الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تطوير التعليم العالي في العراق، ، برنامج -منح الذكاء-

يوسف الاشيقر

2019 / 5 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


العملية او السياسة التربوية والتعليمية بأي مكان بالعالم محكومة بميزانيات محددة وتعتمد على أربعة ركائز أو محاور أساسية مكملة لبعضها هي:
- الكادر التدريسي والإداري
- البنية التحتية من مدارس وجامعات ومستلزماتها
- المناهج التربوية والتعليمية
- الطلبة

حتى نطور قطاعي التربية والتعليم العالي بشكل ملحوظ وفاعل نحتاج الى تطوير كل هذه الركائز بصورة متوازية ومتزامنة، مع إن كلا منها له تحديات وإستراتيجيات وسياسات وتكاليف مختلفة بالإضافة الى أزمان مطلوبة مختلفة حتى نجد تحسنا واضحا بكل ركيزة او بالعملية ككل. ويمكن بتطوير ركيزة واحدة منها حتى بدون تطوير باقي الركائز أن نجد تحسنا ملموسا بالعملية. فتجديد أبنية المدارس والكليات والجامعات ومختبراتها وباقي مستلزماتها مثلا سيرفع من مستوى العملية ككل حتى من دون تطوير باقي الركائز الأخرى، ولكن ذلك أقل فعالية وأكثر كلفة ومضيعة لوقت أكبر مما لو تزامن التطوير بكل الركائز. ومع ذلك هناك ركائز يمكننا تسريعها أكثر وبكلفة أقل وبوقت سريع كالمناهج مثلا.

فالمناهج التدريسية هي أسهل كل الركائز الأخرى وجرى تطويرها بالعراق على كل المستويات خلال السنوات الماضية. ففي قطاع التربية سواء بالإبتدائيات او المتوسطة او الثانويات تم التجديد والتحديث بدرجة شبه كافية ومقاربة للمستويات العالمية وصارت تلبي حاجات التلاميذ والطلبة والمجتمع الى القدر المطلوب من المعلومات والحقائق والمهارات الفكرية والحسابية والعلمية وتشجيع التفكير الذاتي لبناء شخصية مستقلة متماهية مع مجتمعها ومع العالم الخارجي كحال أقرانهم بدول أخرى. ولا يعاب عليها سوى كثرة التركيز على الأمور الدينية والمذهبية والخلافية وتكرار تراثيات مملة لا تخدم الطالب ولا مجتمعه وإنما قد تسيء إليهما.

أما في قطاع التعليم العالي فإن المناهج بكل الكليات والأقسام العلمية، والأدبية الى حد أقل، تنافس المناهج العالمية في جامعات أمريكا وأوروبا، وتصل الطلبة أحدث الكتب والملازم والمقررات والمصادر والأبحاث (سواء بطبعاتها الاصلية او المستنسخة) التي تدرس بمثيلاتها بالعالم، مع ان تمكن الطلبة من اللغة الأجنبية ليست وللأسف بالقدر الكافي. بالإضافة إلى توفر الإنترنت وغوغل سكولار Scholar الذي يمكن أن يغطي معظم النقص والحاجة لأحدث الأبحاث والدراسات والمراجعات وخاصة لطلبة البكالوريوس والماجستير، وكذلك البرامج وقواعد البيانات والمجلات التي يسهل توفرها او توفيرها. كما نلاحظ أن هناك توأمة بين جامعات وكليات عراقية كثيرة مع نظائرها بدول أخرى حول توحيد المناهج والفصول التدريسية كجامعتي الكوفة وبابل وغيرهما والتي ساهمت بسرعة في رفع تصنيف هذه الجامعات عالميا، لذى علينا تشجيع وتطوير هذه المحاولات لتحديث ومواكبة مناهج العالم المتقدم.

الركيزة التالية التي يمكن تطويرها بسرعة في قطاع التربية هي المعلم او الكادر التدريسي والإداري لنحقق طفرات تربوية واضحة وملموسة بتكاليف معقولة. وقد ناقشت ذلك بعدة منشورات ومقالات سابقة. وتتلخص فكرة تطوير المعلم في رفع راتبه الشهري ليرتفع مستواه الإقتصادي فالاجتماعي وبالتالي حتما مستواه التعليمي والتدريسي لينقله الى تلاميذه.

أما في قطاع التعليم العالي فإن الركيزة الأسهل والأسرع والأقل كلفة (بعد المناهج) التي نستطيع تطويرها بشكل واضح بما يخدم المجتمع العراقي بصورة عامة والجامعات بشكل خاص ويرفع سمعة التعليم ومستواه بكل المجالات فهي الطلبة، أي مدخلات ومخرجات العملية التعليمية. والمقترح هنا هو برنامج تتبناه وتديره الحكومة او وزارة التعليم العالي بمسمى "منح الذكاء" او أية تسمية أخرى، نستطيع من خلاله رفع مستوى الطلبة حتى قبل دخولهم للجامعة، ونرفع مستوى جميع الكليات والاقسام والإختصاصات، ليكون خريجونا أكثر كفاءة وأرقى تعليما. ومثل هذه البرامج معمول بها في كل دول العالم بمسميات مختلفة وخاصة بالمجتمعات الرأسمالية التي تكون غالبية جامعاتها خاصة وعالية التكاليف. اذ تقدم الأقسام المختلفة عندهم منح دراسية مجانية للحاصلين على معدلات معينة او مهارات رياضية او فنية. أما في مجتمعنا حيث التعليم الجامعي المجاني هو الأساس والقبول الجامعي يتم مركزيا وتنافسيا حسب معدلات الثانوية (بما يؤدي الى إنحياز الذكاء نحو الكليات الطبية والهندسية فقط) فان البديل المناسب هو منح مدفوعة الثمن لجذب أذكياء الطلبة وتنويع إختياراتهم وتشجيعهم على تحقيق معدلات عالية والإستمرار بالتفوق بكل الإختصاصات.

إن تصنيف وقبول الطلبة بالجامعات مركزيا حسب درجاتهم بإمتحان الثانوية العامة الوزاري له إيجابيات وسلبيات، وعلينا واجب الحد من تلك السلبيات وتعزيز الإيجابيات. فمع إن درجات كل طالب بالثانوية تعكس بقدر كبير مستوى ذكائه، وهذا متفق عليه عالميا، لكنها لا تعكس كل ذكائه ولا مواهبه الأخرى وقدراته الحقيقية والكامنة. ونظام القبول المركزي يستقطب بطبعه ذوي المعدلات العالية، أي الأذكى عموما، الى الكليات الطبية والهندسية، بينما يتم إستقطاب الأقل ذكاء في كليات علمية وأدبية وإنسانية أخرى لا تقل أهمية عن الطب والهندسة إن لم تتفوق عليها بالأهمية، ولكنها تظل محرومة من الذكاء الفطري ومن الطالب المثابر الأكثر إخلاصا لدروسه. أما في آخر سلم القبول تأتي الكليات العسكرية والأمنية والشرطية والدينية لتستقطب أدنى معدلات الذكاء بشكل معيب ومخجل وضار بالمجتمع لأهمية هذه التخصصات ودورها الحيوي القيادي. وعلينا واجب الإنصاف لكل التخصصات التعليمية.

من ناحية ثانية نجد أنه ليس كل أذكيائنا الذين يقبلون بكليات الطب والهندسة تناسبهم هذه التخصصات او يبدعون فيها، والدليل إبتعاد كثير من الخريجين عن المهنة وبروز أسماء لامعة محدودة جدا بينهم لاحقا. مع إن كثيرا منهم لهم طاقات كامنة ضائعة كان يمكن تنميتها لو وجدوا أنفسهم بإختصاصات أخرى كالإنسانية او الأمنية او الدينية او السياسية او الإقتصادية او القانونية او الإدارية او البحثية او الفنية او غيرها. ويلاحظ أن المهندسين عندنا يغلب عليهم الاهتمام بالفنون بينما الاطباء والصيادلة لهم اهتمامات أدبية وكتابية يحرمهم تخصصهم بالغالب من مواصلة اهتماماتهم.

من ناحية أخرى لا يمكن إستبعاد فرضية ان كثيرا من خريجي الثانوية الأقل ذكاء في تحصيل المعدلات العالية ممن لايتم قبولهم بكليات طبية وهندسية ربما كانوا سيبدعون بمهنهم الطبية والهندسية أكثر من أقرانهم المقبولين لو أتيحت لهم الفرصة. بدليل نرى فئات كثيرة من هؤلاء يلتحقون بجامعات خاصة او يسافرون على نفقتهم الى الهند وإيران وتركيا وأوكرانيا او غيرها من الدول الشرقية والغربية للالتحاق بالكليات التي حرموا منها في بلدهم والتي يجدونها أقرب الى طموحهم ورغبتهم. بما يمثله ذلك من تكلفة مادية عالية على أنفسهم وعلى عوائلهم وعلى المجتمع. ليعودوا بعد ذلك ليمارسوا عملهم مثل أقرانهم وربما أفضل بسبب الغربة والإطلاع على تجارب مختلفة. بالمحصلة نرى ان توسيع قاعدة القبول بالكليات المرغوبة طبيا وهندسيا سيصب بالمصلحة العامة الكلية وبتطور التعليم العالي وارتفاع مستوى خريجيه.

منح الذكاء

لو إفترضنا إن هناك ميزانية قدرها 50 مليون دولار سنويا خصصت لهذه المنحة، وهو مبلغ غير ذي بال بميزانيات التعليم العالي عراقيا، يمكننا تقدبم منحة سنوية مقدارها الفي دولار على مدى اربع سنوات لحوالي 4000 طالب جامعي ممن معدلاتهم فوق 90% ممن يقررون القبول في تخصصات وأقسام غير طبية وغير هندسية. وعلى فرض إننا أخترنا سنويا 30 تخصصا جامعيا مختلفا قليل الإقبال والمنافسة عليهم فإننا بذلك سندعم كل تخصص وقسم منها بحدود 100 طالب من ذوي القدرات الفطرية الذكائية العالية. الى جانب ذلك يمكن تقديم منح لحوالي 1500 طالب آخر بمقدار 3 الاف دولار سنويا لمدة 4 سنوات من ذوي المعدلات العالية ممن يلتحق بالكليات العسكرية والأمنية، وبهذا سندعم هذه الفروع الحيوية بشكل مخطط ومحسوب بذكاء من نوع جديد حرمت منه سابقا.

هذه الأرقام المقترحة هي على سبيل المثال على طريقة توزيع وصرف المنحة في حال إقرار فكرتها. ويمكن تغيير وتعديل هذه الأرقام والنسب حسب ما يتوفر من ميزانية وحسب عدد وحاجة الأقسام الأقل مرغوبة وحسب المعدلات المطلوبة وتصاعدها فوق ال 90% بين خريجي الثانوية، أو غير ذلك مما يستحق الأخذ بعين الإعتبار. وكما نرى في هذا المثال يمكن بمبلغ بسيط سحب 5500 طالب من الأعلى ذكاء الى تخصصات متنوعة وأساسية تفيد التعليم العالي بكل مجالاته والمجتمع ككل، كما إننا بنفس الوقت وفقا لهذا المثال نوفر 5500 مقعد بالطب والهندسة لمن معدلاتهم لم تكن تسمح لهم بدخولها، بدون إجبار أحد على التخلي عن حقه بالمقعد الذي يستحقه وفقا لمعدلاته وإنما من خلال تقديم حوافز مادية مغرية للمتفوقين للقبول بتخصصات أدنى ربما هي أقرب لرغباتهم الذاتية ولحاجتهم المالية أثناء الدراسة الجامعية. بنفس الوقت ستكون هذه المنح المادية دافعا جديدا إضافيا أمام طلبة الثانوية على الإجتهاد والمثابرة والدراسة الجدية أكثر وأكثر لتحقيق معدلات أعلى، فنكون قد حسنا مدخلات التعليم العالي حتى قبل قبولهم وقبل صرف فلس واحد عليهم، بما يضمن مخرجات أفضل.

وهكذا بمبلغ بسيط يمكن تطوير ركيزة أساسية في التعليم العالي وتوزيع الذكاء بين مختلف كلياته وجامعاته بما يحسن الأداء الكلي ويرفع المعايير بشكل ملموس وسريع وحضاري وإنساني. وهو بالضبط المكافئ الأنسب لنا لما تقوم به الجامعات الراقية والغربية حين تستقطب الأذكياء عبر خصومات ومنح مجانية لفروع وتخصصات تشعر بحاجة مجتماعتهم إليها أكثر من غيرها. وخلال سنين قليلة يمكن ان نشهد طفرة بالتعليم العالي نرى نتائجها بشكل واضح حين تصل الكفاءات المستقطبة بكل الفروع الى مرحلتي الماجستير والدكتوراه ومن ثم الى ادارة وقيادة البلد ومؤسساته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف