الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2

دلور ميقري

2019 / 3 / 23
الادب والفن


" إذاً أنت تعرفت على أحد أحفاد شقيق الحزّان، يوسف بن عمران؟ "
ابتدأ الرجلُ بالكلام، مشدداً على قرابة السائح لصاحب المخطوطة، معتقداً أنه بذلك يصحح معلومتي. ثم استطرد، قائلاً أنّ " الحزّان " هوَ من الشخصيات التاريخية المرموقة لدى أبناء طائفته في الصويرة. من ناحيتي، كنتُ بأمس الحاجة فعلاً للمعلومات، الممكن الإفادة منها في تحقيقي للمخطوطة؛ وبالأخص، ما يتعلق بالمرحلة اللاحقة لتوقف مؤلفها عن الكتابة. هذا، مع يقيني بلا جدوى البحث عن آثار التاجر " جانكو بوتاني " في هذه المدينة، طالما أنه تركها مبكراً وانتقل إلى مراكش. مع ذلك، قدّرتُ بأنني عند بائع كتب، مثقف ونابه، في وسعي الحصول على مراجع تاريخية تفي ببعض الغرض من وجودي هنا في مكتبته. أجل، لقد تجلت لي ثقافة الرجل من خلال معرفته تقريباً لما كنتُ بصدد البحث عنه، فضلاً عما اتسم به مسلكه من تواضع وتحفّظ. مع أنني، في حقيقة الحال، لا أتذكر بشكل جيد ما كنا قد ناقشناه من أمور. سوى أنّ صوته الخافت، ذكّرني بأولئك المتعيّن عليهم الخشية من التصريح بهويتهم الأثنية في مجتمع بات يرفض التعدد والتنوّع ويميل إلى التزمت ورفض الآخر.
بدأ جرسُ صوته ناعماً، لما راحَ يقدم لمحدثه لمحة عن أحوال أبناء طائفته: " لم يكن اليهود في هذه المدينة الأغلبية، حَسْب، بل وفوق ذلك نخبة أهل الفكر والفن، علاوة بالطبع على إمساكهم بمفاتيح التجارة. برغم تدهور مكانة موغادور، كأهم مرفأ في السلطنة، بقينا محتفظين بوضعنا الاقتصادي الممتاز وحظوتنا الاجتماعية. بيد أن الأجواء بدأت تتجهم اعتباراً من عام انتهاء الحماية الفرنسية، لنغدو فجأة في نظر الأغلبية المسلمة شأن الأجانب من الجاليات المتواجدة سواءً بفضل الاستعمار أو بحكم الهجرة الطبيعية ".
سألته مقاطعاً: " أنتَ تعني عوام الناس، وليسَ الطبقة الحاكمة.. أليسَ كذلك؟ "
" بلى، برغم أن أعوان السلطان، وكان ما يفتأ آنذاك في المنفى، هم مَن كانوا وراء التحريض على الكراهية والعنف "
" هذا حصل أيضاً في سورية، حيث انقلبت النخبة الحاكمة على الأقليات بعيد جلاء الفرنسيين وراحت تصمهم بكونهم استفادوا من فترة الاستعمار أو تعاونوا معه "
" نعم، الظروف متشابهة بين بلدينا وكان قدرهما أن يحظيا بنفس القوة المستعمرة. الحق أنّ الفرنسيين في سعيهم لتحديث المغرب، وفق رؤيتهم بالطبع، كانوا قد كفوا عن تبني نظرية أسلافهم من الرحالة والقناصل، التي عدّت الجميع من متوحشي أفريقيا. ولكنهم اعتبروا أنّ الإنسان البربريّ، وليسَ العربيّ، قابلٌ للتطور والتكيف مع الظروف الجديدة. لدرجة اعتبارهم للأمازيغ جنساً من أصل رومانيّ، والزعم أن لغتهم تنتمي للمجموعة الهندوأوروبية. أما اليهود، فلم يكونوا في حاجةٍ لأيّ تصنيف من ذلك القبيل طالما أنهم، كما ذكرتُ قبلاً، كانوا تقليدياً هم نخبة المجتمع المغربيّ "
" ما أعلمه من قراءاتي، أنّ الأمازيغ كانوا في طليعة مَن حملوا السلاح بوجه الفرنسيين؟ "
" بل وقل أنهم الوحيدون تقريباً، من فعلوا ذلك على امتداد البلاد! "، أجاب الرجلُ بلهجته المتحولة من التمتمة إلى الخطابية الجهيرة. ثم أردفَ القول، مستدركاً: " كنتُ في سبيلي للإتيان على ذكر هذه الحقيقة، التي تفضلت أنتَ بملاحظتها. بلى، حاول الفرنسيون شدّ نظريتهم المستحدثة، الضيّقة التفكير ولا شك، على مساحة المغرب والذي بقيَ غريباً عليهم حتى بعد أعوام من الوصاية عليه. لم يدركوا حجم تأثير الدين بين أمازيغ البلاد، وأنهم ينظرون إلى السلطان العلويّ كسليل لنبيهم. حتى اللغة العربية، عدّها البربر مقدسة، ورفضوا محاولة الإدارة الاستعمارية فتح مدارس لأبنائهم لتدريس اللغة الأمازيغية بأحرفها القديمة. وكان الفرنسيون قد ضغطوا على القصر لإصدار وثيقة عُرفت ب ‘ الظهير البربريّ ‘، كانوا يأملون عبرها تطبيقَ نظرية الحداثة على أمازيغ البلاد. غير أن هؤلاء، لدهشة الإدارة المستعمرة، هم مَن رفضوا الظهير وما لبثوا أن دعوا بأنفسهم السلطانَ إلى الجهاد ضد الكفار النصارى! ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في