الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيام رقم واحد

عماد عبد اللطيف سالم

2019 / 5 / 8
كتابات ساخرة


صيام رقم واحد


يبذلُ البعضُ ، وأنا منهم ، جهوداً جبّارةً من أجل البقاء صائمين "مُحتَسِبين" ، ولو لمدّة أربعِ وعشرين ساعة ، لعلّ الله يغفرُ لهم ، بعضاً ممّا تقدّم من ذنوبهم ، مع أجزاء بسيطةٍ ممّا تاخّرَ منها ، كُلّما كانَ ذلك مُمكناً.
غير أنّ الأمرَ لا يجري دائماً بهذه السهولة.
فما أنْ تخرجَ من البيتِ للعملِ صباحاً ، و تبتعِدَ أمتار قليلة عن الباب ، حتّى ترى أحدهم وهو يفعلُ شيئاً ، أو يقولُ شيئاً ، يجعلكَ تفطِرُ على الفور ، ولم تمضِ سوى ساعاتٍ معدوداتٍ على "إمساكك" المُقدّس.
حسنٌ .. أنتَ صائمٌ بالقوّة المُسلحة ، وتحتَ ضغوطٍ شديدة تزدادُ قسوةً وصرامة مع تقدّمكَ بالعُمر .. وإذا برجلٍ سمينٍ "مربوع" ، أكبرُ منكَ سنّاً ، وأطولُ منكَ بمترٍ على الأقلّ ، يخرجُ من باب بيته بـ "الفانيلة" و"اللباس"(فقط لا غير) ، وكرشهُ الشاسع يتدلّى تحت صدره وصولاً الى ماتحتَ خصره ، ليضع كيس "الزبل" في حاوية النفايات ، وسط الشارع .
طبعاً أنتَ لن تسكتَ على "مُنكرٍ" كهذا ، فتُعلّقُ على المنظر بما تشاء من السَباب "الكرخيّ" الأصيل .. ويطيرُ صيامكَ على الفور .
أحياناً يمتدُّ قبول صيامكَ الى الظُهر .. فيأتي صائمٌ آخرُ في مكان العمل ، ويُقدّمُ لك جرداً بسيّئات العاملين معك ، منذُ هبطوا من بطون أمّهاتهم ، وإلى هذه اللحظة. وبعد صبرٍ كصبرِ أيّوب ، و"اللهم إنّي صائم" ، وغيرها من الآيات البيّنات ، تضطرُ أن تقاطعهُ بقولك : أكَلّكْ إنته ليش متنجب ، وتكرمنا بسكوتك .. فيُقاطعك قائلاً : أيّباه .. وهاي من اشوَكِتْ حضرتك صار مؤمن ؟ فتردُّ عليهِ السلامَ بأحسن منه .. ويطيرُ صيامكَ على الفور .
أحياناً يمتدُّ صيامك إلى ماقبل مدفع الإفطار بلحظات .. فأنتَ تُريدُ أن تسمع "أذان" المغرب لتفطِرَ من خلال التلفزيون .. وإذا بكُلّ قناةٍ "تؤذّنُ" لصلاة المغرب على هواها .. وهكذا تشربُ أوّل "خاشوكة" شوربة مع أوّل قناة تُصادفها على الشاشة ، لتجد في القناة التي تليها رجلاً ما يزال يقرأ القرآن ، ويبقى يقرأ لمدة ربع ساعة ، قبل أن يظهر المدفع على شاشة القناة المُباركة ، وهو يترنّحُ من هول الصدمة .. فتفطِرُ على الفور .. ويضيع عليك صيامٌ مؤبّد ، استمرّ طيلة ثلاثة وعشرين ساعة ، وخمسةٌ وخمسين دقيقة .
بعد الإفطار يذهبُ "المؤمنون" الى صلاة التراويح ، وتبقى أنت في البيت ، تُقلّبُ قنوات التلفزيون . وبينما أنت تُغافِلُ سيّدة البيت ، لترى وجهاً حسَناً ، وجسداً مُسَلْسَلاً ، في برنامجٍ "فالت" من الضوابط الشرعيّة .. وإذا بوجهٍ "موميائيّ" لسياسيةٍ "فرعونية ، يظهرُ فجأةً على امتداد الشاشة ، وهو يُرعِدُ ويُزبِد .. فيضيعُ عليكَ صيامكَ أبد الدهر .. ماتقدّمَ منهُ ، وما تأخّر .
قرّرتُ أنْ أصعدَ يوم غَدٍ الى سطح البيت ، وأدخلُ في "التانكي" ، وأصوم هناك .
هذه هي الطريقة الوحيدة للظفرِ بآخر فرصةٍ لي .. لدخول الجنّة ، وعدم الذهاب مُباشرةً الى النار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى