الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر.. من الانتفاضة الديمقراطية إلى الثورة

اليستير فارو

2019 / 3 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

تشع الاحتجاجات الجماهيرية التي تجتاح الجزائر في الأسابيع الأخيرة بالإلهام. أجبرت هذه الاحتجاجات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إعلان عدم ترشُّحه في الانتخابات. استقال رئيس وزرائه، أحمد أويحيى، وحلَّ محله نور الدين بدوي، الذي قال إنه يسعى لتأسيس حكومة تكنوقراط، في محاولةٍ يائسة لاحتواء الغضب الرهيب لدى الجزائريين.

لكن الناس العاديين يتحدَّون هذه المحاولات لخنق حركتهم، ويستمرون في الاحتجاج والتظاهر. خرجت أعدادٌ هائلة من المتظاهرين، يوم الجمعة الماضي، ضد محاولات بوتفليقة وزبانيته للتشبُّث بالسلطة. وقد طرحت التظاهرات أسئلةً سياسيةً مهمة حول كيفية التحرُّك من المعركة ضد الديكتاتور وحده إلى حركةٍ ثورية يمكنها تغيير المجتمع.

كان ذلك سؤالًا واجهه الثوار في روسيا قبل أكثر من قرنٍ من الزمان، وتوصَّلوا إلى إجاباتٍ لا تزال صالحةً إلى اليوم. طوَّر القائد الثوري الروسي ليون تروتسكي نظرية الثورة الدائمة بالأخص لفهم كيف يمكن أن تجري الثورة في روسيا، لكنه عمَّم النظرية لتتناول كيف يمكن أن تجري الثورات في بلدان ما يُسمَّى بالجنوب العالمي.

تلقي هذه النظرية الضوء على عملية تحوُّل المعارك من أجل الديمقراطية إلى نضالاتٍ من أجل تغييرٍ أكثر جوهرية. وتشير أيضًا إلى خطورة بقاء الاضطهاد والاستغلال القديمين كما هما حتى بعد سقوط الحكام الديكتاتوريين، إن لم تتطوَّر النضالات بصورةٍ أعمق.

على سبيل المثال، تحرَّرت الجزائر من الاستعمار الفرنسي في الستينيات على خلفية معارك طويلة وبطولية، وكان ذلك انتصارًا جبارًا بحق. لكنها لم تتحوَّل إلى مجتمعٍ في صالح العمال والفقراء، لأن قسمًا من الطبقة الرأسمالية هو من سيطر على السلطة.

السيطرة
في روسيا، حين اندلعت ثورة 1917، كان الرأسماليون مرتبطون بصورةٍ وثيقة بالنظام القديم. جادل تروتسكي بأن بسبب ذلك، وبسبب جبنهم السياسي، فإن الطبقة العاملة هي العنصر الرئيسي للتغيير. تمكَّن العمال من شنِّ عمليةٍ ثورية لإطاحة الحكم القيصري، ورأى تروتسكي أنهم -كجزءٍ من العملية الثورية- يمكنهم أيضًا إطاحة الدولة الرأسمالية والسيطرة على إدارة المجتمع. ومن خلال حركتها الجريئة، يمكن للطبقة العاملة جذب الفئات المُضطهَدة الأخرى في المجتمع إلى النضال.

هناك دروسٌ مشابهة للعملية الثورية في الجزائر اليوم. صحيحٌ أن الجزائر اليوم مُدمَجَة كليةً في النظام الرأسمالي العالمي، لكنها ليس واحدةً من اقتصاداته المركزية. كان ذلك منطبقًا أيضًا على روسيا في وقت ثورتها.

تطوَّرَت الرأسمالية في روسيا بصورةٍ خاصة، ففي بداية القرن العشرين كانت الأغلبية العظمى من السكان لا تزال خاضعة للإنتاج الفلاحي تحت هيمنة الإقطاعيين وكبار مُلَّاك الأرض. الاستثناءات من ذلك كانت في المصانع الكبرى في المدن، وقد تضمَّنَ عددٌ من هذه المصانع بعضًا من أكثر التقنيات تقدُّمًا على الأرض آنذاك. على سبيل المثال، كان مصنع بوتيلوف هو الأكثر تقدُّمًا من نوعه في العالم في ذلك الوقت.

وكما كَتَبَ تروتسكي، فإن ذلك كان يعني أن تشهد روسيا “الصناعة الأكثر تركيزًا في أوروبا في أكثر بلدٍ زراعي متأخر”، لكن أيضًا أن “يستغل جهاز الدولة الأضخم في العالم كل إنجازٍ للتقدُّم التقني الحديث من أجل تأخير التقدُّم التاريخي لبلده”.

أطلق تروتسكي على هذه العملية المتناقضة اسم “التطوُّر المُركَّب واللامتكافئ”. كانت وتيرة التغيير في روسيا سريعةً بما يمكن أن يُقارَن بما حقَّقَته الرأسمالية من تطوُّرٍ في بلدانٍ مثل بريطانيا على مدار عقود وقرون.

تدفَّقَ الناس من الريف إلى المدن من أجل العمل في المصانع. وبسبب التركُّز الكثيف لرأسمال المال في روسيا، كانت الطبقة العاملة الجديدة تتمتَّع بقوةٍ هائلة. وهذه القوة هي ما مكَّنَتها من قيادة الطبقات الأخرى، بالأخص القطاعات الضخمة من الفلاحين، في نضالٍ لإسقاط القيصر والنضال من أجل مجتمعٍ من نوعٍ جديد.

المطلب المركزي للحركة الجماهيرية في الجزائر هي إسقاط بوتفليقة. هناك أيضًا مطالب قوية بإجراء المزيد من التغييرات واسعة النطاق، مثل إعادة توزيع الثروة. لكن إذا حلَّ محلَّ بوتفليقة خصمٌ رأسمالي آخر أو نظامٌ تكنوقراطي، وانسحبت الحركة من الشوارع، فإن تغييرًا حقيقيًا لن يكون مُرجَّحًا.

العمال
ربما ليس هناك متسعٌ للطبقة الحاكمة الجزائرية للمراوغة. أثَّرَ هبوط أسعار السلع الأساسية بشدة على القطاعات الرئيسية للاقتصاد، بالأخص صناعة الغاز الطبيعي. وهذا ما يُقوِّض قدرة النظام الحاكم على الحفاظ على الدعم المُقدَّم على السلع الأساسية والخدمات. وتخضع الطبقة الحاكمة الجزائرية لمصالح قوى إمبريالية كبرى، وهذا يعني أن أيًّا من عناصر هذه الطبقة يمكنه تقديم التغيير الديمقراطي والاجتماعي الذي يطالب به المتظاهرون والمضربون.

جادل تروتسكي بأن في أوضاعٍ مثل هذه، يُعد النشاط الذاتي للطبقة العاملة أساسيًا في النضال. تتزايد مركزية الطبقة العاملة في الانتفاضة في الجزائر، حيث الإضرابات التي بدأت في المدارس والجامعات، والتي امتدَّت إلى صناعات النسيج والنقل، علاوة على صناعة النفط والغاز الطبيعي. هذه الإضرابات يمكنها ضرب أرباح الطبقة الحاكمة وإرساء قاعدة لسلطة مُنافِسة لأولئك القابعين على قمة هرم المجتمع.

في الجزائر اليوم، يهتف الملايين من الناس “الشعب يريد إسقاط النظام”. يأتي ذلك كتذكيرٍ قوي بالعملية التي سقط فيها العديد من الديكتاتوريين من السلطة في المنطقة العربية 2010-2011. لكنه أيضًا تذكيرٌ منطقي بنتائج هذه الثورات.

كانت تونس هي نقطة انطلاق ثورات المنطقة العربية قبل ثمان سنوات مضت. واليوم، لا تزال هناك احتجاجاتٍ في تونس تطالب بإنهاء الفقر، الذي كان هو من أشعل انتفاضات 2011 بالأساس. أما أولئك الذين يحمون النظام، فيتمسَّكون بالثورات المهزومة كدليلٍ على أن الثورات بصورةٍ عامة محكومٌ عليها بالفشل. ويُركِّز الحُكَّام الديكتاتوريون عبر الشرق الأوسط على سوريا وصعود داعش كنموذجٍ لذلك.

لكن الانتفاضة الجارية في الجزائر تُبرِز البديل لكلٍّ من الوضع الراهن وللمذابح في سوريا على السواء. لدى الطبقة العاملة الفرصة لإظهار الطريق للأمام، بينما يتشبَّث مؤيدو النظام بالديكتاتوريين المتوحشين خوفًا من تقدُّم الحركة الجماهيرية.

في مصر، يعتقل الجنرال عبد الفتاح السيسي عشرات الآلاف، وقد أعدم 15 شخصًا في فبراير الماضي وحده. ويصف تقريرٌ أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش التعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز المصري بأنه “ممارسةٌ منهجية”. بينما نجد برلمانيًا مثل أنور السادات يقول إنه “بغض النظر عمَّا إذا كان السيسي هو الخيار المثالي لمصر أم لا، لا نملك خيارًا إلا أن ندفعه للنجاح. مصر لا يمكنها تقديم ثورة أخرى”.

الانطلاق إلى الأمام
لابد من وجود حزب ثوري وتنظيم مستقل للطبقة العاملة من أجل تطوير الفرصة للتغيير الآن، إذ من شأنهما في المقام الأول حماية هذا المسار النضالي من الثورة المضادة. يمكنهما أيضًا خوض الجدال لصالح تأسيس أشكال أكثر ثراءً للديمقراطية، مثل مجالس العمال، والتحذير من الوثوق في أيٍّ من أجنحة الرأسمالية.

تمثِّل الأممية عنصرًا مركزيًا في نظرية تروتسكي “الثورة الدائمة” لسببين رئيسيَّين. أولًا أن النظام العالمي يترابط بصورةٍ متزايدة، وهذا يعني أن الأزمات -السياسية والاقتصادية- تتسع تأثيراتها على المستوى الدولي. وهكذا فإن على الثوريين أن يصيغوا تحليلاتهم بناءً على العمليات الجارية في العالم ككل، وليس استنادًا إلى الظروف السائد في كلِّ بلدٍ على حدا. ثبت هذا خلال ثورات الربيع العربي، إذ سرعان ما انتشرت الثورة عبر المنطقة، وهذا ما تثبته أيضًا التطوُّرات الجارية حاليًا، مع توسُّع الإضرابات والمظاهرات في الجزائر والسودان وتونس والمغرب.

ثانيًا أن الثورات لابد أن تنتشر فعلًا لأجل أن تحرز الانتصار. أشار كارل ماركس إلى ذلك في العام 1850 حين كتب أن “من مصلحتنا ومن مهماتنا أن نجعل الثورة دائمة … ليس في بلد واحد وحسب بل في كل بلدان العالم”. وتجسَّد إسهام تروتسكي في ذلك في تحديده هذه الديناميات وتحويلها إلى الفعل المباشر. انضم إلى الحزب البلشفي، الذي تبنَّى هذه النظرية في العام 1917 وشقَّ طريقه بناءً عليها. كان ذلك يعني قطيعةً عمَّا كان يُفتَرَض أنه توافقٌ بين فصائل اليسار الثوري في ذلك الوقت.

هناك أبعادٌ خاصة في روسيا 1917 لا يمكن تطبيقها الآن، لكن العناصر المركزية في نظرية تروتسكي لا تزال حاسمة إلى اليوم.

– هذا المقال مترجم عن صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا


.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.




.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي


.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024




.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم