الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتراب من العلوم الانسانية

احمد شحيمط
كاتب في مجالات عدة كالفلسفة والاداب وعلم الاجتماع

(Ahmed Chhimat)

2019 / 3 / 17
الادب والفن


ظهرت ملامح العلوم الإنسانية في القرن التاسع عشر بأوروبا تحت دافع دراسة الآخر بمرآة الثقافة الغربية وهيمنة النزعة الموضوعية السائدة في العلوم الطبيعية. وتحت دافع مخلفات الثورة الفرنسية والصناعية في الغرب . وبناء علم إنساني يعيد النظر في الظاهرة الإنسانية وتحويل مسار الفكر من الذات للموضوع . ووفق مرامي العلم الطبيعي في الابتعاد عن التحيز وهيمنة الذاتية. فقد تمكنت العلوم الطبيعية من إرساء نموذجها في الدراسة والبحث وإرغام الباحث في الفصل بين الذات العارفة وموضوع المعرفة .في سياق العلمية قامت العلوم الإنسانية من دوافع ايديولوجية في نقل المعرفة والتجارب نحو الآخر خصوصا في الدراسات الاثنولوجية للتعرف على معالم المجتمعات الأخرى في آسيا وإفريقيا وتمكين الغرب من الخرائط الفكرية والذهنية .في ثقافة الآخر ينعكس الغرب بالأنوار والعقلانية وما في الفلسفية الليبرالية من أنماط معقولة في التسيير والتدبير .في قيام علم الاجتماع والحاجة في فهم الظواهر الاجتماعية الجديدة نتيجة مخلفات الثورات ورغبة العلماء في حركية المجتمعات في بعدها الدينامي والستاتيكي وتحليل علاقة الفرد بالمجتمع من سيادة القيم الفردانية والقيم الجماعية .
من الرواد الأوائل هناك المؤسسين ومنهم اوغست كونت (1798-1857) في تسمية العلم بالسوسيولوجيا ودراسة الظواهر بالملاحظة والوصف والتحليل والمقارنة . آليات علمية في استخلاص النتائج وتحليل مراحل تطور الفكر البشري . فالعلم مرتب ضمن حقول علمية . وضمن قوة العلم في الربط بين الأسباب النتائج في حتمية الظواهر . فالعقل البشري ومسار التطور التاريخي عرف تدرجا من مرحلة التفكير الخيالي والأسطوري إلى المرحلة الميتافيزيقية وأخيرا التفكير العقلي والعلمي الذي يستند على التجارب وسلطة العقل وتحليل الظواهر بمحددات اجتماعية . أما في تعريف للظاهر الاجتماعية وخصائصها ومنطق العلم في قواعده ودراسات ظواهر في قلب المجتمع فكانت واضحة المعالم مع الفرنسي إميل دوركايم الذي وضع خصائص للظاهرة الاجتماعية . وكيفية دراستها كشئ خارج سياق الذات ومعزولة قصد إنتاج حقائق مفيدة في فهم أسباب التطور بطرق موضوعية تسلك منطق الحياد والابتعاد عن الإحكام المسبقة والعفوية . تلك الأحكام لا تؤدي للفهم العلمي والموضوعي . والمجتمع في سلطته يقدم نفسه بلغة الإكراه والقهر والإلزام .ولذلك قدم دوركايم دراسات قيمة عن الانتحار وتقسيم العمل الاجتماعي بين المجتمع العضوي والآلي الميكانيكي .وإسهامات في علم الاجتماع الديني . ولذلك يعتبر دوركايم مؤسس علم الاجتماع.أما سوسيولوجيا ماكس فيبر فهي غنية بدراسة الفعل الاجتماعي وأنماط الفعل والسلوك وطرق في التصنيف للمواقف ووضعية الفاعل وما يتعلق بالنموذج المثالي في دراسة السلطة والدولة والأفعال العقلانية وقوة القيم البروتستانتية في تطور الرأسمالية والحياة السياسية والاقتصادية في المجتمع .وفي الربط المتين بين الاقتصاد والمجتمع والقيم العقلانية التي تعتبر وليدة الإصلاح الديني . معالم كبرى من سوسيولوجيا الفهم والفعل التي لازالت مستمرة أكثر في أنماط علم الاجتماع المعاصر خصوصا في الولايات المتحدة في النظرية الوظيفية وفي التفاعلية الرمزية . وبخصوص علم النفس فالأمر كذلك يدعو إلى دراسة الفرد كجزء خارج سياق الجماعة في العودة للبعد النفسي وما يحمله الفرد في أعماقه من ترسبات وسلوك ومظاهر قابلة للفهم والتشخيص. ومظاهر خفية تشير لوجود العقل الباطن أو يسمى باللاشعور .محددات السلوك الظاهر وتتبع الفرد في سلوكه ومظاهره القابلة للرصد والملاحظة من قبل المدرسة السلوكية . في قياس السلوك وعلاقة المثير بالاستجابة وردود الأفعال. صعوبة قياس الحياة النفسية في حمولة الإنسان المحدد بالشعور بالنفاد للعمق بالمنهج الاستبطاني .وفي مدرسة التحليل النفسي تحليل تجليات اللاشعور في دراسة للأحلام وفلتات اللسان وزلات القلم والنسيان. والعدة للمكبوت النفسي وماضي الطفولة الخاصة بالراشد. خبرة المحلل الطبيب النمساوي فرويد من التجارب العيادية والخبرة الطبية في ميدان علم النفي الإكلينيكي. في القول بفرضية اللاشعور التي أصبحت علمية ومادية من شواهد الدراسات الميدانية. في معالجة المريض يهتدي المحلل فرويد لاستعمال آليات وتجريب وسائل كالتنويم المغناطيسي وجلسات الإنصات في إطار التداعي الحر والبحث عن نقطة في بناء فكرة صارمة للعلاج والدعوة للتناسب بين مكونات الإنسان (الهو – الأنا – الأنا الأعلى ). وقياس درجة التكيف والتلاؤم مع العالم الخارجي في قوة الأنا عند مقامة الدوافع والرغبات المتسربة إليه من عالم القيم والمثل ومن الغريزة والشهوة . قوة الأنا مميزة في التوازن النفسي والجنسي عند الإنسان لذلك يعتبر فرويد أن الميولات الغريزية اللاشعورية أقوى من الميولات العقلية . وفي تشخيص للشخصية الإنسانية هناك غريزتين : غريزة الموت والتدمير وغريزة الحياة أي التقابل بين الايروس Eros والتوناطوس Thanatos . ميولات الإنسان نحو التدمير قوية . في سياق القوة تبقى الحرب العالمية الأولى نموذجا للتدمير للحضارة والعواطف النبيلة .
وإذا كان الأمر في مدرسة التحليل النفسي فالمدارس الأخرى كالشعورية والمدرسة الجشطالتية وكل النظريات المعاصرة في ميلها للجمع بين الجانب النفسي والعصبي والبيولوجي تجعل من علم النفس اقرب أكثر للعلوم الطبيعية. وأخيرا في علم الانثروبولوجيا هناك دراسات مكثفة للشعوب الأخرى. محاولات للتغلغل في المجتمع البدائي والمجتمعات المدنية المعاصرة .وتنوع المدارس يفيد أن العلم قدم دراسات ميدانية عن الثقافة في طموح بناء نظرية خاصة بالثقافات الإنسانية. طموح نحو الموضوعية والحياد وعملية الفصل بين الذات والموضوع . ومن قناعة التعرف عل الآخر كثقافة. وليس العلم بريئا ومحايدا بل سقطت بعض الأقلام الانثروبولوجية في نزعة مركزية استئصالية تدعو لإزاحة المجتمعات البداية من الوجود واعتبارها من بقايا التاريخ . وعتها بأوصاف كالمتوحش والمتخلف . كائنات بدون منطق. بقايا التاريخ ...
فالمجتمعات البدائية البسيطة في انغماس أهلها في الطبيعة ورفض الثقافة الغربية .يسري هذا الأمر في الانثروبولوجيا التطورية .وفي دوافع الانثروبولوجيا الوظيفية الميالة للدراسة في قلب المجتمعات الأخرى في مد المستعمر بمكامن القوة والضعف عن الثقافات الأخرى .وما يسمى بالانثروبولوجيا الكولونيالية . كانت الرغبة في السيطرة على الآخر مدخلها الفهم والمعرفة وتزويد المستعمر بالمستندات عن العقليات وذهنيات الآخر. أما في أبحاث الانثروبولوجيا البنيوية الخاصة بالعالم كلود ليفي ستراوس فهناك إعادة الاعتبار للمجتمعات من خلال نقد النزعة المركزية الغربية ونقد العرق والتمركز على التاريخ والحضارة في اعتبار الإنسانية واحدة . وجدارة العيش في تناغم مع الثقافة المكونة من بنيات وانساق مركبة ومتفاعلة العناصر والمكونات دون العودة في تحليل المجتمعات للتاريخ ونفي الفكرة القائلة أن المجتمعات البدائية بدون تاريخ . لاشئ خارج البنية . والسكون والتطور وتفاعل عناصر البنية مفاهيم للفهم دون الأخذ بالتاريخ ومفاهيم كالتخلف والتطور باعتبارها مفاهيم ايديولوجية وليست علمية . فالعالم ستراوس يفند نتائج الأبحاث السابقة أو على الأقل يناقشها ويرفض بعضها وينغمس في قلب المجتمعات البدائية ويحاول تقديم الرؤى من خلال عملية الفصل بين الذات والموضوع . فكان بحق عالم منصف للشعوب والثقافات في تنوعها وتعددها . في استلهامه للسانيات الحديثة اقترب من المجتمعات البدائية في طموح نحو فهم بنية العقل البشري ودلالة الأساطير وقيمة الرموز والتبادل للقيم المادية واللامادية .
ظلت العلوم الإنسانية تنشد المعرفة من تحويل الثقافة المتمركزة على الذات إلى الآخر والقيام بدراسات للظواهر الإنسانية المعقدة لكنها ساهمت في تصويب النقد من قبيل الفلسفة وفروع أخرى في العلم ذاته في تشيئء الإنسان والقول بتفرد الإنسان كذات موضوع وصعوبة إسقاط المنهج التجريبي .أو القول بتعبير الفيلسوف ميشيل فوكو أن العلوم الإنسانية ليست علمية بل هي وليدة ظرفية تاريخية . لا بد أن تترك المجال لمعرفة أخرى تعيد النظر في الإنسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته