الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هاجس الحروب السيبرانية (Cyberwar)

علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي

2019 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هاجس الحروب السيبرانية (Cyberwar)
على مدى التاريخ البشري والصراعات بين الدول تجري على ارض الواقع، ولها حدود معينه ضمن رقعة جغرافية محددة، وتدار بأدوات معروفة تتناسب مع هذا الصراع أو ذاك (بري، بحري، جوي)، ولكل طرف من هذا الصراع سواء اكان اقليمياً أو دولياً أدواته الخاصة التقليدية في الردع والهجوم والدفاع، بمعنى أكثر وضوحاً، أن كل الاطراف الداخلة في الصراع بإمكانها تحديد العدو والصديق مسبقاً، وما لها وما عليها والأهداف التي ترغب في تحقيقها عند دخولها في صراع ما . إلا انهُ ومع نهاية القرن الثاني ودخول القرن الثالث وبفضل الثورة المعلوماتية المتمثلة في الكم الهائل من المعرفة والمعلومات، والثورة التكنولوجية المتمثلة في الاقمار الصناعية والاتصال المباشر بها عبر الحواسيب، والاجهزة الذكية وشبكات الانترنيت (الشبكة العنكبوتية)، أصبح هناك مسرح اخر وفضاء اخر تدار عليه الصراعات بكل انواعها وصنوفها، وهذا المسرح يختلف تماماً عن المسارح القديمة للصراعات (البري، البحري، الجوي)، فهو مسرح آتى متلائماً مع هذا العصر، ويعصب فيه تحديد العدو والصديق .
ووفقاً للدراسات أن أي ظاهرة أو حدث لا ينمو ويزدهر إلا في ظل بيئة حاضنة ، وظروف مواتية تحفز على اتجاه داعم لها من التشجيع والمساندة المجتمعية ، وهذا ما وجدته الشبكات الرقمية (الانترنيت) فعلاً من قبول واسع النطاق في كل انحاء المعمورة ، فمنذ نهايات القرن العشرين وتحديداً عام 1981 عندما استخدم الانترنيت بشكل فعلي بدأ العالم يشهد طفرات نوعية سريعة لم يشهدها قبل هذا التاريخ ، خاصة في مجال المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات ، هذا التطور الكبير والمزاوجة بين المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات خاصة في بداية القرن الحادي والعشرين ، افرز لنا مجتمع وساحة افتراضية متكاملة ينشُط في ظلها ليس الانسان فحسب بل الدول، ويؤثرون ويتأثرون بها .
وتبعا لذلك اخذت الدول والمنظمات والشركات الكبرى تولي أهمية كبيرة بالفضاء السيبراني (الالكتروني)، وذلك لتحقيق اهدافهم ومصالحهم ، لذلك اصبحت المواقع الإلكترونية والبرامج عبر الانترنيت خاصة تلك البرامج المرتبطة بالبنى التحتية للدول وسيلة وأداة وهدف تسعى إلى امتلاكها واستغلالها هذه الدولة أو تلك لمصلحتها الخاصة .
واصل كلمة السيبراني مشتقة من كلمة (سايبر cyber) والتي تعني (إلكتروني) وبإضافة اي كلمة لها تعطيها الصفة الإلكترونية، على سبيل المثال لا الحصر (cyber security) تعني الأمن الإلكتروني . وارتبط الصراع السيبراني (الإلكتروني) ارتباطاً وثيقاً بظهور شبكة الانترنيت ، إذ تأسست هذه الشبكة في الأصل بالولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات كمشروع تشرف عليه وكالة مشاريع البحوث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وقد كانت يطلق على هذه الشبكة في بداية أمرها (اربنت), ويشير احد المتخصصين في شبكة الانترنيت في أمريكا إلى تاريخ هذه الشبكة يرجع إلى عام 1969, وجرى أول عرض لها خلال المؤتمر العلمي حول اتصالات الحاسوب بواشنطن عام 1972, أما شكل الرسائل الإلكترونية فقد حددت في عام 1977 .
وعند تتبع التأريخ نجد أن النواة الأولى لنشأت الفضاء الإلكتروني (CyberSpace) تعود لمرحلة اندلاع الحرب الاهلية في الولايات المتحدة الامريكية عام 1861، إذ استخدمت لأول مرة البرقية لإدارة الحرب، حينها اصبحت برقية التلغراف جزء مهم من منظومة الحرب . وفي عام 1888، أثبت عالم الماني أن الطاقة الكهربائية تخلق ترددات في الفضاء تكون بمثابة اشارات يمكن اعتمادها ورصدها، وقد قاد هذا الاكتشاف إلى الاهتمام بما عرف فيما بعد بـــ(الذبذبات الهرتزية) التي استخدمت في تطوير نظام الراديو في انكلترا، وكان التطبيق العملي الأول لهذه التقنية أثناء الحرب الروسية-اليابانية عام 1904، حينما قصفت السفينتان اليابانيتان الحربيتان (كاسوجا ونيشين) القاعدة البحرية الروسية في ميناء (آرثر)، وكانت معهما سفينة صغيرة تصحح النيران باستخدام الراديو (اللاسلكي)، وسمع أحد عمال الروس الإشارة بالمصادفة، وتضمنت تعليمات تصحيح النيران فاستخدم جهاز الارسال اللاسلكي في إعاقة الاتصال الياباني بالضغط على مفتاح الارسال على تردد الشبكة اليابانية نفسها، مما عطل بلاغات تصحيح النيران من أن تُبّلغ لمدفعية السفينتين ؛ وهكذا، لم ينتج عن هذا القصف البحري سوى إصابات طفيفة، بفضل هذا الاكتشاف .
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وبالتوظيف المكثف للثورة المعلوماتية والثورة التقنية المتمثلة بالانترنيت اتسع الاعتماد على الوسائل الإلكترونية (الفضاء الرقمي)، حتى تبدل الهدف النهائي للحرب من التدمير اللإنساني للخصم إلى التحكم المفرط في تشكيل سلوكه؛ سبيلا لتحقيق الغايات النهائية من فن إدارة الصراع، لذلك شهدت القواميس والموسوعات المعرفية ولادة مصطلحات جديدة مثل (حرب المعلومات، الحرب الإلكترونية، والحرب الرقمية، وحرب الشبكات) .
ويعرف مصطلح حروب الفضاء الإلكترونية (السيبرانية) على انهُ الإجراءات التي تتخذها أي دولة أو منظمة أو مجموعة لاختراق أجهزة الحاسوب أو الشبكات الخاصة بدولة أخرى لغرض السيطرة عليها أو التحكم بها أو إتلافها أو تعطيلها عن العمل، من خلال إرسال رسائل مكتوبة باللغة الرقمية الثنائية المكونة من رقمي (1-0) .
ودفع التطور في مجال الفضاء الإلكتروني خاصة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، الدول للتسابق للسيطرة على هذا الفضاء وتعزيز دفاعاتها ضد خطر التعرض للهجمات الإلكترونية، ولكنها اتجهت إلى التحول من اتخاذ إجراءات وقائية ذات طابع دفاعي إلى الاتجاه إلى تبني سياسات هجومية، ويحمل ذلك في طياته مخاطر عسكرت الفضاء الإلكتروني ، خاصة وأن القدرة على السيطرة على مثل هذا النوع من الأسلحة ضئيلة بالمقارنة مع الأسلحة التقليدية، وهناك مسألة صعوبة تحديد الأسلحة التي يمتلكها الآخرون ومن ثم يتعذر على المجتمع الدولي القدرة على التدخل لاحتواء التقدم في مثل هكذا اسلحة .
ورغم الجدل الحاصل حول نشأت مثل هكذا حروب، إلا أنهُ يكون ممكناً؛ بسبب وجود ثغرة في تصميم الانترنيت، ووجود ثغرات في المعدات والبرمجيات، فضلا عن الاتجاه المتزايد في ربط المزيد من الاجهزة والقطاعات على شبكات الفضاء الإلكتروني .
وهذا ما يؤكده بعض الاحداث الدولية التي استخدمه فيها الفضاء السيبراني كساحة لإدارة الصراع، ومن أهمها، مهاجمة البرنامج النووي الإيراني بفيروس (ستاكسنت) في عام 2010، والذي يتوقع أن الولايات المتحدة وإسرائيل هي من نفذت هذا الهجوم، كذلك ما حدث فيما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011، ومما لا شك فيه كانت مموله من الخارج، إذ استخدم الفضاء السيبراني لحشد وتعبئة الشارع لإزاحة الانظمة في تلك الدول، كما وظفت روسيا هذا الفضاء بحربها مع كل من جورجيا، واستونيا، إذ تزامن الهجوم الإلكتروني الروسي وبطريقة منظمة على البنى التحتية للمعلومات في جورجيا واستونيا مع العمليات العسكرية التي كانت تدور على الارض، وهذا ما اثبتته بعض التقارير الحديثة، فضلا عن الشكوك التي تخص فوز (دونالد ترامب) برئاسة الولايات المتحدة، واتهام روسيا بتزوير الانتخابات عن طريق اختراق المنظومة الإلكترونية الاميركية .
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الحروب في الفضاء الإلكتروني، لا تلغي الحروب التقليدية، بل على العكس من ذلك ، إذ إن الصراع بين الفاعلين على السيطرة على الفضاء الإلكتروني ما هو إلا انعكاس للمصالح المادية الواقعية بين الدول والمنظمات والجماعات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة