الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المغرب فعلا مقبل على هزّة شعبية ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2019 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كل الشبكات العنكبوتية تتحدث اليوم ، عن احتمال حدوث هزة اجتماعية شعبية ، بسبب الحگرة ، وموجة الغلاء التي لا تطاق ، والظلم المستشري على نطاق واسع ، والفساد الذي تفشى وبشكل واضح في كل مفاصل الدولة .
ومن بين المنظمات التي تنبّئت بالهزة الشعبية الجماهيرية ، نذكر " منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الاوسط وشمال افريقيا " . لاحظوا التركيز على العبارة " الشرق الاوسط وشمال افريقيا " ، وهي العبارة التي استعملتها الادارة الامريكية كمدخل لتفتيت المفتت ، واضعاف الضعيف ، وتجزييء المجزأ . فما يدور اليوم بالشرق الاوسط ، سيجد تكملته بشمال افريقيا ، رغم الدعوات التي تردد استحالة تكرار الحالة السورية ، والعراقية ، والليبية ، بالمنطقة المغاربية .
كان الهدف من مخطط مشروع الشرق الأوسط ، إعادة صياغة جغرافية جديدة ، يتبعها تغيير أنظمة سياسية ، وتغيير اثنيات وقبائل ، بما يبني لمخطط سايكس بيكو جديد بالمنطقة ، وهو نفسه المخطط الذي ينتظر تطبيقه بالشمال الافريقي .
لقد مر " الربيع العربي " بردا وسلاما على النظام المغربي ، لأنه خدمه من حيث لا يحتسب . فرغم اشتداد موجة حركة 20 فبراير في اوج عطاءها ، فهي ظلت حبيسة لشعارات برجوازية صغيرة ، من قبيل الدعوة الى ملكية برلمانية ، وهي الشعارات التي رغم ترديدها من قبل الجموع ، فإنها لم تكن مفهومة سياسيا ، وايديولوجيا من قبل الفبرايريين ، اللهم الجماعات المُسيّسة كحزب النهج الديمقراطي ، وجماعة العدل والإحسان .
لذا حين جاء خطاب 11 مارس ، اعتقد الفبرايريون انه خطوة نادرة في العمل السياسي ، وان التعديل الذي ادخل على الدستور الممنوح ، اعتبر بحق ثورة دستورية في عالم الدساتير الممنوحة .
لكن من خلال تحليل ما يسمى بالتعديل الذي أُدخل على الدستور ، فباستثناء التشطيب على قداسة شخص الملك ، فان الفصول التي كانت محط نقاش ، وتظاهر التعديل بإلغائها ، ظلت كما هي ، حين تم تشتيت مثلا الفصل التاسع عشر الذي كان يعتبر دستورا داخل الدستور ، الى عدة فصول تركز على نفس القوة السياسية التي يتمتع بها الملك كمؤسسة فريدة فوق كل السلط .
فهل التعديل الذي ادخل على الدستور في 2011 ، استجاب لمطالب حركة 20 فبراير ، واسس للملكية البرلمانية على منوال الملكيات الاوربية ؟
الجواب طبعا هو النفي ، لأنه بالرجوع الى الدستور وتحليل مواده وفصوله ، سنجد ان لا شيء تغير ، باستثناء تحويل مقر الوزارة الأولى الى وزارة للتصديق ، وتمرير كل القرارات التي تأتي من القصر .
كذلك سنجد ان نفس الآلة السلطوية التي تُميّز شخص الملك ضمن النظام السياسي المغربي ، لا تزال كما نصصت عليها كل الدساتير التي عرفها المغرب ، منذ اول دستور مطبوخ في دهاليز الاستعمار الفرنسي في بداية الستينات .
ان المتصفح لكل فصول الدستور، سيجد فقط الملك الضامن وحده لحسن سير واستمرار الدولة ، وهذا يتجلى بالخصوص بتركيز كل السلطات بيده ، حيث يعتبره الممثل الاسمى للامة ، وليس ممثلها ( النواب ) الذين ( ينتخبون) الى البرلمان . ان ما سُميّ بالتعديل الذي أُدخل على الدستور في سنة 2011 ، قد خدم الآلة البوليسية للدولة ، ومن جهة حافظ على نمط الملكية بالمغرب كملكية مطلقة ، يحتفظ فيها الملك لوحده بكل السلطات ، ويحتفظ في نفس الوقت بالسلطة الدينية التي تجعله في مرتبة سامية ، فوق جميع السلطات ، لأنه هو الدولة ، والدولة هي الملك .
إذن ، ان الحديث عن الهبّة ، او الانتفاضة ، او الهزة الشعبية الجماهيرية ، إذا كانت ستعطي نفس النتائج التي انتهت اليها حركة 20 فبراير ، فهي وبخلاف ما تتوقعه مختلف شبكات ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، ستكون كذلك بردا وسلاما على النظام ، وعوض انتظار نتائج مغايرة ، فان أي تطور ولو شكلي ، لن يخرج عن طبيعة النظام السياسي المبني على الاثوقراطية الرجعية المغلفة بالقرآن ، المجسد للبتريركية ، والفيودالية ، والبتريمونيالية ، والقروسطوية المتعارضة مع الأنظمة الديمقراطية .
ان الدافع المساهم في هذه النتيجة التي وصلت اليها حركة 20 فبراير ، يرجع بالأساس الى القوى السياسية التي كانت بارزة ، ولعبت دورا في تقلب المحطات التي قطعتها الحركة ، حتى انسحاب جماعة العدل والإحسان منها بشكل فاجئ حلفاءها ، وعلى رأسهم النهج الديمقراطي .
فلو لم يكن حزب النهج والجماعة ، هل كان بإمكان حركة 20 فبراير ، ان تصل الى ما وصلت اليه ، رغم عطاءاتها الباهتة ؟
بالرجوع الى مختلف الهزات التي حصلت بالمغرب ، سيتبين انها لم تأت فجأة ، ولم تكن تقليدا لموضة هزات عرفها العالم . بل وبخلاف حركة 20 فبراير التي جاءت كتقليد للهزة التي حصلت بمصر ، وليبيا ، وسورية ، فقد وقفت وراءها قوى سياسية جذرية ، كانت تعتبر النظام كتناقض أساسي واستراتيجي .
ان هزة 23 مارس 1965 ، رغم انه شحنتها الوضعية الاجتماعية الأكثر من متدهورة ، فقد كانت وراءها منظمات سياسية ، كان على رأسها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . ان الشعارات التي تم رفعها بالدار البيضاء في اغلبيتها ، كانت مستوحاة من فترة المقاومة وجيش التحرير ، والنضال ضد الكلونيال الفرنسي .
ان نفس الشيء كان وراء هزة 9 يونيو 1981 ، فرغم الزيادات في الأسعار التي شحنت الجماهير ، فقد وقف وراء الهزة ، نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، مدعومة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، الذي كان لا يزال يضم عناصر تحن الى فترة المقاومة ، والى ادبيات الاختيار الثوري ، كما لا ننسى دور التنظيمات الماركسية المختلفة ، التي لعبت دورا في الدفع بهزة 9 يونيو الى اقصى عطاءها .
ان نفس الشيء نلاحظه في هزة 1984 وهزة 1990 . فلولا انخراط اليساريين بمختلف توجهاتهم بمراكش ، وانخراط الاتجاهات الشيعية بالشمال ، لما كان لأحداث 1984 ان تقع . وهكذا .
الآن يتحدثون عن هزة شعبية جماهيرية ، معتقدين ان التاريخ يعيد نفسه بشكل صحيح ، بحيث ان الظروف المجتمعة ، كلها تندر ، وتتوقع حصول هزة شعبية جماهيرية قادمة .
لكن التساؤل : من هي القوى التي ستأخذ المبادرة لدعوة الشعب للنزول الى الشارع ؟
التاريخ هنا لا يعيد نفسه بشكل صحيح ، بل يعيده بشكل مهزلتي ، وبشكل تراجيديا . فاين هي الأحزاب والمنظمات التي ستدعو الى الهزة ؟
هل جماعة العدل والإحسان ؟ ، هل حزب النهج الديمقراطي ؟ ، هل الحزب الاشتراكي الموحد ؟ ، هل حزب الطليعة ؟ ، هل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ؟ ، هل حزب التقدم والاشتراكية ؟
أسئلة تثار لان الوضع الحالي رغم الازمة المستفحلة ، فهو يمتاز بفراغ الساحة .
ان الحديث عن الهزة ، او الانتفاضة الجماهيرية التي تتحدث عنها المواقع المختلفة ، تبقى بعيدة المنال في الظرف الحالي ، ومن جهة كيف يمكن تصور قدوم هبّة والجزم بحصولها ، وكأن الانتفاضة مجرد نزوة بشرية ، وليست فكرا يكون قد حفر اقدامه جيدا في التربة الشعبية .
فهل من هبّة او انتفاضة حصلت في التاريخ ، دون ان يؤطرها فكر ثوري أيديولوجي او عقائدي ؟
ولنفترض جدلا ، ان هذه التنظيرات لها نسبة مئوية من الجدية ، وهنا سيصبح السؤال : كيف للهبّة او الانتفاضة ان تتحول الى ثورة تقلب موازين القوى ، وتحدث التغيير الراديكالي المنشود ، من دون ان يكون من وراءها فكر ثوري ، ومنظمات ثورية .
ثم ما مصير أي هبّة او انتفاضة غير مؤطرة ، وغير متحكم في مقودها ؟ فالى اين ستنتهي الاحداث التي قد تأتي على ضوئها ، خاصة وان كل المؤشرات ، ومن خلال تحليل المعطيات المتوفرة الى الآن ، تجزم باستبعاد حصول ثورة بمفهومها الدقيق بالمغرب .
ولنا ان نتساءل . لماذا فشلت انتفاضة 23 مارس 1965 ، ولماذا فشلت انتفاضة 9 يوينو 1981 ، وفشلت انتفاضة يناير 1984 ، وانتفاضة 1990 ؟
ان سبب الفشل ، انّ القوى التي دعت الشعب للخروج الى الشارع ، أصبحت متجاوزة في شعاراتها الخبزية ، والمصلحية ، بشعارات الشعب التي طالبت بإسقاط الدولة .
ان دعوات تلك القوى للإضراب العام ، لم يكن من اجل مصلحة الشعب ، ومن اجل مصلحة الجماهير ، بل ان تلك القوى استعملت الشعب ، لتحقيق مكاسب سياسية انتخابية ضيقة ، لا علاقة لها بالوعود ، والمطالب التي نشرتها اليوميات الورقية المهرجة على الاضراب . فمحاولة الضغط على النظام باستعمال الجماهير لتحقيق مكاسب انتخابية ، فطن له جموع المتظاهرين ، فكان ان حصل شرخ كبير في الصفوف ، حيث أصبحت القوى البرجوازية اللاّهثة وراء مصالحها محصورة في واد ، في حين انساقت الجماهير والشعب في واد آخر ، وصل الى حد التخريب من اجل التخريب ، والتدمير من اجل التدمير . هكذا غابت الشعارات الثورية التي تم ترديدها في اليوم الأول من الانتفاضة ، ولتتحول الى فوضى عارمة ، سهلت على النظام قمعها بكل وحشية غير معهودة .
لقد اختلفت الظروف الداخلية التي أدت الى كل الانتفاضات التي عرفها المغرب ، كما تغيرت الظروف الدولية عمّا كان عليه الامر سابقا . وهذا يعني ان النظام الذي اغرق الانتفاضات السابقة في بحر من الدماء ، لن يستطيع الآن تكرار نفس الأسلوب ، وبنفس القوة في مواجهة هبّات او انتفاضات قد تحصل بين الفينة وأخرى .
ان اطلاق الرصاص على المتظاهرين ، سيكون رصاصة الرحمة التي سيطلقها النظام على رأسه دوليا ، خاصة وان الأوضاع مراقبة ومتحكم فيها من قبل دول مجلس الامن ، ومن قبل الأمم المتحدة ، والاتحادات الدولية ، كالاتحاد الأوربي .
طبعا ان هذا التغيير في أسلوب المواجهة ، سيلاحظ في كيفية تعامل الدولة مع حركة 20 فبراير ، ومع حراك الريف و حراك جرادة ، وصفرو وزاگورة ....الخ .
فبالإضافة الى عزل المناطق المشتعلة ، والتعامل معها بحسب حجم التهديد الذي شكلته للدولة ، فالملاحظ ان الرصاص لم يطلق ، ولم يسقط متظاهر برصاص البوليس ، او الدرك ، او الجيش ، وهذا التغيير في الأسلوب ، لطّف من الضغط الدولي على الدولة في مجال حقوق الانسان ، واصبحت الاحداث في مخيلة منظمات حقوق الانسان الغربية ، تعني شيئا واحدا ، هو تكييف نتيجة الاحداث بخضوعها ، او عدم خضوعها للقانون .
إذن في ظل فراغ الساحة من أحزاب ، وتنظيمات الستينات ، والسبعينات ، والثمانينات ، فمن هي الأحزاب التي ستدعو اليوم الى الاضراب العام ، ونزول الشعب الى الشارع ؟
الجواب ان هذه الأحزاب غير موجودة ، ولا يمكن انتظار ان تقوم الأحزاب الملكية ، بالدعوة والتحريض ضد الملكية التي تتواجد كأشخاص بفضلها ( أي الأحزاب ) ، لا العكس .
نعم قد يحصل في بعض المرات ان يخرج الوضع عن زمام المبادرة والتحكم ، لكن في غياب الفكر الثوري ، والاداة الثورية ، فان أي هبّة ستغرق في فوضى عارمة ، وستسهل على الدولة البوليسية التعامل معها بأساليب تختلف عن أسلوب الستينات ، والسبعينات ، والثمانينات من القرن الماضي .
ان الحالة الوحيدة التي قد تؤدي الى تغيير الدولة، وليس فقط النظام، هو ان تنفصل الصحراء عن المغرب لا قدر الله، ويرجع المغرب الى جغرافيته قبل سنة 1975 .
إن حصل ان انفصلت الصحراء ، أكيد ان الشعب سينزل في شكل طوفان الى الشوارع ، وأكيد ان الجيش الذي دافع عن الصحراء طيلة أربعة وأربعين سنة خلت ، سيصاب بنكسة وبخلل ، قد يتجسد في تمرد للوحدات التي سترفض مغادرة الصحراء ، وقد يتجسد في انقلاب عسكري مدفوعا من واشنطن ، ومن العديد من الدول الغربية ، وروسيا ... لامتصاص النقمة والغضب ، ولإلهاء الشعب الذي سيصبح مهددا في وحدة كل تراب المغرب ، وليس فقط في الصحراء .
ان أي تغيير جذري للنظام ، ولوحدة المغرب ، سيكون بابه الصحراء ..
لذا فالنظام في مفاوضات الصحراء ، فهو يدافع بدرجة أولى عن وجوده وبقاءه ، من خلال رفضه لانفصال الصحراء . فهو يعلم علم اليقين ، ان انفصال الصحراء تعني نهايته الحتمية .
إذن حتى نهاية 2020 ، فان أي حديث عن هبّة او انتفاضة ، يبقى من باب الأماني ، والتطلعات النرجسية ، التي لا علاقة لها بالواقع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي