الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مقال .. ( نهاية الغاشيوقراطية.. وفلسفة الثورة في الحراك الجزائري ) للدكتور اسماعيل نقاز ..

محمد ليلو كريم

2019 / 3 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قراءة في مقال .. ( نهاية الغاشيوقراطية.. وفلسفة الثورة في الحراك الجزائري ) للدكتور اسماعيل نقاز ..
تتصدر المقال لفتة ، وهي ضرورية ، وضرورتها تُحيل الى أهمية دور المختص والمفكر في الحراك الجماهيري ، وأعطي الحق لنفسي فأقول أن أي حراك يخلو من دور المختص والمفكر سيحمل عنوان ( فعلُ همَج ) وهنا نقتطع معنًى واحد لمفردة ( همج ) وهو ( رَعَاع من النَّاس لا نِظام لهم ) وسنعني بالنظام ( بالسياق ) ذلك الدور الفاعل الذي يرفع عنوان الهمجية عن الحراك الجماهيري بقدرة المختص والمفكر ، أما ( فعل ) فكلمة تدل على حدث مقترن بزمن وهنا إلفات الى حدث في العالم ولسنا بصدد تداعي ذهني لإعلان عن حدث مفارق ..
لا يتوقف عالم المصطلحات عن التكاثر والتفرع لأن عالم البشر يستمر في التطور والإضافات والمستجدات ، وسلطة عالم المصطلحات ( الشرعية ) هم المختصون والمفكرون ، وينحت الدكتور نقاز عنوانًا للمقال يُطالب بإضافته لمعجم علم الإجتماع السياسي ( الغاشيوقراطية ) ويُفصّل في معنى المصطلح المطروح وينسب ( قراطية ) نسبًة مُتفق عليها ويوضح معنى ( الغاشي ) فينسبها للسان لهجوي يتوزع على قطر الجزائر وشرق المغرب ، ويحفر بومضات خاطفة في عدة كلمات من لغات أخرى يُقرِب منها كلمة ( الغاشي ) وعمومًا يأخذ لها معاني لغوية من قبيل الحجب والغوغاء والتضييع ..
( نهاية الغاشيوقراطية .. )
هذا أول باب يعنونه الدكتور ، وإهتمامًا بالإستعمال للمصطلح ( الغاشي ) وتجاوزًا للمبحث الأكاديمي النظري ؛ يؤشر لجهة إستخدام الفعل ( غشى ) فيأتي بوجه تعريف مُطوّل يعتبر نعت الشعب بالغاشي مشروع للسلطة تنفذه بممارسات فعلية لتصل الى إمكانية اثبات انه شعب خامل ( وكما يبدو هو اثبات موجه للخارج ) وأما المكسب الذاتي للسلطة الحاكمة فتمكين أدواتها من استحماره ذهنيًا وسوقه ماديًا وترسيخ القبول النفسي في الشعب ..
(( لذلك يسعى بمخططاته الشمولية إلى عملية تنويم سيكولوجية في تصدير الرداءة، وصناعة مخيال شعبوي يطلق عليه اسم الغاشي، ويؤسس من خلاله توجها سياسيا في إدارة الدولة، ونظام حكمها ، يمكن تسميته بالغاشيوقراطية )) يتبع النظام الحاكم اسلوب مشابه للتنويم الإيحائي ، أو السريري الطبي ، ليتسنى له تصدير الرداءة من مصانعه الى سوق الشعب فيتلقى المواطن السلعة وهو مقتنع بشكل ما ؛ ومدفوع بقوة ما لتقبّلها مجردًا عن الوعي النابه والسوي ، ولطالما سعت السلطة الطاغية ( كلمة الطاغية لها مصطلح آخر أكثر انتشارًا وهو الديكتاتور ) الى قتل المخيال أو صناعة مخيال يوهن ذهن العامة متلاعبًا به ليوهمه بشبع ذهني والحقيقة انه تسييج للتفكير وحصره في سردية السلطة الشمولية وكما بينت ( حنة أرندت ) في كتابها ( اسس التوتاليتارية ) فالطاغية يصل لمرحلة لا يكتفي بقمع وتصفية الأعداء ، أو الاصدقاء ، أو المخيال العام للناس بل يرجع القهقرى ليتوجه نحو الخيال الذي اختلقه هو ، وإن تصورنا هذا التقهقر النهائي ونظرنا في مآل العلاقة بين السلطة والشعب الجزائري فهمنا المشكلة المرضية للسلطة الحاكمة وتوقع نهاية كتلك التي نالت من دول الربيع العربي ..
يحاول الدكتور نقاز استنطاق التصميم المؤكد الذي فرضته السلطة ( الغاشيوقراطية ) فيمر على قصة التصميم من تاريخ الاستقلال ليعتبر الدولة القطرية نتاج غربي اساسًا ، ولكنه مُنتَج اختلف عن نموذج المُنتِج فأتخذ منحى صناعي وخيم على يد الصناعيين المحليين وكأن سلطة دولة القطر طميٌ قادم من تلك الدولة الكبرى .. أما لماذا طمي فلأن كل التجارب السياسية التي مرت بها بلداننا كانت بشكل أو بآخر نتاج النموذج الغربي ولكنها افضت الى ترسب وتكلس كما ينتهي النهر في السهل الرسوبي أو الدلتا حيث الترسبات والطمي وتغير جودة الماء عما هو في المنبع .. ولكن النهر الذي جاء متدفقًا اعترضته سدود ومتعرجات وفُتِحت ممرات أخرى تخدم مشروع السلطة الإستحكامي ، وأرجو قراءة الإستشهاد التالي من مقال الدكتور اسماعيل نقاز وفق القراءة الآنفة (( ما بعد الاستقلال 1962م، هو دخول عملي في مخرجات الدولة القطرية التي كانت نتاجا غربيا بالأساس - زمن الثورة الفرنسية وعصر الأنوار الذي انفك عن الامبراطورية الإقطاعية الملكية، والتأسيس للجمهورية وحكم المواطنة والديمقراطية- فالدخول في الدولة الوطن، والدولة القطر، كان يشكل التحدي الأول للخروج بدولة ما بعد الاستقلال نحو الخيار الديمقراطي وفق مبادئ ثورة نوفمبر، لكن الدخول في أتون التوجه الاشتراكي والحزب الواحد عزز من قابلية الاستبداد، والسقوط في وهدة الابتعاد عن مقومات الديمقراطية ودولة الحقوق. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والانفراج السياسي في مختلف الدول، ودخول الجزائر في حقبة التعددية الحزبية، ففي هذا المنعرج سيتم توظيف مصطلح الغاشيوقراطية بكل حمولته الدلالية بشكل ذريع وضروري من أجل الاستمرارية في سياسة الحزب الواحد، وتوريث العمل السياسي بمظهر أوليغارشي، ونظام عسكري يقف في الظل )) وتقف العجلة الغاشيوقراطية عن التحول ونفس هذه الوقفة ترسم نهايتها . تراوح السلطة في مناوراتها الغاشية بين (( إما الأصولية والتطرف الذي لا يحمل مشروع الدولة إلا بعقل الخيمة والقبيلة والخلافة الظلامي، وإما بنظام عسكري خَلَّد الطوارئ لعقد من الزمن، ليحمل كل معاني العنف التي شهدتها المرحلة )) وهذه ( إما أو إما ) هي خيار التوقف عن الحركة أتخذته السلطة لتحتفظ بوتيرة مشروعها وتنصّب عليه تتفن فيه ، ومما يلفتنا أن الدكتور وكأنه يقيم صلة بين الجمود السوفياتي وجمود الأقطار المرتبطة به فغذاها بالجمود ولما فشل كنتيجة حتمية بعد استمرار الجمود اعقبه فشل للأنظمة التي استمدت جمودها منه ، ونقطة مهمة أخرى ساقها الدكتور إذ يُبين أن السلطة استخدمت مصطلح الغاشيوقراطية في حقبة التعددية الحزبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لتكتفي بتغذية جمودها الذاتي ذاتيًا وتستهلك الشعب والبلاد خدمًة لهذا الجمود ..
ما يتميز به طرح الدكتور اسماعيل نقاز انه يتوخى الوضوح والتوضيح والسرد الماتع المكثف الوضّاء وللأسلوب ميزة القرب من المتلقي النفسي والذهني ، ولهذا اعتقد أن مادة المقال مفهومة بشكل جيد لكل قارئ مما يمكن الكُتّاب والمهتمين من قراءته بوضوح واستخراج قراءات معتبرة من بين طيات التكثيف ..
(( لماذا الثورة..وليس الحراك..وما فلسفتها.. ))
هناك بون شاسع بين الحراك والثورة في شكل ومضمون الفعل الجماهيري ، فقد تعني الحركة فعل لا يريد تجاوز النظام فهو فعل مطلبي يريد من النظام ، أما الثورة ففعل يريد رحيل النظام ويصبو لنظام آخر ، والدكتور نقاز يرى في الفعل الجماهيري الجزائري ثورة وليس حراك ، ولكنه يتحسس جادة الصواب عبر التصويب فيأتي بما يمكن تسميته فعل حراك تصويبي داخل فعل الثورة الجماهيرية ، والثورة كذلك تجد من يتحرك فيها ويريد منها ، وتجد من يُقيم عليها ثورة كما يحدث بإستمرار وفي مرحلة لاحقة للثورة حين تقوم الثورة المضادة بفعل أداة النفي تجاه الثورة الأولى فقد نكتشف أن هناك تحرك حاذق من قبل رافضّي الثورة يتسلل لداخل الثورة ويتمكن من الوصول لمواقع فيها تمكنه لاحقًا من ضربها وقلب نظامها !! ..
يكاد القارئ للنقاط التي حدد فيها الدكتور نقاز بنيوية الثورة أن يلمس مطالبة بحضور العقل الفكري لإحداث موازنة مع الأعمال الجماهيرية (( يمكن أن نحدد بنيوية هذه الثورة بتكوين محوري يرصد مبادئها ومبتغياتها وفق ما أراه، وأتمنى أن ينال قبولا عند نبض الحراك، ولغة المجتمع المتحرر، أو الذي يحاول أن يفعل ذلك )) وهذا التمني له مبرره الفائق في منطقيته ، فالفعل الجماهيري لا يبلغ المستوى الحضاري مالم يُدار من قِبل فكر ويُصوب من المفكرين وإلا فثورات قد تصيرّت هيجان قطعان ، والامثلة قريبة ومنها الماثل الى الآن ..
نُلخص التقنين الذهني الذي ساقه الدكتور نقاز في سطور قلائل :
● حراك ٢٢ فبراير ثورة وليس نضال مطالب .
● الاستقلال وليس الوصاية الخارجية .
● شرعية المواطنة والحقوق وليس الشرعية التاريخية .
● الديمقراطية والعلمانية وليس الاستبداد السياسي والكنيس الديني .
● التنمية الاقتصادية وليس دولة الريع .
(( تأطير الثورة ضرورة استراتيجية ))
هل نُغامر فنجعل من الثورة اكاديمية تثقيف سياسي ( هو ليس حراك مطالب ، بقدر ماهو حلم تتسع دائرة خياراته ) ، أم نقبل بحصافة سياسية نجرها لحضيرتنا رغم فسادها ؟؟
سؤال يُسبب الأرق وحتى الغثيان ..
رغم قِصر هذا الباب إلا انه يجرك الى دائرة من الخيارات وعليك تحديد مكان مناسب من الدائرة لوضع نقطة لإنطلاق التأطير ، فتأطير الثورة يُهدد نقائها ، وعدم تأطيرها يُهدد العربة التي تجر القطار ، وإدخال المعارضة الفاسدة يُهدد بإتاحة تموقع للسلطة في داخل الثورة ، واستبعادها يُهدد بإضافة عدو لا جدوى من استعداءه بدل الانتفاع من خبرته ، وسؤال الأخضر الابراهيمي : ( فعندما يدعو الإبراهيمي في حواره الصحفي إلى الحوار، ثم يطرح سؤاله الآتي: نحن نريد الحوار؛ لكن نتحاور مع من ؟ ) الضاغط ، والمنطقي ايضًا ، وهو منطقي بدّالة ضرورة استيعاب المعارضة الفاسدة في النفير الجماهيري ، هو سؤال متوقع من سلطة تتفنن بخبرتها الطويلة في تغشية العقول قِبال ثورة ندية لم تغادر مرحلة البرعم ..
ما اصيبت ثورة في مقتل إلا من منفذ وعيها ولهذا يُرهَق المفكر والمتخصص في إلحاحه لتصويب عقل الثورة ودفعها الى المساحة الحضارية وإلا فهيجان القطيع وصف لها لا بأس به ..
محمد ليلو كريم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي


.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024




.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم


.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد




.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض