الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاموفوبيا

محمد باليزيد

2019 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


رحم الله الشهداء وتعازينا لذويهم ولكل المسلمين، عفوا لكل إنسان على وجه الأرض ليس بقلبه حبة خردل من كراهية الآخر.
غداة مذبحة نيوزيلاندا هاتف وزير الخارجية الإيراني نظيره التركي قصد التنسيق لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي و طالب ب"تحرك عاجل". الحدث بالطبع كبير ولا يجب أن يمر دون أخذ دروس والاستعداد لما بعده. لكن الأسئلة التي يجب استحضارها كي لا تكون الهبة، بفتح الهاء، مجرد ضجة تُستغل لتمرير مواقف وإخفاء أخرى، الأسئلة كثيرة.
- ماذا يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي أن تفعل بهذا الصدد؟
- ألا يوجد لدى هذه المنظمة أولويات قبل هذا ولكن عجزها يقف حاجزا أمام كل فعل؟
- هل طالبت الدول الإسلامية بتحرك عاجل حين وقعت مذابح في الاتجاه المعاكس؟
قبل البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، علينا أن نتمعن الفعل/الحدث الآني وكل حمولاته. يتميز هذا الفعل الإجرامي بوضوح الرؤية لدى فاعله وتصريحه بذلك عن وعي وإصرار والهدف من ذلك التصريح الصريح لا يجب أن نتعامى عنه، إنه الرغبة في أن يكون "مدرسة". وقد سبق ليمينيين فعلا أن نهجوا مثل هذا وإن كان ذلك نادرا. إن مجيء ترامب يجب أن يعتبر فعلا نقلة نوعية بالنسبة لخط اليمين المتطرف النازي أو ما شابهه ممن يعتبرون العرق الأبيض مهددا في ثقافته (ودينه) وحضارته وأرضه ونقاء عرقه من طرف الأعراق الأخرى. ذلك أن ما تداولته حملة ترامب الانتخابية وما يصرح به ويحاول إنجازه (الجدار أوضح مثال) لهو عين التطرف والشوفينية (أمريكا للأمريكيين). ورغم أن هذا الخطاب مهزوز منطقيا، ذلك أن الأمة الأمريكية التي تكونت أصلا بالهجرة هي آخر أمة يمكن أن ترفض الهجرة، رغم هذا فخطاب ترامب وجد له آذانا. الظرفية التاريخية إذن ظرفية مناسبة لمثل هذا الفكر. وما نجاح هذا الفكر في شخص ترامب سوى تتويجا لعمل هذا الفكر في أوربا قبل أمريكا (فالعالم ساحة واحدة).
وكي لا نبق في العموميات يجب أن نشير إلى ما نستطيع من عوامل مساعدة على انتشار هذا الفكر.
فبعد سقوط جدار برلين، لا يخف على أحد أن الرأسمالية ك"نظام اقتصادي"، وجدت نفسها طليقة الأيد تستطيع أن تجر البشرية جرا نحو ما تريد. يشهد عن هذا "الإصلاحات" التي تحاول البرجوازية فرضها على الشعوب(فرنسا مثال واضح كما تفاخر ترامب بتخليه عن برنامج الدعم الصحي الذي أقره اوباما Obama care)، هذه الإصلاحات التي تدفع بالطبقة الوسطى والطبقة العاملة نحو التفقير ولا شيء غير التفقير. وفي ظروف اليأس والتفقير يغيب العقل والتفكير وتصبح الجماهير عرضة لأن تجر وراء أي "إديولوجية" مهما كانت متخلفة. في نفس الوقت تزامن هجوم البرجوازية الاقتصادي مع تصاعد أمواج الهجرة نحو الشمال. هذه الهجرة التي جاءت هي نفسها نتيجة عوامل أهمها سياسة الدول المتقدمة التي تساند الأنظمة (الأفريقية مثلا) التي لا دور لها سوى تهجير ثروة بلدانها نحو الشمال(القصص كثيرة عن تدخل دولة أوربية ما في انقلاب عسكري في أفريقيا). المواطن الشمالي(أوروبي أو أمريكي) يرى بأم عينيه أن الرزق يضيق (شركات بلاده ترحل نحو مكان ما أو تقلص عدد العمال) وفي نفس الوقت يرى غرباء مستعدين للقيام بأي عمل وبأي ثمن. هنا وجدت الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصتها لاصطياد الجماهير ولم تبخل في استغلالها. فعلت أصوات اليمين بأن الحل لمشكل الجماهير هو طرد الأجنبي. ونسي هذا الجناح المتخلف من البرجوازية الغربية أن هذه الأخيرة، أمه، ما تزال تصيح بأن الزمن هو زمن العولمة وأن البشرية نضجت تقنيا وعقليا كي تجعل العالم فعلا قرية واحدة.
هذا فيما يتعلق بكراهية الآخر عموما، فماذا عن كراهية الإسلام والمسلمين خصوصا؟
هنا يجب فعلا أن نقر بالتميز ونحاول التعامل معه في اتجاه تقليص آثاره وليس التغاضي عنه والتباكي بعقلية "المظلومية". الهند مثلا علاقتها بالغرب أنه كان يوما ما مستعمرا لبلادها مستغلا خيراتها مذلا أبناءها ثم مر التاريخ وتحررت الهند... تجربة واحدة لم تترك كثير أثر. لكن بالنسبة لنا نحن(العرب المسلمون) جرح فوق آخر حتى صعب على أي مرهم أن يمحو الأثر.
- الفتوحات/الغزو الإسلامي، الحروب الصليبية، الاستعمار وما تلاه من حروب تحرير ، استغلال ثرواتنا(البترول) عبر دعم أنظمة قروسطية... ثم الجرح الذي ما يزال ينزف وهو إقامة الدولة الصهيونية فوق أرض فلسطين(1).
هذه الخصوصية دفعت أولا فئة منا إلى أن ترى بأن "الإسلام هو الحل". ليس هذا فقط، وإنما ضمن هذه الفئة فئات متعددة. من ير أن الإسلام يمكن أن يصل السلطة عبر الديمقراطية ... ومن ير أنه لابد من جهاد ضد كفار نفس الوطن ... ومن ير أن الجهاد يجب أن يكون عالميا كالقاعدة مثلا التي بدل أن تحارب فساد السلطة في السعودية توجهت نحو أبراج أمريكا(2). ثم العمليات الإرهابية في أوربا في هذه السنوات الأخيرة.
عقل المواطن البسيط، العربي أو الغربي، لا يلام إذن في هذه الظروف إذا رأى بأن الآخر هو العدو. القاعدة رأت بأن أمريكا هي رأس الثعبان الغربي والإرهابي الأسترالي يرى اليوم أن تركيا هي رأس الثعبان الإسلامي(فلا يضع أردوغان وقته في البحث عمن وراء عدو تركيا).
وزير الخارجية الإيراني يقترح على نظيره التركي عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لإدانة الهجوم الإرهابي. فعلا، فالدول الإسلامية، وفي حال أسوأ منها العربية التي جل أنظمتها في مرحلة التفسخ، هذه الدول حين تجتمع، على الأمور المهمة والخطرة كطغيان الدولة الصهيونية مثلا، لا تستطيع سوى أن تندد. أما في هذه الحالة، فماذا يمكن لهذه المنظمة أن تفعل حتى لو كانت منظمة ذات سمعة وهبة؟ نيوزيلاندا ليست دولة وقع فيها الكثير من العمليات الإرهابة ضد المسلمين وتسامحت مع المنفذين. وليست دولة فيها حزب يميني أو عنصري ينشر الإسلاموفوبيا والدولة تغض الطرف عنه. فما هي الدروس التي يمكن أن تعطيها منظمة التعاون الإسلامي لهذه الدولة أو المآخذات التي يمكن أن تآخذها عليها؟
"نظف بيتك قبل الكلام عن بيوت الناس". هذا هو الخطاب الذي يجب أن يواجه به ظريف وأوغلو وغيرهم من زعماء العالم الإسلامي الذين يريدون أن يوهموننا بأن ما حدث في نيوزيلاندا حدث خطير لم يسبق له مثيل. نيوزيلاندا دولة قادرة على تنظيف بيتها وتصرف رئيسة الوزراء فيه ما يكفي من الدلالة على ذلك. إن ما يدل، بالنسبة لي، على أن –هذه الدولة تستحق الاحترام هو تصريح رئيسة الوزراء تلك(بالإضافة إلى ما قامت به من مؤازرة العائلات وغيره) تصريحها بأن: "مسألة حمل السلاح يجب أن يعاد فيها النظر، ونحن قادرون على ذلك." هل يمكن مقارنة هذه الأمة بالأمة الهمجية التي لم ير رئيسها حلا، حين قتل تلميذ زملاءه، لم ير حلا أحسن من تسليح الأساتذة ليحموا المدرسة؟
نحن الذين خرج من بيننا الدواعش (3)الذين سبوا وقتلوا كل من يختلف معهم (الإيزيديين مثلا) والذين أعلنوا "الخلافة الإسلامية" التي، بعد أن تتمكن في العراق والشام، ستتوجه نحو كازاخستان وأذربيجان ثم الهند والسند، هل نحن في موقع من يستطيع أن يعطي النصيحة أوالخبرة في محاربة الإرهاب؟ إيران التي تعمل ك"رسول القرن 20" لنشر المذهب الشيعي وتتدخل في سوريا والعراق وتغير ديمغرافيتهما لصالح الشيعة، هل هذه دولة يمكن أن تحمي المسلمين من الإرهاب وميليشياتها، بتعاون مع حلف السعودية، مجدة في تخريب بلد كاليمن؟
زعماؤنا، كما زعماء الغرب، على وعي بما يحدث وإن لم يكونوا هم المحركين المباشرين لكل دمى هذا المسرح، فهم ممهدوا الأرضية لنمو كل هذه الطفيليات حتى وإن نمت بسرعة ونوعية أكبر مما كانوا يتوقعون. أما الشعوب فعليها أن تستفيق من سباتها الذي يسمح لسياسييها بأن يملؤوا "لاوعيها" بكل ما يريدون. أليس تواجد مكتب طالبان والقاعدة العسكرية الأمريكية الأهم في الشرق الأوسط تواجدهما كلاهما في قطر دليل ساطع على أن الحرب بين أمريكا وطالبان مجرد لعبة؟ فبعد الملل من هذه اللعبة، التي أزهقت الكثير من أرواح الأفغان وفرخت الكثير من الإرهاب في العالم، بعد هذا تبدأ المحادثات بين الطرفين، في قطر، ويصرح الرئيس الأمريكي أنه سيقدم خدمة للإنسانية إن هو حل مشكلة أفغانستان. وكيف ستحل هذه المشكلة؟ انسحاب الجيوش الأمريكية من أفغانستان وتقاسم السلطة بشكل ما بين طالبان والحكومة الأفغانية، الشيء الذي يقوض حلم الضابطة الأفغانية، فاطمة سادات(4)، ومثيلاتها. هذا الحلم البسيط الذي يتمثل في أن المرأة الأفغانية بإمكانها خدمة بلدها بالانضمام إلى جيشه.
على كل البشرية أن تنظر إلى ماضيها نظرة نقدية واعية معتبرة إياه "مرحلة تاريخية" المسؤول أخلاقيا عما وقع فيها من أخطاء وكذا من يستحق التكريم بما حقق فيه من أشياء جميلة هم البشر الذين عاشوه. وأننا، نحن أبناء هذا الزمن، ما علينا سوى الاعتراف بأخطاء أجدادنا والتصالح مع معاصرينا. فمثلا بالنسبة لنا نحن المسلمين علينا أن لا نستمر في وصف الطريقة التي دخل بها الإسلام جل المناطق في آسيا وأوربا بالفتح. ذلك أنه، من جهة، حتى وإن كانت النتيجة المباشرة لتلك العملية هي انتشار الإسلام، فإن هدف أغلب الأمراء العباسيين والأمويين وغيرهم من تلك العملية هو امتلاك الأراضي والبشر(5). ومن جهة أخرى فإنه علينا نحن أبناء هذا العصر، علينا أن نرفض رفضا قاطعا نشر أي دين بحد السيف. ثم أنه إذا أصررنا نحن أبناء هذا العصر، على تسمية ما فعله الأمراء العباسيون والأمويون ليس سوى فتحا، فلا فرق بيننا وبين الدواعش الذين لا يهدفون سوى لنشر الإسلام بحد السيف لو تمكنوا. الغربيون كذلك عليهم أن يعترفوا بأن ما فعله أجدادهم الأمبرياليون، حتى وإن كان من نتائجه المباشرة إدخال العالم الشرقي إلى مجال الحضارة الغربية كالتمدرس وغيره..، عليهم أن يعترفوا بأن ذلك تم بهدف استغلال تلك البلدان وأن أرواحا أزهقت وأنفُسا مرغت كرامتها في الوحل...
أجدادهم وأجدادنا عاشوا ظروفهم وعلينا نحن الاستفادة من التاريخ بعين نقدية علمية لا عاطفية أنانية متعالية أو متوهمة المجد الذي لا أساس له.

////////////////////////////////////////////////////////

1) ألتمس من جميع المثقفين العرب (والشرفاء عبر العالم المناهضين للاستعمار) عدم تسمية تلك الدولة بغير هذا الاسم: الدولة الصهيونية. لأن تسميتها بدولة إسرائيل يحمل شيئا مثل الاعتراف بها والتطبيع معها.
2) هناك أطروحة تقول بأن القاعدة لم تقم بذلك وإنما هي "مؤامرة" نسبت للقاعدة. طرحنا هنا هو أن القاعدة، ما دامت لم تصرح حينها ببراءتها من المسألة فهي في محل الفاعل حتى وإن لم تفعل.
3) قد يقول قائل أن الدواعش لم يخرجوا منا إلا بمؤامرة ناسجها حكامنا والغرب. لا أستطيع أن أكذب هذا، ولكن هذه الشعوب التي يستطيع متآمر/ساحر/زنديق أن يخرج من رحمها عفريتا كداعش، هذه الشعوب لا خير يرجى منها ما لم تستفق وتنتقد ماضيها وحاضرها.
4) الإسم مأخوذ من برنامج للقناة الفرنسية (F24).
5) قدرت تركة الزبير بن العوام بعد موته ب59.800.000 درهم وكان له ألف مملوك يؤدون له الخراج. وكان له بالمدينة 11 دارا، وله دور وجنان بالبصرة والكوفة والفسطاط والاسكندرية. وترك أيضا ألف فرس وكان يتجرأ ويأخذ عطاءه. ومعروف أنه كان من العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة "أهل الشورى". محمد عابد الجابري العقل، السياسي العربي ص185.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال للكاتب
صباح ابراهيم ( 2019 / 3 / 19 - 16:39 )
عدد المسلمين الذين اعدمهم نظام الملالي الشيعي في ايران يفوق كل المقتولين على ايدي الارهابيين
فلماذا لا يعقد مؤتمر اسلامي لدراسته ؟

اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية