الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرفيون في كوردستان الشمالية

ريبر هبون

2019 / 4 / 20
القضية الكردية


:المعرفيون في كوردستان الشمالية*
ريبر هبون*


نجد الحرب هو بمثابة استرداد الهوية من يد باطشة تسعى لطمس تلك الهوية، إن اتخاذ المواجهة كخيار حتمي هو ما
تفرضه حالة الاستشراس القوموي الذي فرضته الزمر الحاكمة من محاولة إلغاء خصائص الأمم والهجوم على إرثها المعرفي وتشبثها بأرضها، إذاً فحماية الوجود هو استجابة لنداء الطبيعة المتوازنة فينا، و التصدي لحالة الاستذئاب السلطوي يفرض على المعرفيين مهمة حفظ مكتسباتهم من الزوال والاندثار، فمهمة تلك الشعوب الحية أن تحافظ على إرث الإنسان العاقل عبر ثقافة المواجهة والتصدي لخطر الذوبان في بوتقة النظم الشمولية، التي تعمل على الدوام في صناعة الحروب الأهلية وخلق الفوضى والأزمات بين الشعوب، وزجها في صدامات عبثية، تفضي لمزيد من حالات التفكك الاجتماعي والأسري، حيث التشبث بالجذور للحيلولة من الانصهار في رحم الثقافة المهيمنة ، يمثل في حقيقته شكلاً من أشكال الحفاظ على المنجزات المعرفية والتي تمثل في طبيعتها ثورة معرفية، نهضة تحاول الإرتقاء بالمضامين الجوهرية للإنسان والمتعلقة بحب الأرض واللغة من حيث التحدث بها والتغني بالرقعة التي تتعايش فيها التجمعات البشرية على اختلافها وتباين فئاتها، دون محاولة لإحالتها إلى لاشيء، عبر زجها في نزاعات لا طائل منها، سوى استنزاف البنية الروحية والمادية لها، والقضاء على أواصر الانتماء فيما بينها والأرض والحق والواجب، لهذا نجد أن مجتمع الجبل في شمال كوردستان وضع نصب عينه البروز بالحياة الطبيعية مقابل هذا المد الطوراني الوحشي في محاولة حثيثة منه لقطع صلات الكوردستاني بأرضه عبر تتريكه والقضاء على ما يمت بجذوره الحية الضاربة في عمق التاريخ، إن محاولات العودة للمجتمع الطبيعي هو ما دأب المقاتلون لإحياءه كبديل عن نمط الحياة المتآكلة في المدن الكبرى، وما التهيؤ للقتال إلا بمثابة إعلان حرب مفتوحة على ما من شأنه تقويض علاقة الإنسان بوجوده أي وطنه، وقيمه المختزلة في طبيعة شعب يحافظ على خصائصه التي يتمايز بها عن سواه، رغم أنه حرم من بناء كيانه القومي المعروف ب كوردستان، إلا أنه يصر على التشبث بمزاياه رغم محاولات الصهر هنا وهناك، إن التشبث بالجذور هو نتيجة عن فهم علاقة الإنسان بالوجود الوطن، وسعي الفرد في الذهاب باتجاه الجبال هو في سبيل التمسك بعهد الحب المنتهك والذي سيقوم بتدشينه في الجبال حيث الرغبة في صنع الحرية في عالم يتوحد فيه مع الطبيعة الأم ليغدو جزء منها، ومقابل ذلك الكم من التوحد بالهدف والغاية من حمل السلاح، تبرز لعنات العدو في صب جام غضبها على القرويين من قصف منازلهم بوحشية، وتجريدهم من كل مستلزمات العيش وتحويل قسم منهم إلى عملاء وتابعين لها، وهنا تضطرب الصورة ويتراءى له المشهد المؤلم من مشاهد لأشلاء مبعثرة هنا وهناك، وما خلفه العدوان التركي من دمار وتخريب في قرى كوردستانية متآخمة مع الجبال ، فببروز القمع على ضراوته ، تشتد المحن ، ويصبح المقاتلون كالأسماك التي يتم إخراجها من المياه كي تغرق بهدوء، فحينما يسود الترهيب والضغط على الشعب ، نجد أن خيارات الحياة تصبح أكثر صعوبة ويسود الخوف مناخات الذات ويجعلها تتشرذم بين أن تثور أو أن تنوء بنفسها وهكذا تصبح الشخصية الخائفة في مصيدة السلطوي الذي يزداد غروراً وغطرسة بازدياد الخائفين أو اللاهثين لتقديم
الولاء الأحادي لها، متناسين هول الجرائم التي تقترفها تلك السلطة وهكذا يستمر هذا الاحتقان الصامت ليظل عنوان
المرحلة، ولا تنتقل مجتمعات الخوف إلا ببطء شديد من طور الضعف والخشية إلى طور كسر الرهبة والمناعة ضد الإرهاب الممارس، إن المجتمعات الخائفة لا يمكن أن تتنصل من الجهل الذي يقود إلى الفقر وعدم التطور، فسطوة الإرهاب الدولي على الجماهير تباعد بين الأخيرة والحاضر السائد، وتضعها في عزلة عن الحياة في العالم المتمدن والتغييرات الهائلة التي ما تلبث أن تغير من طبيعة الحال على نحو سريع ، ففي ظل حالات الصراع هذه ، لا يمكن حدوث أي نقلة طبيعية في حياة المجتمعات، حيث تحكم السلطة القومية العنصرية قبضتها الحديدية على مفاصل الحياة مخلفة بذلك شرخاً عظيماً فيما بينها والفئات المستهدفة ليؤدي إلى احتقان يتضاعف مع الزمن، فلا يمكن للأديان إلا أن تكون مسوغات سلطوية وحبوب مهدئة للجماهير المنكوبة، أو حبوب مهيجة لجماهير السلطة، حيث تضيع كل المواعظ أدراج الرياح في ظل الرعب الممنهج، والممارس بضراوة وشدة عبر تلك الأقنية الإعلامية ومنذ القديم، فكم أسهمت في الإبادة العرقية والتحوير الإيديولوجي، إلى حد أن الجميع بات يلعب هذه اللعبة أو يدخلها بعفوية ودون قصد، للوقوع في مستنقع السلطة الراكد،

حيث نجد أن البيئات الأكثر عنفاً هي الواقعة ضحية الاتجار بالدين أو تهويم العقول من خلاله، وهي تلك البيئة التي تتعرض للتهميش الخدمي والتعليمي وتعاني من قبضة الأجهزة الاستخباراتية والتي حولت أفرادها لمخبرين ضد بعضهم البعض، حيث يتشوه كل شيء في ظل تأجج التنازع ولا تعيش الفلسفة في ظل جماعات مهددة بقوتها وأمنها وحياتها وملاحقة على هويتها، ويبقى الهاجس هو نشدان التغيير والتحول الديمقراطي عبر فرضه من خلال القوة المضادة للجور والعسف والبطش، حيث يتصل الفرد الخائف بقوة ميتافيزيقية ولعل المفاهيم الدينية هي الأقرب إليه من أي شيء، يحقن ذاته بمناجاة الله ، أما الفكر والفلسفة فهي أقرب للفرد الشجاع، فبطبيعة الحال لن يتمكن المحاط بالرهبة والرعب من فهم الفلسفة ومنطق التغيير، إلا عبر دحض الخوف وسد ثغراته التي يطل منها، حيث يعتبر الدين لدى الخائف ضرورة ، ويعلم السلطوي أن الدين ضرورة للتحكم بالجماهير وجعلها مسخرة لتحقيق غاياتها البعيدة، وإزاء هذا المنطق الذي عبره تم تخدير المجتمع الكوردستاني في كوردستان الشمالية، تم تأصيل بنية الفكر الفاشي الذي يعتبر كل القوميات غير التركية ، تركية من خلال فرض اللغة عليها وإلزامها بذلك بمختلف الأشكال القسرية، إن التطرف القومي ألقى بأغلاله الثقيلة على كاهل المكونات غير التركية وجعلها إما تنقاد للإنصهار الكلي، أو التصفية بمختلف أشكالها، أو أن تذهب باتجاه الجبال ، للمقاومة والصمود بوجه هذا الاستشراس الذي قل نظيره ، وهو يصب في خانة تعمير هرم الكراهية بين المجتمعات إلى أمد طويل، هذا الهرم الذي يأخذ بالنظم الاستبدادية الفاشية إلى الاحتضار والفوضى الكبيرة، ويجعلها بمثابة مصدّر عام للحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية حيث للسلطة دور كبير في تشويه القيم الأخلاقية بين شعوبها، إذ لا يمكن أن يثمر عن الخوف سوى الشعور بالضياع والاغتراب والغوص في المنفعية والاستغلال والاحتكار أكثر فأكثر، ولا نبصر إلا شبح البؤس الذي يعم العوام ممن يقعون كفرائس سهلة في يد عصبة الفساد والاتجار والانحلال، وهو يشكل علامات تهاوي
النظام الدولتي القوموي الذي يأكل بعضه بعضاً ويتداعى مع مرور الوقت،
هكذا نجد أن لا فضائل في السياسة لما تقوم به من أعمال وحشية بحق الطفولة والإنسان برمته،حيث نجد أن الحرب تتم تحت ذرائع نبيلة لا تمت بصلة للسلوك المطبق على الأرض، حيث يستخدمون حب الأرض والإيمان بالرب، لإخفاء
. نواياهم الحقيقية في دفن الله والوطن معاً وحمله في تابوت الجشع إلى مثواه الأخير
حيث دوماً نجد أن البطش تعبير عن روح الأنانية الجمعية التي تمتاز بها نخب السلطة في قيادة القطيع نحو خططه الأكثر دهاء، وما نلبث أن نجد الجماهير تتحرك بأدوات السلطة وتنفذ بدقة تعاليمها المحشوة بروح الإيمان الأعمى ، والتسليم بأن السلطة القائمة هو مشيئة قدرية إلهية لا يجدر معاداتها، إزاء فئة ناقمة تأتمر هي الأخرى بأمر معارضة السلطة، التي تقود قطيعها بذات الأدوات ، وهذه ليست مصادفة، إنما تداخل بنيوي في طبيعة الخطابين المنطلقين من أساس واحد وهو التسابق على الاحتكار والهيمنة عبر الخطاب الإلهي الذكوري، والذي يتأبط حزمة من مآرب ومخططات لزج الجماهير في فوضاها البنيوية، حيث محاربة الفردية وقيمها الإبداعية هي من عمل السلطات القوموية الهرمية والدينية أيضاً، لأنها تعتاش على إيجاد قوالب رديئة تابعة لأنظمة حكمها وأساليب إدارتها للمؤسسات، وقمعها لكل من يتطلع لنظام ديمقراطي
حر، حيث نجد أن الديمقراطية والحرية هما سلوكان محكومان بعدم النضوج في ظل حصار هذه السلطة للجماهير ومنعها من تحسس مدركات أفرادها الساعين للتغيير الديمقراطي والذي سيحقق حرية للرجل والمرأة في صنع حياة جيدة دون قمع ذكوري أو هيمنة تقاليد وعادات تسعى دوماً للحيلولة من وجود جيل يؤمن بحرية الاختيار والعمل، عزم الالتجاء للجبال لتحقيق هذا الترابط الحقيقي والتشارك في صنع حياة حرة في حرب الرجل مع المرأة لتحقيق مجتمع حر ، قادر على أن يكون اللبنة الموضوعية لبدء حياة ذات تشاركية حقيقية في صنع الوطن المنشود،في هذا تعبير عن إرادة لا تقهر لإنسان مقهور في ظل هذا الاستعباد على طول خارطة كوردستان بأجزاءها الأربعة،نجد أن الإرادة الجماهيرية الخادمة لذاتها عبر أفرادها المعرفيين، قادرين على إيجاد مخرج لأزمات التحزبية التي باتت وباء وليد عن التفسخ السلطوي الماكث في الأعلى ، والمتسلط على نمط الفكر وهيئته، وما الخروج عن معادلة الفساد الحزبي والسياسي عن طريق الفدائية الكوردستانية ، إلا تعبير عن وجود لوبي جماهيري قادر على إماتة القوالب السلطوية ، أمام المد الجماهيري التائق للديمقراطية والحياة الأفضل، ولعل صفاء ذهن المقاتل وتوقه لبذل كل نفيس لأجل تبديل واقع العبودية والاستعباد إلا تعبير عن روح التوثب للأمام في حياة قائمة على المساواة والحريات، فأمام بطش الحاكمية السلطوية، لا يمكن الاستمرار بالكفاح السياسي وحده، دون وجود المسلح، إذ نجد القوة في كثير من الأحيان تغير من مسارات الحل ومصائر الناس، بل وتفرض على المنظومة الفاشية الجالسة في برجها العاجي، أن تسلك سلوك الاحترام للقوة المضادة، لهذا فحقيقة هذا التنازع ، قائمة في إشارة لنزاع قديم وهام بين قوى المحافظة وقوى التقدم، يتم دفع الكثير في سبيل القليل في كثير من الأحيان، فأمام هذه الغطرسة المتجذرة داخل جماهير مقسمة روحياً ، ومنهارة معرفياً، نجد أن مسارات الحل وأساليب الفكر والعمل تتباين، حسب الظروف ومآلات الحدث، لهذا فالأجدر تحديد الإشكال القائم في حقيقة أن الذهن الجماهيري مشوش نتيجة حقنه بإبر المقدس الديني المتعلق بحقيقة الدين السياسي ، الذي مجد طوال حقب لريادة وحاكمية الحاكم المطلق، ولعل هذا سبب إخصاءاً معرفياً لمجتمعات مكبلة، نخرها الفساد والاغتراب من كل صوب وحدب، من السذاجة إذن، التعامل مع التغيير بأدوات سلطوية قمعية، إلا أن الجمهور الذي يعيش في ظل أدوات قمعية اعتاد على تشربها في العقل الباطن، لن يقنع بسهولة بنمط الآليات الفكرية الجديدة، ولا سيما في ظل خلاف واضح بين نمط آليات الأسلوب أيها أقرب للتغير وأيها يعود للماضي القائم في حقيقته على قطيعة الحاضر والنوم على أرائك التاريخ، في ظل ذلك أمكن لنا أن نعي أن نمط الحياة الاجتماعية يحتاج لوقت حتى يتم نقله وفق أدوات قد لا تتحرر تماماً من ضغط المنظومة الأبوية ، وقد تسهم في التكبيل بطريقة ما، من هنا أمكن لنا أن نعي أن الإرادة المعرفية الكامنة في روح الجماهير الشابة هي القادرة على إنقاذ المجتمعات من عهود الأبوية الحاكمة،والتخلص من نمط وآليات الفعل وردة الفعل لما لها من أضرار على مسار التحول الديمقراطي على المدى غير المنظور
وعبر تشيخصنا لحقيقة حمل السلاح للدفاع عن الأرض والمكتسبات، إنما في حقيقته تعبير عن روح المعرفيين المتمسكة
بالجذور من خطر الاقتلاع أو الإبادة بشقها الجسدي والثقافي، فكم صارعت أمم في سبيل بقاءها وحضارتها ولم يك في بالها السيطرة والهيمنة على مقدرات الغير، وكم من حروب كان هدفها طمس معالم الأمم المتحضرة، حيث الصراع على الجغرافيا في طبيعته صراع سلطوي اقتصادي تديره مافيات متحكمة بالمال والسلاح، وإزاء ذلك تتغير الجماهير في ظل التهديد الذي يمارس عليها لتنتقل لوضع حلول طبيعية تتمثل في بعث الإنسان الجديد، المؤمن بالجذور والحفاظ على البناء، فالحلول تضعها الجماعات المسالمة في تشبثها بالحياة المشتركة، والتي بدورها تسهم في التأثير بشكل مباشر في بنية العقل الشرق أوسطي، فلا بد إذاً من التأكيد على حقيقة هذا الصراع، والذي بغلبة الجماهير يمكن تحقيق منطق جديد للفكر باتجاه العيش المشترك، ولا شك أن هذا الانتقال أيضاً ينطوي في داخله على كثير من التحديات والمصاعب، فليست الحلول عبارة عن بنود وتعاليم توضع على لوائح الإعلانات وبرامج الأحزاب بقدر ما هي تعبير عن إرادة الحياة لدى شعوب
. تحاول أن تنتصر في صمودها على النظم المتربعة كالكابوس في حياتها وفكر أفرادها الجدد
ولعل التشبث بالجذور هو انتصار للإنسان المعرفي وقيمه القائمة على الإعمار وبث الجمال في المكان، من خلال إيجاد علائق طبيعية بينه وبين الذات الساعية في خلاصها من خلال تمكنها من استخدام مواهبها ومدركاتها دون كبح أو لجم، ولعلنا على ضوء ذلك نبين العلاقة التوأمية بين الأرض والإنسان عبر الصراع لأجل البقاء ، من محاولات السلطويين الجدد في إحياء الذكورية المقدسة في اقترانها المشوه بين الديني والقوموي والذي تجلى ذلك في حقبة الربيع العربي وأخصها الحالة السورية، لهذا نجد التعبير عن هذا النمط من الصراع هو في حقيقته انتصار كبير لقيم الحضارة على قيم التوحش والبداوة، حيث ينمو الإنسان في ظل هذا الصراع المباشر والمستفز في طبيعته والذي يولد في ذاته الكثير من التساؤلات عن نمط حياتين أحدها قائمة على تحدي الإنسان في قوته وعيشه واستقراره، وأخرى مضادة تعمل على الصمود بوجه تلك القوى العازمة على استغلال وإماتة روح التفوق لديه، وهنا يمكن أن نبرر جدوى هذا الصراع لأجل إنقاذ الحق من ربقة النص المقدس الذي تتلاعب السلطة في مضامينه لجر الغافلين إلى الارتزاق واستخدامهم كوقود عبثية، فعمل الأحرار في ظل الأرض هو التشبث بحقيقة القيم المستقاة من الدفاع عنها وبذل كل ثمين لأجل بيان المسعى المعرفي من بروز الابتكار كحقيقة لرغبة الكائن الحر في العمل وبناء الوطن، فالله وفق حقيقة هذا التشبث كامن في الحب وليس في نصوص الدم التي تحض على الكراهية وقتال المختلف، وهو الوجود في جماله وسحره وعراقته، وهو المعرفة في قيادتها للمجتمعات
. لسبل التنمية والإزدهار والعمل بمتطلبات النهضة والبناء
فبعودتنا للحديث عن علاقة الفضيلة بالسياسة، نجد عجزها عن تحقيق الحماية للجماعات التي تعيش المجاعة والحروب الأهلية والأزمات الاقليمية، حيث تقود القوى الاقتصادية الحروب، فتسعى لنبذ مفهوم الحماية الذاتية والتي تسعى لها الفئة المنكوبة، لصالح انتصار مفهوم الربح والمنفعة، حيث تغدو الديمقراطية مجرد شعارات كلامية، تتستر على الانتهاكات هنا وهناك، حيث نجد الحرب في ماهيتها انحيازاً لمن ينتصر، تاركاً وراءه الأثر البليغ من الاستنزاف والعبودية والدمار،فصناعة الألم والموت هما عدوى نقلتهما السلطات الشمولية لجماهيرها وأحزابها، وباتت نوعاً من الإذلال الروحي والفكري، لتقديم المزيد من القرابين والأضحيات لصالح وجود الاستبداد الذي بات الورم السرطاني الكبير والذي يمكن أن نقول أنه المنافس القديم لأي علة مجتمعية أو ثقافية أو اقتصادية يشهدها العالم ، ولاشك أن مقولة العالم المتمدن أو الحر مشكوك بها، إذ كثيراً ما تمتثل إجمالاً للإبقاء على النظم المستبدة ، لأجل الإبقاء على مصالحها، ليصبح التستر على القاتل والقتيل عملها الإضطراري المفضل، إن عجز المنظومة الدولية على تغيير هذه النظم، يلزمها البحث عن مصالحها المادية في المنطقة استناداً
.. على ما تفرزه هذه النظم من فجوات واحتقان كبير بين شعوب هذه المنطقة على المدى البعيد
إن هذه الفجوات تتضمن خلافات دينية تتجدد، ونزاعات سلطوية جذورها من الماضي البعيد ، يتم تحديثها، لتغليف العقول عبرها، فإذاً فإن استحضار الماضي بصوره الوحشية ، استطاعت القوى الكبرى صناعته استناداً لخلفية شعوب الشرق الأوسطية ولاشعوره الجمعي،فصور القتل والحرق والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس والأيدي، تم إعادة تأهيلها من مصادر التاريخ القديم القائم على الاقتتال السلطوي، وهو بيان واضح لعقلية السلطة الحديثة في جر الشعوب إلى أوكار الرعب والخوف والتشوه الداخلي، فأخطر ما يتم تداوله مستنبط عن تجارب التاريخ الحافل بالصراعات العنيفة، والتي أرادت إعادة الجماهير المخصية إلى بطن الماضي الوحشي بكل بشاعته وقسوته، فبقاء النظم التي تقتات على المركزية
القومية أو المذهبية هو بمثابة تحدي بوجه العالم برمته، إن لم يتم مكافحته
والغريب أن تجتمع دول بعينها تحت يافطة مكافحة الإرهاب والتطرف وهي في الآن ذاته مصدر وممول رئيسي له، أمام ذلك لا نجد القلم باستطاعته أن يضفي تغييراً واضحاً ، والأعين السلطوية ذوي النفوذ والهيمنة تتجه فقط إلى كيفية استعباد الشعوب والحد من تطلعها للحرية
. والانفتاح
التدمير للحياة وإعادة توزيع الجماعات الهاربة وتوطينها عبر تغيير الخرائط ينعكس ذلك برمته على منظومة القيم الأخلاقية، بل وتكاد تنقلها للهاوية والضياع، فجراء التشويه الحاصل في الحروب الأهلية والصراع مع النظم المستبدة، نجد تضخم الآثار السلبية على المجتمع بكافة شرائحه، فحين نتأمل مجريات القصف على القرى المتآخمة للجبال والمقاتلين، ونجد إبادة مجموعة من الناس ما يمكن اعتباره تجسيداً لهول الحدث، إن وحشية السلطة وإرهاب الدولة التركية يعد الوبال الحقيقي من أي إرهاب يمكن الحديث عنه على صعيد جماعة أو تنظيم معين، نظراً أنه ما من دول قادرة على أن توسمه بالإرهاب أو تقاطعه، حينما يكون بينها علاقات اقتصادية منفعية ، تجيز لها فعل ما تريد ، ما هو جلي في المثال التركي من محاولته إبادة الشعب الكوردستاني عبر التاريخ، وكذلك إبادة الأرمن والكلدان والآشوريين أيام السلطنة العثمانية، إننا نجد تاريخاً دموياً متجذراً وممتداً للعيان في هذا الحاضر، يشرعنه صمت الدول الزاعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى هذا المنوال يمكن فهم الإزدواجية الدولية، وكذلك مواكبة الوجع لشعوب تحاول أبداً الترفع عن
. آلامها عبر الصمود والمقاومة
لا يمكن للمعرفيين أن يقفوا على الحياد في رؤيتهم للنفاق الدولي والجشع الوحشي الذي يقتلع الأخضر واليابس، إنهم يسعون عبر العلوم والآداب الإنسانية والفنون إلى تعرية المصطفين إلى جانب التدمير لأجل الربح، وينشدون الخير والحق والجمال في بيئات تسحق فيها الطفولة تحت وطأة القصف، ويسحق الحب تحت وطأة العادات أو التشويه الإعلامي له، إنما عظمة الصراع من جودة المنجز، فما الحضارات والآثار إلا شاهداً على مواهب المعرفيين في الوجود، فعلى الرغم من هذا الضغط الكبير في تحويلهم لضحايا أو جعلهم مجرمين، إلا دليلاً على قوتهم وقدرتهم على استعادة الريادة الحضارية في بيئاتهم المنكوبة أو التي لها حيز إيجابي في تدعيم معارفهم ، وحدتهم ضمان لإعادة الحضارة ، وانتصارها على قيم التوحش والاحتكار الأعمى،
يرتكبون المجازر والأفعال الوحشية، لإخماد صوت المعرفيين المنتصرين لوجودهم ولغتهم وثقافتهم أمام موجات الصهر
وتكميم الأفواه والقمع المستمر، بوسائل التدجين التقليدي والمشحون بماهية وجوده من إرث المتدينين في استعباد الشعوب المرهقة، إن انتشار الخرافات والأدوات الدينية في بيئات العزلة والتهميش، بيان على رغبة السلطة القامعة في
.تجهيل الجماهير للحد من مطالبتها بحقوقها وحرياتها، وإدخالها في دوامة الغشاوة والسبات العميق
لطالما كان الصراع حول فكرة فصل المعرفيين عن رجالات السلطة شاقاً وعصيباً، فإنه من الممكن أن يكون ثمة محافل مستقلة تستطيع إلزام السلطويين على ضرورة عدم استنزاف المعرفيين أو تدجينهم، في زمن استطاع المفكر المبدع أن يقوم بإيصال صوته وفكره ومواهبه للناس، إلا أن هذا الرهان مازال محفوفاً بالضبابية، فالسلطة تستطيع مع مرور الحقب أن تنتج أدواتها القمعية في لجم الإبداع في تخطي أو تجاوز حرم السلطة، ولاسيما أن الإعلام يؤدي هذه الوظيفة بمهارة فائقة، وهو قادر على تجزئة الإنسانية في البكاء على مجزرة حدثت هناك في حين يستطيع غض الطرف عن مجزرة حدثت بجواره، حيث بات الإنسان قيد التصدير والاستيراد ، وظل لزاماً على السلطات أن تبدل أقنعتها وتستعير أوجهاً مغايرة تماماً لحقيقتها متى تشاء ذلك،فغايات الاستبداد السياسي كامنة في بعث الخوف والتقسيم الاجتماعي بين جمهور يعتد بخطاب السلطة التي تسوق مثالاً الأمجاد القومية وبضرورة الحذر من المكونات الخارجة عن الحالة القوموية تلك بوصفها خطراً على الوطن، هذا ما سوقه الخطاب القومي العربي في وصف المكونات غير العربية بالعميلة والساعية أبداً للنيل من الأحلام الوحدوية وكذلك الاتصال بأعداء البلاد، بغية تقسيمها، كما الخطاب التركي العنصري الذي اعتبر كل الشعوب التي تعيش في تركيا، باعتبارها شعباً تركياً واحداً ، عدا تلك النظرة الدونية لها باعتبار تلك الشعوب عبارة عن مستتركين ولا يتمتعون بنقاوة العرق خلاف التركي النقي عرقياً، وكذلك الخطاب الفارسي الذي يعتبر كل الشعوب التي تعيش في إيران على أنها شعب فارسي واحد، فأمام هذا التراث الإيديولوجي القائم على الكراهية والتقسيم الروحي بين الشعوب ، نجد أن الحروب والتناقضات قائمة وتنمو باستمرار، وأمام هياجها تحاول العلوم الإنسانية أن تشغل وظيفة المصلح الخجول، وفيما لا شك فيه فإن الخطاب الديني المذهبي الطابع، استطاع أن يحقق بدوره ريعاً كبيراً في الفوضى والدمار، وأمام هذا الاقتتال المرعب، لا نجد دوراً للغة التنويرية في قدرتها أو تأثيرها أمام تفشي سرطان الإسلام
. السياسي القومي والذين يوقدان الحروب والخلافات بواسطة السلطات الباحثة عن مصالحها فوق جماجم الأبرياء
إن ذلك يصب في عداء تاريخي أزلي مع الحضارة وقيم الإنسان المعرفي الصانع في الوجود، حيث الإرادة الجلية في مجابهة قوى الموت والظلام ، هو المرتكز الكبير لإعادة النهضة إلى سابق عهدها، نهضة الموجود المبدع والذي ظل على طول مراحل تطوره التاريخية يجسد قوام وشكل الإله على الأرض، وقد مثل الإنسان المعرفي في وجوده على قيم تغني الابتكار وتعطيه بالغ الأثر، تجسد ذلك في محاربة أطماع الغازين وردعهم، من خلال ترسيخ الصمود ومقاومة الأنانية الوحشية التي ،ابتلعت الجمال وظلت تحارب نهضة البناء في كل ركن من أركان الوجود القائمة على التماسك الإبداعي في إطار وجود رحب لهذا نمعن في استنباط القيم الجماليةإذ أن الأساليب المعبأة باللغة وحدها قادرة على إيجاد مكان لها في الوجود المتشعب، ونعني هنا الإبداع المعرفي ودوره في تشييد علوم الإنسان وآدابه، فصناعة الفن تقف بالضرورة بمواجهة صناعة الخوف والتضليل، بمعنى أنها تسهم في تكوين وعي بديل عن التشتت والقهر الذي تعايشه الفئات المنكوبة ممن تعاني ضراورة الحرب والاغتراب والفقر، لهذا وجب التعريف بالعالم البديل المنطلق من الفن والأسلوب، ودوره في تكوين الوعي الجمعي بطريقة أفضل، حيث تسليط الضوء على الحب والتشبث بالجذور في كوردستان بمواجهة مد الكراهية والإبادة هو دليل حي على ضراوة الصراع بين قوى المعرفة وصناع الخوف، وعلى المدى القريب سينجلي في صوره البارزة كأحد أعمدة صناعة الحياة الجديدة القائمة على إحياء القيم والأفكار ومواجهة مفاهيم وعوائد السلطات الفاشية والتي تتخذ الخطاب الديني السياسي وسيلة لتهويم الرأي الجماهيري والتلاعب به، إن عزل وخنق المجتمعات وتكبيلها بالخرافة والوهم والجهل هو بمعنى قطع صلاتها مع الحضارة وفهم الحاضر، إن سعي القوة المضادة في مواجهة تحدي السلطة القامعة يمثل دور المعرفيين في مواجهة تلك العزلة الخانقة، ومعرفة سبل تجاوز هذا العقم الفكري الذي سببه الخوف، إن سلوك الفكر الفلسفي التنويري مسلك العمل ومحاولة السعي للتغيير وفرضه بمختلف السبل هو جهد معرفي جلي لمواجهة الصهر والاغتراب، ويدخل في موج الصراع الكبير القديم والمتجدد أبداً
ويتضاعف الاغتراب ويضعف التماسك الاجتماعي بتحول الخوف لحقنة يمكن تذويب الصرخات في ظلالها،وجعل الجماهير بلا ألسنة، ووعي لتطالب برفع المظالم عنها، ونظراً لحالات الإبادة الثقافية والإيديولوجية التي تفرضها المنظومة الشمولية بوجهها الفاشي، فإن التفكك الاجتماعي يشهد تحولات تعتبر الأسوأ في التاريخ، ليتم استهلاكها واستنزافها بخطابات تدعو للحرب وزيادة التنافر بين مكوناتها، إذ يتم استخدامهم كدروع بشرية أو كوقود لحرب داخلية وخارجية على حد سواء، إن الحرب التي يشنها السلطويون على الكورد لكونهم كورداً ويتكلمون بلغتهم ويعيشوه على أرضهم ، هو بمثابة جينوسايد متداول عبر التاريخ، يضاعف الشعور بالظلم والقهر، ويوغر من إحساس الكراهية التي يذهب ضحيتها شعوب هذا الشرق، إثر التشوه الذي فرضته عليهم أنظمتهم، وهم على هذه الصورة الراهنة مطالبون بأن تكون أجسادهم وعقولهم أدوات بيد هذه المنظومة لاستمرار هذه الحرب دون هوادة، حيث يصبح هم السلطوي القومومي، شراء الذمم، وزيادة الأنصار ممن يتخذونهم أوثاناً مقدسة، لهذه المعارك العبثية،ونجد النزوع للإنقسام والتنازع بمثابة غريزة متجددة بين شعوب الشرق الأوسط امتداداً للشرق الأدنى والأقصى برمته، إلا أن تسليطنا النظر حول الشرق الأوسط هو بمثابة العينة الأكثر تجسيداً ، فالأزمات التي فيه معقدة وشائكة ولاسيما أن رابع أقدم قومية تعيش ضمنه مجزأة بين أربع دول، إن بقاء كوردستان مجزأة، يفرض على المنطقة لا استقراراً طويل الأمد، ناهيك عن النزاعات المذهبية المستعرة هنا وهناك، وكذلك عجز الخطاب القومي السلطوي عن إيجاد مخرجات له، وإفلاسه المزمن، والذي يدفع
. بمستقبل الشعوب إلى الهاوية
نجد أيضاً أن غريزة الانقسام جلية في أوساط المجتمعات الشرق أوسطية عموماً والكوردستانية خصوصاً، كون ذلك يجعل المنطقة المستعرة وبالاً على بعضها البعض، دون التوصل لحياة أكثر تنظيماً ووصولاً للجلوس لأجل تأييد القواسم المشتركة التي قد توحد أبناء القضية الواحدة أو اللغة الواحدة، إلى أن الحل المعرفي يكمن في تجاوز العقلية القومية بتركيبتها السلطوية للإنفتاح المشترك بين هذه الشعوب المجاورة والمتداخلة ببعضها البعض بحكم التاريخ والجغرافيا، نجد هذا المخطط معبأً بضراوة عقلية الإسلام السياسي الذي تقودها النظم الشرق أوسطية على نحو من القسوة
. والفظاظة وبث الرعب في دواخل أفرادها وزجهم في أتون صراع لا يكاد يتوقف
فالخروج عن العزلة والتهميش المفروضين يمثلان الحدث الأكثر ضراوة في المشهد السياسي والاجتماعي الكوردستاني، والمسير بالحياة إلى إطار من الصراع لمواجهة مسببات التخلف والمراوحة في المكان، هو ما تعنى به وفي ظل ذلك الصراع غير المتكافىء بين سلطات الاستبداد والشعب الكوردستاني، نشهد ذلك الطالع السيء، الذي أمعن في تأصيل المشهد المفجع على نحو يبعث على التشاؤم والكآبة،حيث لا تعنى الحروب بعلم الإنسان والفنون المتداخلة بالمأساة الإنسانية، إن إبعاد الفنون عن المجتمعات هو تعبير عن رغبة في تحويلها إلى وقود لأزمات لا ينتصر فيها أحد ، يمكن فهم الصراعات الشرق أوسطية بأنها في قسم كبير منها استماتةشعبية غير مدروسة في إسقاط النظم الاستبدادية على نحو خائب تعمه الانكسارات والمآسي، والقسم الآخر تتمثل في انفجار التناقضات الداخلية لطبيعة المنظومة السياسية وعلاقتها مع الخارج الإقليمي والدولي، لكل ذلك انعكاس رديء على المجتمعات المتشرذمة والتي يتحتم عليها العيش بقلق وبؤس وتشرد،حيث يمكن أن نلحظ أن كل ثائر جيء به للجبال وراءه قصة بائسة، أو أحداث جعلته يحس أن ما من طريق للخلاص من نفاق المجتمع وتخلفه إلا عبر بوابة الطبيعة حيث الصفاء المفقود، إذ لطالما كان لجوء الإنسان إلى البراري وسيلة لنسيان مأساة الآخر وجوره ، وأمام ذلك الضغط السلطوي عبر فروعه المتطاولة ونعني به سدنة التقاليد والأعراف ، لا نجد إلا الفارين والمنكوبين ممن يتحسسون جذر المعضلة والتي هي تلك السلطة القمعية ، فهي نجحت في إغواء المجتمع بالمال والدين والانحلال، وتهديدهم تارة أخرى بوسائل العنف والقمع والاجتثاث، أمام هذا الضغط المتزامن مع تغييرات الحاضر ووصول المجتمعات لوعي بأهمية الحراك والتطلع للنهضة والتغيير، نجد الآمال ترتقي وتنحو منحى ذلك الموج المتحرك والخلاص المنشود ، حيث ينتقل الصراع التاريخي بين الجماهير والسلطة القامعة لأطوار أخرى، يعمها التداخل بين مصالح الدول الاقليمية والدولية وهيمنة الاقتصاد وتغيير الخرائط حسب هيمنة ذوي القوة على النفوذ المتوزع في رقعة الشرق الأوسط، إلا أن التحول الفكري المعرفي يتعثر بتحديات القمع السلطوي المساهمة إلى حد كبير في تأخر هذه المجتمعات ، إن تجييش المجتمع عبر الإسلام السياسي الذي تنحو له الحكومة التركية الفاشية والمعادية لنهضة شعب كوردستان في أجزائه الأربعة يجعل المنطقة في حالة بركان متفجر لا يخمد، إن خطر الإسلام السياسي ، يعم العالم برمته انطلاقاً من قاعدة الشرق الروحية وغناه المادي وعزلة مجتمعاته عن تيارات التغيير ، إن التخلف الاجتماعي هو ابن السلطة الاستبدادية وهما بمثابة المطرقة والسندان اللذين وضعا المجتمعات الشرق أوسطية في دوامة الاغتراب والقطيعة عن الحاضر،
بات العنف ديدن أنظمة الحكم الشرق أوسطية، وباتت كوردستان الميدان الأكثر غلياناً واحتقاناً مع الزمن، إزاء دول تم اصطناعها منذ 1916 ، إبان اتفاقية سايكس بيكو، والذي لا تزال آثارها تعيث خراباً في نفسية المجتمعات المشتتة، والتي لم يعد بمقدروها تغيير أنظمتها إلا عبر مظلة التدخل الخارجي ورغبة القوى الكبرى في تغيير الخرائط حسب مصالحها، ثم أن الخلايا التنظيمية المناهضة لهذه السلطات مارست ذات التقاليد الاستبدادية على أفرادها الذين انخرطوا في العمل النضالي لغاية دفع المظالم الاجتماعية والسياسية التي يمارسها أرباب الذهنية الذكورية المتصلبة، والتي دعمت وجوديتها انطلاقاً من النظم المركزية الطابع، والتي سوغت الوجود لسيادة العقلية الأبوية داخل العائلة الواحدة، كل ذلك دفع ثمنه
الشباب الطالع، والذي لم يجد ثغرة أمل يمكن أن يدخلها، حيث الأسير يمارس فعل السجان على الآخر الأضعف وهكذا، تلك التقاليد الاستبدادية تنتقل كالنار في الهشيم داخل سلوكية الإنسان المقهور، فلا يمنعه من أن يمارس الحاكمية، كون خضوعه لم يعطه الوقت الكافي لحسن التطلع للأمام، فقد يمارسها على ما هم دونه وهكذا، لهذا فإن عمل الرواية هو التنقيب عن تعددية السلوك البشري ومآلاته على سير المجتمع ككل، من تجسيد لطبيعة الحياة الكوردستانية في شمال كوردستان إبان ثورة حزب العمال الكوردستاني، وقيام الدولة التركية في تقسيم المجتمع إلى فئة تحمل السلاح بوجهها وأخرى تتحول أداة لخدمتها ، فوجود الارتزاق مقابل الثورة ، جعل المخاض عملياً أكثر عمقاً ، وباتت المآسي تتصاعد أكثر، ليدفع مآلاتها القرويون البسطاء ممن لم يجدوا حلاً يجعلهم في مآمن، وكذلك فإن إرهاب الدولة ساهم إلى حد كبير في تضخيم المشكلات وتشعبها مع الوقت ، الأمر الذي ساهم في إحياء الخوف كمنظومة تدير الحياة، وتزيد من العنف
. والتشرذم، غايته الحرب على الجذور الثقافية والاجتماعية لكوردستان والاستماتة في كسر إرادة الإنسان الكوردستاني
لعل ديدن الأمم السلطوية ممن تتسلح بماضٍ دموي هو المضي قدماً لاستعباد الشعوب الخاضعة لسيطرتها، يبان ذلك في ذهنية النظام التركي، وثقافته القائمة على الكراهية واجتثاث الشعوب غير التركية وصهرها في بوتقتها، تبقى تلك الذهنية عائقاً كبيراً في التحول الديمقراطي والمسير للأمام بخطا نهضوية، فإن التأويل النقدي يسهم في بلورة ذلك كمشروع فكري
هذا المشروع القائل بوجوب بث روح الحب في الوجود، والانتصار على الخرافة عبر المعرفة، وما تلك الكراهية التي يبثها
. القمع المستمر إلا تجسيداً لهالة الجهل التي لا تنفك تحاصر مسيرة الإنسان المعرفي في الوجود
يتم الإعداد لمعركة المواجهة مع العدو المهدد لقيم وحياة شعب عريق يقيم في أرضه التاريخية، في الآن الذي تتجسد عبر حمل المرأة للسلاح لجانب الرجل تلك الحرب ضد الذكورة، حيث الحرب من أجل التغيير، وتحقيق الإنصاف يتم مع تلك الرغبة في حرية الأرض ، لعل حرية الأرض لا تكتمل إلا بحرية الذات وتحررها من عيوبها وتحللها، ورغبتها في الانعتاق والخروج عن متاهة الاغتراب والشعور بالعجز، فالحرب من أجل المساواة تتحقق في ظل إيمان المرء بالذات وقدرتها على تحقيق النجاح عبر التشاركية في صنع الحياة الجديدة، فنشدان القيم الطبيعية والتعريف بالحب السامي كمبدأ أعلى من الغريزة المعتادة هو في سياق رحلة البحث عن الأسمى، ولعل الطبيعة تعمل على تهذيب الذهن في استعداده لخوض معارك الحق والواجب، واقتفاء حقيقة المعرفة والحب في ظله، وهو بمثابة منطلق لفهم علاقة الموجود البشري بالوجود، استناداً لهذا الصراع المستميت للتمسك بالجذور والخصائص الحضارية، في ظل هذا التكالب القمعي على سعادة وهناء الجماعات المقيمة في رقعة جغرافية تنشد الطمأنينة عبر وحدة مكوناتها، وانسجامها الجغرافي والمعيشي، لقد ساهمت النظم الإقصائية في تأصيل التجهيل وتوظيفه كأداة نوعية في استهداف الأفراد، وهذا جعل المجتمع يتصدع بفعل هذه الهجمات الكبيرة، والكراهية التي يتم صنعها وطبخها في مطبخ الفاشية السلطوية، ودورها في تدمير البنى المعرفية للشعوب، والوطن هنا هو الوجود الذي يتم الولع به منذ اقتران الذاكرة به في أطوار نشوء المرء الأولى، وتعلقه بالبيئة التي ترعرع فيها، فلا يمكن الفصل بين ذلك وتلك المحاولة لصون تلك الرقعة الوجدانية التي يستمد منها المعرفي مواهبه ورؤيته للحياة ككل،إن صناعة الأحقاد عبر قمع الشعوب ، وتجزأتها ، ظل وسيلة مدمرة لاجتثاث روح الحياة التشاركية، وقد عرقلت كل حل أو بناء، حيث ظلت النظم الفاشية تستورد الكراهية وتضخها إلى جانب إمعانها في فرض الخوف كنمط للحكم والهيمنة، مما جعلت الجماهير تغوص في متاهة من الاغتراب ، منها ما استخدمت كأداة للقتل ، بخاصة المقربة من الفئة السلطوية بحكم الطائفة أو العرق، مقابل تلك الفئة المسحوقة والمهددة بالفناء، هذا التصارع لم يبقي من أثر محمود في إمكانية العيش المشترك القائم على قوانين تنصف كل الفئات والشرائح، على عكس ذلك فإن البنية الاستخباراتية لطبيعة هذه النظم، عمدت على نشر الرعب والفزع، وتكبيل الإنسان وحصاره في قوْته ومحاربته على انتماءاته،لنجد في ذلك سبيلاً لسبر نفسية الحاكم السادي إن انعدام الأمان والشعور بالخطر يلخص العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ظل الأنظمة التي تتحدى الشعوب ببطشها وجورها، حيث تتوقف المجتمعات عن تقديم الأفضل لحياتها معرفياً، بوجود نظم ضد المعرفة ويقظة الجماهير، بل تعمل بأدوات قديمة ورديئة وسلوكيات وحشية على الحيلولة دون التحول للرفاهية والديمقراطية، ذلك يعيق الأفراد على تجاوز المراحل المفترض تجاوزها من الزمن الجدير استثماره بالتفكير والنقد وتحسين الأدوات وجدتها،فالمنظومة المفككة والفاسدة، ينعدم التماسك في أوساطها، ينعكس ذلك بطبيعة الحال على التنظيمات والمؤسسات والعائلة ، لهذا تغدو المجتمعات ضعيفة وخائرة، يسودها الاغتراب، حيث مهمة التسلط هو تفكيك المجتمع وزيادة أزماته، لصالح تماسكه، واتحاد مؤسساته الأمنية وتوسع رقعة عملها داخل حدود الدولة وخارجها، وهنا تضيق المساحة على القاطنين ، من خلال الحواجز والتعقيدات التي يتم إقامتها، لزرع الرهبة والخوف، غير آبهة بالشعب وحياته المهددة بالتلاشي مع الوقت
إن بقاء الدولة بمنظومتها الفاشية القائمة على سيادة عرق على آخر أو سيادة طائفة على أخرى، هو نذير حروب لا تكاد تتوقف وتنحصر في مناطق محددة لتعم فيما بعد جميع الدول التي تتشابه في غطرستها وعداءها مع الحرية والدمقرطة، إن الإمعان في الحديث عن مأساة المجتمع في ظل السلطة الفاشية هو ما تجيده الرواية الواقعية، وتستطيع أن تجعل من الحدث وثيقة وجدانية تقوم بالتأثير النوعي على ذائقة المتلقي، لتعرّفها على مرارة العيش في ظل الجور والفساد المطبقين على مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية لكوردستان عموماً والشمالية منها الخاضعة لتركيا على نحو خاص، إن لحظة الغضب الجماهيرية تزداد مع ازدياد شعورها بفداحة الظلم والمعاناة التي ترتكب بحقها مع الزمن، إن الاجتثاث والصهر الدائم هو ما جعل الخوف خبز الدولة التركية التي تهبه لتلك المجتمعات غير التركية بصفتها مجتمعات يجدر بها أن تقتنع بحقيقة أن تكون تركية، وإلا فلا مكان لها في تلك الرقعة، إنه استبداد محاط بإيديولوجية الكراهية والاحتقار العنصري ، يتم غرسها في أذهان الأجيال، وتسهم في نقل تركة المظالم من عصر لآخر، تلك العقلية ما لم تتغير ، ستدفع بالكثيرين وقوداً لتلك الحرب الإيديولوجية التي هدفها طمس معالم تعايش مشترك،حيث يمكن شراء الجماهير عن طريق المال ودفعهم ليكونوا مأجورين يقومون بقتل بعضهم البعض، وزج الذين يرفضون ذلك في السجون والأقبية، حيث المال يعني الانصهار في البوتقة التركية، والخوف يعني الموت أو الاعتقال ، إن تلك المظالم جعلت الشعوب تسير إلى طريق مظلمة، حيث بتنا ندرك أن وحشية هذه المنظومات الشمولية تفوق قوة الجماهير المغلوبة عن أمرها في قدرتها على دفعها وإسقاطها، لهذا لم يكن إلا التدخل الخارجي والإستفادة من تناقضات مصالح الدول الكبرى، كوسيلة لإسقاط النظام الاستبدادي، عداه لا يمكن دفع الظلم وإجراء التغيير، وهنا لا يمكن ضمان أن حدوث التدخل الخارجي والفوضى الجماهيرية قد يستطيع تغيير هذه النظم بنيوياً، ذلك يحتاج لعدة ثورات ضارية حتى يغدو بالإمكان الحديث عن انتفاضة ذهنية تستطيع تغيير العقلية، وهذا شيء عسير، إن عداء الشعوب يسهم في زيادة تدميرها مع الوقت، حيث لا تدرك النظم المركزية استحالة إخضاع الجماهير عبر وسائلها التقليدية، كما أن تجهيل العوام وتخديرهم دينياً، قد يساهم أكثر في وضعها كأدوات لتنفيذ مخططات الدولة خارج الحدود، إن تصدير الأزمات الاقليمية هو نتاج إفلاس وعجز تلك الدول على احتواء أزماتها، إن بقاء كوردستان مستعمرة بين هذه الدول، يعني تغيير بنيتها على المدى غير المنظور، كونه ثمة شعب غير قابل للصهر ويحارب بكل وسائله ويعاني الجور والظلم ، ولا يستسلم، إنه دائم التطلع للأفضل أسوة بشعوب العالم المتحررة، فما يعتمده الإعلام الاستبدادي هو جعل المرأة وسيلة اتصال جنسي وتسليعها على نحو يثير لعاب الشهوانيين، أي جعلها بمرتبة الحيوان، إلى جانب ذلك فإن النظرة الدينية السياسية للمرأة وفق منظور الدولة القومو اسلامية هو كونها وسيلة للترفيه الجنسي، والإنجاب الدائم، ذلك جعل الأنظار تتجه نحو الجانب الغريزي لما له من تأثير على تحول الأفراد للشذوذ والعنف، وهو ما حافظت عليه الأقنية الإعلامية لإلهاء الجماهير وإخضاعها لأمد طويل، إن تصدير التشويه النفسي هو دعوة للجريمة ، حيث يعمل الإعلام على لعب أشرس أدواره في تحوير الذائقة وإلهاء الناس عن مشكلاتها الجوهرية وإشغالها بتوافه الأشياء، بل وتعميتها عن طريق الإسلام السياسي كما يتم اللعب عبره في الوقت الحالي، إن التجهيل عن طريق تفخيخ العقل وتهويمه عن طريق الدين هو ما يمثل التأثير البالغ على العقول، وإشغالها عن قضاياها الحقيقة المتصلة بالبحث عن حلول لوجودها المهدد بالصهر والإلغاء والإقصاء،حيث ثمة صلة وثيقة بين الخوف والتجهيل لما بإمكانهما غزو الإرادة المعرفية وبتر
مقومات وجودها لدى الجماهير المنكوبة نفسياً بفعل القمع ، حيث نجد أن بواعث الأمل في التغيير تقتصر على حملة
السلاح ، ممن لجأوا إلى الجبال، ليشكلوا من منحدراتها الوعرة معاقلاً للمواجهة، ولاشك أن طرفي الصراع يحملان في
. تنافرهما معضلات متشابهة، ومشكلات سلطوية ، تلتقي عند مدى قدرتهما على كسب الجماهير بأشكال متعددة
نجد أن الجنرال المولع بالبطش، شديد التأثر بجنازات الجند فلا يتأثر إلا عبر الكاميرا ليبكي وتدمع عيناه حزناً على رفاتهم، في إشارة إلى انعدام الثقة والولاء للهدف، سوى البقاء في أعلى الرتب والإرتقاء دون محاولة لإيقاف هذه الحرب التي لا طائل منها سوى المزيد من الاستنزاف والقتل، إذ تمثل المصالح الفئوية السلطوية رأس الإشكالية في بقاء الاستبداد والفساد على ما هو عليه ، على مبدأ بقاء النفوذ والوجاهة على حساب وجود الكراهية بين المجتمعات ، فلا التركي يرضى بحرية الكوردي، ولا الكوردي يستطيع أن يغفل الجرائم والويلات التي تعرض لها على يد التركي، ونعني هنا المنظومة السلطوية وأعوانها ومأجوريها ، ممن تعتمدهم أدوات لإحياء الكراهية والأحقاد لأمد طويل، حيث يتم التملص باستمرار من إيجاد حل لمسألة الديمقراطية والحريات، ويتم الالتفاف حول مطالب الجماهير وتنظيماتها، وتصبح الوعود ديدن هذه السلطة في دوام بقاءها، تلك الوعود الانتخابية الفضفاضة والتي تتبخر في الهواء حين الوصول للسلطة، دون إحداث تغييرات لو طفيفة في سلوك الدولة تجاه شعوبها، إنما لا يتبدل إرث الاستبداد والصهر الذي بات عقيدة الدولة التركية، والإيرانية، ممن يحملان في مضمون خطابهما توجهاً عرقياً طائفياً خطراً ، فأمام حالة الخداع الإعلامية، لهذا نجد أن تأليب الشعب بعضه بعضاً أمر سهل قياساً بيقظته ودعوته لمواجهة الاستبداد وزبانيته، حيث يمكن النظر لطبيعة الصراع بين قوتين تسعى الأولى للهيمنة والطمس في حين تسعى الأخرى إلى التماسك والصمود والتأكيد على الهوية المنكوبة المسلوبة، ولعل هذه المواجهة تترتب على القوى القائمة أن تعيد حساباتها كل فترة مع القوى الساعية إلى تمكين بقاءها والاستفادة من حروب الاستنزاف هذه ، لأجل مطامعها في المنطقة على المدى البعيد، ذلك أيضاً لا يؤرق هذه النظم ، بل يجعلها تستمر في حرب الإبادة دون أن يكون في حساباتها تلك الشعوب وتعايشها المشترك، نجد أن البحث عن الأفضل من عمل المعرفيين حينما يستمرون في سبر أغوار المواجهة الحتمية مع قوى العسف والجور ومنظومة الإقصاء المتأصلة تاريخياً وبنيوياً داخل مجتمعاتنا، فحيث بإمكاننا البحث عن معرفة جديدة في ظل خراب دائر ، فهنا نجد أنها محض محاولة قد لا تحقق ثمراتها سريعاً ، إلا أنها تجعلنا في حالة تصادم مع تلك الخروقات الكارثية التي يشنها السلطويون بالتحالف مع رجال الدين والغوغاء،ولا نجد أن الجماعات المنكوبة تستطيع أن تتفاعل في ظل الكوارث والحروب العنصرية ، مما لا تسمح لحدوث أي نوع من التماثل للشفاء، سوى أنها تشعل آلاماً وأوجاعاً شتى، حيث تتمايز الأمم الضعيفة عن التي أقوى منها بالتشبث بالأمل الفاقد بصره، ويغدو سباق الأمم السلطوية الفظيع للبحث عن كينونتها الفاشية في ظل استعراضها اللا أخلاقي لقدرتها أن تظل متوحشة وأنانية وعنصرية ، إن التاريخ الحافل بالدراما يغوص في الدم من أعلاه إلى أدناه ، وذلك مرده إلى سلوكيات التعطش للدم والجشع في سبيل تغيير الخرائط وتهجير الضعاف،
. وسلخهم من منبتهم، وذلك يفرض على المعرفيين أن يواجهوا ذلك التعري الصارخ للوجدان المتحكم بالمصائر
إن وحدة الوجدان المعرفي لدى أصحاب المواهب والمدركات ، والذين يواجهون الإرهاب الدولي أو التنظيمي ، ضرورة ملحة لمواجهة الانصهار والإقصاء والجبروت الذي تفرضه السلطات الوحشية في الشرق الأوسط، ونجد اليوم العالم وكأنه قرية تنوء بأعباء العاطلين عن عمل الخير إزاء فئة تنبت ببطء من بين الركام ، لهذا نجد أن الصراع نحو الأفضل، هو ما يعم
. أذهان المدركين ، من ضرورة توجيه الثقل باتجاه تحسين فهم الحياة والانتصار للحق والخير والجمال
حيث تعبر الحروب عن حالة التشويه التي يبثها الإنسان القامع للحياة في الطبيعة والبشر والكائنات ، ففي تجسيد الدمار ومحاولة الاتقاء منه تأكيد على غريزة البقاء التي يدخرها الموجود في صيانه أمنه، والدفاع عنه من هجمات القمع والتنكيل
. الذي عبره تكون حياة الكثيرين في خطر
إن التحريض على الكراهية وإبداءه كسلوك ينم عن تطبع غريزي ممنهج به، عمل يعد ثقافة متأصلة ، تنفث زعاف سمها تلك السلطة الإقصائية لتكون مثار حروب أهلية قادمة تفتك بالأبرياء ، حيث أن ترويجها، يمثل في صميمه أزمة السلطة التي تعممها في مفاصل وروح المؤسسات التعليمية والإعلامية ، وتغرسها على الصعيد التربوي والثقافي ، مما يجعل ذلك المجتمع على شفير هاوية، إذ أن الانفجار فيه محتوم ودوماً يبلغ أوجه لو ببطء، فمع مرور الوقت يتحول الخوف في ماهيته لنفور داخل الفرد الخائف، وشجاعة تنمو لتجاوزه مع الوقت، إن تجاوز منتوج الخوف لا يأتي إلا بعد احتقان متراكم، ولاشك أن الجماهير تتأثر بفعل الخوف كما تتأثر عن طريق خطاب الكراهية، فغالباً تحيط السلطة الفئوية حول نفسها بطبقة جماهيرية مسلحة تشرى بالمال ، هدفها قمع الفئات المسحوقة ممن تعاني صنوف الجور والاستعباد، إن طريق الدم يبدأ من تأليب السلطة المجتمع بعضه بعضاً، هذا من شأنه تدمير البنى وتفكيك المؤسسات، وتجزئة البلاد
. وتفتيتها، وذلك يصب في النهاية لصالح القوى المسؤولة عن انهيار الدول وصناعة الأزمات
ولاشك أن أي نظام سلطة مؤسس على كراهية عرقية أو طائفية يودي بالسلطة والمجتمع للهلاك والتشرذم، حيث تتوالد الأزمات الكبيرة من خلال هذا المنطق التدميري، ويسهم إلى الفوضى وإعادة الحياة من حالتها الجيدة نسبياً إلى حالة البدائية والتوحش البشري، فلا نجد التمثيل بالجثث وحرقها كيداً، إلا نتيجة من نتائج هذه الكراهية الممنهجة التي تسهم السلطة التركية في جعلها وحشاً ضخماً ينشب أسنانه في المجتمع برمته، وغالباً ما يدفع الغافلون ثمن هذه الكراهية باهظاً، هذا العنف الذي تمقته الطبيعة المسالمة للبشر وتستحوذ على روح السلطة المهيمنة والذي يحقق لها العنف بقاء أطول، في ظل كون يتخلله الصراع، فالضعيف فيه ينحسر ويندثر، والغلبة فيها للباطش القامع، حيث اعتادوا على تقلد نظرية القوة والترويع الشامل والدائم، مما تنتقل السلطة للمبالغة في استعراض قوتها إلى استثمار الكراهية وزرعها في صفوف المجتمعات، عبر تعظيم السيادة العرقية وجعلها فوق بقية الأعراق الأخرى، بينما تظل الأعراق غير السلطوية منبوذة، مطموسة تخشى التجلي، وتعافه كون ذلك يسبب لها الويلات والمآزق، إنها نظرة القوي في ما هو أضعف منه أنه لا يستحق الحياة طالما هو ضعيف وهش، لا يستحق الحياة الأفضل، حيث الشعوب الضعيفة هي التي تنقرض ويلفظها التاريخ أمام بطش وجبروت الشعوب الوحشية، نميز بين نوعين من الشعوب ، ضعيفة ووحشية، الأولى جعل منها الرخاء والنعيم وجمال البيئة لقمة سائغة بين الفئة الوحشية ممن تبحث عن حياة الرخاء، وتهرب من سهوبها الفقيرة التي تخلو من وفرة الحياة الجميلة والاحتياجات الأساسية، ولا تذهب خصائصها الوحشية وإن بقيت عهوداً على تلك الأرض الخصبة باسطة هيمنتها، إنما يتحول التوحش إلى طبع أساسي من طباعها ، توظفها للحفاظ على مناعة سلطتها ورسوخ قدمها عبر توالي العصور والحقب، حيث تجد في البطش وكراهية الشعوب التي احتلت أرضها وسيلة للبقاء والاستعمار، حيث يذهب بها الأمر لتأصيل صهر تلك المجتمعات بلغتها وعاداتها وسلوكها، عن طريق شراء الذمم، أو بث الخوف ، والإمعان في البطش، لا شك أن منظومة السلطة التركية والإيرانية والبعثية العربية التزمت بالمحافظة على خصائصها
. الوحشية لتثبيت الكراهية واستثمارها لأجل غير مسمى
حيث ظلت الكراهية في عرف هذه السلطات وقوداً جيدة لبقاءها مستفيدة من خلقها لتلك الفجوات والشروخات الاجتماعية والتي بإمكانها تعميق الهوة وفتح الطرق باتجاه الأزمات والحروب الداخلية ، والتي تستنزف الجماهير بلا طائل، تلك مؤشرات التفكك والانقسام، حيث يقود خطاب الكراهية ، تلك الدولة إلى الهاوية، في ظل سيادة القوة وانعدام العدالة ، والتي تدفع بالشرائح المنكوبة إلى المطالبة بحقوقها،والتمرد الذي يجعل الحياة أشبه بدوامة معقدة فلا نجد حلولاً يمكن أن تقدم عليها الشريحة المستنيرة والمهددة بالتصفية، أو النفي،هذا ما يدفع السلطات الفاشية في إيجاد طبقة مرتهنة تجيد تسويق خطابها بطرق ناعمة ، لتدجين الجماهير وترويضها، تارة بالمال والمناصب، وتارة أخرى بالبطش والقمع، ذلك لا
يتم بمعزل عن تنسيق كامل بين أنظمة الدول الاقليمية في سد أفواه مجتمعاتها عبر زيادة تجهيلها وحصارها متعدد
الأشكال، ولطالما تسعى التوافقات الدولية لإبقاء الحياة في المجتمع المقموع كما هي، حينما يحدث هذا التواطؤ فيما بينها وتلك السلطات لأسباب تتعلق بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، ولا انفراج في ظل هذا التواطؤ والتفاهم، والسعي لإبقاء الإنسان مضطهداً ، هكذا نجد تركيا تمارس قمع شعوبها ، على مرأى الدول التي لها علاقات اقتصادية وعسكرية معها، كما تفعل السعودية وإيران، يصعب أن نجد حراكاً جماهيرياً ناجحاً ومثمراً، مالم تتنافر مصالح تلك الدول فيما بينها،
. مما يسهل على الشعوب إيجاد منافذ تمرد لها مستفيدة من هذه التناقضات
إن الحرب هو نتيجة عن هذا الضغط المتراكم، وهو تجلي لكمية الأحقاد البشرية التي تنمو باطراد بالتزامن مع شدة القمع وتكميم الأفواه، وهذا العقد المشوه بين الحاكم والمحكوم، ورداءة التعاقد الاجتماعي وفساده، لربما تكون في مضمونها مروراً أكثر حساسية لمراحل القهر البشري، وأطوار جشع السلطة وتوحشها ، ورصداً دقيقاً لمعاناة الإنسان الكوردستاني على جغرافية وطنه المغتصبة،فعلى الرغم من المظالم الاجتماعية المتعددة، وهذا الجور الممنهج، نجد الأمل عاقداً عزمه في بث الحياة في نفوس المحاربين الذين يؤدون وظيفتهم في بيان الصمود والمواجهة إزاء ذلك التوحش الممارس، إنها إشكالية البقاء والدفاع عن القيم الطبيعية مقابل آلة القتل والعنف والعنصرية القومية ، التي تؤجج الكراهية والأحقاد، بدل من أن تعود لحاضر آمن يتخلله التحول الديمقراطي والتعايش السلمي، وعبرهما تتحقق مصالح شعوب الشرق الأوسط عامة، وتتنافى المظلومية العرقية والتكتلات الطائفية، إن حرص الأنظمة على تجهيل وعزلة الجماهير، هو لأجل تهيئتها على التنازع فيما بينها، وهو ما جعلت الجماهير تشترك في قواسم مشتركة وسلوكيات عنيفة ، تذهب لحالة التشفي والكراهية المتبادلة دون طائل، يصب في مصلحة السلطة القمعية ومكاسبها الفئوية، وكذلك فإن ترك الجماهير وقوداً لتصفية الحسابات من شأنه أن يحقق انخفاضاً في النمو السكاني على حساب ذهاب الموارد الحيوية والثروات لأيد الفئات المتحكمة بالاقتصاد والمال، لقول أن البشرية تشهد صراعاً عميقاً وقوده تلك الجماعات الآمنة، ممن تضطر للدفاع عن ذاتها بأدوات بسيطة ، لا تستطيع أن تجعلها بمأمن عن الشعور بالخطر الدائم، فالصراع على امتلاك الموارد المائية والنفطية، هو محرك فعلي لإشكالية التطرف القومي والمذهبي الديني، وإن إرتباط الكراهية العرقية للأقوام الضعيفة بحكم جور التاريخ لها بالسيطرة على الموارد متين ومتصلب بتماسكه، فالساعين للحروب يدركون أن الوصول للموارد يمر من بوابة إثارة النزعات العنفية بشقيها القومي والطائفي في عموم الشرق الأوسط، وبذلك تدفع الجماهير عن غفلة وربما عن إدراك أحياناً فواتير هذه الحرب الضروس، حيث تتنازع الجماهير فيما بينها عبثاً، لتنال حصة تعبها، تلك القوى الساعية للتحكم وتوجيه الرأي العام، فيما يسعى القلم الإبداعي، لإعادة الإنسان للذهن المتقد بعيداً عن ساحات الاغتراب والاستنزاف،وعلى ضوءها ينعم الأحرار هناك بمفاهيم طبيعية تعيدهم إلى صفاءهم وحبهم للأرض واللغة والخصائص الحيوية التي شكلت نواة للمجتمع الطبيعي الأمومي وقد شكلت ردة فعل عنيفة على المجتمع الأبوي، هناك نجد الصراع قد تشعب وأخذ مناحي هامة تتجاوز فهمنا التقليدي للصراع من باب انه صراع كوردي تركي، أو كوردي عربي أو كوردي فارسي، إنما يمكن فهم الصراع باعتباره تصارع قوتين تاريخيتين،إحداها تحرص على البقاء عبر الاستبداد وطمس الديمقراطية الحيوية، وأخرى قوة تذود عن نفسها بإمكاناتها المحدودة، وتعاني أبداً من بؤس الطالع وصعوبة الكفاح، لكنها تستمر بإظهار وجودها على كيانها التاريخي كوردستان، ففي عالم محاط بشبكة من الخداع والتحايل والألاعيب، يتجسد الحلم بوصفه أداة ثابتة في أذهان ونفوس الجماهير المثقلة بالمآسي والأوجاع الناجمة عن لعبة الدول التي تتقاسم كوردستان، والتي جعلت الحلم الكوردستاني يمر بمخاضات واختبارات عسيرة، فعلى مسرح الأحداث تتقاسم الدول جغرفيا محكومة بالبؤس، والتخلف الحزبي، ورداءة عمل تنظيماته وتحويل الجماهير إلى شرذمات هزيلة من ولاءات أشبه بثنائية الشيخ
. والمريد
حيث أن عملية محو المقدس وإزالته بات صعباً ويشي بمخاطر جسام في ظل رغبة السلطات في ترسيخها حفاظاً على امتيازاتها، إن بقاء المقدس وتأصيله في ثقافة المجتمع، يعد بحروب جديدة ، وميليشيات وقودها الأفراد القاصرين، ممن هم محاطين بأرباب التنظيمات السلفية الموالية للسلطات الاستبدادية ، حيث نتأمل السعودية، قطر، إيران، تركيا كنماذج اقليمية داعمة بشدة لهذه التنظيمات التي تحقق لها بقاء أطول وقدرة أكبر على شل حركة المجتمعات وإخصاءها ذهنياً بغية إماتة شعور الديمقراطية لديها، لصالح بروز الفاشية والتطرف الديني، أما دور التنوير والتوعية فقد بات خجولاً على مختلف الصعد وغير قادر على أن ينأى بالأجيال من مغبة وقوعها في مصيدة السلطات الأبوية، التي تحتقر في برامج عملها كل من الحرية والديمقراطية وصعود حقوق الإنسان بتجلياته الأبعد والأشمل، إن تضخم أزمة الهوية والانتماء وبروز الإشكالات العديدة هي من نتائج تلك السياسات السلطوية التي راحت تفتت المجتمعات وتذهب بها إلى مزيد من الضياع والانقسام على نفسها، وبذلك تتعدد بؤر العنف بشكل لا يمكن ضبطها ، وذلك جعل الحياة مضطربة ومتفككة، وذاهبة باتجاه الفوضى والانهيار، تلك الحالة تطفو على السطح مراراً وتعبث في المجتمعات المنكوبة أطواراً من الزمن، مما نجد في ذلك الانقسام بروز مشاعر النفور والاستياء والكراهية ، التي تدب في الأفراد وتجعلهم يتطلعون إلى تشكيل بنى رديئة ومضادة بشكل آني، ولا يسعفهم أن يشكلوا في وجه السلطة الفاشية أي قوة تذكر، حيث ذلك التكتل المنعزل والهامشي و الذي يفتقد لخصائص واضحة قد يتمايز بها عن النظام السلطوي ، وتغدو أدوار الجماهير منقسمة على نفسها في ظل هذا التسابق الفظ لإنتاج ديكتاتوريات متعددة، يتقاسم أعباء نشوبها طرفا النزاع على حد سواء، إن احتدام المعارك والاختباء بين العدو، وكذلك مساعدة القرويين لهم في الانقضاص على الأفراد الثائرين، يجعل المرء يدرك صعوبة هذا الصراع ومشقته، فعلى الرغم من ذلك ، لا يفقدون الأمل في إنجاز الغاية التي جاؤوا لأجلها، ويفسر هذا التكالب القوي ، ممارسات السلطة للحد من أي نضال ناجع يشن ضدها، حيث لا يتمكن الأفراد من هذا الصراع الدائر ، إلا أن يعيشوا في مرحلة إلهاء وإشغال تلك السلطة من أن تكون بمأمن، فالمجموعات القتالية تواصل عملياتها لبث القلق، وكذلك فلا نجد تأثيرها بالغاً سوى دلالة أن بقاءها هو ورقة ضغط تثبت وجود القضية والمسعى السامي، إن ظروف الحرب الصغيرة التي يعتمدها المقاتلون في الجبال غاية في الصعوبة والمشقة، إلا أن تلك الحرب مستمرة، وقادرة أن تحقق أسهماً في رصيد التجربة التي تعتمدها في بث الخوف والذعر، حيث انعدام التكافؤ بين طرفي الصراع ، يستدعي ذلك الأسلوب في المواجهة، وبكل الأحوال فالنزاع يحقق ألماً يصعب الحد منه في حالات تمكن السلطة من السيطرة على الجماهير عن طريق الخوف والتهديد بالتصفية، إلا أن تلك الحرب تكون السبيل الوحيد لفتح الأبواب الصدئة المقفلة للسلام البعيد، فعلى الرغم من طبيعة الحالة الكوردستانية وتشرذمها في شمال كوردستان، إلا أن المسار الأكثر ثبات في المعادلة المعقدة هناك، هو الاستمرار في التصدي والدفاع، وعدم إعطاء متنفس للسلطة الفاشية في النيل من عدالة القضية ، ولاشك أن لذلك تبعاته ومآلاته على مراحل التحرك تلك، تبعاً لتغيرات المنطقة ككل،
استخدمت السلطة التركية الشمولية كل شيء لصالح بقاءها، وتأصل منظومتها، إذ تضع حجر أساس لحروب أهلية طويلة الأمد،يمكن أن تترجم طريقة التفكير وتنافر الأمزجة استناداً لقسوة الطبيعة الجبلية وحالة الحرب، الكر والفر، حرب العصابات وطريقة فهم الحياة، استناداً لتجربة الاشتراكية الثورية، ومحاولة فهم طبيعة المجتمع الكوردستاني في ظل النظام التركي الشمولي،لقد تم خداع الشعوب بزيف العلمانية التي لم تتخلص من عبوديتها لإرث التقاليد المطلقة المستقاة من تقاليد السلطنة العثمانية، خلقت نواة لمجتمع متفسخ أشبه بجثة متآكلة، حيث تتوفر مقومات التنافر والكراهية ، داخل مجتمعات محتقنة لا تتوفر فيها معايير الحياة التشاركية، وكذلك أسهم البغض في وضع حياة قائمة على الجور والفساد ، تفتقر لأجواء الديمقراطية الجوهرية، ومشيعة عسكرة الحياة، وجعلها أشبه بحياة تتخللها أجواء الطوارئ والرقابة على كل شيء، عدا الذين يقتاتون من الفساد والانحلال، فهم قادة مفاصل تلك المؤسسات، ومروجوا العنف المجتمعي عبر تشبثهم بإرث الفكر الشمولي ومنابعه الأولى ، فالحكم العرقي، جعل المجتمعات في خطر، وأبرز روح الكراهية وجعلها بنية العقد الخطر ما بين الحاكم والمحكوم، فالصراع بات لدفع المظالم التي تتعدد أشكالها وتمارس بهدف الإبادة السياسية والثقافية لشعب حي ويأبى الانقراض، وقد ظل يواجه الانصهار عبر توالي التحديات وصنوف الضغوط، ولعل أنموذج حرب العصابات ، تعبير عن حقيقة التطلع للحرية والاستقلال على الرغم من ضآلة الإمكانات وتشتت القوى على طول رقعة الوطن المقسم، إلا أنه وعلى الرغم من طبيعة الظروف والمراحل العصيبة التي لم تتمكن من انتزاع الرغبة في صنع عالم أفضل لمجتمع متمايز بلغته وجغرافيته وثقافته،إذ يحاول المعرفيون تحقيق رسالتهم في شتى أنحاء الوجود بطرائق شتى تتجاوز النظريات والمفاهيم الجاهزة، وتتخطى التأطير الإيديولوجي، لتسمو سمو المعرفة في حضرة الحب،إن طبيعة المعارك في الجبال تهب في الوقت ذاته تلك الروح المتشبثة بالحق، الحق في سياق البحث عن الحياة الأفضل خارج مناخات الجور والاحتقان، رحلة السعي باتجاه لقمة تسد الجوع ، الصمود بوجه العسكر والطبيعة القاسية، كل ذلك جعل المهمة أصعب، ومحاولة البحث عن قيمة تلك الحرب مبهمة، البحث عن التحرر الجوهري، يشبه محاولة العثور على إبرة في كومة قش في حلكة الليل،أمام سعي الثائرين للنجاة من الرصاص والجوع معاً، يتحدث الجرح النازف إثر رصاصة طائشة، حول طبيعة الحياة ووعورة مسالكها، يصبح الهم هو التفكير بالطعام والنجاة من كوابيس تتنقل في أروقة الذوات الهائمة على وجهها في ذرا تلك الجبال، حيث الألم الذي تجيده الرومانسيةالثورية في وصفه عبر فروع العلوم الإنسانية وأخصها الرواية، والتي تلخص مسيرة البشر ومصائرهم إزاء بحثهم عن أسباب الحياة الأفضل، ماسي ورفاقة في هول مشهد يجسد أهمية الحياة في لحظات تبدو قريبة من الموت، العطش القاتل والجوع الفاتك وألم الرصاصة، والخوف كل ذلك مجتمعين، لا يستطيع إخفاء الحب والرغبة في حياة ذات قيمة ومعنى،إن صراع الأمم الوحشية ضد بعضها البعض، يتوقف بشكل مؤقت حينما تتضافر الجهود لصهر المجموعة العرقية ذات البنية الأضعف والمسالمة ، هذا ما نلحظه في اتحاد إيران وتركيا والنظامين البعثيين في سوريا والعراق ومعارضاتها التي تحذو حذوها في عدم ادخارها أي جهد لإحالة الحلم الكوردستاني إلى سراب، حيث التعسف
والجور يحول دون بلوغ المجتمع لرفاهيته،هذا التعسف بات جزءاً من منظومة ذهنية استوطنت أذهان الجماهير وحالت
دون قدرتها على تغيير أنظمتها، كونها باتت آلة تفقيس وإنتاج لرموز ديكتاتورية تبرهن أنها تجسيد لحالة التشوه والانحلال التي تشوب المجتمع وتجعله يعيش في دوامة الاغتراب والعزلة،فالاغتراب وليد العجز كما أنه وليد الإحساس
بنشوة القهر الناتج عن معاناة متعددة الأوجه وتتشابه في ولوجها لعمق الإنسان وتفاصيل حياته،حيث يرى هيغل أنها انفصال الذات الإنسانية ككيان روحي تنفصل عن وجوده ككائن اجتماعي، كما نجده ي يقول في موضع آخر هو تنازل الإنسان عن استقلاله الذاتي وتوحده مع الجوهر الاجتماعي، وهو تجسيد لحالة المقاتلين ممن تنازلوا عن ذاتيتهم مقابل الإنخراط بالقضية والغاية التي اجتمعوا لأجلها، إن فقدان الشعور بالحياة المعتادة والمألوفة هو إثر القمع الممنهج الذي ترتكبه السلطة الشمولية والتي اتخذت من إنكار هويات الشعوب أساساً لرسوخ سلطتها، وهذا ما جعل الفئات المقموعة تفكر بحلول أخرى تتمثل في مناهضة هذا الألم والعنف بعنف مضاد، تم اتخاذه كتعبير عن حاجات طوعية فطرية وهي الحاجة للاستقلال والتحرر من التبعية كمفهوم وكمنظومة قائمة، حيث لا تغيير لبنى الأمراض الاجتماعية سلطوية المنشأ، واستناداً على ذلك لا يمكن حدوث انتعاش في قضية الإنسان المغيب في الشرق الأوسط، في حين يتم تجديد العنف
. المقدس استناداً للنص الديني متشعب التأويلات، ليغدو الثوب البراق للسلطة والمجتمع في آن



إن السلطوي يستند إلى التاريخ المتراكم لإحقاق سطوته وشرعنتها باستمالة جزء من الجماهير لقمع الأخرى، وهذا ما تمتهنه السلطة البديلة (المعارضة) وتعمل على استمالة المقموع ضد السلطة القائمة، ويبدأ التنازع على الجغرافيا استناداً للبعد التاريخي في حقيقة الصراع، وهنا تعوم البلاد على بحر دم، وهنا لا يحتاج السلطوي للتواري بقدر ما يستند على إرث قابل للانتعاش وتحويل الماضي الجهنمي لحاضر أكثر جهنمية،إننا لا نجد أوطاناً بالمعنى الجوهري للأوطان ، وإنما نجد محميات مافيوية تديرها نخبة تجيد أساليب المكر والقسوة وتمتهن صناعة الاستبداد والفساد، وتفتك بالمجتمع ، وتعمل على تفتيته وذلك استناداً لأحاسيسها ورغباتها وأمانيها المتبخرة في عباب المصالح الاستراتيجية، لهذا وجب التعريف بدور الإنسان المعرفي في أتون هذا الصراع العنيف بين قوى تعمل على استماتة الوجدان المدرك لدى الجماهير وقوى تعمل على نزع فتيل الألغام عن مجتمعات تعاني مرارة القيد ، بدء من رفع كاهل الأغلال على عقول مخدرة بإبر المقدس، ومروراً بالاستبداد العامل على زج المجتمعات في أتون صراعات عبثية تحركها نوازع ورغبات القوى الإقليمية بإيعاز من قوى خارجية تجد في تلك البلاد مستعمراتها القديمة والتي تعمل على تحديثها بصورة متجددة، وتجد في تفكيك الدول وتفتيت المفتت وسيلة لبقاءها غير المباشر، حيث العنف المركز الذي يزيد من الأحقاد وتوالد غرائز الانتقام والتي تفتك بإدراكات ومواهب الأفراد وتزجهم زجاً في أتون صراعات مجتمعية سلطوية لا تكاد تتوقف، هذا التعدد في بث أشكال العنف يورد لنا الكثير من المآسي التي تطبع بها السلوك الكوردستاني ، والذي بات الوجه العام لحياة تتزاحم فيها الصراعات والصدامات بفعل إصرار تلك الأنظمة على بث العنف والإرهاب بطرائق تسهم في تخريب الأواصر المجتمعية وزيادة الضحايا، الأمر الذي يسهم في تفكك المجتمعات والمؤسسات وانهيار الثقة فيما بينها، حيث يكثر عمل رجال الدين في أروقة تلك السلطات لما لهم من دور بليغ ومؤثر في شرعنة العنف المقدس، وتفتيت كل ما من شأنه أن يسهم في إضفاء حالة الإستقرار والتماسك الأسري والمناطقي ، حتى بات مفهوم الانتماء عرضة للتخوين والتشكيك للطبقة المتحكمة في مفاصل الحياة بأسرها، حيث الدعوة للعنف بذريعة الحفاظ على الإيديولوجيا، هو الوسيلة الضامنة لبقاء الاستبداد والاستبداد المضاد (المعارضة)حيث نجد الصراع وعاء يختزل في طياته العنف متعدد المشارب والانتماءات وهو بذلك يجعل الحياة مسرحاً دموياً ، تصبح فيه البلاد مكتظة بالكوارث الناتجة عن حرب الإنسان ضد الإنسان، لصالح الدمار وضياع البوصلة، إذ بات العنف في الشرق الأوسط أنموذجاً يحتذى به في صناعة التطرف والاستبداد، فلا يكفي أن نقول أن وجود الثروات المائية والنفطية هو السبب وراء بقاء السلطات الاستبدادية، وإنما نجد أنه البيئة التاريخية للعنف والصراعات ذات الطابع الديني المذهبي ، ناهيك عن وجود شعب يناهز تعداده 55 مليون مقسم بين الدول الأربعة والعالم، كل ذلك يجعل تلك الرقعة تنشط بحروب أهلية وإقليمية لا يسلم منها المحيط المجاور، وتكاد تكون تلك الأزمات المتمخضة عنها سهلة الانتقال إلى بقاع أخرى، تعاني أيضاً ذات المشكلة مع شعوبها، حيث الاستفتاء في إقليم
كوردستان الجنوبية(العراق) في أيلول 2017، دفع الشعب الكتلوني في إقامة استفتاء بغية استقلاله عن إسبانيا، ودفع
بتعزيز الروح القومية لدى الاسكتلنديين، والفلامنك وغيرها من شعوب تعيش على أرضها التاريخية دون كيان سياسي خاص بها،
إن عدم حل القضية الكوردية في شمال كوردستان، هو دليل إفلاس وعجز الحكومات التركية المتعاقبة، نظراً لتشبثها بذات العقلية الإنكارية، والتي تتعامل مع الحق الكوردي، كهاجس مرعب، أو كابوس دائم الإيغال في الأذهان، ولا يمكن الانتقال إلى طور الدمقرطة، بوجود شعب يناهز تعداده العشرين مليون، لا يستطيع التعبير عن كيانه وأدبه وخصوصيته في وطنه أسير الاتفاقات والصراعات الدولية الاقليمية، إن بقاء العسكرة كذهنية سائدة في تركيا هو بمثابة الخنجر المسموم في ظهر الديمقراطية ليس في تركيا فحسب وإنما في عموم الشرق الأوسط، إذ أن ذلك يجعل المشكلات في تضخم وتشعب مستمر وما يجدر الإشارة إليه هو أن محاولات النظم الشمولية الشرق أوسطية لإقامة اتحادات فيما بينها لإجهاض كل محاولة باتجاه التغيير والتحول الديمقراطي، كما في توافق النظم العربية والتركية والفارسية بخصوص قمع التطلع الكوردستاني نحو الحرية والديمقراطية عبر صياغة شكل من أشكال الدمقرطة المتمثلة بنموذج الدولة الاتحادية اللا مركزية، وتركيزها نحو بعثرة تلك الجهود ونسفها في أي جزء من أجزاء كوردستان ، حيث انتقال تركيا من العلمانية الكمالية الناكرة لوجود الشعوب غير التركية في مقدمتها الشعب الكوردستاني، إلى الإسلاموية الأردوغانية الناهجة ذات النهج، هو بمثابة الاستشراف القريب لانسداد هذه الدولة الشمولية وصولاً بها على المدى القريب إلى
. التفكك والفوضى
فما جدوى تغذية المناخ العام بالاحتقان العرقي، إن ذلك بالتأكيد مضاد للتعايش، ويفسح المجال أكثر لضعف الدول وانقسامها على نفسها، حيث نشر العنف وممارسته سلوكاً ونظراً، هو أحد الأسباب الكامنة خلف ازدياد الأزمات البنيوية والثقافية والنفسية لمجتمعات غائبة عن حاضرها، حيث يعاني معرفيوها من شتى أشكال الإقصاء والتهميش، حيث النظر لأزمات الدول كونها مؤامرة خارجية، هو تحوير للحقيقة العلمية وتشويه لها، ذلك أن الفكر الإيديولوجي القومي أو المذهبي أخذ أسسه من ثقافة وإرث المقدس في النص الديني، إلا أن ذلك يحتاج لقراءة موضوعية لنشره، وحث الآخرين على القراءة وتحسس مواضع ماخفي من حقائق، إلا أن تضييق الحصار على الأفراد وزجهم عمداً في قوالب الفكر الشمولي النمطي ، باعد بين المرء وذاته، ناهيك عن البعد عن الموضوعية والتحليل العميق، وتشرب ثقافة السلطة والنظر إليها كثقافة مباركة مدعومة بسند ديني وأمر إلهي، حيث يتجلى عقم المعرفة في أوساط الجماهير التي استساغت خطاب السلطة الإقصائية وتوارثته جيلاً بعد جيل، حيث الجانب النفسي المستعد للانفعال والانسجام مع الخطاب غير البريئ ، بوصفه قادراً على توجيه الجماهير أينما ترغب، وتحويلها إلى وقود لمعارك السلطة ، حيث توظيف الإسلام السياسي القومي في السياسة الأردوغانية التركية يعتمد على ترسيخ القمع ضد الكورد للحيلولة دون تحقيق طموحاتهم في نيل الحرية والديمقراطية، كما نجد استغلال الخطاب المذهبي في إيران والقومي العروبي في سوريا والعراق ، فالأزمات البنيوية لا تتوقف، بوجود الحرب والعنف السياسي وتوجيه الجماهير نحو الكراهية ، إن الصراعات العرقية تتجدد بتجدد الخطاب المتشنج والمحرض على العنف لاستمرار السلطة لو على حساب حاجات ورغبات الأفراد في حياة تتميز بجودتها ورفاهيتها، أسوة بالعالم المتحضر، ، يدفعنا
للتساؤل مراراً حول المسؤول عن تضخم هذا النزاع وتحديثه عبر الأزمنة دون الوقوف عليها وحلها على نحو جاد، إلا أننا
نجد تصعيداً دائماً وشحناً عرقياً يفضي لمزيد من الشرخ والهوة المتمخضة عن حالة الإنكار والتهميش تلك، والتي شكلت النفق المظلم المتشعب في أروقة السلطة والجماهير ومحاولات الأولى في الاستمرار على خطا من سلفهم نحو تدشين إرث القمع الممنهج، ذلك الصمود الراديكالي ضد القمع الراديكالي، هو بمثابة نهج طبيعي يسلكه الأفراد في سبيل نهضتهم ونشدانهم للخلاص، من الجور الممارس بلا هوادة، حيث تشربت الجماهير ثقافة السلطة وبات العنف لوناً طاغياً في سماتها ومفاهيمها التي تفرّخ الاستبداد والغطرسة، وهنا في هذا الصدد سنجد إجهاضاً معرفياً في مستويات الفهم الفردي للعلل والإشكالات وطرق معالجتها، هذا الاغتراب عن روح المدنية والديمقراطية الجوهرية، عزز من هالة السلطة في ذوات الجماهير المتأثرة بخطب السياسييين وألاعيبهم في استمالة الجماهير وتأليب بعضها على بعض، حيث نجد الجماهير السلطوية تتخذ من العنف وقمع الكورد بوصفهم إرهابيين عدا الفئة التي اندمجت وانصهرت في البوتقة التركية، فإن هؤلاء انخرطوا في أجهزة الأمن والسلطة وباتوا بيادق سيئة بيد تلك الطغمة الفاشية المتحكمة في زمام السلطة عبر تقادم الوقت، لا نجد تغييراً في تعاطي هؤلاء مع المسألة الكوردية، عدا عن كونها في نظرهم، مثار زعزعة للبلاد وتقسيمها ، لهذا يجدر قمعها على الدوام وبيد من حديد، الحرب المتواصلة والمعارك التي يتم خوضها في الجبال، كل ذلك مدعاة تأمل في حالة الصراع المستشرية والتي نتجت عنها تشوهات نفسية لا تضمحل، إن رصد سيكولوجية الأفراد في خضم هذا الواقع يكشف عن علل ترتبط في ماهيتها بالمشهد المؤلم لحراك الشعب الكوردستاني في ظل تكالب النظم القمعية لمحاربة وطمس الهوية والثقافة وكذلك الوطن في إطار الكشف عن روح المجتمع الفاقد لبوصلة التنظيم وأصوله في ظل الفوضى والقمع السلطوي الذي أربك الحياة بمفاصلها ومستوياتها وجعل العقل نامياً والألم متربصاً في واقع المجتمع الكوردستاني في كوردستان الشمالية (تركيا) ،
إن يقظة المعرفيين في البيئات المحتقنة إثر الإقصاء والقمع، لا تنضب رغم أنها تمر بتحديات قاسية، إذ تتعرض الفئة
المقموعة لعنت إيديولوجي يعيقها بالضرورة لفهم ضرورة تحديث أساليب المواجهة، إلا أن محاولات الساعين لنشدان الخلاص بمفهومه الحر ضمن المجموعة المنظمة لا يتوقف على الرغم من الإقصاء والتصفية والأنانية السلطوية التي تنشب مخالبها ضمن صفوف الحركة المقاومة، حيث على المعرفي مقاومة عدو الخارج والداخل، ومحاولة البروز بمظهر المدافع عن قيم المعرفة رغم التنافس السلطوي وغريزة الظهور وتقديس القائد على حساب العاملين بكل إخلاص ونقاء دفاعاً عن جوهر القضية التي يؤمنون بها، إنهم يسقطون وينهضون ويثبتون وجودهم كلوبي ضاغط لو بإمكانات خجولة ورديئة داخل الحركات التي تواجه السلطات الاستبدادية ، وكذلك فإنهم خلايا نائمة داخل الجماهير التي تعاني التهميش على طول بقاع الشرق الأوسط وفي الأماكن التي يسودها النظام الشمولي، لعلهم ينشطون تبعاً للأزمات، ويرون أن الحفاظ على المكتسبات التي أنجزت على مر العصور ضرورة معرفية قويمة تعد أساساً لتماسك المجتمعات وتعايشها في ظل المجتمع النهضوي الذي يبرز في ظل الفوضى والدماء ليكون البديل عن المجتمع البائد إثر الصراعات السلطوية العبثية بين أنصار السلطة والمعارضة، إذ نجد المجتمع البائد هو الممتص لثقافة السلطة القائمة والمعارضة في كونهما يربيان ثقافة الإقصاء ويتشربان من معي خطاب قومي ديني مذهبي ، يتجسد ذلك في أشكال النظم القابعة على أرواح الجماهير على طول رقعة الشرق الأوسط والبلاد الناطقة بالعربية، هذه النظم التي باتت بمثابة حارس ووكيل لحماية التخلف الفكري
والسياسي والاقتصادي، ووارث شرعي للفساد طوراً بعد طور، إن عزل الجماهير عن ثقافة السلطة القامعة من طليعة مهام
المعرفيين ، الذين بتماسكهم وتآلفهم يستطيعون أن يشكلوا القوة التي تقف إلى جانب شعوبها في إيقاظ روح المسؤولية والوعي في ضرورة أن يكون الأفراد قادرين على إدارة أنفسهم دون الاعتماد على الشكل الهرمي التقليدي لطبيعة التعاقد ما بين الحاكم والمحكوم،إن التخلي عن إرث وقيم السلطة يبدو محالاً في ظل تضخم الأزمات البنيوية وسعي النخب السياسية لاستخدام الخطاب الإقصائي الذي يحرص على بقاء المشكلات وتسعير الخلافات ، لهذا فإن ضرورة الانطلاق من وعي المعرفة مساراً ملائماً لخوض العمل لجعل الجماهير في منأى عن الخطر الذي تمثله النظم الشمولية في إعادة تجددها بالاستفادة من تأصيل خطاب الإقصاء والعنصرية المذهبية والعرقية لأجل الحفاظ على النفوذ والهيمنة، إذ نجد الفقر شبحاً في البقاع التي تطفح بالموارد والإمكانات، وتغدو الديمقراطية حلماً على مسرح الصراع السياسي، بتجدد الاستبداد وتعدد منابعه، هذا التصادم الذي يجسد في ماهيته أزمة التفاوت الطبقي والاستماتة في تحويل الفئات المنكوبة لشرذمات تفتقر لأدنى معايير التماسك والتنظيم، حيث نجد الشرق الأوسط المتجسد بكفاح الشعب الكوردستاني مضخة حروب أهلية، لا تكاد تتوقف بفعل رغبة المستفيدين الاقليميين والدوليين، بقاءها هكذا، ساحة حروب ايديولوجية تعود في جذورها لأزمات الحربين العالميتين والتي غطت ملامح القرن العشرين، حيث نتأمل ذلك القسَم الأتاتوركي الذي يتحلق الطلبة كل صباح عليه، ليقوموا بتلاوته: “أنا تركي ، شريف وعامل، مثلي هو حماية الصغير واحترام الكبير، أن أحب وطني وأمتي أكثر من حبي لنفسي، هدفي هو النهوض والتقدم، يا أتاتورك العظيم ، إني أقسم على المضي قدماً في الطريق الذي عبّدته وسلكته لنا وتحقيق الأهداف التي وضعتها لنا، سيكون وجودي مكرساً لخدمة وجود تركيا، كم هو سعيد الذي يقول أنا تركي" في ظل هذه المثالية المتعالية، نجد محاولة واستماتة السلطة في تجهيل وتفخيخ مجتمعاتها عبر تجريد القيم الطبيعية عن محتواها وتحويرها بما يخدم حقيقة هذا التعالي، وتحويل الجماهير إلى قطعان تلف وتحوم حول تمثال الراعي الطاغية، وتحويل الوطن (الرقعة المحتلة عبر مراحل) إلى حلبة تصارع غيرمنتهية تفتك بالبشر، صالحهم وطالحهم، شقيهم وسعيدهم، حيث نجد الجماهير محاطة بقداسات وولاءات، يمكن أن تكون العقبة الأخطر بوجه دمقرطتها ورفاهيتها، فاعتناق العنصرية وتفشيها يكفل على الدول الساعية لإنهاك الشعوب بالأزمات ، بقاءها هشة وبعيدة عن حاضرها ومستقبلها، كونها مجتمعات لا تستطيع التعايش ، بفعل تحويل القيم العنصرية للسلطة عبر التاريخ إلى ديانة مقدسة، فباتت الشعوب الوحشية ونعني بها الأعراق الحاكمة، الوجه الحقيقي
للشرق الأوسط ، وقد كفلت السلطات التاريخية في تحويل الجماهير إلى وقود لحروب أهلية تستمر وتتشعب، لتجسد
. ذلك الإفلاس والاغتراب عن قيم المعرفة والحضارة التي بشر بها المعرفيون منذ القدم،
تلك الجغرافيا المكتظة بالعدائية والانتقام والاحتقان المتزامن ، هو مكان للحديث عن الموت والقتل وضياع الحب والاستقرار، حالٌ لا تختلف بماهيتها عن طبيعة الأرض الجبلية ووعورتها، وقساوة الحياة فيها ، إلى جانب ذلك التطلع الدائم للكبرياء والإصرار في المحافظة على القيم الاجتماعية والثقافية للحيلولة من اندثارها وانصهارها في بوتقة اللغة السلطوية ومنظومتها، حيث الخوف من صعود الثقافة المقموعة وتناميها، صعّد من حالات العنف والإبادة لكل ما هو حي في ربوع كوردستان الشمالية، فأدوار المعرفيين الكوردستانيين الناجين من التصفية والقمع ، والذين يتصدرون الخطوط الأمامية من المواجهة ، تتجسد في حرب العصابات ، والتي جعلت من حزب العمال الكوردستاني القوة المضادة مقابل تلك المنظومة المركزية الشمولية،جسد تلك الحقيقة المعرفية في أهمية الذود عن مكتسبات الإنسان العاقل، انطلاقاً من أهمية إرساء التعايش السلمي، والذي في كثير من الأحيان يتم حيازته عن طريق الحرب، حيث مواجهة البطش على نحو عصري يمر بتأكيد المراحل العسيرة والإحباطات الجمة لأجل صون الوجود الطبيعي وأمن المجتمعات من سياسة طمس الجذور وتغييب الخصائص، دون هذا التصادم، لا يمكن للقيم أن تسلم من الزوال والاندثار، حيث أن مخاطر الإرهاب الدولي اليوم تفوق في وسائلها إرهاب الجماعات والتنظيمات، المتمثل بإرهاب الدولة التركية ومحاولتها الدائمة في تدمير البنى التحتية لكوردستان، وعلى الرغم من شتى الاعتقالات والتصفيات ، إلا أن ذلك لم يخمد من حالة الحراك المتصاعدة ولم يقوضها، فالحرب ضد قوى الانصهار والقمع هي حرب وجودية تتخذ حيزاً لابد منه في الرواية الوطنية، تلك الرواية التي تعالج الحدث انطلاقاً من بيان حقيقة التصارع وجدواه لما فيه من ضرورة ومطلب ملح لنشدان الديمقراطيةالجوهرية
. وهي تمر بلا شك عبر أنفاق ومتاهات الدم
هذه رحلة الصراع غير المتكافئة بين شعب يرفض الانطماس والاندثار والصهر، وبين سلطة عرقية تتخذ من نفسها كل شيء، في جغرافية توسعت بالدم والبطش والتغيير الديمغرافي وبث الخوف، وأيضاً تجنيد الفئات المنكوبة كحماة قرى ضد الفئة التي تقاتل لأجل الحرية ورفع المظالم الاجتماعية، ففي ظروف المعيشة القاسية ، تتشتت قدرات الأفراد ويتفكك المجتمع، حيث تعمد الدولة الشمولية على الاستفادة من وجود التهميش والقمع والتعذيب لصالح تصاعد المنتفعين من الملّاك في ريف كوردستان الشمالية، فالسلطة العسكرية هيمنت على مفاصل الحياة في تركيا وكوردستان، وقد أقصت كل محاولة للانتفاع الديمقراطي على العالم ، مهّد في ذلك لبروز الإسلام السياسي الحالي الذي يحمل في جوهر رسوخه منهجاً تدميرياً ، يقوض مفاصل الحراك الساعي للدمقرطة الجوهرية، حيث أعاد لأذهاننا عهود الإنقلابات الدموية وضياع الحريات، كل ذلك يعيد في الأذهان مسيرة الشعوب الساعية للتحرر وكسر الخوف ، رغم مشقة هذه المهمة تاريخياً، حيث الدمار والقتل الذي عم في كوردستان ، عطل سبل الخلاص والحل، إذ نقف أمام رجل مبتور الأطراف ليس في جعبته سوى خيار الرحيل وبين المرأة الصلبة ، تلك التي قدمت كل مساعيها وجهودها في سبيل الخلاص والتحرر والعدل، مع ذلك نجد أن الخارطة السياسية تتجه نحو المزيد من التصدع على مسرح الصراعات العرقية ، وهذا قد عمق من الشرخ والهوة بين فئات المجتمع والمؤسسات على نحو تصاعدي، حيث نعتمد على الدلالة في التحدث عن الحدث ، استناداً للواقع السياسي والاستراتيجي لمنظومة الحكم المركزية في الشرق الأوسط ؟، نجد التساؤلات تلتف حول أطوار ومراحل هذا السعي في خوض هذه الحرب الوجودية ضد قوى القمع الذي يمثله إرهاب الدولة، فالعسكرة التركية عدوة الديمقراطية وأسيرة العنصرية الحاقدة على كل عنصر غير تركي،ولعل كفاح المعرفيين الشاق على ضوء هذه التحديات لا يهدأ سواء في الميدان العسكري أم السياسي عبر الاصطدام بمحاكم التفتيش الكمالية المتطرفة، حيث نذكر المعرفي التركي اسماعيل بيشكجي الذي تم اعتقاله سنة 1971م إثر تنديده بالمظلومية الكوردستانية ، وكذلك المعرفي الكوردستاني ياشار كمال الذي احتج على ممارسات السلطة الكمالية بحق الكوردستانيين ، حيث حوكم في آذار سنة 1996 بالسجن فقال حينذاك : “ ليس في هذه البلاد أي ديمقراطية ولا قانون" وكذلك حادثة سجن البرلمانية الكوردستانية ليلى زانا بسبب أداءها القسم الدستوري باللغتين الكوردية والتركية، نجد أن ثمة هذا التصادم العنيف بين حماة العسكرة المغلفة بالعنصرية التركية تجاه كل ما هو كوردي بهدف المحو والانصهار وطمس معالم التنوع الإثني في كوردستان وتركيا، ورغم كل تلك المحاولات وشراستها ، نجد النظام العسكري التركي عاجزاً على قمع الحركة الكوردستانية التي تزداد نفوذاً وتعاظماً مع
. ضراوة القمع وأساليبه الممنهجة
حري بنا أن نقف عند الظواهر، وتحليلها ، تحليلاً عميقاً استناداً إلى سيكولوجيا الأفراد في ظل هيمنة السلطات المركزية على نحو رهيب على كافة مفاصل المجتمع والمؤسسات عبر فوهة الخطاب القومي والديني المذهبي،
رسمت الاتفاقات الدولية ، هذا الشرخ الحاصل ما بين مؤسسات الحكم والمجتمعات، عمّت الاضطرابات مفاصل الحياة الاجتماعية، فالاغتراب الذاتي ليس موضوعاً منحصراً على الفرد وعوالمه الخاصة، إنما ترسم الصراعات على الجغرافيا ، معالم الاغتراب بين الأفراد،وتدخلهم في حلقات التنازع، إذ أن الضغوطات الاقتصادية والسياسية من تحرك في نوازع ورغبات الناس تبعاً لنقصان احتياجاتهم، وحاجاتهم التي لا تنقطع إلى الرفاهية والقوة، فكلما تناقص الأمان والشعور بالطمأنينة وتزايدت معدلات البطالة ، عم الفراغ وتفشت الطبائع الرديئة والتي هي من عمل السلطات بالتحالف مع رجال الدين، والذين وجدوا أصلاً لخدمة السلطة وبقاءها، لا ضير من الوقوف والتمعن بهذه السلسلة الرصينة المرتبطة بعضها بعضاً ، السلطة، الضغط الاقتصادي، الصدامات الدولية، لما لها من دور على الأفراد الذين يستشعرون اغترابهم من خلال ذلك ، فلا بد من فهم الواقع، انطلاقاً من طبيعة العصر، وحجم الصراعات بنيوية المنشأ، في الشرق الأوسط عامة ، وكوردستان خاصة، خروج السجين من سجنه بعد سنوات إلى العالم هو بمثابة اغتراب آخر، كما عودة المقاتل من الجبال بعد سنوات، الانتقال من محيط إلى آخر هو تجسيد للإغتراب بصورته الجغرافية ومآلاته على النفس، حيث بإمكاننا التحدث عن الاغتراب بكونه اضطراباً تراكمياً يعم النفس ويستحوذ عليها، على كل صعيد وركن ، وتطبّعت بها الأساليب الفنية ، لتنقل إلينا المواقف الإنسانية من الصراع على كل شيء ولأجل العبث لا أكثر،صراع تحتمل الذات أعباءه، فتترجمها من خلال المرور بين أروقة الاغتراب
إن سياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الدولة التركية ، والتي تمثلت بإحراق القرى وقصفها بذريعة القضاء على مسلحي حزب العمال الكوردستاني ، كانت بمثابة تجفيف للبحر للقضاء على السمك / والسمك هم سكان هذه الأرض وثائروها ، لهذا فإن العطش والجوع والموت ، يظل يخيم في ربوع كوردستان الشمالية ، لأجل قتل السمك، وتدمير البنية التحتية لكوردستان، لإبقاءها في فقر مدقع ونقص جلي في الخدمات ، وكذلك عمدت الدولة إلى تدمير الآثار التاريخية (حسكيف) نموذجاً لتغييب كدح ومنجزات المعرفيين الأوائل ممن عاشوا في _ميزوبوتاميا -إنها تلك الوحشية التي ما من رادع لها ، تتبعه الدولة القمعية لإنهاء شعب عريق يعيش فوق أرضه التاريخية، والنظر إلى كوردستان كحقيقة باقية تترسخ في مقاومة الشعب الكوردستاني بكافة مكوناته للتصدي للهمجية الطورانية التي لبست عباءة العلمانية القومية ، والإسلام السياسي ، لتدمير صروح الحضارة التي بشر بها المعرفيون منذ القدم، على الرغم من تلك الغزوات الوحشية التي كانت تشن على كوردستان عبر التاريخ، ابتداء بغزوات المقدونيين والمغول ومروراً بالعثمانية والبريطانية وانتهاء بممارسات النظم القمعية ما بعد اتفاقية سايكس بيكو، لصنوف القمع والإبادة الممنهجة ، فالنظم المركزية الراهنة ، سلطان جاثم في جسد الشرق الأوسط، والإشادة بالتصدي لها ، ، يسهم في حفظ الإرث العنيد للشعوب الأصلية في مواجهة القوى الظلامية التي أقحمت الدين والعلمانية في طبيعة سلوكها ، لديمومة العبودية والتخلف وإطالة عمر القهر والديكتاتورية في هذا الشرق المتهالك، حيث يخرج أدب الانتفاضات المضادة ليجسد صمود المعرفيين والمبدعين ،حماة كل إرث طبيعي، ليبين حقيقة ذلك التحول في نمط الصراع ، وبروزه لا في الجبال فحسب ، وإنما في السياسة داخل كوردستان وخارجها ، رغم تحالف المركزية الأوروبية مع المركزية الشرق أوسطية ، إلا أن الأطوار الحالية تبشر ببوادر تفكك واضطراب هذا التحالف، عبر إيجاد أدوار جديدة تلعبها مؤسسات الجماهير المقهورة في البروز أكثر في المشهد العالمي ، إن الحروب المضادة لحروب السلطات لحماية رمزيتها العرقية ، هي حرب وجودية غايتها حماية التنوع ، ضد من يحاول طمسها بفرض وبث ثقافته وفصيلته العرقية ، حيث التشبث باللغة والثقافة ، حتّم حمل السلاح لمواجهة القيد
المفروض على اللغة والتي تشكل وجوداً للمجموعة العرقية والبشر الناطقين بها ، أمكن لنا فهم ذلك بكونه بيان للخاصية و
والتمسك بها للحيلولة من الاندثار والانطماس بفعل عوامل الإبادة الثقافية لشعب كوردستان، حيث مُنع الإنسان الكوردي في التحدث بلغته الأم في كوردستان الشمالية ، وجاء السلاح رادعاً لهذا الخطر المهين،ولا شك أن الفكر الحر بحاجة إلى ثورات متلاحقة ، حتى يتحقق بذلك التأثير المعرفي على المجتمعات ، ويتعزز إيمانها بقضية الأرض والدفاع عن خصائص الشعوب الاجتماعية والثقافية ، ، هذا الإيمان ومعركة استرداد الذات المنتهكة ، يشكل سجالاً رئيساً ،، لهذا نتساءل عن الفن والجودة التي تحقق جمالية الرصد وتأكيد حالات المواجهة الفردية لتلك المنظومة القمعية التي تنشر الدمار والخراب على طوال الخارطة الكوردستانية ، يتيسر لنا في خضم النص أن نفرد مساحة أكبر للخوض في معاناة الإنسان ومسيرته الشاقة للبحث عن الحرية المتفرعة لشقين : حرية الرجل والمرأة من العادات الذكورية المهيمنة ، وحرية الإنسان الكوردستاني من الاحتلال والحرب المعلنة على مجموع القيم الطبيعية التي يتشبث بها الإنسان الكوردستاني والتي لا بديل عنها ، لهذا فإن رفع المظالم الاجتماعية والتأكيد على دور المعرفيين في الحرب المقاومة ، وتوعية الجماهير وإخراجها من خوفها ، إنها حرب كسر الإرادات، والتحدث عنها له أبعاد فلسفية تتعلق بمفهوم الصراع والتنازع ، إن ربط الإبداع المعرفي بحق الحياة والحرية ، يعتبر أساساً لكفاح الأفراد الساعين إلى التحول من طور العبودية إلى طور الحياة المتكافئة، فالدفاع عن قيم الحق والخير والجمال ، يشكل بعداً حقيقياً لحقيقة هذا الصراع الجوهري، فمهما ازدادت الآلام والمعاناة والصعوبات، فهذا التنازع لأجل ضمان حق الحياة بجودة متكافئة مستمر و يتصاعد ، ويخلق في صميم استمراه فلسفة وروحاً ، تتجلى في المحافظة على مجموع القيم والخصائص التي يستمدها المجتمع من بيئته وطبيعته ، فالصراع ضد الانصهار في بوتقة التركية ، ظل عنيداً وراسخاً في رمزيته رغم كل شيء، حيث أن كفاح الأفراد الشاق هو لأجل غايات أهم تتعلق بالنهضة المعرفية المتحلقة حول حلم تحرير كوردستان واستقلالها، ، تلك النهضة التي تعمل على إيجاد مناخ ديمقراطي بديل عن السلطة القومية التي جسدت بغطرستها، الوحشية المعاصرة والتي كان لابد من مواجهتها بمفهوم رحب وحي ، تستمد روحها وجوهرها من الخلفية الحضارية التاريخية لشعوب ميزوبوتاميا، والشرق الأوسط،إن عبء التحرر من الذكورية، وإسقاط هذا الإرث المقدس والمدنس في آن ، هو جل الهدف الروحي الذي يتم السعي لبلوغه، في خضم هذه الحرب ، لإعلاء حقيقة التنوير الاجتماعي، إلى جانب ذلك المسعى الاستراتيجي في تحرير شعب من نير الظلم والعبودية والتغيير الديمغرافي ، في ذلك رسالة متكاملة واضحة المعالم، ينشغل المعرفي في سبرها بوجدانية المدرك، وفطنة الساعي إلى امتلاك الحقيقة الجمالية المتميزة بسلاسة إسلوبها ومراميها البعيدة إن ترسيخ الإستبداد، وتطعيم الجماهير بمفاهيمه، قادها إلى كراهية بعضها بعضاً ، وعزّز من حالة الانقسام والشرخ وضياع البوصلة، حيث باءت محاولات المتنورين بالفشل ، حينما حاولوا دفع المسألة باتجاه إيجاد الحل، فوقف الإقصائيون ضد كل انفراج كان من الممكن أن يحدث ، إننا نجد تمجيداً للتوحش بحجة صون البلاد وحمايتها من أخطار المتمردين الانفصاليين، حيث يدب التنازع بضراوة ويعم الخراب والدمار في كل موطأ ، يطأؤه المقاتلون في حربهم، لطالما يتغنون بها أنها حرب ضد الذكورية الوحشية ومعركة الاستقلال والحرية، أن تتحول الديكتاتورية إلى بنية معرفية وثقافية وحشية الطابع، فهذا يعني تحويل الخراب الروحي الذهني إلى منهج، هذا ما نجده قائماً في طبيعة العقلية التركية التي ترى كل من ليس تركياً صافياً فهو عبد وتابع، والجميع مهما اختلفت أعراقهم وخصائصهم أتراك بالمحصلة، حيث تلك العقلية قادت الشعوب إلى نفق مظلم، فالسلطة التي تحكم الجماهير بالسوط والعصا، غاربة ولو بعد حين، إلا أن ذلك لم يردع لو استشرافاً فكرياً من أن تستمر السلطة القمعية في بيان إفلاسها وتحديها لكل دمقرطة أو تغيير من شأنه تحويل الدولة وهيكليتها الجوهرية إلى نظام أكثر
انفتاحاً ورحابة، فإن كانت الهيكلية أو البنية القائمة هشة، فلا يمكن أن تتحول وتتعافى، كما أنه لا يمكن علاج الجثة لكونها انتهت وستتحلل وتتعفن ، فإنه لا يمكن توليد الديمقراطية من رحم الهيكلية المركزية التي تشرّبت روح السلطة الفردية ، بهذا فإن الحديث عن إسقاط الحكم ببنيته لا بأشخاصه هو السبيل لتحقيق النهضة المعرفية لشعوب مقيمة على أرضها تعاني تحت حكم فصيلة عرقية مستبدة،ولعل شخصية الطاغية تبدو جلية ومحط اهتمام ورهبة تدور حولها الأقاويل والشائعات، الجنرال العجوز المزين بالأوسمة ، والمكتظ بدلالات السلطة ورغبتها في أن تكون العائق المثالي للحياة، فعلى طول الجبال، ثمة مخافر وعساكر تتحلى بالقسوة والفظاظة والوحشية ، تعيث فساداً وسطوة ودمار بأمر من الجنرالات العسكريين الذين لا يجدون سوى القوة وسيلة للتحكم والهيمنة،ولعل الإسلام السياسي قد تم إقحامه جيداً وبعمق في ذهنية هذه المجتمعات التي أبعدت المرأة عن التشاركية مع الرجل وجعلها تبدو عارية ، ينبغي أن تطرد من ممارسة الحياة العملية والثقافية والعسكرية ، حيث أعيدت للحياة على نحو أفضل ببروز في ميدان السياسة والحرب من خلال انطلاقة حزب العمال الكوردستاني، كانت الحركة رد فعل على ظاهرة الإسلام السياسي والإحباط اليساري في تركيا، وجاءت لتضع الأسس الجيدة لكفاح تدرج للحياة بعسر وصعوبات بالغة ، فالهدف من تجفيف البحر والقضاء على السمك كان جلياً وبارزاً لدى السلطات التركية، إذ عمدت على نشر مظاهر الخوف من خلال ممارسة سياسة الأرض المحروقة لتجفيف موارد دعم الحركة من الناحية اللوجستية والبشرية، ترى ما علاقة آثار ورواسب السلطة في تحديد نمط الأمزجة والمعتقدات المجتمعية؟ ، هنا تساؤل يطرح نفسه ، فلشدة التضييق والتكميم وممارسة شراء النفوس جعل المجتمع الكوردستاني في كوردستان الشمالية يعاني الصهر الثقافي ، حيث لشدة الضغوط من منع للتحدث باللغة الأم ، أو ممارسة الطقوس والأعياد القومية ، نشأت حالة احتقان نتجت عنه خروج المئات من الشبان للجبال، حيث شكلوا القوة المضادة لهذا الجور والظلم القائم ، ناهيك من أن البعض خرج نتيجة ضغوط اجتماعية جراء
وحشة التخلف والعادات والتقاليد التي كبّلت كل من الرجل والمرأة وجعلهما في حالة الأسر الجبري، إن سيطرة الدين على المجتمع الكوردستاني في شمال كوردستان نابع من وجود سلطة مركزية استبدادية تمارس القمع ، ولا شك أن تمجيده والخوف منه لا يتم بمعزل عن بث آليات وأدوات الدين على نحو كلاسيكي، لهذا فبوجودها يستحيل إيجاد حالة أكثر انفتاحاً ورحابة يمكن أن تمارس في ميدان المجتمع على نحو أفكارٍ عصرية يتم العمل على نهجها وجعلها أسلوب حياة، إن تقليدية المجتمع وسيطرة التأثيرات الدينية والإقطاعية يجعل القدرات المعرفية شبه مشلولة، وغير قادرة على الحركة الهادفة، سيطرة الطقوس التعويدية تسهم في إرباك الحركة ، وكثرة تفشي الذكورية قاد المجتمع إلى انسداد أخلاقي، جعل الاغتراب سيد الموقف ، هنا حرب الجبال سعي إيجابي لنبذ المفاهيم القبلية والدينية، والإشادة إلى وحدة الرجل والمرأة في تقرير مصير وطن وثقافة وانتماء، فالذكورية مقدس ديني سماوي وهو مكرس كتقليد مقدس في ذهنية النظم الديكتاتورية والإسلام السياسي قوام الاستبداد والتعنت القومي والطائفي في الشرق الأوسط،عامة وكوردستان الرازحة في ظل تلك الأنظمة بصورة خاصة ، تلك السادية المفرطة التي يتعامل بها جنرالات الحرب التركية في التصدي لكل حركة تسعى لانتزاع حقوقها المهضومة، لم تنشأ من فراغ ، إنما هو حصيلة عن إرث سلطوي استعماري في كبح كل تغيير ديمقراطي ، أو تدرج للحياة التشاركية ، فمن الخروج المرحلي من الكهوف الدينية المقدسة إلى حفر المنظومة الشمولية التي دجنت العقول وأخصتها ، وجعلت مقاليد الحكم والفلسفة والوطن والانتماء حكراً على القائد الملهم، في ذلك أيضاً ركون لخطأ فاحش يستمد هيبةوجوده من تلك القداسة التي يسبغها رجال الدين على الخليفة والوالي والحاكم المطلق،إن الإستمرار في محاكاة إرث السلطة القمعية سلوك خطر يجلب الكوارث على المدى غير المنظور ، لمجتمعات تتعرض للإقصاء والتشرذم ، حيث تبتعد عن الولاء للوطن والحرية ، وتصبح أسيرة في فلك منظومتها الحزبية ورموزها، وفي ذلك استمرار للسير على خطا نهج سياسة القطيع فلا حرية ولا تحرير ، وإنما إخصاء وتدجين وتهويم ، وهنا يغترب الإنسان الكوردستاني عن كينونته وتصبح
. رؤيته للحل ضبابية وضائعة
فممارسة الاستبداد الشرقي له علاقة بسبر سيكولوجيا المجتمع وطرائق عيشه عبر الأطوار التاريخية المختلفة، وعليه يتم إنشاء الجهاز السلطوي ، لينسجم مع الذهنية المكتظة بالطقوس والتعاليم منها ما هو ديني مذهبي ومنها ما يتعلق بقيم السلطة وثقافتها وأثرها الكبير على الجماهير، لا يمكن للسلطة ومعارضتها أن تخرج عن ذلك النسق التاريخي المرتبط بذهنية شعوبها، حيث أن النخبة معدودة ومحصورة في أفقها ولا تستطيع اتخاذ نمط مرتبط بقيم التنوير والنهضة المعرفية ، التي تعني مصارحة الناس لواقع تخلفها وتقهقرها الفكري ، إن ذلك لا يتم لوهلة سريعة ، وإنما بتدرج، فثمة تقاليد سلطوية اتخذتها العائلة كنظام حياة، لا يمكن التملص منها، ومثالاً جعل المرأة مجرد تابعة للرجل حسب الأعراف والتقاليد، فسيطرة الذكورة مرتبط بطبيعة النظام السياسي وكذلك فإن التحرر منه عملية مقرونة بتلك التغييرات الفجائية التي تصيب المجتمعات في إطار ما يسمى بالهبة ، (الثورة)والذي سيفتح دوائر وأبواب جديدة يمكن للمجتمع من خلالها أن يجد نفسه في في ظل تلك الفوضى المختلقة، مجتمعاً أوجد في ظروف حرب واحتقان، تولدت على إثرها من رحم أفراده الهاربين ثقافة وتقاليد من نوع آخر ، إن التقاليد مرتبطة بالحروب إلى حد ما، وتلك الحروب الناشئة في الشرق الأوسط لا بد من أن يتم تحويرها عبر إقحام الدين فيها بطريقة أو بأخرى، وإن ارتدت معان ومسميات جديدة وظهرت في لبوس ليبرالي أو اشتراكي ، فإنها وفي الحقيقة مستمدة من وحي الطقوس والتقاليد الدينية الراجعة للقدم، لغاية اليوم فإن الحضور النسائي في الشرق الأوسط عامة وفي المجتمع الكوردستاني بصورة خاصة يبدو نسبياً وضئيلاً في ظل طغيان الهيمنة الذكورية بنمطها القبلي على طبيعة الحياة، تركزت على وجود بعض مظاهر الدمقرطة الشكلية هنا وهناك، ولا يتعدى عن كونه مجرد ظهور شكلي لا جوهري وهذا يفسر دور التأثيرات الدينية البعيدة في إخراج المرأة عن معادلة التشاركية الجوهرية مع الرجل ، حينما يتأمل المعرفي المعضلة ، ويتماهى بآثارها وشدة تداعياتها عليه ، فإنه ما يلبث أن يتحرك فيما بعد ، والحركة نتاج إعمال مركّز للذهن حول أكثر المشاهد إيلاماً أو تأثيراً ، وذلك يستحوذ على المرء ويدفعه دفعاً لإبداء موقف ما ، فكل الذين اندفعوا للقتال والاشتغال بالسياسة، تستحوذ عليهم معضلاتهم المتعددة وتدفعهم للبحث عن أسبابها ومعرفة ذلك ودفع الألم الثقيل الذي يعتمل داخل الفرد لدفع تلك الصخرة المتجسدة بقيم ورواسب السلطة الوحشية الغارقة بالكراهية والعنصرية في التعامل مع كل ما هو خارج النزعة العرقية ، على أنه عدو داخلي ينبغي قمعه وتكميمه على الدوام ، ففي ظل ذلك الصراع الكبير على امتلاك الموارد والسيطرة عليها ، نجد الجماعات المنكوبة تحرص على الإبقاء على نفسها كطرف مثالي في ذلك الصراع، فعلى الرغم من انعدام التكافؤ بين القوتين ، إلا ان ذلك لا يعني الاستسلام، إن الصراع يفرض بشكل قسري ، لا خيار غيره، فإما الوصول للمبتغى أو الاندثار للأبد في طيات النسيان ، والتاريخ يقول عن انقراض الكثير من الأعراق والثقافات عبر التاريخ نتيجة الإبادة العرقية والثقافية، فلا خيار سوى الذود عن التنوع والتعددية إزاء دعاة الإقصاء والأحادية ، إن الحيلولة دون الإنصهار الثقافي هو من عمل المعرفيين الساعين إلى التشبث بالغنى الوجودي المتجسد بتعددية اللغات والثقافات ، ففي ذلك الخلاص ، فالخوف من الزوال ، خلقت ردة فعل عكسية بوجوب المواجهة والتصدي بغية الدفاع عن المكتسبات ، والتنازع غريزة بين البشر يتم ترويضها ، في سياق الدفاع عن الذات بوجه الاندثار ، إن البقاء بمواجهة الهجوم ، يستلزم الهجوم المضاد، حيث الحرب من أجل الجمال والحق والخير هو غاية تحرير الإنسان من نظام الرق المحدثن باستمرار، والذي يلاقي رواجاً واتساعاً مع الزمن ،
فإلإحساس بالارتباط بالجماعة ناتج عن روابط مشتركة تتصل بالمعاناة وطبيعة الواقع المشترك ، والغاية من عقد الصلات بين الناس التي تعاني ، هو في سبيل دفع العوائق والصعوبات ، وتنمية الحياة الراكدة في ظل هيمنة القوة ، والتي باتت كابوساً يعيق التقدم والسعي للحياة التي يستحقها كل البشر على اختلاف مدركاتهم وانتماءاتهم وفصيلتهم العرقية، فإسباغ القداسة على السطوة هو بمثابة خنق للحياة والعودة بالإنسان إلى العبودية ، لهذا ولأجل البقاء في السلطة ، تقوم السلطة باستثمار شعائر الدين لغزو عقول الشباب المراهق وتخديرهم ، وهكذا فإن تهويم العقول جزء لا يتجزأ من آلية الخوف المباشرة التي يتم استخدامها لبتر التطلعات القومية لدى الشعب الكوردستاني من خلال سيادة الإقطاع والذكورية التي دجنت المرأة وجعلتها في عزلة عن الرجل ، ففي واقع المجتمع الكوردستاني فإن النكبات والخيبات الكبيرة تستدعي التساؤلات ، لابد من أنها تمتزج بالتأويل والأفكار ، ولاشك أن القلم المبدع ، يضع على عاتقه تصوير حروب الدفاع عن الجذور في سلم اهتماماته، وهكذا فإن تجسيد محنة الشعوب في مواجهتها للسلاسل التي
كبلتها ، عبر مراحل وأزمات هو المسار الأكثر جمالية على المستويين الفني والإنساني ، فهنا نجد ذلك العمل الساعي إلى إحياء هذا الوجدان الدرامي ، وتتيح له التساؤل والتأمل وتجعله يتلقف الوجع على صورة الفن ، في هذا إحياء لرسالة الأدب والفن، وبذلك فإن القيم حينما تتموضع داخل القوالب الفنية ، فإنها تنتعش ويسهل فهمها بصورها المتعددة والمتجانسة مع أشكال الكتابة الذاتية والموضوعية ،
إن إحداث المجتمع الطبيعي ظل هاجس المقاتلين ، ولاشك أنه اصطدم بالكثير من العوائق والمخاضات بين الأشخاص أنفسهم وكذلك حين تحولهم لنمط حياة قاسية فرضتها الطبيعة الجبلية ووعورتها ، كما إنها عامل حماية لهؤلاء، فقد أسسوا لكينونتهم جملة تعاليم وتقاليد ، جعلت حياتهم تتحول عن تلك البيئة الخانقة لشدة البطش السلطوي الذي يأتي على حين غرة , أما الطبيعة فإنها تجعلهم في لقاء دائم مع الفلسفة الطبيعية والتفاعل مع عناصرها الأربعة من ماء وهواء وتراب ونار، هكذا يمكن أن نتحدث عن تصادم عالمين ، عالم يتصل بالتشبث بالجذور كما الجبال بالأرض، وعالم يعمل على اجتثاث ذلك بكل وسائل التنكيل والبطش ،حيث تلتقي المتضادات والقواسم على مسرح الأحداث ، وتتعدد السحنات والمشاعر في خضم أهوال ومتاعب ومشقات، هي بعيدة عن مسرح الأحداث ،وأجواء المدن الكبرى ، إنها تتصل أكثر بالإنسان المعرفي ، الفيلسوف ، البيئوي، الباحث عن حقيقة الذات المهدورة وسط عالم مليئ بالمتناقضات، والصراع الاحتكاري على الموارد، حيث مهمة المعرفي أن تنتصر معرفته للحب والوجود، على عوائده وغرائزه المتعلقة بالجانب المعتم الأناني من كينونته كفرد شهواني غرائزي ، وذلك باتباع منطق اللهث وراء الجمال والفن والعلم ، باعتبار تلك الأشياء من أهم أسباب وجوده بين الكائنات ، إنه يتمايز عنها بالتفكير العميق والفاحص لكل شيء يتعلق بالعاطفة والإدراك المجرد، إن استنباط المفاهيم الطبيعية من حوادث الأفراد ، ورحلتهم باتجاه الأهداف التي يسعون إليها ، يمثل صراعاً وتحدياً تفرضه المعاناة للذود عن حقيقة سعي الإنسان وراء تحقيق أحلامه ، رغم اصطدامه بالعوائق الكبيرة والمصاعب الجمة وهنا يمثل الوقت ،العامل الأكثر حساسية والذي يستثمره المعرفي في بذل الجهد ، ولابد من الإشارة إلى فوران لذة الانهماك بتحقيق الحلم لدى المرأة المقاتلة في الجبال ، والتي تنهمك وتتصدى لكل الجحيم الذي يفرضه ذلك الرجل بحكم جنسويته وغطرسته كسلطة ورمز تاريخي رعته الأديان والنظريات الشمولية بمنهجية، لهذا نجد أن حراكها
. الجوهري يتجلى في إصرارها على فهم مغزى هذا الصراع لتكون متماسكة رغم كل تلك العوائق المتعددة
ظل الصراع محتدماً ما بين السلطة والأفراد المهمشين على جغرافيتهم ، فالبحث عن الحب هو البحث عن الوطن، لا انفصال بين القضيتين ، بل ثمة تماهي مطلق ما بين المرأة والأرض ، فهما محرض وجوهر الإنسن المعرفي ولابد من التحلق حول هذه الثنائية وسبرها ، اعتماداً على النص المتشابك ، والمتشعب والذي تلتقي حلقاته الدائرية حول جدلية الحب والذود عن قيمه، حاجة الإنسان للمرأة هو لفهم الوجود الذاتي والمحسوس في آن، يمكن أن نقول أن بحثنا عن ماهية السلوك مقتصرة لمدى فهمنا لجملة المؤثرات البيئية والتي تحدد بالضرورة طبيعة التوجه والسلوك، يمكن معرفة الذات هنا استناداً لقضيتين جوهريتين وهما الحب ، والبحث عن الذات، في خضم الجماعة، وكذلك على النحو المقابل من ذلك ثمة رهبة وخوف وعزلة خانقة، ثمة قسوة لنمط الحياة، وطبيعة الجبال ، وهذا التنقل الذي بإمكانه أن يضع الإنسان في حالة مختلفة عن المراحل الأولى والتي تتضمن التدجين والاستئناس بما هو قائم ، بينما التفكير المستمر بكيفية وضع الحلول للأزمات الفكرية في الموجود، فقد نتج عن مراجعة، وكذلك عن تساؤل عميق طرق خلجات الفكر والوجدان، لهذا فإن تصور ذلك مرتبط إلى حد ما بالمراحل الأولية لدى الإنسان، حينما يبحث في الحب عن ذاته، كما يبحث في التصوف عن أمانه وطمأنينته الروحية، فالمعرفي معلول بطبيعته الأولية، ويجد في التأمل والحركة بمثابة حلول وخيارات متاحة لفهم علله ، وهكذا نجد حياة المقاتلين في ذرى كوردستان، محاولة حثيثة في الاستغراق بمعضلات النفس الإنسانية، حيث خلاصها مقرون بتماهيها مع الطبيعة بكل تقلباتها وتغيراتها، في ذلك معنى للخلود إلى الحياة الجيدة، البعيدة عن التفسخ والانحلال والتشويه، فنشدان التغيير ليس هيناً ، ولا شك أنه سيصطدم بعوائق جمة، وهنا يمكن فهم الخلاص استناداً لروح الجبال، وتفوقها على كل ما هو منخفض حسب الرمز الدلالي للانخفاض والهبوط، يمكن رؤية العالم عبر القمم ، حيث كل شيء يبدو للمرء عبارة عن جزئيات ممتزجة بالضباب ، هو انتقال إذن، إلى حياة خالية من الاضطراب الداخلي ، حيث الطبيعة ترمز للأمومة، وعلاقة الفرد بها علاقة توأمية تتعلق بكم الصفاء والتوزان ، الذي تمنحه ، حيث يمكننا فهم هذا المجتمع الجديد ، أنه مجتمع يتمرس بالحرية، ويتوق إلى استحضارها والركون إليها ، عبر تلك الحرب الدائرة بين السلطة والقوة المضادة، إن الحركة التي تستعبدها حياة الجبال، وتملئها إصراراً ورغبة في فهم مغاير للحياة، تجد في بقاءها رمزاً لوجودية الإنسان المعرفي وخلاصه من الأسر والتبعية والتوحش ، حيث الذهن الحر هو الأقدر على فهم معاني الصراع لخلق مجتمع المعرفة، وهو دون شك يؤمن بأن خلق هذا المجتمع ليس معناه الركون للخيالية والإذعان للعزلة ، بل إنها تعد نفسها المسار الآمن لحرية أكثر استيعاباً للحالة الكوردستانية المشبعة بالخيار الإنساني السوي، مجتمع مؤمن بالإنسان دون عبودية واستعباد، دون تـأليه أو تسلط، مجتمع يسعى بخطا ثابتة إلى التنوير ، وهو بذلك خيار
. ضامن للوصول إلى الديمقراطية بمعناه الطبيعي
حيث لابد من الإشارة إلى مساوئ التجهيل وتوظيفه كجهاز قمع خفي داخل المجتمع الكوردستاني من خلال تأسيس ما يسمى ب حماة القرى ففي ذلك نجد اللعبة المريعة في ضرب الشرائح الاجتماعية بعضها ببعض ، بغية إضعافها واستنزافها، ناهيك عن تلك الهجمات التركية لكل حراك كوردستاني غايته الحرية وتحقيق الاستقلال، إن زمن عزلة الإنسان الكوردستاني وخوفه قد ولى، وإن الحرب الوجودية بين حركة المجتمع الكوردستاني والسلطة التركية هي حرب وجودية بين أنصار المجتمع الطبيعي والمجتمع السلطوي حرب إنسانية معرفية بين قيم الطبيعة وقيم التوحش، حرب لابد من التأكيد عليها باعتبارها من صميم كفاح وعمل المعرفيين الطويل في الوجود لحماية المكتسبات والمنجزات الحضارية القائمة عبر التاريخ ليومنا هذا، لهذا وجب الإشارة إلى تلك الرابطة الإنسانية الجامعة للمعرفيين على اختلاف
مشاربهم وعبر تأكيد تلك المواجهة التاريخية بين الاستبداد وحماة النهضة ، فالهدف من وراء تلك المواجهة هي إحياء المجتمع المعرفي ، مجتمع يحقق نخبته مستويات فكرية من تنظيم شؤون الحياة بمؤسساته ، إلى حياة ممكنة العيش وذلك بتخطي ذلك الورم السرطاني المتمثل بالفكر القومي العنصري الرافض لحقوق الشعوب الأخرى والناعتة لها بالرعايا أو الأقليات المشكوك بجذورها العرقية، والتي وجب أن تضمحل وتنصهر أو تحارب وتباد، وكذلك القضاء على هذا الإرث السلطوي الوحشي والتاريخي من خلال بعث روح حركة جديدة تحارب ذلك بشتى الوسائل وتحاول إبراز الأفضل للبروز كبديل طبيعي ، حيث لن يحقق الفكر القومي الصلف سوى الإبادة لفصيله مع الوقت وعبر المدى البعيد، ولن يكون إلا وبالاً كبيراً على المكونات متعددة الأطياف، ولهذا أمسى الخلاص رهيناً للحركة التي تعمل لأجل تدشين بوادر التعايش على نحو متزامن، والقضاء على منطق الخرافات والأوهام الناتجة عن استثمار المؤثرات التنويمية للدين بوصفه إبراً وحقنات تستعمل لتغييب العقل والوعي بالوجود، فالمتعة الحسية تتحقق في أحضان المتعة الفكرية دون أن تحيد المتعتان عن بعضهما ، بل تتماشيان في روح المعرفية والمعرفي ، اللذين يبحثان عن تلك الحاجة معاً عبر إعمال العقل كما العاطفة،
. وهكذا يمكن فهم الحياة الطبيعية استناداً للحضارة التي دشنها الإنسان العاقل منذ فجر العصور
هذه الحرب هي حرب إبادة لا تستثني الحجر والحيوانات، قصف المنازل في الأرياف الكوردستانية بالبراميل المتفجرة، وإحراق جثث المقاتلين، كل ذلك يعتبر تدويناً لجرائم الحرب الوحشية ، التي تهدف للقضاء على كل ما يمت بالكردي من إرادة وجغرافيا ، إلى جانب ذلك الصراع المستميت للبقاء على قيد الحياة، نجد صراعاً حثيثاً بهدف الصمود والتأقلم على الصعوبات، نجد أيضاً مكابرة ورغبة شاهقة في بتر كل ما يتصل بالرهبة والخوف ، هذا السعي لتحقيق قيمة عليا للحقيقة المعرفية التي تمثل عدم الاستسلام والتدبر بطبيعة وجدوى هذا التنازع ، في أنه لا يمثل سعي الكوردستانيين للحرية فحسب ، وإنما هو سعي للتطهر والتحرر الفكري والسمو بحرية المرأة والتعريف بمكانتها الرمزية والروحية ، وإعلاء ذلك سلوكاً وفكراً، فالتحرر من رداءة الرغبات واستبدالها برغبات متكاملة جامعة للعقل والحس ، كان أيضاً سبيلاً مغايراً لفهم الحقيقة الإنسانية ، وتحوير السلوكيات الهشة عبر العمل على إحياء سلوك منهجي هادف لانتزاع الصفاء والتوازن والتشبث به دفاعاً عن العقل والحب ، إذ أمكن فهم الحياة عبر جدلية الخوض في المتناقضات وإبداء موقف محدد ، وعليه يمكن فرز الاتجاهات والميول، إذ باستطاعتنا رسم سياق لتجربة الكفاح المسلح بوصفه منحى يمكن عبره فهم أسباب الإخضاع وآلياته المتعددة في إخضاع شعب كامل وتحويله إلى كتلة رماد أو صهره في بوتقة الثقافة الوحشية من خلال اللغة التي تشكل رمزاً للسلطة العنصرية التي تنامت بفعل تنكيلها وتكميمها للأفواه، وإنشاء الزنازين والمعتقلات، على طول رقعتها ، والتصدي لهذه الحقيقة هو بيان لوجود حقيقة مقابلة منها تسعى للولوج إلى العمق الإنساني حيث الجماهير بمختلف شرائحها ، والتعبير عن مظلوميتها وقهرها المستديم ، وهكذا أمكن فهم طبيعة الصراع المتبادل ، للحفاظ على الثقافة والإرث التاريخي لشعوب ميزبوتاميا والتي تتماسك بالرغم من الظروف القهرية وتلك الرواسب المنفعية التي تقنع بها بعض إقطاعييها ومتنفذيها من وصولهم لمراكز الدولة، وإتاحة الفرص لهم لتسلم المناصب، ليغدوا فيما بعد مشاركين في عملية القمع تلك، إلا ان الدور التاريخي الذي تلعبه منظومة المجتمع الكوردستاني
. قادرة وعبر مراحل أن تكون الطرف الأكثر بروزاً في معادلة هذا الصراع المرير
إن الحرب لأجل الحرية لا تتوقف، ورحلة السعي إلى الأفضل مرهونة بالمخاطر الجسيمة والمصاعب الهائلة، لا سيما وأن النزاعات الدموية تجعل مسيرة الأفراد باتجاه الحياة الأفضل عسيرة ومبهمة، فالتعرف على الذات ليس يسيراً في ظل توفر أسباب الراحة والنعيم، إلا ان اختبارها يكمن في مرورها بأعقد الظروف، وهكذا يمكن التعرف على الذات الفردية عن كثب عبر اصطدامها بالعوائق والمتاهات، مهما قيل بأن الإنسان يمكن أن يكافح الأنانية ليستبدلها بالغيرية ، إلا أنه سرعان ما يفشل ، فالقوانين الواقفة بوجه الرغبات الطبيعية تمنح الإجابة الكافية الوافية لمعتنقي الحياة البدائية المثالية، إلا أنه وفي حالة الحرب غير المتكافئة ، كحرب الكريلا مع الجيش التركي، نجد أن الالتفاف الطبيعي الذي يبديه الرفاق فيما بينهم ، يحيلهم إلى جو من التعاطف والإشفاق ، ويمنحهم سبلاً لممارسة سلوكيات المجتمع البدائي، ولابد من فهم ذلك استناداً لمدى حالة القمع الذي يتم التعرض لها على الدوام، مما تضعهم في موضع التماسك والاتحاد ، لدفع العائق الكبير والتصدي له، في ظل الفلسفة يمكن الحديث عن علاقة الإنسان بالأشياء وهو يخوض تأملاته في الطبيعة،
ما التغيير الذي يعمل المعرفي المقاتل عليه استناداً للصوقه الروحي والمادي بالطبيعة، أهو سبيل لفهم أن الأرض بحاجة لمن يضحي لأجلها ، حتى تظل ذلك المعشوق الذي يهب أسباب الحب والسعادة للذين يتصوفون عشقاً وولهاً بها؟!، ويجدون في ذواتهم تعطشاً للوطنية والإيمان بها كمبدأ في الحياة، إن التغيير هو المطلب الملحّ في ظل عملية الحرب واستمرارها لتكون سبيلاً للحياة الجديدة، والتي تعاش على نمط مختلف خال من الظلم والتعسف، إلا ان ذلك يبدو بعيداً في ظل ضآلة الإمكانات ، رغم حرارة الإيمان بالهدف الاستراتيجي، وهذا ما يُلاحظ من هذا التفاوض بين طرفين يرفعان السلاح بوجه بعضهما ، طرف مرتهن للعسكر التركي ، يود الحصول على مكافأة من مملوكه وطرف يود الحصول على الأمان والانسحاب من الموت والنجاة، الطرف الثاني يقوم بالسعي للتحرر من احتمال القتل أو الوقوع في الأسر ، فليست إرادة البقاء وحدها من تسير الأفراد الهاربين
من بطش آلة السلطة القمعية ، وإنما الأصرار أيضاً على تحقيق الهدف من هذا البقاء ، والمتمثل باستكمال هذا الصراع الوجودي والذي معناه إحياء القضية الكوردية، واستمرارها، وذلك بمد الصلات ما بين الثائرين والجماهير في أجزاء كوردستان الأربعة، لهذا فالصراع القومي باق، كونه صراع للمحافظة على الخصائص والمقومات الطبيعية التي تنهض الشعوب بها وتنتعش، فما يملكه الأفراد في خضم هذه الصراعات، وهذا التمزق الجسدي والنفسي، هو تلك الحرية التي يتمايزون بها، ويجدونها العزاء رغم كل أثقال الحرب ووطأتها، والحرب التي تشن لاسترداد الأرض هو لوضع حد أمام جشع السلطة واستماتتها في الاستيلاء على المقدرات والموارد، وكذلك ملء معتقلاتها بالأحرار ، ممن يجدون في استمرار العمل ضد ممارساتها سبيلاً للوصول إلى مجتمع معرفي ، تتحقق فيه سيادة القانون وحماية كل تلك الخصائص والانتماءات والأعراق خارج مظلة اللون القومي الواحد، وخارج المركزية القومية التي تفرّق ولا تجمع، وتبعثر ولا تعمل على التآلف
. ضمن ما يعرف بكيان المواطنة الجوهرية
تنشأ حالة من المسالمة والاستئناس في الاعتراف بكل ما في الأعماق لحظة الشعور بالتلاشي، حين نمعن في فلسفة البوح رغبة في تناسي الوجع المباشر والخلود للاحتكام للمنطق الغريزي الذي يكمن في تشبث الإنسان بالبقاء والذود عنه بأدوات تحاكي الماضي القريب في ظل الحرب، وهو دعوة للسلام بشقها المحايد، ولهذا فحقيقة ركون الإنسان للدفء المفقود، هو رغبة في التصالح مع الذات والأشياء في لحظات الشعور بالافتقاد للأمان والطمأنينة،يمكن اعتبار تجربة الحرب في الجبال من التجارب الأكثر إلماماً بواقع الإنسان الكوردستاني التاريخي، مروراً بالمعاصر، حيث أن البطولات الفردية تتحكم بالعديد من المواقع في تلك الرقعة الجبلية الكبيرة في مثلث هام تتقاسمه الحدود الإيرانية والتركية والعراقية، وتدور ضمنه معارك عسيرة يبديها الأفراد المنظمون والمدافعين عن قيم المجتمع الطبيعي وخصائصه الحضارية، نمعن في التحديق لطبيعة المعاناة وحديث الذين يعانون، والذين يدورون في متاهة الألم ، حيث له فلسفة ذي حدّة ووقع على الداخل، حيث للألم تأثيراً في تحديد الاتجاهات والميول وجعل الحياة تبدو واقعية براديكالية، حيث يرى جيرمي بنتام أن الألم واللذة كحدث موضوعي أما الماركيز دي ساد فرأى أن الألم في حد ذاته لديه أخلاق، فحينما يفقد الإنسان حالة الأمان والصحة المستقرة ، فإنه يبحث عن سبل يعزي بها نفسه، نجد هنا أن علاج الاغتراب يتجلى في مواجهة شاملة للسلطة القمعية
. والضعف المتجلي في حياة مكبّلة بالخوف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا