الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب السلفي التقليدي المعاصر

أحمد موسى قريعي
مؤلف وكاتب صحفي سوداني

(Ahmed Mousa Gerae)

2019 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الخطاب السلفي التقليدي المعاصر ( 1- 2 )
أحمد موسى قريعي
يجب أن نُلحق بنظرية "الخنوع للحاكم" الخطاب السلفي التقليدي المعاصر، لأنني أعتقد وبكل ثقة أن بينهما مودة ورحمة، فهما يلتقيان ولا يتقاطعان أبداً بل أن الخطاب السلفي هو القاعدة التي تنطلق منها سهام نظرية الخنوع المسمومة، حتى يتم توجيهها للنيل من سماحة الإسلام وخطابه الوسط المعتدل الذي يبتعد أميالاً عن مناطق التطرف والهمجية والبربرية والخنوع ، ونبذ الآخر، وأمراض الشك والبغض والكره التي يعاني منها الخطاب السلفي الآن، والذي يحاول ويصر على أن يخلق له أعداء من العدم عن طريق القدح والذم والشتم والتصنيف والتقسيم، والتحريض والتحذير. فهذا عندهم منحرف وذاك منسلخ، وأؤلئك مبتدعون، وهؤلاء يتبعون القاعدة والسرورية والصوفية والمعتزلة والرافضة والمعطلة.
ما هذه الفوضى؟ التي تغللت في عقول وأفئدة هؤلاء القوم الذين أدمنوا لعن الآخر، فجعلعوا المجتمع الإنساني كله عبارة عن حجارة "شطرنج" تنتظر من يُسير خطواتها أنى شاء. وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والسؤال هل يعتقد هؤلاء أن الرسول الأكرم يعاني من أمراضهم هذه، أو أنه يحمل حقدهم وبغضهم لخلق الله؟ أو أنه صلى الله عليه وسلم يسب ويشتم ويقذف الناس هكذا؟ لا بل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سمحاً في معاملاته مع الناس فكان يقول : "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، وكان سمحاً إذا باع أو إشترى، وكان سمحاً رحيماً إذا جاهد في سبيل الله، وكان سمحاً في أخلاقه، وسمحاً إذا وعظ الناس أو دلهم إلى الله سبحانه وتعالى، وكان سمحاً واسع الصدر مع من خالفه من الناس في الرأي، وسمحاً إذا قال أوتكلم أو تحدث، لأنه كان رسول الله إلى الإنسانية جمعاء رحيماً بها، بل كان رحيماً حتى مع الحيوانات والبهائم : أيها الناس : "إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنو الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
إذن لماذا نسي هؤلاء الناس أنه مثلما يتكون البناء من أحجار متجاورة وأشكال متناسقة، وأعمدة راسخة يقوم عليها، ثم من جدران محصورة بين تلك الأعمدة، يتكون كذلك المجتمع من أفراد وجماعات، وأجناس متآلفة، ومنتظمة أو يجب أن تكون كذلك؟ ولماذا نسوا أن الإسلام اعتبر إختلاف الأجناس، والآراء مصدراً من مصادر التشريع، وعنصرا لتحقيز، وإثراء الفكر، وإغناء للعلم والثقافة، وتنمية المجتمعات، لذلك كثُر التوجه في القرآن الكريم إلى النظر، والتأمل، والتفكير، والتدبر، من جهة ، والتآلف والتآخي من جهة أخرى، لأن سر بقاء الإنسانية في إختلافها ؟ لذلك يقول الدكتور: "بتار ولد العربي" الاستاذ بجامعة نواكشوط : (ليس على الآخر أياً كان أن يعزف على وتيرة الإختلاف هذه، أو يتخذها مطية ليبث أفكاراً ساذجة أحياناً وتقليدية أحياناً أخرى، من خلال خطاب يميل في الغالب إلى التطرف والمبالغة والغلو، وهو ما لا يخدم تنمية المجتمع أو تطوره. فيجب أن يكون الخطاب تعبيراً بريئاً يصف صاحبه الزاوية التي يراها من جهته بلا مبالغة أو تحقير، وأن يحاول التركيز وفهم مقاصد المجتمع، مع إعطاء كل طرف الحق في أن يصف الزاوية التي يراها ليضمن رؤية أشمل، وإنصافاً أكثر). ثم يتساءل الدكتور "بتار" قائلاً : (فإلى متى الإرتجالية في الأمور وعدم الدقة في تنسيق الإنسياق وراء التقليد والمحاكاة، وتكرار الأكاذيب أحياناً والإطناب أحياناً أخرى؟ وإلى متى الإنزلاق نحو الهاوية ؟ أفكلما تماثلنا بالشفاء أو حاولنا ذلك، أو بصرنا بصيص أمل وضوء آفاق في طريق صحيح، إذ بأحدهم ينأى بكلكله لينحرف ببعضنا عن الطريق السوي؟)
لماذا لا يتعلم هؤلاء أن الخطاب في أصله يهدف إلى تحقيق العلاقات الإجتماعية العامة منها والخاصة، وأنه يُعد أحد الآليات المباشرة للتواصل بين الناس، ونشر الفكر والمقاصد، وأنه أكثر الوسائل إتاحة وإشتراكاً بين أبناء البشر؟ ولماذا لا يعلمون إن الإنضباط في طرح قضية ما، أو عرضها بأدق الوسائل وأحكمها، هو المفتاح الموصل إلى تحقيق المقاصد المنشودة من خلق الحوار، خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بالشؤون الدينية الشرعية، لأنها تحمل في طياتها الخطاب الإلهي، ومقاصد الشريعة؟ ولماذا لا يفهمون أن الإنضباط وفقه العرض والحوار ركن أساسي وشرط محتم على كل من حمل الأمانة وأراد الصدع بالحق ونشر الهدى بين الناس؟ كل هذا إن دل على شئ إنما يدل على بُعد التيار السلفي وخطابه الدعوي عن الواقع، خاصة في مجال السياسة والشؤون الدولية والدبلوماسية، والفقه المعاصر، فهم كما يقول الاستاذ "معتز أبو عين" يُعانون من المشاكل الآتية:
الإنغلاق العقلي الكامل
وبالتالي يبعدون عن المناقشات الهادفة والتواضع الحواري مع كافة النشاطات العاملة في ميدان العمل الإسلامي، السياسي والفقهي. مما يجعل الحوار مع هذه الجماعة مستحيلاً إلا إذا إستسلمنا لشروطم وأدبياتهم .
الإعتقاد بالشرعية الذاتية والبدعية للغير
وذلك على الإطلاق، فلا تكاد تسلم أي حركة إسلامية عاملة من قاموس أحكامهم الشرعية وإختياراتهم الفقهية تبديعاً وتفسيقاً وتكفيراً، وذلك كله تحت ذريعة "السلفية" فحكمهم على الشئ يعني حكم السلف عليه، فهو يحمل العصمة الحكمية، وهذه هي إحدى أخطر المزالق على الإطلاق.
التشبث ببعض المصادر والمراجع
على وجه الحصر، وعدم العدول عنها أو قبول غيرها وخاصة تلك التي تناقش مستجدات العصر الحديث، والتعلق ببعض الشخصيات والإيمان بأقوالهم عن السياسة والأحزاب، ثم تقديسهم لعلماء السلف، مما يُشعر الفرد المنتمي لهم أثناء النقاش والحوار بأنه متحدث رسمي بإسم السلف الصالح في القرن الحديث.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن السلفية التي أتحدث عنها وعن خطابها،هي السلفية التقليدية الرجعية التي توالت وتزاوجت وتكاثرت مع نظام الإستبداد والخنوع والتملق والدكتاتورية الصماء التي يُديرها بحرفية عالية "آل سعود" و "آل الشيخ" الذين حولوا جزيرة العرب إلى مملكة خاصة بهم تحمل اسمهم وصفتهم وبطشهم وعمالتهم ونخاستهم، وليس تلك الجماعات الإسلامية العاملة في مجال الإصلاح ولديها الرغبة في الخروج عن عباءة الوهابيىة.
الآن تأكد لي إن إصلاح الخطاب الديني هو المدخل الضروري لإصلاح الأوضاع العامة لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية من أجل ردم الفجوة التي بيننا وبين الآخر، ومن أجل ضخ دماء جديدة في واقعنا الإجتماعي والسياسي، حتى نخرج من أوضاعنا المأزومة والتي أصبحت إحدى العوامل المعوقة لنهضة مجتمعاتنا، وحتي نحمي أنفسنا من أمراض التطرف والغلو، وحتى لا يخرج منا من يسئ إلينا أو يسئ للآخر الذي يشاركنا العيش على ظهر هذه الأرض، وحتى نعود إلى أصلنا أمة متسامحة تدعو إلى الخير والصلاح، ومن أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة عنا، وبث روح الوحدة الوطنية التي تحمي أوطاننا من التمزق والتشرذم، بعيداً عن الصراعات المذهبية الضيقة، حتى ندفع أنفسنا دفعاً من أجل العطاء والإنتاج والعمل والتفاعل مع العالم، من أجل صون كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته.
بكل صراحة هكذا أُريد أمتى العربية بكل طوائفها الإسلامية المختلفة والمسيحية ودياناتها الأخرى، وأحزابها ومؤسساتها المدنية، وأفراد مجتمعها، حتى نستفيد من روح الثورة المستعرة بداخلنا الآن من أجل ترتيب بيتنا من الداخل وتزيينه بقيمنا وأخلاقنا وثقافاتنا وعادتنا السمحة، حتى لا نُعطي الآخرين فرصة للتدخل في شؤوننا الداخلية المقدسة، كما حدث من قبل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي حاربنا الغرب بسببها بحجة دعمنا للإرهاب والتطرف، الذي هو بدوره كما يقول الإستراتيجيون الأمريكيون : نتاج لإنسداد قنوات التعبير الديمقراطي، وضيق دوائر المشاركة السياسية في إتخاذ القرار في بلادنا العربية والإسلامية نتيجة لسيادة النظم السلطوية فيها، والتي تقوم أساساً على القمع السياسي للمعارضين منا، وممارسة أفعال تخرق مواثيق حقوق الإنسان. بالإضافة إلى سيطرة النخب السياسية الحاكمة على مصادر الثروة والموارد الإقتصادية لبلادنا، وشيوع الفساد واتساع دوائر الفقر.
أعتقد أنه بعد قيام الثورة المجيدة في السودان الآن ومنطقتنا العربية من قبل، لا مكانة لهذا التحليل الأمريكي اللهم إلا إذا إنحرفنا عن مسار الثورة، لأن الثورة بمقدورها أن تضع نهايات سعيدة لحياتنا القادمة، عن طريق إحترام الرأي والرأي الآخر، وفرض الإصلاح والديمقراطية بإتباع شتى الوسائل الممكنة، وتدعيم المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة من أحزاب ونقابات وإتحادات وجمعيات طوعية، وعن طريق إصلاح خطابنا الموجه للآخر، بالإضافة إلى الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي والثقافي. ونشر ثقافة السلام ونبذ العنف وإقصاء الآخر، وعدم تكفير بعضنا البعض، لأننا لا يمكن أن نصل إلى إمكانية إحداث تطور ديمقراطي بدون الإعتراف بالآخر، والتخلي عن إحتكار الحقيقة المطلقة. وقبل هذا كله لابد من إيجاد قوة دافعة ومحركة تساعدنا على الخروج من مأزق التخلف، والمضي قُدماً في طريق التنمية والتعليم.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س