الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبح المغاربة عبيدا !!

نعمان الفاضيل

2019 / 4 / 27
حقوق الانسان


لا يخفى على ذوي النظر الحصيف ما أضحى يعيشه المغاربة في العشر سنوات الأخيرة من حيف واحتقار لا مثيل لهما، جراء السياسة اللاشعبية التي تنتهجها الدولة في جل المجالات الحيوية كالصحة والتعليم والشغل،أصبح مؤكدا معه أننا نتدحرج نحو عيش نمط جديد من أنماط العبودية في القرن الواحد والعشرين. فما بعد الاجهاز على القطاع الصحي وصده في وجه الفقراء بتفويته للشركات الخاصة وحرمانهم من التطبيب بشكل مجاني وذا جودة كما هو معمول به في الدول العادلة التي تحترم كرامة الانسان، يأتي الدور بعد ذلك على الوظيفة العمومية وحق الأفراد في عمل يضمن لهم الاستقرار المهني بتحويل الأجراء إلى أقنان فحسب،عبر فرض عقود إذعان استعبادية تجعل صاحبها يرزح تحت مطرقة العمل المهين وسندان الطرد التعسفي،امتثالا لإملاءات مافيا الرأسمال العالمية،وانتهاكا صارخا للكرامة الانسانية.

وفي هذا الإطار،فالخطة الخبيثة التي ينتهجها النظام المغربي تجاه حق الأفراد في تعليم مجاني وذو جودة، تزاوج بين ما هو أيديولوجي عبر ادراج مقررات تحوي معارف مسطحة وهشة،تحرم المتعلمين من بناء استراتيجيات حياتهم وفق وعي صحيح يضمن لهم التمتع بالخيرات الرمزية إسوة بأبناء الطبقات البرجوازية. وبين ما هو قمعي استبدادي،يجعل الأساتذة يرزحون تحت نير القهر والاستعباد،بمصادرة حقوقهم الأساسية في الترسيم والترقية،وقمع حرياتهم في التعبير عن الرأي والإحتجاج،بشكل سلمي حضاري لا يتغيا سوى إيصال أنين حقهم العاجز لمن يملكون حق القوة الغاشم.

ومن هذا المنطلق، فتبجحنا بكثرة الانجازات في مجالات مختلفة، يجعلنا نتوهم أننا نخطو خطو الدول المتقدمة في اقرار الحق والحرية و العدالة . لكن حين نعاين احوال الناس نصدم بهول الكارثة وحجم الدمار الذي اضحينا نعيشه جراء تردي مستوى الحياة الاجتماعية وتنامي أشكال القهر والحيف بكل تجلياتها البشعة. مظاهر توشي بعهد جديد أكثر سماته تميزا هو القمع المفرط برقابته الوضيعة التي لا هم لها سوى هضم الحقوق وتقييد الحريات تمهيدا لخلق جيل من العبيد يرزح تحت وطأة الاستبداد والاغتراب بكل أشكاله المقيتة.

و في اطار كهذا،يكشف التحليل المادي عن مظاهر مختلفة لأشكال البؤس والمعاناة التي تجعل المرء في هذا الوطن أشبه ببركان محموم،يتحين فرصة الانفجار في أي لحظة،حين يبصر شيوخا هرمين لا يفصلهم عن الموت سوى لحظات يمدون أيديهم للناس أعطوهم أو منعوهم،أو يعاين شبابا أبرياء خلف القضبان ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بحقهم في حياة كالحياة،أو مرضى مرميون بباحات المستشفيات يئنون بيأس من آلامهم المنغصة وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء،ما يجعل وصف من ينتقدون هذا البؤس بالعدمية مثيرا للضحك والشفقة حينا،وللتقزز والغثيان حينا آخر.

في وطن يفتقر الانسان لا فقط لحقوقه الطبيعية،(دون الحديث عن الكماليات،فذاك ضرب من ضروب المستحيل)،بل حتى لانسانيته كبشر يسمو عن باقي المخلوقات بنوره الفطري وكرامته التي تستحق الاحترام و التقدير.. في بقعة لا كباقي بقاع العالم، نعثر على سياسة هوت الى الحضيض لا بتدابيرها العبثية فحسب،بل حتى سفاهة و لؤم روادها، لتتحول بذلك من خطاب له اسس وقواعد ورواد إلى حلقة من حلقات جامع الفنا...

عبث وعبث وعبث،هي الحياة في بلاد لا تريد أن ترشد أو أن تعي ماذا تفعل، أو حتى أن يتذوق أبناءها طعم العيش الكريم ولو مرة في حياتهم البائسة، اللهم إذا استثنينا ثلة من الأولين الذين يختصون في مص دماء البؤساء، وقليل من الآخرين الذين يتغذون على جيف وفضلات الثلة الأولى أو وحوشا يفترسون من هم دونهم...

وهكذا،ومع امتلاء هذا الوطن بالمحتالين ومصطادي الفرائس و صيادي المناسبات،قد تحدث الروائي والمسرحي المغربي "عبد الكريم برشيد" عن المرايا العفنة لبعض البشر، و هذه نماذج بعض المرايا، التي تتجمل في ظاهرها،مع أنها تخفي في الحقيقة مسخا لا بعده مسخ.نمط من التفكير لا ينم حيوانية صاحبه فحسب، بل حتى وضعه في خانة اللاإنسانية، لأن للحيوانات طباعها وأوصافها التي لا تخرج عنها ...

وعليه، تجدر الاشارة أنه من الضروري وفاء للحقيقة،كي يكون النقد معبرا عن وظيفته التي وجد من أجلها يستلزم مطرقة جارحة كاشفة ومتمردة ثائرة،تتعالى عن أي مصلحة أو منفعة قصيرة المدى أو محدودة الأفق.كما على لغة خطابه ان تتخذ طابعا مؤلما هي الأخرى،لأنها لسانه الذي يعبر به عن ما في واقع الأفراد من أفراح وأقراح،ومادامت هذه الأخيرة هي ما نعيشه حاليا فإن طابع الكتابة هذا يفرض نفسه علينا بقوة.

و ختاما،يجب أن ندعم بقوة الفكرة القائلة أنه مادام التعليم والصحة والشغل والحرية... حقوقا أساسية،وبها ينبني أي تعاقد منصف وعادل،فإنها تشكل نقطة التقاء الأطراف،وسبيل الاتفاق والتواضع، لمحايثتها وارتباطها الحميمي بالإنسان،ولكونها المعبر الحقيقي عن كينونته كفرد مدني، يطمح في العيش بدولة عادلة تحترم عقول الناس ، وتصون كرامتهم عبر حماية الحقوق،وتبني تعليم ذا جودة يحترم مبدأ تكافؤ الفرص،ويشجع على الخلق والابداع،لأن خير أي مجتمع يكمن في انتشال أفراده من براثن الجهل والخرافة عبر تلقينهم علوما نافعة ومعارف هادفة توسع مداركهم ليعوا ما هو كائن و ما يجب أن يكون،ويستطيعون بناء استراتجيات حياتهم كأفراد متحررين من قيود العدمية والعجز القصور،ضمن مناخ تسوده مبادئ الحق والعدالة والحرية؛ وتنتفي فيه شروط العبودية والاستغلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا