها من التجمع الوطني الديمقراطي هم الاقدر على قيادة الجزائر نحو الاصلاحات السياسية والاقتصادية والدستورية والاجدر بالحفاظ على الامن القومي الجزائري والالتزام بالقضايا الوطنية والقومية والتقدمية في العالم العربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا