الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانبثاقات السياسية في الثورة السورية

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2019 / 3 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات




إنها جردة سياسية للثورة السورية منذ انطلاقتها في آذار (٢٠١١) وحتى الآن. ويعمل ساشا العلو** في كتابه على الحركات والتيارات السياسية التي انبثقت خلال الثورة وبناها التنظيمية وتوجهاتها الأيديولوجية والسياسية، معتمداً على المنهج الوصفي التحليلي، وطريقة تحليل المضمون، لوصف الظواهر السياسية وتحليلها وتفكيك مشكلاتها.
وكانت أولى التنظيمات المدنية "لجان التنسيق المحلية"، التي عملت على تنظيم المظاهرات، والعمل الثوري، ودعت إلى إسقاط النظام، وإقامة "الدولة الديمقراطية التعددية". ثم توحدت في "اتحاد تنسيقيات الثورة"، ومهمته تمثيل الحراك المدني، ولا يمثل أي اتجاه سياسي، ودعم الثورة لوجستياً وسياسياً وإعلامياً. ثم "الهيئة العامة للثورة" والتي أصبح تصورها السياسي أوضح حول وحدة الشعب والأرض السورية، ورفضت الانضمام إلى المجلس الوطني السوري، إنما انضمت إلى الائتلاف فيما بعد. ومع بداية "العسكرة" تأسس "المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية" كممثل سياسي للثورة، ودعم الثورة عسكرياً وسياسياً، وقد ضم العديد من القيادات الدينية، ودخول الاخوان المسلمين، وأخيراً انضم إلى "المجلس الوطني الذي تشكل في "أكتوبر٢٠١١" ليعبر عن الممثل السياسي للثورة. وأصبح مصطلح "المعارضة السورية"، هو الدارج بدلاً من الحركة الاحتجاجية والثورة.
ومع ضرورة البحث عن التمثيل السياسي للثورة، انبثقت عدد من التنظيمات السياسية، وهي "هيئة التنسيق الوطنية"، و"المجلس الوطني"، وبعد ذلك "الائتلاف الوطني". وضمت هيئة التنسيق العديد من القوى القومية واليسارية، وعملت تحت شعار "لا للتدخل الخارجي، لا للعنف، لا للطائفية"، والتي كانت موجهة نحو الحراك الثوري، واكتفت بالمطالبة اللفظية لإسقاط النظام، وبقيت في الداخل السوري حتى انضمامها إلى هيئة المفاوضات في الرياض.
وتشكل أيضا "المجلس الوطني" في (اكتوبر٢٠١١) بإسطنبول، وضم الإخوان المسلمين، وإعلان دمشق، وكتل الحراك الثوري، ودعا إلى إسقاط النظام القائم، وإقامة دولة "ديمقراطية تعددية مدنية". وقد فشلت كل المحاولات للتضامن والاتحاد بين الهيئة والمجلس. وقد واجه المجلس عدة إشكاليات منها: سيطرة الإخوان المسلمين، وقصور الخطاب حول المسألة الكردية وعدم الاعتراف بحقهم بتقرير مصيرهم، مما أدى إلى انسحاب المجلس الوطني الكردي، والتواصل مع الجيش الحر لم يكن مفيدا لأن المجلس لم يدعم الجيش الحر، ولا تصلح الهيمنة السياسية بدون التمويل، والتدخل الخارجي، والتصدعات الداخلية، والصراع على السلطة داخل المجلس.
ولذلك تم العمل على تشكيل الائتلاف الوطني والذي ضم المجلس والعديد من القوى الوطنية الديمقراطية. ووضع لنفسه نفس أهداف المجلس، بما فيها دعم القيادة المشتركة للجيش الحر، وتشكيل الحكومة المؤقتة، حيث كان الاعتقاد أن النظام سيسقط قريبا. وقد أصاب الائتلاف الخلل في مستوى البنية التنظيمية، والسياسية، وغياب مشروع وطني جامع، وطغيان المشاريع الفردية، والجمعية، وفقدان العلاقة والثقة بينه وبين العسكر، مما أدى إلى شرعنة وجود الفصائل المتطرفة، وتصدير الفراغ السياسي للدول الإقليمية والعالمية، وسيطرة الإخوان المسلمين بالإدارة السياسية من الخلف، والدخول بكتل سياسية رديفة، والسيطرة على أهم المفاصل في المكتب التنفيذي والسياسي، ومكاتب الإغاثة.
وهناك مجموعة من التنظيمات الإسلامية المنشقة عن الإخوان، بخلافات تنظيمية وليست عقدية، وقد عملت ضمن مظلة الاخوان السياسية، مثل: مجموعة العمل الوطني، والائتلاف الوطني، وجبهة العمل الوطني لكرد سوريا، والتيار الوطني السوري، وحزب وعد، وحركة سوريا الام. لكن يبدو أن الإخوان هم الأكثر تماسكا تنظيميا لأسباب ذاتية وموضوعية، من المدرسة الدمشقية التي تمثل تيار الاعتدال، والسلفية السياسية الممثلة بتيار القاعدة، والتي ترفض الديمقراطية، والبرلمان، وحقوق الإنسان. وسيفسح مجال الثورة في المستقبل الي جبهتين: العلمانيين والإسلاميين. لكن يواجه الإخوان التحدي الأبرز في التحول إلى نمط المحلية واللامركزية، وضرورة فصل الدعوى عن السياسي، كما جرى في حركة النهضة التونسية، إضافة إلى أن الإخوان هم جزء من الصراع الإقليمي الخليجي والقطري، قد يؤدي إلى التعامل معه كصفقة سياسية لإدارة توازنات المنطقة.
ووفق طبيعة المجتمع المتفجر، ولعدم تمثيل الثورة من قبل الائتلاف ومؤسساته، تشكلت العديد من القوى الديمقراطية والتي لم تكن ذات مرجعية دينية أو عرقية، مثل: تيار بناء الدولة، ومواطنة، والتغيير، والجمهورية. الخ. وكلها كانت تدعو إلى إسقاط النظام، وإقامة "الدولة المدنية الديمقراطية التعددية". واتسمت هذه التنظيمات بأنها رد فعل على فشل الائتلاف، وعملت بخط مواز للائتلاف أو مخالف له. وحاولت التعبير عن مقاربات جديدة حول التفاوض السياسي، وعبرت عن أشكال ائتلافية مصغرة، وبالشخصنة، حيث لم تخرج عن إطار مؤسسيها، وغياب الشباب في مجموعها. وكانت برامجها متقاربة، لكنها ظلت بالعموم غريبة عن الشارع السوري والمتغيرات المتسارعة على الأرض.
وكذلك تشكلت المنصات السياسية المتعددة، في القاهرة، وموسكو، وحميميم، والهيئة العليا للتفاوض، وذلك بهدف كسر احتكار الائتلاف لفضاء المعارضة، ويمكن تعريفها اجرائيا بأنها "تجمع من قوى وشخصيات سياسية للتعبير عن مقاربات مختلفة للانتقال السياسي". واستطاعت موسكو اختراق المعارضة العسكرية للمعارضة، بإحداث مؤتمر آستانا في بداية ٢٠١٧. وفصلت بذلك المسار السياسي عن العسكري، وتجاوز السياسي للتنسيق المباشر مع العسكري.
وبطبيعة الحال كان الدور مهما للأحزاب القومية الكردية والتركمانية والآشورية في الصراع الدائر على الأرض. حيث عمل حزب الاتحاد الديمقراطي (p y d)، على تشكيل قوة عسكرية، مدعومة أمريكيا، للسيطرة على المناطق الكردية، وعمل على الحكم الذاتي لهذه المناطق، بشكل متحالف مع النظام او مخالف له. ودعا الى حذف كلمة العربية من اسم الدولة، وإلى تشكيل دولة فدرالية لمستقبل سوريا، إلا أنه تم رفضها من قبل المعارضة مجتمعة، بما فيهم المجلس الوطني الكردي، الذي التزم مع الائتلاف الوطني، وكان مؤلفا من عدد من الأحزاب الكردية، وفشلت كل المحاولات لتوحيد الصف الكردي.
والنتائج العامة التي يحددها الكاتب لمشروعه المدروس للانبثاقات السياسية: بأن اتجاهاتها مثلت امتدادا للاتجاهات الأيديولوجية الموجودة قبل الثورة، وأنها انخرطت على الارتباط بالخارج وإهمال الشارع السوري، والعمل على كسب الفاعلين الدوليين والاقليميين أكثر من الداخل، وغياب الاجماع الوطني لأن الائتلاف وغيره ضم كتل سياسية متنافرة مثل الإسلاميين وغيرهم. وأن العلاقة بين المؤسسات السياسية والعسكرية منعدمة، وأغلب التشكيلات السياسية اقتصرت على المؤسسين فقط. والتشكيلات الموجودة تدل على نقص الخبرة وغياب النضج السياسي.
وسيحمل المستقبل الإسلاميون الجدد، والإنبثاقات الوطنية الديمقراطية الضعيفة، ومنظمات المجتمع المدني، وحتما عودة العسكر إلى الحياة السياسية، نتيجة أن غالبية التشكيلات لا تتمتع بالشعبية الكافية لقيادة عملية التحول الديمقراطي في سوريا، مما ولد هذا فراغاً سياسياً كبيراً خلال الثورة، وقتل أهم عصب في تاريخ الثورة، وهو الشباب المفتقد في أوساط السياسة منذ ستة أعوام. ويتحمل جزء من المسؤولية المجتمع الدولي والعسكرة لهذا الوضع غير الملموس للمعارضة السورية، لكن يتحمل الجزء الأكبر من مسؤوليته المعارضة السياسية السورية بأطيافها المختلفة.
لكن المؤلف لم يقدم الإشكاليات السياسية التي رافقت تشكل الأحزاب والاتجاهات السياسية وأهمها: تشكيل المجلس الوطني ومقره في الخارج بدلا من الداخل. حيث كان المطلوب تشكيل قيادة سياسية-عسكرية في الداخل للثورة. وتم الانقسام بين السياسي والعسكري منذ البداية. كما تم تخريب دور الشباب المتحرر بضمهم الى المجلس او الائتلاف. وأصبحت مطالبة المجلس بالتدخل الدولي على الطريقة الليبية، وبالمراهنة على الاخوان المسلمين، والفصائل العسكرية الإسلامية. ولم يختلف الائتلاف عن نفس المطالبة وحتى يومنا هذا. وحتى الفصائل كلها كانت تراهن على الفصائل الإسلامية، التي فشلت في تقديم أي نموذج للثورة السورية الحرة، انما قدمت حالة رجعية للسكان بالقتل بالسيف، وتشريع الشيخ. وحتى تبني أغلب الفصائل الوطنية شعار "الدولة التعددية"، وهو شعار الإخوان، علما آن مثل هذه الدولة غير موجودة في التاريخ، سوى بعض الأنظمة الفاشلة مثل لبنان. كذلك الانقسام المجتمعي الطائفي كان له دور في قصور الحركة السياسية، وسعيها للوطنية المشوهة بدون السعي إلى كل افراد المجتمع.
----------------
*العلو، ساشا، الانبثاقات السياسية خلال الثورة السورية، الاتجاهات والاوزان والمآلات. مركز حرمون للدراسات المعاصرة، (٢٠١٨)، عدد الصفحات ٣٥٦ صفحة.
** ساشا العلو، باحث سوري، ماجستير في الاعلام والاتصال الجماهيري، وله العديد من الأبحاث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في