الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم العمومي في المغرب، التعاقد والمجانية

عبد المنعم الكيواني

2019 / 3 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


إهداء

إهداء إلى أولئك الذين يلتزمون الصمت والحياد أثناء اللحظات التي تشتد فيها محن المجتمع، ويكون في أمس الحاجة إلى من يأخذ بيده، وإلى موقف صريح،
إليهم أهدي هذا المقال...


ليس من عادتي ولا من طبعي الكتابة والتعليق على الظواهر والأحداث اللحظية التي يمر بها المجتمع، ولكن هذه المرة، تعتبر الكتابة مسؤولية، لأن ما يعرفه المجتمع المغربي حاليا من أزمة يتداخل فيها الاجتماعي مع الاقتصادي مع الإنساني مع التربوي مع الفلسفي، يستوجب الصراخ بأعلى صوت، وفي المقابل يعتبر الصمت في الوضع الحالي تواطؤاً.
الأمر يخص التعليم العمومي والأزمة التي خلقها تشغيل أساتذة بعقود ومسألة المجانية في التعليم، في هذا الإطار سيدور قلمنا. حيث يبدو هناك سوء فهم كبير في هذه المسألة عند الرأي العام، خصوصا أن الإعلام الرسمي لا يقدم حقيقة هذه المخططات التي تهدف الحكومة المغربية إلى أجرأتها على أرض الواقع، وذلك تدريجيا، بل إن القنوات الرسمية تعمل جاهدة لتغليط الرأي العام خدمة لمشارع أيديولوجية الدولة كيف ما كانت الغايات، ومن خلال تتبعي للفلسفة التربوية التي ينهجها المغرب منذ سنة 1956 وهو تاريخ الاستقلال وخروج المستعمر، وأيضا تاريخ تحمل الحكومات المغربية مسؤولية تسيير البلاد كاملة تقريبا، بما فيها قطاع التربية والتعليم، من خلال هذا تكونت عندنا ثقافة لا يستهان بها في فهم مسارات التعليم بالمغرب.
الأزمة الحالية بدأت في 07أكتوبر 2016 عندما اجتمعت وزارة المالية بوزارة التربية الوطنية في شخص رشيد بلمختار، من أجل إنجاز مقرر مشترك يتم التخلي بموجبه على التوظيف العادي للأساتذة، وتعويضه بتشغيل كله هشاشة يقوم على عقود تفتقد لأبسط حقوق الإنسان من بينها المساواة بين المواطين، وهو خرق سافر للمواثيق الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان التي يوقع عليها المغرب، وخرق لأعلى وثيقة قانونية بالبلاد أعني دستور المملكة 2011.
وأول سؤال تهكمي يطرحه الرأي العام، هو لماذا وقع الأساتذة على العقود ما دامت لا تضمن الكرامة الإنسانية؟ الجواب هو أن الوزارة استغلت ضعف الأساتذة، والكم الهائل من عدد حملة الشواهد العاطلين، فروجت في الإعلام أن التشغيل بعقود في التعليم إجراء استثنائي لتضليل المقبلين على المباراة، وبعد أن مرت أشهر نتفاجأ بأن التعاقد هو التشغيل الرسمي وتغييب المناصب المالية، ثم لأن طبيعة العقد إذعانية يعرفها أهل القانون، ومعناه أن بنود العقد غير قابلة للتفاوض، إما أن يقبله المدرس جملة، أو يرفضه جملة، وكلا الخيارين مرٌ، لهذا فالمدرس أرغم على توقيع عقود غير راض ولا مقتنع بمحتواها، ومن هنا يأتي اسم المدرس المفروض عليه التعاقد لانعدام الاختيار.
وإلى حدود توقيع العقود لم يكن المدرسون منتبهين لخطورة هذا الوضع الهش والحاط من الكرامة الإنسانية، بالنظر إلى ضعف الخبرة، إلا بعد ولوج المؤسسات التعليمية والأقسام، فبرز تفاوت ولامساواة بين المدرسين، فهذا وموظف عمومي يحظى بهيبة الدولة، والثاني متعاقد مع الأكاديمية، مصيره مرتبط بمزاج مدير الأكاديمية، الذي يمكنه أن يفسخ عقده بشكل أحادي وبدون إشعار أو تعوويض كما تشير إلى ذلك صراحة معظم بنود العقد ومواد النظام الأساسي المزعوم الذي تم إنجازه مؤخرا تحت ضغط الاحتجاجات، والذي لا يختلف عن العقد كثيرا، ولا قيمة كبيرة له في التعامل مع وضعية الأستاذ الذي فرض عليه التعاقد، كما يصرح رئيس الحكومة صراحة، فيقول إن النظام الأساسي لهذه الفئة قابل للتغيير في أي لحظة وحسب مزاج الوصي على هذا الأمر، ويضيف أنه ليس مرسوما ولا قانونا، كما هو مسجل في قنوات اليوتوب، فلم يناقش في البرلمان ولم ينزل في الجريدة الرسمية، أي أن النظام الأساسي للأستاذ المتعاقد مثل كناش البقال.
ما يوضح هشاشة وضعية الأستاذ الذي فرض عليه التعاقد هو طرد حالات متعددة بدون الركون إلى الضمانات الممنوحة للموظفين، والتسلسل في التأذيب، التي تبدأ بالإنذار ثم التوبيخ ثم الوقيف، ثم القهقرة من الرتبة ثم الدرجة، والمثول أمام اللجان متساوية الأعضاء، وهو ما لا نجده عند الأستاذ المتعاقد، حيث تم طرد الأستاذ أحسين بوكمان من مديرية زاكورة فقط بسبب توترات معتادة مع الإدارة، كما تم طرد أستاذ ثاني من مديرية بولمان بسبب تقرير لمفتش تربوي ينص فيه على نقص في التكوين، وهو أمر يدل على الحيف الذي تعيشه هذه الفئة، مع العلم أن المسؤولية فيه للوزارة التي أدخلت أفواجا من الأساتذة بدون تكوين في المراكز الجهوية للتربية والتكوين.
كما يعاني الأستاذ المتعاقد من ظلم في تقاعده الذي يرتبط بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الذي لا تتجاوز تعويضاته 60 في المئة كما هو مبين في المرسوم المحدث والمنظم لهذا الصندوق المعروف بالتقشف، ويجمع المياومين والمشتغلين في الضيعات والأساتذة المتعاقدين وهو مسمار آخر في نعش التعليم، عكس الموظف المرسم الذي يستفيد من الصندوق المغربي للتقاعد يحتفظ له بنفس أجرته في السنوات الأخيرة أو زيادة، كما لا توجد حركة انتقالية وطنية للمتعاقد، معناها نفي المدرس في مناطق لا تناسبه ولا يناسبها... فكيف لمدرس يعيش حالة نفسية واجتماعية غير مستقرة أن يدرس الحرية والكرامة والمواطنة، ويعمل على تنزيل الرؤية الاستراتيجية المنتهية في سنة 2030 التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين.
وما أشعل فتيل الأزمة الحالية، التي تقارب 21 يوما من إخلاء المدارس والاحتجاجات هو توقيف أجرة فوج الأساتذة 2016، بدون اعتماد المساطر القانونية والضمانات الممنوحة للموظف، كما لو أن من صاغ هذه القرارات يحمل ضغينة وحقدا لشخص المدرس، وهو ما يدل على أن التشغيل بالتعاقد إملاء على المسؤولين رغم غياب الترسانة القانونية والأهلية عند الأكاديميات للتعامل مع هذا الملف الكبير.
ونسجل أن التعاقد بهذه الطريقة مع الشغيلة التعليمية مرحلة تمهيدية تتبعها فرض مبالغ مالية على الأسر من أجل تحقيق الاستقلالية المادية للأكاديميات، كما تشير إلى ذلك المادتان 45 و48 من القانون الإطارا رقم 51.17، تقرر الدولة أن تدفع الأسر مبالغ من أجل ولوج التعليم، بلغة أخرى، وكما صرح ممثل أكاديمية الدار البيضاء في حوار على قناة تيلي مروك، حيث اعترف أن استقلالية الأكاديمية مرتبطة ببيع الخدمة للمواطنين كما في المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للسكك الحديدية، وهذا إعلان رسمي لنهاية التعليم العمومي الذي استمات فلاسفة ومفكرو الأنوار في ترسيخه، فحسب كوندرسيه يجب أن يكون التعليم عموميا، أي أن ينحدر من واجب عدالة الدولة تجاه مواطنيها، وأن يكون مفتوحا في وجه الجميع، وبسبب تعميم التعليم العمومي المجاني تصبح المساواة واقعية وليست نظرية فحسب، والتراجع عن تقديم تعليم عمومي مجاني للجميع سيؤسس للتفاوت واللامساواة باسم القانون، وبذلك مزيدا من التخلف مئات السنين عن الحضارة والتمدن الذي تنشده الفلسفة السياسية بوطننا.
ولهذه الأمور، وبإيجاز، فالتعاقد مدخل خلاق لنهاية التعليم العمومي، ولتخليص الدولة من واجبها في توفير تعليم مجاني عصري للأجيال، وهذا يفتقد للمشروعية التاريخية والإنسانية والعقلية، وبناء عليه قرر الأساتذة الذين فرض عليهم هذا النظام وعددهم يقارب سبعين ألف أستاذا وأستاذة مطالبة الوزارة الوصية وكل الأطراف المعنية بالتراجع عنه وإدماجهم في النظام الأساسي لموظفي الوزارة إسوة بباقي الأسرة التعليمية ضمانا لكرامة الشغيلة التعليمية، وتجملا بمبدإ المساواة، وحفاظا على التعليم العمومي من توحش الرأسمالية الراهنة .وكذا التصدي للمخططات اللاوطنية لوقف الزحف على المدرسة العمومية وعلى مجانية التعليم التي تعتبر الأساس الأول للمساواة بين الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار