الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -التداوي بالفلسفة-

عزيزة الأمين

2019 / 3 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


صدر كتاب "التداوي بالفلسفة" خلال هذه السنة، عن دار النشر "التنوير"، حيث يقع في 176 صفحة، وهو لمؤلفه سعيد ناشيد. وقد اختار المؤلّف هذا العنوان الدالّ، لأن الفلسفة بالنسبة إليه "خلاص دنيوي"، وهي، بتعبير الرواقيين، "صيدلية" للإنسان، يجد فيها ترياقا لعلاته...
ينطلق المؤلّف من الدوافع التي جعلته يكتب "التداوي بالفلسفة"، منها ما هو شخصي ومنها ما هو عملي، أساسها السعي إلى الحياة البسيطة كما دعا إليها الفلاسفة والمفكرون، والقائمة كما يذكر في الصفحة 11 على خمسة مُقوّمات:
- أولها عيش الحياة بأقل ما يمكن من الشقاء والألم والأوهام؛
- وثانيها حياةٌ يكون فيها متصالحا مع قَدَرِه الخاص؛
- أما الثالثة فهي حياة يكون فيها هو هو ذاته، لا كما يريده الآخرون؛
- والمقوم الرابع حياةٌ يبسُط فيها سلطانه على نفسه؛
- وأخيرا تأتي الحياة حيث تُصنع المتعة بأقل الأشياء وتُبدع السعادة بأيسر الوسائل.
فوظيفة الفلسفة إذن مساعدة من يعيش الحياة في ظروف شديدة القساوة والضراوة على تقبلها، لا عيشها على مضض.
بعد هذا التقديم، يعالج المؤلّف أوّل نقطة تتعلق بـ"الفلسفة والحضارة"، حيث أسهم الفلاسفة الأوائل في صياغة أدوات التفكير والتحليل وكذا المفاهيم الكبرى، وبالتالي بناء الحضارة بما تحتويه من فروع. كما أشار للخطاب الديني الذي له دور كبير في إتمام ذلك البناء أو هدمه، "فكلما تغيرت العلاقة بين الانسان والله لتصير علاقة حب واحترام بدل الخوف والرهبة والخنوع سيكون ذلك مفتاحا لإصلاح الأديان وإصلاح الإنسان، وبالتالي ستتحول الأديان من عامل شقاء الانسان إلى عامل سعادته" (ص. 24).
ثم انتقل إلى ما عنونه بـ"الفلسفة كأسلوب للحياة"، إذ نحتاج من يساعدنا في مواجهة صعوبات الحياة وهذا ما تقوم به الفلسفة، خاصة عندما تساعدنا في إعادة التفكير في نمط تفكيرنا، بالرغم من الاعتراضات التي ستواجه هذا الطرح من قبيل أن الفلاسفة أنفسهم عاشوا صعوبات وأمراض، فكيف لأفكارهم أن تساعدنا؟ لكن ما يغفله هذا الاعتراض أو هؤلاء اختبروا الحياة، وبالتالي هم مُعلمونا ذوي الخبرة والحنكة والأكثر إبداعا وحكمة.
يبدأ المؤلف، خلال الصفحة 33 الحديث عن "الوظيفة العلاجية للفلسفة"، فكما يوجد الطبيب الذي يُدعى بالحكيم عند بعض شعوب الشرق، وُجدت الفلسفة والمدارس الفلسفية في الغرب، مدارس كتلك التي كانت عند إبيكتيتوس (يلمّح الكاتب هنا إلى المدرسة الرواقية) لعلاج الأنفس البشرية، فالفلسفة حسب أبيقور "اكتساب صحة النفس" (ص 34) (في إشارة من المؤّلف إلى المدرسة الأبيقورية). فأن نعيش الحياة معناه أن نعيش تأويلنا للحياة، فالوقائع تُمحى وتنتفي، ولا يبقى سوى أفكارنا عنها وتأويلاتنا لها، "هذا ما قد يُسعدنا أحيانا وقد يُتعسنا أحيانا أخرى" (ص 40).
هكذا ينتقل إلى الموضوع الأكثر انتشارا هو الشعور بالملل، ويتساءل: "لماذا نشعر بالملل؟" سؤال يطرح نفسه باستمرار، طالما أن هذا الشعور ملازم لنا دائما. وما يجهله الناس أنهم يقتلون الملل بمزيد من الملل، لهذا فإن الفرد يبقى في حلقة مفرغة، وبالتالي وجب صنع ما لم يصنعه الآخرون وإبداع ما لم يُبدَع واكتشاف ما لم يُكتَشف واقتحام مناطق المجهول لإحداث تغييرٍ في مسار الحياة للوصول إلى السعادة والاعتزاز بما أنجزناه.
هذا ويُعدّ "التفكير بالجسد" والانهمام به من الضروريات التي وجب أخذها بعين الاعتبار، فلا يمكن أن يستقيم التفكير ما لم يكن هناك اكتراث بالجسد، "فحين يفرح الجسد بفرحٍ ينعكس الفرح على العطاء في الفكر" (ص 52). ويعتقد الناس في كثير من الأحيان أن هناك ضرورة للأمل، في حين أننا "قد لا نحتاج إليه" بل وجب أن نتخلص من حرقته التي لا تُسبّب إلا الحزن والمآسي، "فهناك الكثير من الأمل في غياب الأمل" (ص. 59). وهنا قد يتساءل الفرد مثلا "كيف نتعامل مع المرض؟" خاصة عندما نقول إننا نفكر بأجسادنا، "لكن المرض هو فرصة للحياة أكثر كثافة وإبداعا" كما يرى نيتشه (ص. 66). ثم يجب إدراك المرض كجزء من الحياة، وأن تقبله وطريقة التعامل معه جزء من تعلم العيش (ص 67).
أما السؤال "لماذا نفشل في الحب؟" فهو سؤال عميق يبتغي تحرير الحب وتأنيثه، يأتي إذن "الرضى بالقدر كمفهوم فلسفي والتجلي الأمثل لكل من الرضى بالذات وعن الذات". فالفلسفة "كخلاص دنيوي" تقوم على مبدأ الوعي بالذات وبالتالي ترويض الحياة بقوة النظر العقلي.
"الحكيم من يحكم نفسه"، فليس كل حكيم يحكم الآخرين، بل وجب السيطرة على الانفعالات الذاتية أوّلا والتحكم بها. وكذا الأمر حين نكون أمام "التمارين في خداع الذات"، "فالذات تُبنى انطلاقا من الذات نفسها وليس رغبة في النماذج التي تعجبنا" (صص. 100-101). وخلافا لمن يعتقد أن مرحلة الشيخوخة مرحلة النهاية والسكون، نقول "الشيخوخة فرصة للحياة، وليس للكآبة والحزن والنهايات المأساوية". أما بخصوص "الموت والأسلوب"، "فالحكيم هو الذي لا يخشى الموت ولا يطلبه أيضا، فلأنه لا يخشى الموت يعيش حياة جديرة بالحياة إلى آخر العمر" (ص. 111).
ثم يأتي الكتاب على "الوصايا العشر للفلسفة" (منها: "اعرف نفسك بنفسك"، "اجعل ذاتك تحقق نموها"، "استعمل عقلك بنفسك"، "احكُم نفسك بنفسك"، "لكي تفكر يجب أن تشك"... وصولا إلى الوصية العاشرة "لا تخف من الموت".) قبل أن ينتقل إلى "العلمانية كسلوك مدني"، تترك فيه الأديان المجال السياسي للنقاش السياسي فقط. ويتطرق في "رهانات الفلسفة" إلى "مواجهة مفتوحة ضد الوهم الذي يلازم العقل والشقاء الذي يلازم الحياة والعنف الذي يلازم الحياة المشتركة" (ص. 140).
وعندما نطرح السؤال "ما التفكير؟" كسؤال يختزل تاريخ الفلسفة برمته كتاريخ للتفكير، فالفلسفة يجب أن تصبح أسلوبا للحياة وسلوكا يوميا.
ثم يأتي على "مصائر النوع البشري" التي يستطيع فيها الانسان الصناعة والحضارة والعلم والتقنية والابداع والفنون واقتحام الإنسان نحو عتمات المجهول، "مثل نار يسلّمها كل جيل للآخر إلى ما لا نهاية، أو هكذا يُفترض" (ص. 154).
وأخيرا يأتي الحديث على "اليوتوبيات" الأخيرة أو من أجل خلود النوع البشري، كتقدم للعلم من أجل الوصول إلى الحفاظ على خلود النوع البشري.
وكملحق للكتاب، يطرح المؤلّف السؤال "ما الذي تمنحه الفلسفة لإصلاح الخطاب الديني لدى المسلمين؟" ذلك أنه إذا كان دور الفلسفة هو تنمية القدرة على التفكير، وبالتالي القدرة على الحياة، فإن ذلك سيكون متاحا من خلال استراتيجيات تدبير الانفعالات وتمثل المفاهيم ومساءلة القيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم