الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوكة الأزهر في حلق العلمانية.. إلى أين؟!

سليم صفي الدين

2019 / 3 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الوقت الذي يتكلم فيه العلماء بأن كل الأمور باتت نسبية، وأن الاعتقاد المطلق في مسألة ما أصبح شيئًا من العبث والتخلف، ما زال رجال الأزهر من كبيرهم إلى صغيرهم يعتقدون أن كل ما تفوهوا به "حق مطلق" ولا يجب الرجوع عنه، ولا يصح أن تراجع وراءهم ما يقولون وإلا، وآه من "وإلا". في مبدأ الأمر كان المُطلق لديهم مقصورًا على الدين، ثم امتد ليشمل الأدب والفنون والموسيقى وفنون الكتابة والمظهر، والعلاقات الإنسانية أصبحت شرعية وغير شرعية، ولأن التكلم عما هو "نسبي" أوقع علماء "المُطْلقات" في أخطاء لا حصر لها كان واجبًا عليهم الانقضاض بما أسموه "الشريعة" على كل ما هو حديث من أفكار السياسية والتأويلات الدينية. فبعد ما حدث من نقد للتراث الدوجمائي -والذي في رأيي لا يتعدى كونه "تاريخا" به ما هو جيد وفيه ما هو مُخجل- خرج علينا شيخ الأزهر بتصريح شديد الغرابة في يونيو 2017 يشدد من خلاله على أن الوحي يشمل القرآن والسنة؛ وأن التفريط في المقدسات تفريط في شرف أمة، ولأسباب لا يعلمها إلا أنا لن أقف كثيرًا أمام تصريح معالي شيخ الأزهر!

المواجهات بعد ذلك انتقلت من نقد التراث إلى محاولة إخماد كل ما يمنح الحرية للأفراد دون قيود "غير قانونية"، فالدستور مثلا تم الانقاضاض عليه منذ تعديله في عهد السادات حتى يومنا هذا، من خلال المادة الثانية منه التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". أما التراث فتم تحصينه بأنه وحي، والقانون فرضت عليه السيطرة تمامًا بالتهمة الهزيلة المبتذلة "ازدراء الأديان"، وإن أردت الدقة فقل "ازدراء الإسلام"، المصطلح المطاط غير معلوم المعنى ولا واضح المفهوم، ليبقى أمام الأزهر ورجالاته تحدٍ هو الأكبر والأهم، الحرية، وحتى يتمكنوا تمامًا من فرض سيطرتهم عليها، يسعون بكل قوتهم إلى تديين الأمور كافّةً، كما سبق وقال الدكتور نصر حامد أبو زيد: "أسلمة الآداب والفنون والفكر والثقافة، دعوة لا تقل خطورتها عن الدعوة لأسلمة العلوم، إذ تنتهى كلتاهما إلى مد سيطرة رجال الدين على كل مجالات الحياة، إنها تنتهي إلى محاكم التفتيش التي تُدين بل تُجرم كل اجتهاد إنساني في كل المجالات المعرفية، فتصمه بالانحراف والضلال والإلحاد، لا لشيء إلا لأنه لا يتوافق مع فهم رجال الدين للنصوص الدينية ومع تأويلهم لها"، فاصطدموا بذلك في الأفكار الحديثة المانحة لحرية الأفراد دون قيد غير قانوني، مثل العلمانية، وهي تعني التفكير على نحو نسبي، أي متغير، هذا هو تعريف الفيلسوف المصري مراد وهبة لها، ولن أتطرق إلى التعريفات الأخرى لها، ففي النهاية العلمانية قائمة على نسبية التفكير، لذلك يتخلف تطبيقها من بلد إلى آخر، بل ويختلف تطبيقها من مكان إلى آخر داخل البلد الواحد، ولأنها منهج تفكير تعد مظلة للآيديولوجيات السياسية كافّةً، فقد تجد علمانيًّا رأسماليًّا، وعلمانيًّا اشتراكيًّا أو ناصريًّا... إلى آخره، وهى ليست دينًا حتى يتسنى لك ترك دينك كي تصبح علمانيًّا، إنما هناك الكثير من العلمانيين المسلمين والمسيحيين والملحدين كذلك، أما علمانية عبد الله رشدي، التي تكلم عنها عبر صفحته على فيسبوك بأنها تدعو إلى العري والشذوذ (ولا أفهم كلمة شذوذ في غير شذوذ الفكر مثلما يفعل هو وأئمته) وأن تنام المرأة (ولا أعرف لماذا دائمًا ينسب الجنس إلى المرأة مع أنها تمارسه بكل تأكيد مع رجل) مع من تشاء من الرجال دون حسيب ولا رقيب ولا قانون يمنع، فهذا هو الكذب بعينه.

العلمانية يا شيخ رشدي، تنادي بالمساواة والعدالة، لا تعترف بما تسمونه أنتم "الشريعة" لأنها تعتبر الشريعة وحيًا ودينًا، والدين في العلمانية أمر يخص الأفراد وليس المؤسسات، بمعنى أن مؤسسات الدولة لا دين لها، والدين لا دولة له، إنما المؤسسات تخضع للدستور والقانون، والدين أمر شخصي يخص الأفراد كل شخص على حدة، ومحاولة إلصاق العملية الإرهابية التي حدثت في نيوزيلندا بالعلمانية، والحديث عن مباركة العلمانيين لها لأنها ضد المسلمين، عبث، لأن العلمانية ترفض الدم والاقتتال، وكثير من العلمانيين دوّنوا -سواء عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو عبر مقالات لهم- رفض الدم عمومًا.

وهنا أناشد مؤسسات الدولة بتفعيل المادة (72) من الدستور والتي تنص على أنه "تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام"، فلا يجوز أن يمتلك الأزهر والتيار الإسلامي في مصر 70% من برامج التليفزيون الأرضي والفضائي! فبنص المادة (65) "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". وهنا سؤال مطروح: كيف يتسنى للسيد عبد الله رشدي، كتابة كل ما يريد بحرية تامة، ومن خالف رأيه في أغلب الظن يتم اتهامه بازدراء الأديان، ومصيره معلوم؟

القضية ليست في تصريحات عبد الله رشدي، الكاذبة، إنما في المساواة والعدل ومنح الفرص نفسها لمن يعارض تلك الأفكار الصماء، التي تجني مصر ثمارها منذ زرعتها في عقول المصريين، على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان، جماعة الإخوان تم إنشاؤها في مصر، ومنها خرج تنظيم "القاعدة" وكل الجماعات المتطرفة، تنظيم "داعش" ذهب إليه كثير من المصريين، وأغلبهم من خريجي الأزهر، أغلب الذين يكفرون المجتمع ولا يعترفون بالوطن وإنما "الأمة الإسلامية" أيضًا من خريجي الأزهر، حتى الجماعات السلفية في مصر غالب أعضائها خرج من بين جنبات الأزهر.

متى تعي الدولة أن الخطر الأكبر يكمن في دعم مؤسسة أورثت التخلف عن ركب الحضارة وإخضاع الحاضر للماضي بنحو 13 مليار جنيه، وأن الخطاب المتطرف يخرج من مؤسسة تتعدى حصيلة ممتلكاتها أكثر من ترليون و37 مليار جنيه؟ متى يفهم القائمون على الدولة أن القضية تكمن في التعددية الفكرية والحزبية وليست في إخضاع الكل لصوت واحد؟ متى يعي الجميع أننا نعيش في عصر من التقدم الفكري والعلمي والبحثي، مجرد محاولة تجنبه انتحار في حد ذاته!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك