الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا تعمل بثبات لنزع السيادة السياسية الدولية لاميركا

جورج حداد

2019 / 4 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*

اذا استثنينا بعض القبائل البدائية التي لا تزال تعيش في بعض الادغال البكر في "القارة الهندو ـ صينية" واميركا الجنوبية وافريقيا، معزولة تماما عن التاريخ والجغرافيا، فإن العالم بأسره هو وحدة واحدة متكاملة، بكل صراعاته ومتناقضاته وتناقضاته. وكل مرحلة تاريخية للوحدة العالمية لها خصوصيتها الجيوستراتيجية.
والمرحلة التاريخية الحديثة التي تبدأ في اواخر القرن التاسع عشر وتنتهي بنهاية القرن العشرين، يمكن وصفها بأنها مرحلة صراعات الدول الاستعمارية للسيطرة على العالم، والصراعات المعادية للاستعمار. وقد انتهت تلك المرحلة بالسيادة الاميركية التامة على العالم، بما في ذلك على روسيا بعد تفكيك المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي والشروع في التفكيك القومي والديني والاتني لروسيا ذاتها، التي تعيش فيها اكثر من 100 قومية ودين واتنية بقيادة القومية الروسية والكنيسة الاورثوذوكسية.
ولكن مثلما وقع على كاهل شعب الروسيا ان يوقف زحف وتوسع الامبراطورية الرومانية القديمة وسيطرتها التامة على العالم في حينه؛ يقع اليوم على كاهل روسيا القومية (ذات الثقافة الروحية الاورثوذوكسية) ان تضطلع بدور المقاوم الرئيسي للسيادة الاميركية على العالم، وان تعمل لتقويض هذه السيادة واقتلاعها من جذورها وسحقها في عقر دارها، كما سبق وسحقت النازية الهتلرية في حينه في عقر دارها.
وأهم انجاز حققته روسيا على هذا الصعيد هو كسر الهيبة العسكرية لاميركا بتحقيق التفوق العسكري النوعي عليها عن طريق الاسلحة المبتكرة المعروفة او غير المعروفة وخاصة الاسلحة الصاروخية ـ النووية الكفيلة بالقضاء التام على اميركا في اي مواجهة شاملة بين البلدين.
واستنادا الى هذا الانجاز التاريخي تكرس روسيا كل امكانياتها العسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والمخابراتية في خدمة الدبلوماسية العلنية والسرية لتحقيق نزع السيادة السياسية الدولية لاميركا. ويمكن القول انها حتى الان حققت او هي في طريق تحقيق الانجازات التاريخية التالية:
ـ1ـ بعد اندلاع الصدام الحدودي المسلح السوفياتي ـ الصيني في 1969، والذي استعدت فيه القوات الروسية لاستخدام الاسلحة النووية ضد الصين، فيما لو ان القوات الصينية شنت هجوما مكثفا ضد الحدود الروسية "لاسترجاع منشوريا!" المقسومة بين الصين وروسيا، ـ بعد هذا الصدام قام الداهية هنري كيسينجر في مطلع السبعينات من القرن الماضي بزيارتين سريتين الى بكين ممهدا الطريق للزيارة "التاريخية" التي قام بها الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون الى الصين (1972) والاجتماع مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وهو ما يحدث لاول مرة بعد قطع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بعد انتصار الثورة الصينية (1949) والحرب الكورية (1950 ـ 1953). بعد هذه الزيارة، ولا سيما بعد استلام دينغ هسياو بينغ زمام القيادة في الصين سنة 1978 وزيارته للولايات المتحدة في 1979، بدأت مرحلة من التقارب الكبير بين الصين والولايات المتحدة، وزادت التوظيفات الرأسمالية الاميركية في الصين بشكل كبير جدا، واصبحت الصين الشريك التجاري الاكبر للولايات المتحدة والمقرض (المشتري) الاكبر لسندات خزينة الدولة الاميركية. وانعكس ذلك بشكل كبير على السياسة الخارجية للصين التي اخذت تنتهج موقفا مائعا من نزعة الهيمنة الدولية لاميركا، ووقفت "على الحياد" لدى انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي ومحاولة تفكيك واستعمار روسيا ذاتها من قبل الكتل الاحتكارية الكبرى الاميركية واليهودية والغربية. ولا شك ان هذا النهج المائع كان سيؤدي في نهاية المطاف الى وقوع الصين لقمة سائغة في اشداق الامبريالية الاميركية التي لا حدود لعدوانيتها ومطامعها، بالاعتماد على البرجوازية الطفيلية الجديدة في الصين التي ـ ككل طبقة رأسمالية في كل مكان وزمان ـ على استعداد للانتقال الى مواقع الخيانة الوطنية من اجل مصالحها الطبقية.
ولكن روسيا القومية (ذات الثقافة الروحية الاورثوذوكسية)، بثباتها وصلابتها واستقامة نهجها المعادي للامبريالية الاميركية والطغمة المالية اليهودية العالمية، استطاعت ان تساعد الصين للخروج من المستنقع الذي كادت ان تغرق فيه. وفي حين ان ترامب اعلن شن الحرب التجارية ضد الصين، فإن بوتين وقع مع الصين عشرات الاتفاقات لمدة عشرات السنين والقابلة للتجديد وتبلغ قيمتها مئات والاف مليارات الدولارات (وبالعملة الوطنية للبلدين) وتشمل الغاز والنفط وتوريد وتصنيع الاسلحة والتكنولوجيا رفيعة المستوى والصناعات المشتركة وتطوير وتوسيع شبكة المواصلات بين البلدين والتجارة والتعليم والثقافة، وذلك بالاضافة طبعا الى اتفاقات الدفاع المشترك العلنية والسرية، وهو ما أسس لقيام حلف جيوستراتيجي شامل بين البلدين العظيمين، من شأنه ان يضطلع بدور "صخرة بطرس" التي بدأت تبنى عليها الجبهة العالمية لمكافحة الامبريالية الاميركية والغربية واليهودية العالمية.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان احراج او بالاحرى اذلال اميركا بالتهديد "الكوري الشمالي!" بضربها بالصواريخ النووية هو احدى النتائج "السرية" للتحالف الروسي ـ الصيني.
وباختصار يمكن القول ان هذا التحالف هو الانجاز الاكبر الذي حققته السياسة الخارجية لروسيا القومية في العقدين الماضيين، وهو ما سيقرر مصير العالم في الـ 50 ـ 100 سنة القادمة.
ـ2ـ والانجاز الجيوستراتيجي الكبير الثاني الذي حققته السياسة الخارجية لروسيا القومية هو التقارب الثابت والوثيق جدا مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، بالرغم من جميع الاختلافات الدينية والايديولوجية والسياسية، وهو ما أسس لتحقيق الانجازات التالية:
أ ـ مساعدة ايران في النهضة العلمية ـ التكنولوجية والتسليحية والعسكرية التي تشهدها، وفي كسر الحصار الاميركي والوقوف كالطود الشامخ بوجه السياسة التوسعية للامبريالية الاميركية.
ب ـ دعم معسكر المقاومة والممانعة ضد المعسكر الاميركي ـ الاسرائيلي ـ التكفيري وتحطيم مخطط العدوان التكفيري على سوريا والعراق.
ج ـ نزع قناع "الوسيط المحايد" عن وجه اميركا في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وفضح اميركا تماما كشريك ستراتيجي للعدوانية الاسرائيلية.
د ـ كشف عجز اسرائيل امام المقاومة الشعبية والمسلحة، من فلسطين ولبنان الى ايران؛ واجبار اسرائيل على بداية الانتقال من ستراتيجية الهجوم الى ستراتيجية الدفاع والتقرب المرائي من القيادة الروسية لاستجداء الحماية الروسية من المصير الاسود الذي يتضح اكثر فأكثر انه اصبح ينتظر اسرائيل.
هـ ـ دعم الصمود الاسطوري للشعب اليمني البطل؛ وفشل العدوان الاميركي ـ السعودي ـ الخليجي ضده، وزعزعة أسس انظمة هذا العدوان الظالم.
و ـ تقويض اركان النظام التركي "الاخواني" ـ الاردوغاني، الذي كان شريكا رئيسيا في العدوان التكفيري ضد سوريا والعراق؛ وزعزعة علاقات هذا النظام باميركا وحلف الناتو؛ وجعله يقف الان على "مفترق الطرق" وعلى "كف عفريت".
ـ3ـ تعمل روسيا على تقويض العلاقات الاميركية ـ الاوروبية، وازالة التقاليد الصليبية والاستعمارية القديمة في اوروبا، واقناع دول الاتحاد الاوروبي والناتو بأن المصلحة الوجودية التاريخية للشعوب الاوروبية هي ليست في الانبطاح امام نزعة الهيمنة الاميركية واليهودية العالمية، بل في التعاون الصادق وذي المنفعة المتبادلة مع روسيا والصين وايران وشعوب اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية الطامحة الى التحرر والاستقلال والتقدم والازدهار.
ـ4ـ تدعم روسيا الان بقوة الشعب الفينزويلي وحكومته الشرعية بقيادة المناضل النقابي اليساري القديم والزعيم الوطني نيكولاس مادورو؛ وهي ـ اي روسيا ـ تتربص باميركا ان ترتكب حماقة اي عدوان مباشر او غير مباشر على فينزويلا، كي تفتح ضدها معركة تقرير مصير وجود اميركا كدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست