الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (161) التجنيد القهري

بشير الوندي

2019 / 4 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (161)

التجنيد القهري

بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
التجنيد القهري نوع من انواع التجنيد تعتمده دوائر الاستخبارات بإعتباره واسع الاستخدام على قطاعات واسعة من المجندين من جهة , ولأنه من الأساليب التي كثيراً ما تعتمد عليها الانظمة الدكتاتورية في اخضاع شعوبها , ومن هنا أولت الاجهزة الاستخبارية هذا النوع من التجنيد اهتماماً شديدا سواء كانت اجهزة تابعة لأنظمة تداولية او تلك التي تتبع انظمة دكتاتورية دولاً كانت او تنظيمات عصابية او ارهابية .
--------------------------------
التجنيد الاكثر انحطاطاً
--------------------------------
يعتبر التجنيد القهري من اكثر انواع التجنيد انحطاطاً سواء كان الانحطاط من طرف الاجهزة الاستخبارية او من طرف المتورطين بالخضوع لهذا النوع من التجنيد .
فهنالك نوعان من طرق الاجبار لمن تسعى الاجهزة الاستخبارية لتجنيدهم , النوع الاول هو التجنيد بالابتزاز والنوع الثاني هو التجنيد قسراً اي بالقهر , ورغم ان كليهما يعنيان التجنيد بكسر الارادة وبالقوة , الا ان الفرق يكمن هنا بالوسائل التي تستعمل لكسر ارادة المستهدف المراد تجنيده , وفي بعض الاحيان يندمج النوعان معاً كما سنبين لاحقاً.
ومن خلال التدقيق نرى ان التجنيد قسراً هو الغالب على عمل الاجهزة الاستخبارية في الانظمة الدكتاتورية او في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية , كما يمتاز التجنيد القسري بأنه يشمل في الغالب قطاعات واسعة من المجتمعات , كما سنفصِّل ادناه .
--------------------------------------------
الاسلوب الاول : التجنيد بالابتزاز
--------------------------------------------
التجنيد بالابتزاز هو تجنيد يتم عن طريق كسر ارادة الهدف من خلال تهديده بفضح اسراره بطريقة فجة بمساومة لاترحم تخيره فيها بين التعاون او الفضح , مما يسلب ارادة الهدف ويكسره ومن ثم تؤدي الى إستسلامه .
وهذه الطريقة الابتزازية تفعلها كافة الاجهزة الاستخبارية مع شخصيات العدو الهامة والعنيدة التي لايُنتظر منها القبول بالتعاون بالوسائل الاخرى والتي يصعب اخضاعها او اغرائها من رجال الاعمال والسياسيين والقادة الأمنيين والوزراء والنواب والمصرفيين والقضاة وأية شخصية حساسة , ويستخدم هذا الاسلوب كذلك لتجنيد مخبرين في داخل البلد للضغط عليهم.
---------------------------
ردود افعال محتملة
---------------------------
ويصيب هذا النوع من التجنيد صاحبه بالرعب والخوف الشديد من الجهات التي جندته لأنها تبتزه بما لديها عليه من ملفات فضائحية واسرار تحطم هيبته ولايرغب في ان يعرف عنها احد شيئاً ومن ثم يرضخ للتعاون ولايستطيع الافلات.
ولتفادي اي رد فعل غير طبيعي من قبل المستهدف لحظة مواجهته بفضائحه واسراره , فإن الاجهزة الاستخبارية تستخدم معه اسلوب العصا والجزرة كي لاتدع المستهدف بالتجنيد يشعر دوماً بوطأة الابتزاز والتهديد , لأن ازدياد هذا الشعور قد يؤدي الى عواقب وخيمة أحياناً كإنتحار المجند تحت وطأة تأنيب الضمير , او بإختلاق معلومات مزيفة او تزايد حقده على مجنديه مما قد يقلبه الى عدو , ومن هنا فإنها تسعى الى ترضيته وتطمينه واغراءه ودعمه مادياً او بالإمتيازات من اجل تدجينه وإشعاره بفوائد خيانة وطنه او شعبه , ولكي لايبدو الامر اجباراً وإنما فيه منافع ترسخ من مكانته الهامة بدل من تحطيمها , وهذا لايعني ان الجهاز الاستخباري لايلوح بين الحين والآخر بتذكير المجند بما يمتلكه الجهاز ضده من اسرار , الا ان هذا الامر لايتم الا في اضيق الحدود وعند الحاجة القصوى من قبيل تهاونه او عناده .
ولابد من التنبه هنا الى انه في حالات التجنيد الابتزازي قد تتوقع الاجهزة التي جندت المستهدف انه قد يخبر استخبارات بلاده والتي ستطلب منه ان يستمر في ايهام من جندوه بأنه خاضع لهم ليصبح عميلاً مزدوجاً يدعي الرضى , وفي حالات اخرى قد يفكر بالانتقام , وفي احدى الحالات المعروفة في الدوائر الاستخبارية قام ارهابي مجند مجبر بالابتزاز بإدعاء القبول وفي اول فرصة فجّر نفسه وسط مجنديه إنتقاماً.
-----------------------------
عمل إستخباري مضنٍ
-----------------------------
ومما لاشك فيه فإن التجنيد بالإبتزاز هو من الاعمال المضنية للاجهزة الاستخبارية التي تحتاج الى استنفار كافة الاقسام الاستخبارية الفنية والعملياتية لتحقيقه , لأن الابتزاز يحتاج غالباً الى ازاحة الستار عن اسرار لشخصيات لها القدرة على التحصن وعلى اخفاء جرائمها , ومن ثم لابد من الحاجة الى سيناريوهات والى بحث مكثف من اجل الحصول على اسرار مخفية لإبتزاز المستهدف بها .
وبالتأكيد فإن الاجهزة الاستخبارية تحتاج الى مراقبة المستهدف والتنصت عليه بالصوت والصورة والتجسس على علاقاته وعلى ايميلاته من اجل الكشف عن اسراره , وماان تصل لذلك يكون المستهدف تحت المطرقة .
وحتى لو لم تجد الاجهزة الاستخبارية على المستهدف مايدينه , فلابد من الكشف على نقاط ضعفه ودراسة شخصيته او شخصية احد افراد اسرته كالابن او الابنة او الزوجة , والعمل عليها بسيناريوهات معقدة من اجل الايقاع به او بهم سواء بالجنس او الشراب او المثلية , وكذلك معرفة مفاتيح شخصيته كالغرور وغير ذلك , ثم يتم النسج من حوله والايقاع به وتصويره وحينها تنتهي المهمة , لتتولى الجهة الاستخبارية السيطرة عليه واخضاعه للتعاون .
----------------------
الفساد والابتزاز
----------------------
وهنا لابد من التنبه الى ما يسهل مهمة الاجهزة الاستخبارية هو تواجد عائلة المستهدف او ابناءه خارج البلاد للاقامة او الدراسة والذين يعتبرون حلقات رخوة للإستهداف والإيقاع ومن ثم ابتزاز رب الاسرة بفضائحهم , كما ان نقاط ضعف المسؤولين تجاه الفساد المالي والاختلاس هي من النقاط التي ترصد من قبل استخبارات العدو اكثر من الاجهزة الرقابية لبلاده , لأن فساد المسؤول هو كنز لايفنى لدى اجهزة استخبارات العدو .
ان الاستخبارات الدولية تحمي كبار الساسة والشخصيات في بلدان العالم المتخلف من خلال إبتزازهم لأنهم يسرقون الأموال ويبعثونها خارج بلدانهم وهناك يتم ابتزازهم وابتزاز ابنائهم ليصبحوا عبيداً تحت يد الاستخبارات , وحينها يتصرفون ويصرحون بشكل صادم في بعض الاحيان ولكن ان علمت انه مبتز فلا تستغرب .
كما لابد ان تستغرب حين تعلم انه لم يتم الكشف عن اية سرقات وفساد حقيقي الى الان في العراق بسبب ابتزاز او عمليات ابتزاز تتم على القاضي او المسؤول عن هذا الملف فيقع بالضربة القاضية ويبقى اسيراً لمبتزيه .
ان كل مافصلناه هو عمل استخباري مضنٍ يحتاج الى امكانات وتخطيط دقيقين , ولايقتصر العمل به على الاجهزة الاستخبارية الحكومية وانما يتعداه الى التنظيمات الارهابية التي تستهدف شخصيات الدولة لاسيما العسكرية والامنية منها لتبتزهم وتجبرهم على التعاون , وهو مايفسر افلات عتاة الارهابيين من القاء القبض عليهم او افلاتهم بعد القاء القبض عليهم من مراكز الاحتجاز او افلاتهم بعد عرضهم على المحاكم من الاحكام القضائية الصارمة , او في افلاتهم من تنفيذ الاعدام من خلال هروبهم من السجون ...ففي كل تلك المراحل يكون هنالك متعاون معهم من داخل السلطة الامنية او القضائية او من السجون , وهذا المتعاون تم ابتزازه بالفضح له او لعائلته من خلال نزوة قام بها هو او احد افراد عائلته في بلد ما في فندق ما او منتجع ما .
------------------------------------------
الاسلوب الثاني: التجنيد بالاكراه
------------------------------------------
يتم التجنيد بالإكراه من خلال إجبار المستهدف على التعاون او الموت , وهذا النوع من التجنيد مما تمارسه الدول ذات الانظمة الدكتاتورية على شعوبها ومثالها حالة النظام البعثي في حكمه للعراقيين .
فالاجهزة الاستخبارية في ظل تلك الانظمة تكون بطبيعتها أجهزة قمعية مرادها الحفاظ على الحزب الحاكم والحاكم وعائلة الحاكم وعشيرة الحاكم , وهي تدرك ان الهوة واسعة بين السلطة والشعب , وان الشعب غير مستعد للتعاون معها الا تحت الاجبار .
فتعمد الى كافة الوسائل الخسيسة من اجل ان تجعل الكل يتجسس على الكل وتكوِّن جيوشاً من المخبرين الذين تقهرهم بالقوة للتعامل معها او الموت والانتقام منهم ومن عوائلهم تحت التعذيب وبتلفيق التهم جزافاً , ويصل الامر الى التهديد بالقتل للشخص او لأسرته حين تعتقل شخص من حزب معارض ثم تساومه اما الموت في الزنزانة او التعاون بل قد يهددونه او يهددونها بالإعتداء على شرفه او شرف عائلته , وفي هذه الحالة يجبر على التعاون القهري والتجنيد والايقاع باخوته في النضال.
ولايقتصر هذا النوع من التجنيد على الحكومات الدكتاتورية , فكما يستخدمه الحاكم الدكتاتور على شعبه , فإن رجل العصابة والتنظيم الإرهابي يستخدمه في مناطق نفوذه ضد المواطنين ورجال الأمن وحتى ضد القضاة.
وقد تدمج الوسيلتين معاً حين تعمد بعض الاجهزة الاستخبارية بإستخدام التجنيد القهري في حالة العملاء المزدوجين , ففي بعض الاحيان تمسك الاجهزة الاستخبارية بعدو او بجاسوس وتسجل اعترافاته ومن ثم ترغمه على ان يصبح عميلاً مزدوجا مقابل تهديده بإعترافاته من اجل ضمان تعاونه .
----------------------------------
النموذج الابشع في العالم
----------------------------------
وللأمانة , فإنَّ المداد لايكفي لتعداد الوسائل الخسيسة التي استخدمها نظام صدام في التجنيد القهري , فكم ابتز وهدد ضباطه الكبار بالإيقاع بعوائلهم, وكم تعرض عشرات الالوف للتعذيب ليخبروا ويتجسسوا ليبلغوا اجهزة الامن عن اقربائهم الهاربين من جور النظام , ومن لم يذكر معلومة عن هروب خاله او عمه او شقيقه وحتى ابن العم والخال والخالة يكون مصيره التعذيب حتى الموت بلا محاكمات وبتهم تافهة تتراكم معها الممنوعات , حتى يصل الامر الى تراجيديا مأساوية يحكم فيها من يستمع لنكتة على رأس النظام ويضحك يحكم بالاعدام , بل وصلت الحالة الى تطبيق قوانين طبقتها بعده داعش كقطع الرأس بالسيف وقطع الاذن وقطع اليد.
لقد كان التجنيد القهري في زمن الطاغية صدام هو الأفضع عالمياً , فما تم الكشف عليه من بلاغات وتقارير تبدو مذهلة ففيها تقارير تؤدي الى الاعدام كتبتها الزوجة على زوجها والابن على ابيه وبالعكس , والجار على الجار واصحاب الحرف على زبائنهم والمدرس ضد الطلاب والعكس ايضاً واعضاء الفريق الواحد لكرة القدم على بعضهم والجندي على الضابط وبالعكس وشيخ العشيرة على ابناء العشيرة وامام الجامع على المصلين وبائعة الهوى على زبائنها واعضاء القيادة البعثيين على اقرانهم مما يشير الى انهيار مجتمعي وتفكك اسري خلفه قهر النظام وصل الى قمته بأن يكتب سجين في زنازين صدام على سجين مثله , ومن هنا تعتبر التقارير السرية التي كتبت في العراق هي الأشمل والأكثر والأغرب في العالم مما يشير الى اننا نحتاج الى عقود حتى نتخلص من هذه الحالة المرضية التي زرعها النظام والتي لا زالت تضرب مجتمعنا للأسف.
-------------------------------
وسيلتان يجمعهما القهر
-------------------------------
ان كلتا وسيلتي التجنيد اللتين ذكرناهما هما تحت بند التجنيد القهري الاجباري , وكلتا الوسيلتين بالاجبار او بالابتزاز تعنيان ان هذا النوع من التجنيد دافعه الخوف ومن ثم التعاون بلا قناعة .
وبالتأكيد , فإنَّ ان المعلومات المتحصلة من هذا النوع من المصادر التي تجبر على التجنيد لايتم الوثوق بها فوراً وإنما بمرور الوقت , فإذا استمر وتقبل الواقع دون إختفاء او إنتحار فسوف يكون جدياً ويعمل بإخلاص لمجنديه لاسيما اذاما طالت المدة وأحسّ بأن أسراره لن تكشف لاسيما إذا عومل بلا تحقير .
--------------------
اجراس الخطر
--------------------
تعمل الاجهزة الاستخبارية المحترفة على ان تتقمص ادوار خصومها وتسجيل كافة تجارب محاولات التجنيد القهري بالتهديد او بالإبتزاز لتعمل على تفاديها , فهي تدرس البلاغات الواصلة من ضباطها وقادتها الذين تمت مفاتحتهم بالتجنيد او سعت جهة ما الى ابتزازهم لغرض معرفة نقاط واهداف العدو التي يبحث عنها وأسلوبه وكيفية المفاتحة وتعمل تقليل الأضرار ومعالجة الخلل وتتولى ذلك اجهزة مكافحة التجسس .
ومن هنا تمنع الدول في كل العالم عناصر أمنها وقواتها المسلحة من السكن خارج البلد او السفر بحرية لحمايتهم من الابتزاز والوقوع في براثن التجنيد الابتزازي المباشر او من خلال ذويهم , فسكن عائلة عنصر هام خارج البلد او سفره بلا رقابة او توثيق يجعله في خطر دوماً , وقد يكون العراق هو البلد الوحيد والفريد في العالم الذي يسمح بذلك وعلى مستوى عالٍ جداً من المناصب والقيادات.
اما في دول العالم كلها تقريباً , لا يخرج وفد حكومي لسفر خارج البلد بلا مرافقة ضابط أمن مكافحة تجسس لحماية الوفد او ان ينتظرهم ضابط أمن يرافقهم من سفارتهم لحماية الوفود اثناء السفر من اية عمليات اختراق وتجنيد وابتزاز.
كما أنّ الوفود العسكرية والأمنية لا تسافر قطعاً بلا رفقة أمنية في كل مكان من مكان المبيت الى مكان المؤتمرالى الاجتماعات الى التبضع.
كما تخضع كل وسائل التواصل التابعة للمسؤولين للرقابة هم وعوائلهم لمنع عمليات الخرق والهكرز والتجنيد الابتزازي من خلال سرقة ملفاتهم وصورهم , وهي امور من ألف باء عمل مكافحة التجسس , الا في العراق للأسف .
------------
خلاصة
------------
التجنيد القهري من اساليب التجنيد الخطرة التي تولد لدى الانسان المجند انه مضطر , وتحت هذا الشعور والمبررات تباح الى العدو اخطر الاسرار , وتتم التضحية بكل شيء , ومن هنا تسعى اجهزة مكافحة التجسس الى ان تعمل على التحصين قبل ان يقع الفأس في الراس بالوقاية والرقابة , وهي امور لازلنا نفتقر اليها , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال