الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد التخبّط

قاسم هادي

2019 / 3 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


فيزيائياً آمن الانسان الحر الواعي بنظرية الهيولي كمفسر لنشوء الكون، لكن ستيفن هوكينغ لم يجدها مقنعة تماما لتفسير كثير من الظواهر لذلك كان مقنعاً جداً باثبات نظرية الكون الموازي، ومع هذا لم يدنو من حقيقة ان كل الأشياء التي فوق الارض او في مجالها الجوي تتجه صوب الارض، ليس لان الجاذبية حقيقة دامغة فقط بل لانه غير قادر على إثبات العكس. ان قانون الحياة فرضته الطبيعة والنظريات جاءت للتفسير فقط، فالاستغلال وسوء توزيع الثروة والفقر والمجاعة والموت المجاني هي أسباب تقود مباشرة لعدم تقبل الأنظمة ومحاولة اسقاطها وإحلال أنظمة بديلة اكثر قدرة على إدارة الثروة وتعريف ومنح الحقوق، ليس من الضروري بمكان ان تجيب التغييرات على كل ماسبق وقد تبرز معضلة ما تجعل الجماهير ترضخ لقبول اي بديل يجيب على هذه المعضلة تحديداً وتكون توقعات الجماهير اقل مما يجب وترضى بسلب بعض الحقوق لتحقيق مسألة معينة بحد ذاتها، تجد في أوقات الصراع أحياناً فئات غير قادرة على الصراع وتوقعاتها عن قدراتها الهائلة متدنية فترى في النظرية الثورية والتنظيم شكلا من أشكال التقولب والجمود والادلجة وغيرها من المفاهيم الفضفاضة التي لاتعطي صاحبها اكثر من التصفيق فيما تنسى الجماهير تلك الجمل بعد ثلاث دقائق من الخطبة. ان الأساليب الثورية والمنظمات والمجاميع الثورية وجدت للإجابة على معضلة حياتية قائمة ومعرفة تتحرك فيها بإطار معين وتتوسع وتتخذ أشكال حزبية او تجمعات لكنها في النهاية ترجع لسبب وجودها الأساسي وهو حل تلك المعضلة وفق نظرية ثورية ثم إكمال المسير لتحقيق ماهو متوقع فيما بعد حل المعضلة وهو طرح والبدء بتنفيذ البديل.
ان عزل صفوف الانسانية لايتم من خلال الحكم على جزء مقتطع من حياة الانسان، حين لايجد عملاً لفترة يعني ببساطة انه غير قادر على بيع قوة عمله، حيث حولت الراسمالية تلك القوة الى بضاعة تتكدس(في فترات انتشار البطالة لأسباب مختلفة، مكننة وسائل الانتاج، فترات مابعد الحروب، تدمير الاقتصاد وتحويله الى اقتصاد ريعي…….) وتحتكر تلك البضاعة احيانا ( في اعمال السخرة والاستعباد وتحميق الوعي) لكن في النهاية هؤلاء هم عمال لم تسمح لهم القوى المتحكمة بالثروات من بيع قوة عملهم من الممكن تسميتهم عاطلين عن العمل او معطلين او مؤجلين او حفاة او اي اسم اخر لايهم، المهم انهم في النهاية عمال غير قادرين في وضع السوق بيع قوة عملهم والحصول بالمقابل على مايسد رمقهم من عائدات ذلك البيع في سوق الانتاج. يحدث ان تكون البطالة هي المحرك والدافع للاحتجاجات لكنها تبقى نتيجة، هي نتيجة الصراع بين المنتجين ومالكي الثروات حين يقرر أولئك المالكين التخلي عن عدد من المنتجين، مما يعني انها يجب ان تصنف كنتيجة مثل اي نتيجة اخرى لفساد النظام وسفالة المالكين كغياب الخدمات وتردي الوضع الأمني وسوء التعليم وتردي المناهج. ان فصل البطالة كمعضلة قائمة بذاتها لاتتعلق بالصراع الطبقي لا يأتي الا بسبب التخبط ولا يخدم الا المالكين بإعفائهم من مسؤوليتهم المباشرة مع سبق الاصرار في تردي الوضع المعيشي والخدمي والأمني للجماهير.
فِي ظرف تاريخي معين يتمترس الحفاة (كما يحلو لهم تسميتها) تحت هذا الشعار او ذاك، وبعيدا عن كل تلك المقالات وتزوير التاريخ والتنظيرات المعقدة التي تحتاج الى قواميس لفهم المغزى، فان السؤال هو باي شكل تنظيمي وبأي نظرية ثورية تستطيع ان تستولي على السلطة؟ وكيف تحقق لهم نظام حكم ذاتي؟ كيف تحقق لهم حكومة يديرونها بأنفسهم ووسائل انتاج يمتلكونها بأنفسهم؟ فيما ساهم انتشار الجوع والفقر والبطالة في زيادة كبيرة ومليونية بإعداد العمال العاطلين عن العمل، ساهم ايضا بعض المثقفين بجر هؤلاء العاطلين الى التغريد خارج السرب. في مثال خارج الوضع العراقي نجد ان احتجاجات الستر الصفراء لم يكن بسبب الحرمان لدرجة التشرد فمعظم المحتجين لديهم عمل ولديهم مستوى معيشي معين لكنه لايتناسب مع ارتفاع مستوى الأسعار اي انهم لم يصلوا الى درجة المجاعة وبالرغم من ذلك وبالرغم من مليونية احتجاجاتهم لم يحققوا اهدافهم لغياب التنظيم بالرغم من ان قوتهم تفوق قوة الحزب الحاكم باضعاف مضاعفة، مثال اخر هو المتظاهرين المصريين وكان عددهم 35 مليون خرجوا ضد حكم الاخوان المسلمين لكنهم لم يكونوا منظمين فكان فصيل واحد منظم ومسلح وهو الجيش من بادر باستلام السلطة وبيع الوهم. على الرغم من ان شعبية الجيش المساند للدكتاتوريات السابقة ولحكم الاخوان أنفسهم لم تكن غير مكانا للشك.
في معرض نقدي لعدم التنظيم بمقالات سابقة ايضا اود ان أشير الى نقطة في نفس الإطار رغم انها تبدو بعيدة وهي مسألة وهم التنظيم بدون نظرية ثورية ومنهج عملي لإدارة الاعتراض ولتقديم البديل فيما بعد نجاح الاحتجاجات وسقوط النظام، احتجاجات البصرة خير دليل على ذلك اذ ان انسحاب الجيش والقوات القمعية والميليشيا وهروب المحافظ وكل كابينته وترك البصرة في غياب حكومي لمدة أسبوع دون مبادرة اي من التنظيمات للحل محل تلك الحكومة المهزومة شكل ضربة قاصمة للتنظيمات (التي لم تكن تنظيمات على مستوى سياسي مقتدر) مما أتاح عودة الحكومة وبدء حملة التصفية التي قادتها الميايشيات فكان بالإضافة الى عودة القمع وتدمير حتى المنجزات البسيطة التي حققتها الاحتجاجات فان التجربة خلقت اجواء من عدم الثقة من ناحية الجماهير اذ انها حين تتبع مجموعة يفترض ان تكون منظمة وبخطوات احتجاجية-سياسية فانها تتوقع ان تحل محل الحكومة وتدير الامور ولايكفي ان يكون الانسان يتمتع بالأخلاق (حباب) كي يقود الاحتجاج. ان التخبط التنظيمي بل وحتى الايدلوجي لمجموعة مسرحيي الحفاة هو حقيقة تصرف غير مسؤول، فمجموعة الأشخاص الذين يتبعون أولئك الذين يسوقون أنفسهم كقادة جماهيريين يثقون بانهم يشعرون بمأساتهم وسيقودونهم الى بر الأمان فيما يفكرون هم ليس الى التخلي عن شعاراتهم بل التوقف عند نقطة طرح المأساة والتباكي الأبدي مع خلو منهاجهم بالكامل من اي حل، من اي مبادرة نضالية، من اي أفق سياسي لإدارة الأزمة وليس اكثر من الاستجداء وابراز حجم المأساة دون النظر لحجم التأثير الجماهيري بالمقابل وقدرته على فرض البديل الواعي والمنظم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024