الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إطلالة على المدارس والنظريات المثالية والمادية حول الدين

عيسى ربضي

2019 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُعتبر الدين جزء أساسي في معتقد الانسان منذ تشكل الوعي لديه. والوعي بالضرورة تشكل كاستجابة للحياة المادية للبشر، للعمل المنتج بالذات. وقد حاول الانسان خصوصاً في مرحلة تسجيل التاريخ فهم جذور المعتقدات الدينية لكن هذه المحاولات اصبحت اكثر منهجية وتوثيقاً منذ القرن التاسع عشر حيث اصبحت محاولة قهم جذور الدين وتحليله تعبر عن معركة فكرية بين منظري الثورات البرجوازية المثاليين وبين اصحاب المنهج العلمي المادي الجدلي. وباعتبار ان الواقع الاجتماعي المتغير باستمرار يعكسه وعي ينبع من الوجود الاجتماعي ذاته، لذا فمن غير الممكن دراسة الدين الا كظاهرة اجتماعية موضوعية تنتمي من حيث المجال الى الوعي الاجتماعي وهذه الظاهرة الاجتماعية كجزء من الوعي الاجتماعي تعكس بالضرورة فكر الانسان المادي وتنطلق من بيئته بالذات، فالتصورات والمعتقدات الدينية لمجتمعات الصيد ترتبط بشكل أساسي ببيئة بحرية اما المجتمعات الصحراوية فترتبط بشكل أساسي بملامح الصحراء وحيواناتها. الآلهة في افريقيا تأخذ طابعاً افريقيا بينما في القوقاز ترتسم بملامح قوقازية وهكذا.
البحث في جذور الدين والآلهة عميق في التاريخ
انطلق فلاسفة هذه الحضارات من مكتشفاتهم الفلسفية التي كانت متبلورة في تلك الحقبة التاريخية، فقدم فيلسوف المدرسة الهيللينية كسينوفان كولوفونسكي ( القرن السادس ق. م) والاثينيين انا كساغور، و أنتيفونت ( القرن الخامس ق.م) مساهماتهم في فهم جذور الدين حيث اشاروا الى ان البشر يصنعون لأنفسهم آلهة على شاكلتهم ومثالهم. وهذا المعتقد القادم على الأقل من القرن السادس قبل الميلاد وجد امتداد له حتى اليوم وان كان بطريقة منعكسة، فالأله او الله او الرب او يهوه... هو من خلق الانسان على شاكلته بمعتقد الأديان الأكثر انتشاراً. ان فهم فلاسفة الرومان واليونان لكون الانسان يخلق الهته على شاكلته يؤكد على ان الآلهة ولدت في وعي البشر نتاج لخبراتهم وتجاربهم.
بينما اشار الفيلسوف الأثيني كريتي ( القرن الخامس ق. م) و شاركه بهذه الرؤية المؤرخ بوليبي ( القرن الثاني ق.م) للدور الاجتماعي- السياسي للدين وخلق الآلهة ، حين اشارا الى أن الناس ابتكروا الآلهة، كي يزرعوا الخوف في نفوس الأخرين ويجعلونهم يلتزمون بتنفيذ القوانين. وديموقريط – الفيلسوف المادي اليوناني من القرن الخامس- الرابع قبل الميلاد - كان اول من بيّن دور الخوف من الظواهر الطبيعية الرهيبة في تكوين الأساس للدين وطور بعده الفلاسفة اليونان الفكرة هذه من امثال الشاعر المادي لو كريتسي كار ( القرن الأول ق. م) ومن بعده بابيري ستاتسي ( القرن الأول ب. م) بينما سبقهم اليوناني ايفغيمير ( القرن الرابع ق.م) الذي رأى ان الآلهة ما هي الا بشر سابقون يفضلون الملوك ( وعُرف مذهبه بالمذهب الافغيميري) والروماني بليني الأكبر ( القرن الأول ب. م) الذي رأى بأن البشر اكسبوا الآلهة خصائصهم نتيجة ضعفهم وتعرضهم للمصائب والويلات.
هذه فقط اشارة الى ان التفكير بجذورالدين والألهة قديم جداً ورغم ان هناك العديد من الدراسات حول الفلاسفة اليونان والرومان وغيرهم حول رؤيتهم لجذور الدين والخلق الا ان الرؤية لدى الفلاسفة "العرب" قبل الاسلام يبدو انها مغيبة الى حد كبير وهذا يستدعي البحث العميق في تاريخ المنطقة العربية من بلاد الرافدين الى الشام ومصر حيث كان هنالك غنى في البحث والعلوم والفلسفة التي أسست للفكر الفلسفي العربي واشتقاق ما ارتبط منها بالبحث في جذور الدين الآلهة وهو ما يهمنا في هذه المساحة.
عصر النهضة وما قبل الثورات البرجوازية
قبل الثورات البرجوازية في اوروبا في العصور الوسطى حيث كانت الكنيسة تمارس استبداداً فكرياً يمنع تكوين أي رأي علمي - او حتى غير علمي - يخالف رؤية الكنيسة وتعاليمها. لم يبدأ الخروج عن طروحات الكنيسة وانتقاد رؤيتها – وان كان بحذر شديد – الا مع بدايات نمو القوة البرجوازية او النواة الأساسية للثورات البرجوازية. فبدأ بعض المفكرين على غرار الفيلسوف المادي الانجليزي توماس غوبز ( 1588-1679) و بينديكيت سبينوزا ( 1632-1677) يبشرون برؤى مختلفة للدين حيث رأى غوبز ان الدين يقوم على ( اختلافات ، تطلقها الدولة ) اما التلفيقات غير الصادرة عن الدولة فهي مجرد خرافات. وحاول تحديد الجذور النفسية للدين ودعاها ( بذور الدين)وكان يعتبر ان خاصية الانسان الكائنة في تطلعه للبحث عن أسباب مختلف الظواهر والخوف من القوى الخفية والقلق من المستقبل هي جزء من هذه البذور، وينتهي بالخضوع لكل الظواهر المماثلة. لكنه لم يقف اطلاقاً ضد الدين، بل على العكس اعترف به كضرورة للدولة. ف غوبز من ناحية رأى دور الدولة في تشكيل الوعي السياسي للناس – طبعاً في ذلك الوقت بتأثير الكنيسة التي كانت بشكل او اخر تشكل الدولة بأجهزتها السياسية والتعليمية والقمعية وحتى الاخلاقية – من ناحية ، ومن ناحية ثانية شكلت طروحاته امتداداً لرؤية ديموقريط سابقة الذكر. بنما اشار سبينوزا الى ان جذور الدين كامنة في عدم ثقة الانسان بقواه، وفي تقلبه الدائم بين الأمل والخوف. فالدين عنده ايضاً مرتبط بضعف الانسان وخوفه وان كان يرى به نزعة من الأمل بنفس الوقت.
مفكروا عصر النهضة الفرنسيين كانوا اكثر جرأة بنقد الدين لكنهم كرروا في ارائهم ذات الأفكار حول جوهر الدين وجذوره. فكتب رجل الدين السابق المادي جان ميليه عن الدين واعتبروه اداة يستخدمها الحكام المغرضون والكهنة لخداع الشعب. ومع ان بعض المفكرين امثال فرانسوا فولتير هاجموا المؤسسة الكنسية المسيحية الا انه اعتبر الديانة ضرورة للشعب، اي بقي في اطار ضرورة وجود الدين في الدولة- المجتمع. بول غولباخ - اعتبر اكثر الجميع استيعاباً لجوهر الدين - اكد على ارتباط الدين بالخداع الا انه كان يرى جذوره اعمق في العذاب والمآسي والخوف لدى البشر. وحدد مراحل تطور الدين كما رآها، حيث اعتبر انه بالبدء كان خوف البشر الأولين ، واعتقدوا ان الكوارث الطبيعية ما هي الا اشياء مادية ، ثم اصبحت تخضع لموجودات غير مرئية، واخيراً مع تطور تصوراتهم توصلوا الى فكرة وحدة السبب الأول، العقل الأسمى، الأله. هيلفيستي ايضاً طور افكارا مشابهة تقترن الأفكار المادية التي بها ( الخوف باعتباره جذر الدين) بالافكار المثالية ( تطور الدين خلال التأمل البسيط).
قد يكون التطور الذي حدث في دراسة جذور الدين في نهاية القرن الثامن عشر بطرح المفكران الفرنسيان، فولنية وديوبيوي ، اللذان طرحا لأول مرة نظرية متكاملة على اساس تصنيفي حول اصل وتطور الدين. واسميت لاحقاً بأسم النظرية الطبيعية naturism او السماوية Astralizm . وقد افترض الباحثان ان ضعف الانسان تجاه قوى الطبيعة الغاشمة هو الذي ولّد الدين منذ البداية – وهي تنطلق من ذات فكرة الخوف والضعف التي ترجع الى القرن السادس قبل الميلاد - . لكن ديوبيوي حاول في كتابه ( اصل جميع العبادات1794-1795) البرهنة ان جميع آلهة الأديان القديمة وحتى الأبطال الأسطوريين وابطال الملاحم ما كانوا سوى تجسيد للشمس والقمر وللظواهر السماوية الأخرى. وكتب يقول: " ان عبادة الطبيعة كانت الديانة البدائية الفطرية والعامة الشاملة سواء في العالم القديم او الجديد" وقد ارجع مثال المسيح الى عداد النماذج السماوية – الميثولوجية. فهذا كان تطور في تناول الجذور الدينية لم يكن ممكناً في عصر سيطرة المؤسسة الكنسية ولولا بداية لعب البرجوازية الدور التقدمي حينها كتشكيلة تقدمية على الاقطاع وفي مواجهة مؤسسة التشكيلة الاقطاعية الأبرز الكنيسة.
اذن فقد كان من ملامح عصر النهضة اعتبار الدين وهماً راسخاً وافتراض ان على العقل البشري النضال ضده. ومع ذلك فقد استخدمت البرجوازية الصاعدة حينها الدعوات من قبل بعض مفكري عصر النهضة الذين اشاروا لضرورة الدين للجماهير الشعبية لإرغامها على الطاعة والخضوع حيث ان البرجوازية تريد تطويع الدين لتحقيق مصالحها الطبقية في السيطرة وابقاء الدين اداة لتحقيق تفوقها الطبقي.

المدارس الأولية لدراسة الدين
المدرسة الميثولوجية
ببداية القرن التاسع عشر تشكلت مدرسة ضخمة للمرة الأولى في تاريخ العلم لدراسة الدين – المدرسة الميثولوجية متّبعة مسار فولنية وديوبيوي انما عززت اراءهما بمواد واقعية من الميثولوجيا المقارنة وعلوم لغات الشعوب الهندو-اوروبية القديمة وحاولوا برهنة ان المعتقدات الدينية القديمة نشأت من تأليه الظواهر السماوية والتي كان الانسان قد عجز عن فهمها وحاول تفسيرها من خلال تجسيدها على شاكلة انسانية او حيوانية. وقد اعتبر انصار هذه المدرسة ان ابطال القصص والأساطير والملاحم والأغاني والطقوس والعادات والتقاليد ليست سوى صدى للوعي السماوي- الميثولوجي القديم عن العالم. وقد اعتبرت المدرسة الميثولوجية خطوة للأمام في دراسة تاريخ الدين انما في جزء واحد منه، بسبب استنادها الى الوقائع العلمية التي جرى جمعها بصورة منتظمة لأول مرة . ومع ان العديد من انصارها كانوا من الباحثيين التقدميين في حينها الا ان نظرية الميثولوجيين احتوت على كثير من النواقص، فهي لم تعالج مثلا الواقع الاقتصادي الاجتماعي الطبقي للشعوب التي تم دراستها. وقد كان مفهوم الدين لديهم مبسط ووحيد الجانب اي ان الدين بالنسبة لهم كان نشاط تأملي تفكيري قام به الانسان اي انهم بمثالية اعتقدوا ان الوعي التأملي افرز الوعي الاجتماعي الانساني. واعتبروا ان الدين لم يتطور من اشكال بدائية لأكثر تعقيداً بل على العكس انه حصل انهيار تدريجي للوعي السامي العلوي Astraly القديم عن العالم بحيث ان العالم كان لديه رؤية تكاملية وحسب اعتقادهم انها كانت توحيدية وانها لأسباب مختلفة انهارت وتفككت وهذه الرؤية يبدو بها ملامح الديانات التوحيدية خصوصاً المسيحية. واحد فقط من انصار هذه النظرية ، ويلهيلم مانهاردت، عمد الى بحث تاريخ المعتقدات الدينية بعمق. فدرس ما يسمى ( الميثولوجيا البائسة) التي عبرت عن الايمان الشعبي بأرواح الطبيعة الصغيرة كأرواح الحصاد ومختلف الطقوس الزراعية، وقد وضع اسس دراسة العبادات الزراعية التي تبؤات اهمية كببيرة في تاريخ الدين .
الاتجاه الانثروبولوجي:
جاءت كرد على فشل الاتجاه الميثولوجي بتعليل وتفسير وشرح المعتقدات والاداب الشعبية المختلفة. حاول باربعينيات القرن التاسع عشر فيورباخ العثور على الأساس الانثروبولوجي( البشري) للدين في كتاب جوهر الدين وحسب فيورباخ فأن الدين هو مادة المصالح البشرية ومتطلباتها فكتب " ان الآلهة – هي تجسيد لرغبات الانسان قيد التحقيق" اي انه حسب تعبير ماركس يرد جوهر الدين الى جوهر بشري وهو يكمل بنفس المسار المادي الذي سار به من قبله العديد من المفكرين الماديين بعصر النهضة كما اسلفنا.
انطلقت المدرسة الانثروبولوجية من المقدمات نفسها التي ترى ان الطبيعة البشرية أساس للدين وقد استفاد انصار هذه المدرسة من الكم الهائل من المعلومات التي تم جمعها ودُعيت بالمدرسة الارتقائية. حاول اتباع هذه المدرسة الانثربولوجية – الارتقائية امثال ادوارد تيلور( 1832-1917) رسم صورة اوضح عن تطور الدين وقام باطلاق نظرية حازت الشهرة الأكبر بين انصار هذه المدرسة وقد سميت نظرية الروحية او السماوية Animizm ( بمعنى "الروح، حياة" من اللاتينية هي الاعتقاد بوجود الأرواح وأن أي نظام حي أو كائن أو حتى المواد الجامدة أحياناً تمتلك نوعاً من الروح مثل الحجارة، والنباتات، وكذلك في الظواهر الطبيعية مثل الرعد، وحتى بداخل المعالم جغرافية كالجبال والأنهار) حيث يشكل الايمان (بالموجودات الروحية) الحد الأدنى للدين. وهذا نشاء بسبب اهتمام الانسان البدائي برأيه للظواهر التي كان يعاني منها مثل المرض والهلوسة والحلم والغيبوبة وحتى الموت. ومن هنا تشكلت تصورات اكثر تعقيداً عن اروح الحيوانات والانسان وحتى المواد غير الحية وارواح الأموات وصولاً لعوالم ما بعد الموت. وتتحول الأنفس تدريجياً الى ارواح ومن ثم آلهة لتنتهي الى اله واحد وحيد. وهذا ما اسماه الارتقاء التدريجي من الأنيمية البدائية – أي النفس باللغة اللاتينية – ومنها تطورت حسبه كل اشكال وصيغ الدين المتنوعة.
ومرة اخرى كانت نظرية تيلور خطوة اخرى للأمام في علم دراسة الأديان وتفوقت النظرية الأنيمية على النظرية الطبيعية ومجدداً اعتبر تايلور وبقية انصار هذه المدرسة ان الدين نتج عن وعي ذاتي وتجنبوا الطابع الاجتماعي للدين وان المعتقدات الدينية نتاج نشاط الانسان العقلي ولم يأخذوا بالاعتبار جانب الارتقاء بالدين.
النظرية الأكليركية التوحيدية Parmonoteism :
في تسعينيات القرن التاسع عشر بدأت الحملات ضد النظرية الأنيمية من قبل الأكليريوس الديني الذين اعتبروا النظرية الأنيمية تعدي على المبادىء الانجيلية والكنسية، ومن قبل اتباع المناهج العلمية الذين اتهموها بضيق الأفق. قدمت الأوساط الأكليركية نظرية – التوحيد البدائي – للرد على النظرية الأنيمية ومحاولة نقضها.
ومن اشهر انصار هذا التجاه اندريه لينغ الذي كتب ( صناعة الدين) حول نماذج الآلهة السماوية في بعض اديان الشعوب ، وتبعه وتعمق اكثر الأب الكاثوليكي ويلهيلم شميدت الذي بنى المذهب التوحيدي Pramonoteism ( اصل افكار الأله في 12 جزء ) حيث سعى لاستخدام معطيات العلم لتوطيد التعاليم الانجيلية – الكنسية حول الوحي الأولي، اشبه بما يسمى الاعجاز العلمي في القرآن في الثقافة الاسلامية. حيث اعتبر ان نموذج الموجودات السماوية في معتقدات الشعوب المتخلفة ما هي الا بقايا الايمان السحيق في التاريخ في اله واحد خالق ( يعتبر ان ما حدث من تعدد الهة لاحقا كان نتاج اختلاط بالعناصر الاسطورية والسحرية. وكان شميدت يحور معطيات العلم بما يتناسب مع التعاليم الكنسية فحصل على تأييد الكنيسة وانتقاد العلماء البرجوازيين في تلك الفترة. هذه النظرية تعبر عن محاولة المؤسسة الكنسية للبقاء في صدارة التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الجديدة، محاولة لمحاربة البرجوازية الصاعدة والحفاظ على السلطة السياسية الاجتماعية وابقاء العلاقة بين القديم السائر نحو النهاية والجديد الذي يعاني مخاض الميلاد، المهمة المستحيلة.
نظريات ما قبل السماوية Preanimistizm :
نشأت هذه النظرية باواخر القرن التاسع عشر كرد على نواقص النظرية الروحية السماوية Animizm حيث رغم موافقتهم على طرح تايلور الا انهم اعتبروا ان هناك موضوعات اكثر بدائية ما قبل الأنيمية مثل الايمان بالقدرة الخارقة للأنسان نفسه كما طرح جيمس فريزر صاحب كتاب موسوعة الغصن الذهبي المعروفة، وبعضهم مثل ويلهيلم وندت الذي اعتقد ان تطور المفاهيم الدينية كانت اولاً الحيوية Animatizm ، ثم الأيمان بالأرواح العلنية ومن بعدها بمرحلة ثالثة الايمان بالنفس. انصار هذه النظرية بقوا اسيرين الاعتقاد المثالي ان الدين ما هو الا نشاط الانسان العقلي البحت.
الفرويدية :
وهو اتجاه بييولوجي طوره عالم النفس فرويد الذي ابتكر الطريقة النفسية لتشخيص وعلاج المرضى العصابيين والنفسيين وسعى لنقلها وتطبيقها على ظواهر الحياة اليومية ومن ثم على الدين والثقافة ...الخ. حاول فرويد ان يبين في كتابه الطوطم والمحرم - التابو بمحاولة اثبات ان المعتقدات الدينية تتبدى من قبل المصابين بالأمراض العصبية ويكون أساسها النوازع الشهوانية في الطفولة. هذا الطرح كان يشابه اراء داعية النظرية ما قبل الروحية حول اسبقية النزوات الغريزية على التصورات المدركة عن وعي الا ان فرويد حصر الامر في الشق الجنسي والظواهر البيولوجية المحضة بعيداً عن التغيرات التاريخية .
المدرسة الفرنسية الاجتماعية:
من اهم اعلامها اميل دوركهايم (1858-1917) وكانت اكثر جدية من سابقاتها ومعاصراتها من المدارس. هدفت المدرسة لدراسة المجتمع باعتباره مجموعة افراد انسانيين. فبحثت هذه المدرسة كافة الظواهر الاجتماعية وظواهر الوعي البشري. ودوركهايم من اول العلماء البرجوازيين الذين قالوا ان الدين ظاهرة اجتماعية ( أشكال الحياة الدينية الأولى، النظام الطوطمي في استراليا) ورفض تقبل قوانين النفس الذاتية كوسيلة لإيضاح المعتقدات الدينية. نقد دوركهايم ومدرسته المدرستين الطبيعية Naturism والروحيةAnimizm . في اصل الدين، وقدم البراهين على ان المعتقدات الدينية يمكن ان توجد في المجتمع فقط ضمن التصورات الناتجة ضمن المجموعات والتي ترتبط بالضرورة بالوعي الانساني للوسط الاجتماعي. حسب دوركهايم في الدين يبدو ان المجتمع كأنه يقوم بتأليه نفسه، واشكال المجتمع المختلفة ومراحله المختلفة تُوجد اشكال مختلفة من الدين. وهو ان اصاب بهذه الرؤية لدور المجتمع في تحديد شكل الدين الا انه رأى المجتمع كمجموعة علاقات بسيكولوجية دون ان يعير اهتماماً للأساس المادي للمجتمع وهذا ما جعله يدافع عن الدين ويروج لخلوده – أي الدين- ما دام المجتمع خالداً وما دام البشر باقيين.
المدرسة الماركسية الأنجلسية:
تعتبر النظرية الماركسية الانجليسية – نسبة الى مؤسساها كارل ماركس وفريدريك انجلس- من المدارس المادية العلمية التي غيرت كل قوانين البحث في موضوع الدين حيث اعتبرت ان الدين هو شكل من اشكال الوعي الاجتماعي وبنفس الوقت هو احد أشكال الفلسفة، وقد رأت هذه المدرسة ان اية ايديولوجية هي بالأساس انعكاس عن الوجود المادي للبشر وعن النظام الاقتصادي بالمجتمع – أي عن العمل بالذات - . وقد بين انجلس جوهر الوعي العام للدين في كتاب انتي دوهرينج حين كتب: "ان أي دين ما هو الا انعكاس وهمي لا غير لتلك القوى الخارجية في رؤوس الناس، والتي تستحوذ عليهم في حياتهم اليومية- انعكاس تأخذ فيه القوى الدنيوية شكلاً غير دنيوي" وأن الدين هو انعكاس عن العالم الواقعي - كما قال ماركس- لذا فهو يتجلى بأساس دنيوي. لذا لفهم أي صيغة دينية يجب ان ننطلق من اساسها الأرضي، يجب ان نعي اسسها المادية علاقات الانتاج وأدواته ووسائله في الحقبة التاريخية المحددة.
يرى ماركس ان الاسس الدنيوية في المعتقدات تتشوه أي التناقض والانفصال في الأساس الدنيوي هو سبب تعرضه للانعكاس المشوه المتبدي بالتصورات الدينية. وكأنه يحدث انفصاماً بين الواقع وانعكاسه ليكون الانعكاس مشوهاً لا يطابق الواقع
ولا ترى الماركسية – بطبيعة الحال – أي امكانية لوجود فلسفة او ايديولوجيا او فكر او دين ذات تاريخ مستقل خاص به فكل اشكال الوعي تشكل انعكاساً للتاريخ والمجتمع البشري أي انعكاس للحياة المادية الواقعية للبشر. وان كان لزاماً ان نكرر كل الوقت ان هذا الانعكاس ليس ميكانيكياً ف " رغم ان الدين يتغير سوية مع تغير مجمل العلاقات الانتاجية، وسوية مع الحياة الواقعية، فهو يحافظ بهذا القدر او ذاك على ما سبق وكدسه من احتياط التصورات والعقائد طيلة فترة تطوره....في رسالة انجلس الى كونراد شميدت يقول: " ان الدين كما اشكال اخرى من الوعي الاجتماعي له محتوى سبق تاريخي وجد وجرى اقتباسه عبر مرحلة تاريخية...و ما دام قد نشأ ، فأن الدين يحافظ دوماً على احتياطي معلوم من التصورات، الموروثة عن الأزمنة السابقة، ذلك انه في كافة مجالات الأيديولوجيا تتطور بالارتباط مع مجمل كافة التصورات القائمة، معرضاً اياها لاعادة صياغتها مستقبلاً." فالدين يحافظ على استقلالية نسبية بالمحصلة او كما قال ماركس انه التهاب قوى الانسان العاجزة
من مميزات المدرسة الماركسية انها قامت بالتمييز بالدين بالمجتمع ما قبل الطبقي والمجتمع الطبقي. ففي المجتمع ما قبل الطبقي كتب ماركس في مقدمة رأس المال حول التركيبة الاقتصادية في المشاعيات القديمة يقول: "ان شروط وجودها كانت تنحصر في تدني مستوى تطور قوى العمل المنتجة وما يطابقها من محدودية العلاقات بين الناس ضمن اطر تطور حياة الانتاج المادي، أي بمعنى محدودية علاقتهم بعضهم بالبعض الأخر وبالطبيعة. هذه المحدودية الواقعية تجد انعكاسها الفكري في الأديان القديمة، التي كانت تؤله الطبيعة في المعتقدات الشعبية." الرؤية المادية التي تركز على الأساس المادي للوعي ولا تكتفي بالتأملات والخيالات كأساس لتفسير الجذور للدين.
فقد كان مؤسسا الماركسية يؤكدان على الجوهر الطبقي الاستثماري للدين الذي اكدا انه يستخدم من قبل الطبقات السائدة في المجتمع كسلاح للاضطهاد الروحي، لضمان سيطرتها على الجماهير الشعبية، وهذا يتقاطع مع ما قاله بعض فلاسفة عصر النهضة من اتجاه اخر. فقد كانوا يرون ضرورة بقاء الدين لإخضاع الجماهير بينما فسر مؤسسا الماركسية هذه الضرورة للطبقة المسيطرة لتأبيد سيطرتها باستخدام الدين كأداة وكما اشار لينين ان فكرة الألوهية كانت تؤثر على الدوام في (المشاعر الاجتماعية) مبدلة الحي بالميت، ومخلدة افكار العبودية باستمرار، "وان فكرة القوة الغيبية لم تربط المرء اطلاقاً بالمجتمع، بل ادت الى الربط الدائم للطبقات المضطهدة بالايمان بألوهية المضطِهدين ( بكسر الهاء) " أي ركزت المدرسة الماركسية على الدور الإخضاعي الاضطهادي للدين كأداة في يد الطبقة المسيطرة.
ماركس وانجلس في الايديولوجية الألمانية كتبا: ان نمط الحياة المادية يشترط صيرورة الحياة الاجتماعية والفكرية بوجه عام، فليس وعي البشر هو الذي يحدد كينونتهم، انما كينونتهم الاجتماعية هي التي تحدد على العكس وعيهم
ومن هنا نرى ان المدرسة المادية الماركسية الأنجلسية تركز على العلاقات الاجتماعية في المجتمع ولا تكتفي بدراسة الفرد بعلاقته مع الطبيعة وكأنه مستقل عن العلاقات الاجتماعية في المجتمع البشري. المسألة الرئيسية بموضوع الأديان يكمن في التفسير الواقعي العلمي لجذورها باعتبارها اداة للسيطرة الروحية على المستضعفين في المجتمعات الطبقية، وهذا يجعل دراسة تاريخ الاديان جزء اساسي من مهمات البحث العلمي التي تقع على عاتق الباحثيين الماركسيين بالضرورة.

الحواشي:
الأديان في تاريخ الشعوب. ص 7
مصطلح الإحيائية أتى من كلمة animismus التي وضعت من قبل العالم الألماني إدوارد بيرنت تايلور في حوالي 1720م، للإشارة إلى ان "يتم انتاج الحياة الحيوانية من قبل روح معنوية". ال نيميزم دخل اللغة الإنجليزية في عام 1819.[6] وقد اتخذ المصطلح وقاموا بإعادة تعريفه من قبل ادوارد تايلور الأنثروبولوجي في كتابه الثقافة البدائية عام 1871، عرفه ب"نظرية الحركة العالمية للطبيعة". بفضل تعريف تايلور له، ينظر الاحيائيين إلى العالم الطبيعي على أنه على قيد الحياة. الوصف الذاتي لنفسه كان أنه "عالم عقلاني معزز"، كان يعتقد أن هذا الرأي كان "طفولي" ونموذج "التخلف المعرفي"،[7] وبالتالي إنه كان شائعة في الشعوب "البدائية" مثل أولئك الذين يعيشون في مجتمعات جامعي الصيد.
مفهوم تيلور للإحيائية استُخدم من قبل العديد من علماء الأنثروبولوجيا، مثل إميل دوركهايم، وكلود ليفي ستروس، وتيم أنجولد. ولكن بعض علماء الأنثروبولوجيا، مثل نوريت بيرت-ديفس قد انتقدوا مفهوم تايلور للإحيائية، واعتبرتوه أنه قديم.[8]
للمزيد انظر ويكبيديا

نظرة علمية على الدين والطوائف. ص 8

المراجع:
1- اعتمدت هذه المقالة بشكل أساسي على كتاب الأديان في تاريخ شعوب العالم للكاتب سيرغي توكاريف وهو مرجع غني بالمعلومات حول موضوع الدين منذ حقب ما قبل التاريخ وحتى الديانات الطبقية وما يسمى بالديانات الابراهيمية
2- https://en.wikipedia.org/wiki/Animism
3- نظرة علمية على الدين والطوائف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah