الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفّاح نيوزيلندا

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2019 / 3 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


نيوزيلندا، أبعد منطقة في الكرة الأرضية، بعيدة جدا، بعيدة حتى عن أستراليا، وهي دولة مزدهرة اقتصاديا، ومستقرة سياسيا منذ زمن، وتركيبتها الاجتماعية متطورة ومنفتحة على العالم، ومن النادر أن نسمع عنها خبرا.. ولولا بعدها لكانت المكان المفضل للاجئين والهاربين من الاضطهاد، ومن مناطق الصراع والفقر.. ومع ذلك، وصلها الإرهاب والتعصب..

في يوم الجمعة 15 آذار، وفي أثناء الصلاة في مسجد النور، في مدينة كرايست، ترجل شخص مسلح من سيارته السوبارو، واقتحم المسجد، وبدأ بإطلاق النيران من رشاشه على المصلين بشكل عشوائي، ما أدى إلى مقتل نحو خمسين مصليا على الفور، وإصابة عشرات غيرهم، دون أي مقاومة من طرف الضحايا، فهم في مسجد، أتوا للصلاة، تملؤهم مشاعر السكينة والطمأنينة، في بلد مسالم ينعم بالأمن، وليس في بالهم أن قاتلا حاقدا يتربص بهم..

اسم القاتل "برينتون تارانت"، وهذا ليس مهما، أبواه بريطانيان، يقيمان في أستراليا، وهذا أيضا ليس مهما.. المهم أن هذا القاتل كان مصمما على جريمته، وقد خطط لها جيدا، وارتكبها بدم بارد، وقد بثها على الهواء مباشرة، وكان قبل ارتكابه المذبحة قد نشر بياناً على "تويتر" يتوعد بالانتقام!
وقد سجل المجرم تفاصيل المجزرة من خلال كاميرا مثبتة على خوذة فوق رأسه، حيث بدأ التصوير من لحظة وصوله إلى المسجد، في مشهد يشبه تماما مشاهد ألعاب الفيديو التي تقوم على فكرة قتل أكبر عدد من الأعداء المفترضين.. وهذه التقنية، أي محاكاة ألعاب القتال، تعتمدها القوات الأمريكية والإسرائيلية في تدريبها الجنود على اقتحام الأماكن، حيث يتخيل الجندي أنَّ كل من هم في أرض المعركة من بشر مجرد أرقام يجب تحطيمها.. ففي اللعب لا ضير من قتل مئات الأعداء الافتراضيين، لن يلومك ضميرك على ذلك، فهم مجرد أرقام، ومع المحاكاة، وأثناء التنفيذ الحقيقي على الأرض، يتحول البشر تلقائيا إلى مجرد أرقام، لا مشكلة في التخلص منها.. وهذا ما يدعى بشيطنة العدو ونزع الإنسانية عنه، أي التعامل معه وكأنه ليس إنسانا، وعندما تتعامل مع "شيء"، أو شيطان، يصبح التخلص منه، أي قتله، مسألة في غاية البساطة؛ بل ضرورة أخلاقية..

هكذا فعل متعصبو قبائل "الهوتو" في رواندا، حينما وصفوا خصومهم من قبائل "التوتسي" بالصراصير.. من يكترث لقتل صرصور.. وبهذه الطريقة تم تنفيذ أبشع مجزرة تطهير عرقي في أفريقيا، راح ضحيتها نحو مليون إنسان خلال مائة يوم. القتلة أردوا "تطهير" البلاد من القبائل الأخرى، لتكون متجانسة إثنيا.. هكذا يتم تبرير الجريمة..

في النرويج، بينما كان حزب العمّال يستضيف مخيما للشبيبة استدعاهم من بلدان مختلفة (تموز 2011)، نفذ شخص متطرف مجزرة مروعة بحقهم، راح ضحيتها نحو 77 قتيلا ومائة جريح، القاتل مواطن نرويجي أصولي، من اليمين المسيحي، يحمل أفكارا متعصبة ضد المهاجرين، وكان يريد تطهير البلاد من لوثة ورجز المهاجرين.. أيضا، هكذا يتم تبرير الجريمة..

قبل ذلك، في آب 1969 اقتحم سائح أسترالي متصهين، يدعى "مايكل روهن" المسجد الأقصى وأضرم فيه النار، وبعد أن ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض عليه، ادعت أنه مجنون، ثم رحّلته إلى أستراليا؛ حيث ما زال يعيش هناك، وليس عليه أي أثر للجنون، سوى جنونه بالتعصب وبخرافات التاريخ. وفي شباط 1994 اقتحم مستوطن يهودي يدعى "باروخ جولدشتاين" الحرم الإبراهيمي في الخليل، وفتَحَ نيران رشاشه على المصلين وهم ساجدون في صلاة الفجر، فقتل منهم العشرات، وبعد ذلك بعدة سنوات فتَحَ مستوطن يهودي آخر نيران رشاشه بشكل عشوائي على المارين في أحد أسواق مدينة الخليل، فقتل وجرح العشرات، وعند اعتقاله برّر جريمته: بأن أباه "إبراهيم" كان قد اشترى الخليل من سكانها ببضعة شواقل قبل نحو أربعة آلاف سنة!! وطبعا لو سألنا "باروخ" - وهو طبيب عاش في أمريكا - عن دوافعه لارتكاب المذبحة، لأجاب دون تردد بأن أباه "إبراهيم" قد بنى هذا المعبد، وأوصى به خصيصا له، وعليه أن يتخلص من هؤلاء الدخلاء والغرباء الذين يتعبدون فيه بكل وقاحة!! في كل مرة نجد نفس التبرير للجريمة.. تطهير الأرض من الأعداء.. وهذه المرة أضاف المجرم مجموعة من الرسائل المشفرة، التي تطفح بصور من التاريخ الاستعماري الأوروبي، حاول السفاح تمريرها، ليكون مشهد القتل مبررا، مستندا للمقدس الديني، لذا اختار المسجد ووقت الصلاة لارتكاب المجزرة.

طبعا، لنزع إنسانية العدو، وشيطنته، يتوجب توصيفه بأبشع الصفات، وإلصاق كل التهم فيه.. ودائما تقف منظمات متطرفة وراء حملات التحريض على الخصوم.. ودائما تكون الكراهية والأحقاد المحرض الأول.. فطالما هناك تعصب (ديني، أو قبلي، أو تعصب لأي شيء) يكون الحقد، ويكون الإرهاب.. وتكون الجرائم والمجازر..

الإرهاب والتطرف وارتكاب المذابح والقتل جرائم بشعة، وهي ليست مقترنة بدين معين، فقد ذكرنا أمثلة (حديثة) عن الإرهاب "المسيحي"، والإرهاب "اليهودي".. وبالتأكيد ثمة أمثلة لا حصر لها عن الإرهاب "الإسلامي".. أو بعبارة أدق الإرهاب المنسوب للمسلمين.. أو الإرهاب التي تمارسه عصابات وميليشيات دينية متطرفة وتزعم أنه قتال في سبيل الله..

جريمة مسجد النور في نيوزيلندا، جريمة بشعة بكل المقاييس، ويتوجب إدانتها بكل اللغات.. كما يتوجب التعاطف مع كل ضحايا الإرهاب بصرف النظر عن أصولهم وأديانهم، أي بوصفهم بشرا.. قتلى مسجد نيوزيلاندا هم ضحايا التعصب وحملات التحريض اليميني على المهاجرين والأجانب، بشكل خاص المسلمين، ونتيجة عمليات "التنميط" التي تربط (بالتعميم) بين مجموعة سكانية معينة وبين ظاهرة ما، كما يتم ربط المسلمين بالإرهاب، ونتيجة أسطورة "الإسلام فوبيا"، التي يتم تضخيمها لأغراض سياسية وأيديولوجية، والتي للأسف تجد ما يغذيها من خلال ممارسات بعض الجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة..

خطاب الكراهية، والتعبئة الإعلامية ضد الإسلام، وتخويف العالم من المسلمين، وصعود الفاشية في أمريكا وفي المجتمعات الأوروبية، وسيادة الأساليب الشعبوية في الإعلام، بالإضافة لتوفر الألعاب الإلكترونية التي تشجع على العنف والقتل، والسينما الأمريكية التي تعتبر القتلة أبطالا.. كل هذه عوامل إضافية قادت للمجزرة، وطالما هذه العوامل موجودة، وطالما هنالك تحريض وتطرف وتعصب، حتماً ستقع مجازر أخرى.

التعصب والكراهية هما دين الإرهاب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليتكرم الكاتب وينورنا
صباح ابراهيم ( 2019 / 3 / 19 - 16:19 )
ليتكرم الكاتب وينورنا بما قامت به عصابات بوكو حرام في نيجيريا وقتل 50 مسيحيا
يبدوا انك دارس جيد للارهابيين الغربيين و جرائمهم ونسيت تفاصيل جرائم اخوتكم في اسبانيا وبلجيكا و لندن ومانشستر و الايزديين و المسيحيين العراقيين و السوريين وفي باكستان وغيرهم
فهم كثر ولا يعدوا .
ممكن تنورنا عن تلك الجرائم وتذكر من هم منفذيها و ما هو دينه وما هو كتابهم المحرض على القتل ؟


2 - الارهاب في كل الاديان ولكن بتفاوت
muslim aziz ( 2019 / 3 / 19 - 16:41 )

Muslim Aziz
تحية للكاتب
لا شك ان الكاتب قد ادان الارهاب سواء اكان اسلاميا او مسيحيا او يهوديا.ونحن ندين الارهاب مهما كان لونه او طبيعته.
الا انه مما لاشك فيه ان هذا الارهابي المجرم في نيوزيلندا هو ارهابي مسيحي يميني متعصب وحاقد على المسلمين خاصة وليس ضد المهاجرين بشكل عام كما يصور الاعلام. فهل المهاجرون فقط في المساجد؟؟ بالطبع لا.
على كل ادانة الارهاب والوقوف ضده هو واجب انساني على كل انسان حر الضمير وطاهر السريرة.


3 - كيف استنتجت بانه ارهاب مسيحي؟
سيلوس العراقي ( 2019 / 3 / 19 - 17:00 )
هل تعتقد ان اليمين الاوربي هو مسيحي ؟
اعتقد ان الارهابي كان عنصريا ابيض
ليس هناك اليوم في الغرب من يمين مسيحي
هناك يمين اوربي ،أو غربي نعم
لكنه ليس مسيحي
انا لدي علاقة مع المنتمين الى اليسار والى اليمين في اوربا
لا يعطونك اي انطباع بانه مؤمنين أو مسيحيين
هم سياسيون او حزبيون
وآخر ما يأتي الى فكرهم التفكير بامور المسيحية
إن لم يكونوا قد تجاوزوها تماما

ان الشعوب الغربية قد أتعبها الارهاب الاسلامي ، ليس لانها شعوب مسيحية
بل انها شعوب لا تحب ان تسمع باسم اي دين
فمابالك ان كان هذا الدين هو الذي يقض منامهم وراحتهم بارهابه وجرائمه واسمه : الاسلام؟
سيكرهونه لانه يعكر عليهم امانهم وسلامتهم وحريتهم ويريد اعادة الدين الى المجتمع الذي دفعوا دماءا ليجعلونه مجتمعا حرا لا يخض لاي شريعة دينية كانت
علينا توخي الحذر في استخدام الكلمات حينما نتحدث عن الغرب (العلماني 100% ) والذي يبحث عن مصالحه المادية والعلمية والجسدية ولا يبحث عن مصالح الهية او سماوية او جنة أو فردوس بعد الموت
تحية


4 - فليخسا الخاسئون
صباح ابراهيم ( 2019 / 3 / 19 - 21:24 )
نشرت صحيفة نيوزيلندية ان القاتل الاسترالي لمصلي مسج النور في نيوزيلندا هو من الملحدين الذي لا دين له ولا يعرف من هو خالقه . فليخسأ من يقول عنه انه ارهابي مسيحي


5 - ما يسمى بالإرهاب المسيحي
عبد الغني سلامه ( 2019 / 3 / 20 - 08:25 )
الأخوة والأصدقاء
شكرا لكم على تعليقاتكم ومشاركتكم
أود التأكيد على موقفي الرافض لأي إرهاب مهما كان مصدره ومبرراته
أظن أن التعصب لأي دين هو منبع الإرهاب
الإرهاب مارسته كل الديانات ، أو مارسه أتباع الديانات جميعها
الإنسانية بما تحمله من معاني الخير والحب والجمال والتسامح هي الدين الوحيد الذي لا إرهاب فيه


6 - عبد الغني سلامة
نصير الاديب العلي ( 2019 / 3 / 20 - 13:06 )
اشيد برفضك للإرهاب وهذا أروع شيء ان يصحى الضمير الميت الاتباع المسلمين يوما وان يقولوا الحقيقة ولكن هل رفضت يا عبد الغنى سلامة ما قام اتباع نبي الإسلام الارهابي الذين لوثوا ارض الرافدين وسوريا بالقتل وسفك الدماء والتهجير سيبقى تلوثهم الى الف سنة من الزمان كما لوث اتفجار تشيرنوبل في أوكرانيا
الإسلام دين الإرهاب ومولد الإرهاب مثل محرك الكهرياء والناس واعية اليوم اكثر من أي وقت مضى على إرهاب الإسلام للقضاء عليه في مهده
يا ليت كنت قرات لك ورفضت جرائم اتباع نبي الإسلام عن المقاير الجماعية لليزيدين أطفالا ونساء وشيوخا ومرضى الذين قبرهم احفاد نبي الإسلام الإرهابي وقتل الألوف من المسيحيين وهجرهم من بيوتهم وسلبوها كغنائم لاحفاد نبي الإسلام والكلام قليل ان اقدر ان اصف الكارثة بهذه الكلمات القليلة البسيطة
ماذا أقول للكارثة التي حلت بالبشرية والإنسانية بسبب تجديد الإرهاب القديم
تحية واحترام

اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة