الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوفيون الجدد

راتب شعبو

2019 / 4 / 30
حقوق الانسان


خذل الكوفيون الحسين بن علي بعد أن أرسلوا يستقدمونه ليكون إمامهم. وتغلبت دنيا المسلمين على دينهم فقتل الحسين بعد أن حيل بين جماعته وبين ماء الفرات ثلاثة أيام. وضُرب عنق حفيد رسول الله وهو ساجد في صلاته الأخيرة التي سمح له بها جلاده كي يختار الشكل الأكثر دلالة لقتله، على ما تقول الروايات. لا شك أن الكوفيين شعروا بالعار وهم يسمعون زينب بنت علي المسبية توبخهم، لكن سيف يزيد كان أقوى من إيمانهم. واليوم يلطم أحفاد أنصار الحسين أولئك أنفسهم ندماً على خذلان أسلافهم للحسين فيما هم وغيرهم يخذلونه اليوم وكل يوم. غير أن الندب على ما مضى وما لا يمكن تغييره بحال، أسهل على النفس من مواجهة حاضر يمكن لنا التأثير فيه وتغييره. في الحالة الأولى تكون النفس في مأمن لا يفسده عليها الندم ولا الندب ولا حتى أشكال اللطم الدموية، في الحالة الثانية يمكن أن تتعرض النفس لخطر مواجهة قوة أصحاب السلطة الذين يستخدمون القوة لتثبيت حال ممتاز لهم وجائر على غيرهم.
أجمع المسلمون كافة، سنة وشيعة، على إدانة فعلة يزيد وتقدير موقف الحسين. غير أن المسلمين يعيشون الآن عاشوراء في كل يوم. في سوريا الآن، كل يوم عاشوراء وكل مكان كربلاء. والمسلمون يقفون مع يزيد المعاصر المتجدد في ألف صورة وصورة، ويخذلون الحسين المتجدد في ألف صورة وصورة. على هذا ليس من الظلم القول إن أفعال الندم التي نشهدها، رغم قسوة بعضها وعنفه جراء الشحنة العالية من الشعور بالتعاطف والتماهي مع الحسين التاريخي، سوف تتلاشى وتنتهي إلى تخاذل لو عاد الزمن بنا إلى لحظة عاشوراء الفعلية. في عاشوراء الفعلية نتخاذل وننطوي على ذواتنا، وفي عاشوراء المستعادة والمؤسطرة يرسمنا خيالنا كأبطال أسطوريين أيضاً، ننتصر للحسين ونصد عنه ونغير وجه التاريخ، ونترك العنان للندم على أننا لم نكن نحن هناك كي نفعل غير ما فعل أسلافنا. نترك العنان للندم الذي لا يفرغ حزننا على الحسين وخجلنا من قعود أسلافنا عن نجدته فقط، بل يفرغ أيضاً حزننا على حالنا الآن وفي كربلائنا التي لبس اسمها كل مكان في سوريا، ويفرغ شحنة ضمائرنا المثقلة. الضمائر لا يثقلها ما جرى في أزمنة غابرة، لا يمكن لضمير أن يلوم النفس على ما جرى قبل ولادتها. الضمائر يثقلها ما تشهده النفس ولا تفعل شيئاً لتغييره. الضمائر لا تلوم على المستحيل، تلوم على الممكن. الندم على مظلمة الحسين، يشكل اليوم مهرباً من لوم الضمير وملجأ للنفس من المواجهة مع يزيديين جدد. الجديد اليوم أن "الكوفيين" المعاصرين لا يشعرون بعار موقفهم المعاصر.
في الواقع نحن لا نقعد فقط عن نصرة الآخر المظلوم، بل نقعد أيضاً عن نصرة أنفسنا ونحن ضحايا الظلم. حين أستعيد سنوات السجن الطويلة مع المئات من أمثالي، أقول ألا يحق لشاب اليوم أن يتساءل: إذا كان المجتمع السوري، مثل كل مجتمع مبتلى بنظام حكم عسكري، قد سكت عن اعتقالكم، وأغمض عينيه عن المظالم اليومية وتسابق أفراده لنيل رضى "اليزيديين"، لماذا استسلمتم أنتم للسجن ولم تضربوا عن الطعام مثلاً مطالبين بالافراج عنكم؟ ولكن، هل سيكون جوابي مقنعاً إذا قلت إن فكرة كهذه لم تكن لتخطر في بالنا لأننا كنا نرى أن مطالبتنا نحن بالإفراج عنا تشكل دليلاً على ضعفنا وانهزامنا أمام السجن؟ كنا نعتقد أن ما على السجين فعله هو أن يحسن شروط سجنه لا أكثر. وأضربنا من أجل ذلك أكثر من مرة. كان في وعينا أن الاستسلام هو أن نطالب بالإفراج عنا، وأن الصمود هو في إظهار قوتنا في تحمل السجن. هي نزعة استشهادية. ولكن يحق لناقد أن يقول إن وراء رهبة هذه النزعة، يختفي تخاذل عن نصرة النفس. أسهل على النفس أن تستكين في السجن من أن تتمرد داخله وتواجه سجانيها باحتجاج ما، كالإضراب عن الطعام مثلاً وما يجره عليها ذلك من عذابات.
ولكن ما لا شك فيه، أن تقاعس الجماعة عن نصرة الأفراد، تشل نزوع الفرد إلى نصرة نفسه ضد جلاديه. كان أجدى أن تتحول طاقة الندم التي تتبدد في طقوس عقيمة، إلى نجدة فعلية للحسين الذي يقتل في كل يوم وفي كل مكان وبصور وأشكال شتى.



كانون اول 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال