الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم-هذه انكلترا- صرخة تحذير عن اخطار التطرف العنصري ضد المهاجرين

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2019 / 3 / 25
الادب والفن


فيلم"هذه انكلترا" صرخة تحذير عن اخطار التطرف العنصري ضد المهاجرين
This Is England

بعد أن باتت أصوات اليمين المتطرف طاغية، اجتماعيًا وحزبيًا وسلطويًا، في أوروبا ؛ ولأن خطاب الكراهية والتحريض والعنصرية لم يعدّ يقضّ مضاجع اليسار أو الوسط أو أصحاب الفكر المستنير المعتدل ؛ بل صار يهدد مبادئ التسامح و العيش المشترك بعد توهان الأصوات العقلانية المنادية بقبول الآخر بغض النطر عن اللون و الدين ؛ أصبح الإرهاب الجماعي أوالفردي الخطرَ الوحيد والحقيقي الذي يهدِّد بنية المجتمعات الغربية وسلامتها، وهي لم تعهد خطرًا كهذا سابقًا، لكن الأمر لا يقتصر على دول محدّدة فقط، فهناك بلاد هادئة تخلو من المشاكل تقريبًا، باتت تعاني خطر التطرّف واليمين العنصري، وضربها اعصار التطرف و التعصب، هذه نيوزلاند الهادئة التي استباحها الارهابي الاسترالي في هجوم المسجدين مؤخرا والتي راح ضحيتها 50 شهيدا، وحينها أعلن منفذ الهجوم بعدها أنه اختار نيوزيلندا كبلد لتنظيم هجومه من أجل إثبات أن "لا مكان في العالم آمن لغير البيض".
الكثير من الفنانون حذّروا من الشحن المتفاقم، ومن عدم معالجة المشاكل من جذورها، ومن الوتيرة المتزايدة للعنف و لما يحدث الآن، وخطره على المستقبل. واطلق الكثير من الفنانين الدعوات وصرخات التحذير عن اخطار التطرف العنصري ضد المهاجرين، ومن هؤلاء المخرج الفنلندي ( آكي كوريسماكي ) في فيلمه " الجانب الآخر من ألامل"، ومن المخرجين الذين قرعوا جرس الانذار عن حالة التطرف العنصري المخرج الانكليزي (شين ميدوز) في فيلمه ( هذه إنكلترا) الذي أنتج عام 2006، والذي تناول موضوع التطرف العنصري من قبل مجموعة عنصرية يطلق عليها ( حليقي الرءوس) الذين تحول بعضهم الى نازيين عنصريين جدد ، ولكي نتعرف علي فتيان حليقي الرأس وعلى الثقافة التي يتبعونها، فيجب معرفة نشوء تلك المجموعة غير السياسية والتي استحدثت في ستينات القرن العشرين تطلق على انفسها" حليقي الرأس" وهي مجموعة عنصرية في الغالب وتميل إلى افكار النازية الحديثة, متخذين لباس خاص بهم, ظهرت من بين الطبقة العاملة, وهناك من انحدر إلى اليمين المتطرف او اليسار المتطرف. لم تنجُ لندن من العنف يوماً، لقد زرع حليقوا الرؤوس ومتعصبوا كرة القدم الفوضى الدامية المميتة في لندن لعقودٍ من الزمن، وتستهدف جماعات الرؤوس الحليقة الأجانب من "غير البيض" بصفة عامة، لا سيما الأفارقة والعرب والآسيويون . الفيلم البريطاني "هذه هي انكلترا" إخراج (شين ميدوز) الذي يرصد متغيرات المجتمع البريطاني وسلبياته الكبيرة من عنف وعنصرية وسياسات متشددة في الثمانينات من القرن الماضي فينتقد سياسة مارغريت ثاتشر وعهدها وحرب فوكلاند"، فيلم " هذه إنكلتر" يعيدنا إلى عام 1983 والمكان عبارة عن بلدة هادئة حيث تزين الكتابة على الجدران ( الكرافيتي) ، ومجوعة مراهقين حليقي الرؤوس ، مرتديين بنطلونات الجينز ، والقمصان" بن شيرمان" وأحذية "دوك مارتنز"، تعيش حياةعبثية ، تبحث عن شيء ، أي شيء ، لتفعله،
في افتتاحية الفيلم يرسم المخرج ميدوز صورة مؤطرة بالتناقض من خلال صوره لحرب فوكلاند في الخارج مقابل العنف المعادي للاسيويين في الداخل ، انتهت حرب فوكلاند للتو ، ولكن هناك معركة أخرى تغلي على الجبهة الداخلية تغذيها البطالة والتعصب القومي . فيلم "هذه إنجلترا" هو نظرة إلى الوراء على بداية الثمانينات من حياة الطبقة العاملة البريطانية من خلال عيون الشاب شون وعصابته الجديدة ، والتعامل مع مرارة التأثيرات الخارجية مثل العنصرية وكراهية الأجانب والبطالة الجماعية والخروج من حرب فوكلاند بريطانيا تاتشر. الفيلم تدور أحداثه عام 1983 حول الفتى (شون) المضطرب والسريع في غضبه ، الأقدار والصدف تقود (شون) إلى لقاء مجموعة من الفوضويين المشاغبين في طريق عودته من المدرسة ويصبحون أصدقاءه، بل أقرب إلى عائلته، “شون” يبلغ من العمر 12 عاما، ويعيش مع والدته في فقر مدقع, بعد فقدان الاب لم يعد يشعر بالأمان في الاستمرار بالحياة، فلا يمر يوم بدون شعور بالألم والحزن على والده الراحل، وفي جهة اخرى، في المدرسة يوميا يصبح عرضة سخرية من الاشقياء جاعلين منه اضحوكة، فتى مثله يصبح من السهل إن ينضم الى أية مجموعة توفر له الحماية ، جماعة شباب من حليقي الرأس رحبت به بالإنضمام إليها بزعامة وودي. الحاجة الملحة هي أول شيء نراه في عيون شون صاحب 12 عامًا الذي يعيش في الطرف المتهالك للمدينة في يوركشاير ، إنه يحتاج إلى أب ، يحتاج أن يكون قوى، إنه بحاجة إلى أن يرتدي ملابس أخرى مثل باقي الفتيان . وقد قُتل والده في حرب فوكلاند ؛ في أحد المشاهد ، دخل الفتى "شون" في شجار في المدرسة بعد أن قام زميله في الدراسة ( هارفي ) بمزحة هجومية عن والده الذي توفي في حرب فوكلاند. في طريقه إلى منزله ، صادف شون مجموعة من الرؤوس الشعرية الصغيرة بقيادة وودي ، الذي يشعر بالتعاطف مع شون ويدعوه للانضمام إلى المجموعة والتي تضم "ميلكي" الذي يعتبر الوحيد من ذوي البشرة السوداء في المجموعة ، وهذا مايثير استغراب المشاهد ، وجوده وسط مجموعة ترفضه و ترفض وجوده في بريطانيا. التحول ملحوظ في طريقة الحياة التي اتخذها شون كواحد من اعضاء “حليقي الرؤوس” بأرتداء موضة خاصة بهم،بنطلون جينز و انتعال احذية طويلة الرقبة, ويسهر معهم إلى آخر ليل مع رفاق سوء لكن وودي (جوزيف غيلغان) كان بمثابة اب ثان لشون فهو في الحقيقة يشفق عليه ويحميه من الاخطار، مرة يشاركهم في اعمال الشغب بالمطارق على بعض الشقق المهجورة بينما يعلو صوت موسيقى الروك الصاخبة واخرى في رحلة صيد ، شون اصبح لديه عائلة بديلة ومجموعة اجتماعية جديدة وصورة ذاتية أفضل ، خاصة عندما تحلق إحدى فتيات العصابة شعره المجعد، وتصاب والدته بالذعر، بعدها تسير مع شون إلى المقهى حيث تتواجد العصابة ،وحين تعرف من فعلت ذلك لابنها تسألها "ألا تعتقدين أنه صغير السن ليتسكع برفقتك؟" كان لزاما عليك ان تحصلي على موافقتي قبل ان تباشري بقص شعره؟، ومن الغريب أنها تغادر وتترك شون في رعايتهم !.
فيلم (هذه هي انجلترا )، دراما بريطانية من إخراج (شين ميدوز) يصور لمحة عن الاحداث وقعت في عام 1983 مسلط الضوء اولا عن طريق سرد قصة حزنية حول حياة الصبي وانضمامه للمجموعة وثانيا اسلوب الحياة يتبعها تلك المجموعة ، والفيلم يفتح باب التعصب والتطرف ضد المهاجرين، بعد خروج صديقهم كومبو (ستيفن غراهام) من السجن ، وهوزعيم العصابة يلتقي بالمجموعة ويطلب الاجتماع بهم لامر هام، في اليوم التالي يجتمع كومبو بالمجموعة و يعتذر عن الاهانات التي وجهها الى الجاميايكي " ميلكي " و يوجه له سؤالا مباشرا و يطلب منه الاجابه وبعدها يكون حرا في البقاء معهم أو الرحيل!، والسؤال (هل تعتبر نفسك أنكليزي أم جامايكي؟) ، بعد صمت وقلق يرد ميلكي :(أنا انكليزي)، يصفق له كومبو ويحضنه ثم يبدا خطبته العنصرية قائلآ: (هذا مانحتاجه وها ما بنيت عليه هذه الامة، رجال فخورون، محاربون عظماء، منذ الفي عام هذه الجزيرة الصغيرة، تنهتك وتحتل من قبل ناس أتوا الى هنا وارادوا قطعة منها، حربان عالميتان ضحوا فيها الرجال بحياتهم، من أجل ماذا؟،من أجل أن نضع علما في هذا الارض اللعينة، ونقول ( هذه انكلترا)، نعم هذه انكلتر في القلب وفي العقل، لماذا الان نفتح ابوابنا وندعهم يدخلون ، ونرحب بهم و نبني لهم البيوت و المحلات، أتبعوا ديانتكم و أفعلوا ماتشاؤون من طقوسكم اللعينة، في حين هناك عائلات بريطانية تعاني ولاتجد لها بيتا ياويها، ولاتستطيع الحصول على مسكن ، وهي تمنح لهؤلاء ، وساقولها لكم وعليكم أن تسمعوني؟, نحن نعطي مساكننا الى هؤلاء المتطفلين!،هناك ثلاثة ملاين ونصف عاطل عن العمل، لانهم ياخذون الاعمال ،لانهم رخيصون، رخيصون وعمالة سهلة، إنها ليست نكته، تاتشر تجلس في برجها العاجي، وترسلنا في حرب مزيفة، حرب الفوكلاند اللعينة، ناس ابرياء , وجنود شجعان يخسرون حياتهم، يذهبون ويظنون انفسهم انهم يحاربون لهدف معين، لماذا يحاربون؟ ومن يحاربون؟ رعاة بقر ؟" . دون إن يعلم إن واحد من الجنود القتلى هو والد الفتى "شون"، وشون ضعيف إلى درجة إظهار غضبه حالما يسمع احدما يتحدث عن والده بشكل سيء سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة. يثور الطفل و يهجم على كومبو ويصرخ بوجهه : ( اسكت ولا تتحدث عن فوكلاند، وعن الذين ماتوا في حرب الفوكلاند ليسوا حمقى، لان أبي ليس أحمق، وأبي مات في تلك الحرب )، بعدها يرسم ( كومبو) خطا ويخيرهم بين البقاء معه و القتال أو المغادرة و الافتراق عن المجموعة, وهنا أفترق شون عن وودي بعد أن أختار البقاء مع كومبو، كان كومبو يرى نفسه في شخصية شون حيث يتذكر به حينما كان صغيرا جسورا, يملك شخصية قيادية لكن لحظات تأتي يتصرف كطفل ويبكي احيانا اخرى حينما تخليت عنه عشيقته السابقة، شون يتحالف مع كومبو .
هذه هي انجلترا” فيلم ليس مكتمل تماما، فنهاية لا تصلح الخاتمة حول مصير الشخصيات، خصوصا إن “وودي” تلاشى بعدما انفصل عن “كومبو” وثانيا (شون) بطل الفيلم لم ينهي تطور تحوله في شخصية بل كأنه ما زال لم يتغير، لذلك اعتمد مخرج الفيلم إكمال القصة في إخراج المسلسلات القصيرة في السنين اللاحقة بعد عام 1983 بنفس عنوان الفيلم لكن مع إضافة سنة الاحداث، كـ هذه انجلترا 86, و هذه هي انجلترا 90.
في هذا الفيلم يحاول المخرج( شين ميدوز) بجرأة استعادة صورة مجموعة الرؤوس الحليقة وهي الصورة التقليدية للنازيين الجدد ، ويميز شخصياته بوضوح عن طريق السلوك والتصرف العنصري ، ويعرضهم نموذج لمجموعة شبابية فوضوية تعزف موسيقى الروك الصاخبة . إنه يرى قابلية اليمين المتطرف كجزء مؤثر بل ومأساوي على جيل فترة الثمانينيات القرن الماضي، ما يحدث في النهاية هو أحتضان الاحزاب اليمينية المتطرفة لتلك المجاميع في تنفيذ اهدافها واصبح العنف موجه ضد غير البيض و المهاجرين. الفيلم يستحق المشاهدة، لانه يسلط الضوء على احدى افرازات المجتمع الانكليزي في ثمانينيات القرن الماضى و في فترة حرجة من خلال نشوب حرب الفوكلاند او ارتفاع مستويات البطالة و الجريمة ، وايضا استغلال الاحزاب اليمينية لتلك الحركات و المجاميع لتمرير سياستها العنصرية في معاداة المهاجرين وكل من ذو اصول غير انكليزية، الفيلم سيناريو وإخراج ( شين ميدوز) وتصوير سينمائي ل( داني كوهين )، ومن بطولة( توماس ترغوس) الذي ابدع في دورشون، و كذالك (جوزيف غيلغان) في دور وودي, وتالق الممثل (ستيفن غراهام) في أداء دورزعيم العصابة ( كومبو)، تلك الشخصيات كانت واقعية، لقد بدت جد حقيقية، لقد كانت شخصيات تحس بها، شخصيات صادقة، حتى وإن كنت لا تتفق مع القرارات التي تتخذها و الأشياء التي تفعلها. الفضل في هذا يعود معظمه، إلى الكاست الفريد و أداءه، كما يعود إلى المخرج الفذ الذي نجح في إدارة تلك المجموعة. يحاول المخرج"ميدوز" بجرأة استعادة صورة مجموعة الرؤوس الحليقة وهي الصورة التقليدية للنازيين الجدد ، ويميز شخصياته بوضوح عن طريق السلوك والتصرف العنصري ، ويعرضهم نموذج لمجموعة شبابية فوضوية تعزف موسيقى الروك الصاخبة. إنه يرى قابلية اليمين المتطرف كجزء مؤثر بل ومأساوي على جيل فترة الثمانينيات القرن الماضي. الفيلم يفضح قوى اليمين المتطرف والتي تعمل وبقوة لأن تفرض أجندتها السياسية والاجتماعية، وقد نجحت في العديد من دول أوربا في تعزيز نزعات التطرف العنصري والعودة للبحث عن الهوية الدينية المسيحية او النقاء الأثني وتحول قضايا الهجرة واللجوء إلى قضية تثير الذعر وتفتح سجل التكهنات حول مستقبل الدول الاوربية وتركيبتها السكانية خلال السنوات والعقود القادمة .
ألفيلم مبنيّ على حياة و تجارب مخرج وكاتب الفيلم (شين ميدوز), الذي قدّم لنا عملاً إنسانياً بالغ الواقعية و الذي حرك فينا كل أنواع المشاعر, وحرك مشاعر النقاد و لجان الجوائز التي اغدقت عليه بالمديح و الجوائز. فاز الفيلم في سنة عرضه بجائزة أفضل فيلم مستقل في بريطانيا, و بعد سنتين فاز بأفضل فيلم بريطانيّ في الـ( البافتا).

علي المسعود
المملكة المتحدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يجب البحث عن الأسباب
عادل أكرم ( 2019 / 3 / 26 - 02:41 )
أطال الكاتب الكلام حول مضمون فلم من دون الاشارة الى توجهات مؤلفه ومخرجه.

العالم الغربي استقبل اللاجئين في البداية دون النظر الى خلفياتهم ومعتقداتهم أما كعمالة رخيصة أو كنظرة انسانية لمساعدة المستضعفين.

ما يقوم به البعض من اللاجئين بعد أن كثر عددهم وقويت شوكتهم من تجاوزات على مواطني البلد الأصليين ومحاولة فرض معتقداتهم وشرائعهم جعل البعض من السكان الأصليين يشعر بوجود خطر على وجودهم في الوقت الذي تجاوز فيه الغربي معتقداته الدينية ووضعها جانباً يمارسها من يؤمن بها ويرفضها من يرفضها ولكن دون فرض.

الغربي غير مستعد لأن يرجع الى الوراء وأن يكون تابعاً لمن لا ييشاركه في مستواه الثقافي وإذا تمادى اللاجئون في تصرفاتهم الاستفزازية فاني أرى بأن حالة الرفض ستزداد بقوة لدى الغربيين وقد تكون لها ردود فعل لا تدخل في حسابات أولائك اللاجئين.

اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج