الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نمط الحياة كسلعة في النظام الرأسمالي الحديث ..

فواز فرحان

2019 / 5 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


نمط الحياة كسلعة ي النظام الرأسمالي الحديث ..

قبل سنوات طويلة كنا نطرح سؤالاً حاسماً يعكس عملية فهمنا للمنظومة الرأسمالية التقليدية التي تحكمت بالعالم بشكل بربري في العقود السبعة ن الحرب الباردة التي اشتعلت في مطلع القرن الماضي ولا تزال تفرض قوتها لكن بشكل مختلف يلائم تطور ما وصله العقل لبشري تحت ظل العولمة وهذا السؤال هو ...
الى أين سنصل عبر تطور هذه المنظومة الرأسمالية ؟
أو بطريقة أخرى يمكن طرح السؤال بشكل مختصر لكل ما يتعلق بحياتنا وليس جانبها الاقتصادي السياسي لوحده وهو .. الى أين نحن سائرون ؟ الى أن تشير بنا هذه العولمة لا سيما وأنها أصبحت تحكم بكل تفصيل من تفاصيل حياتنا عبر تكنولوجية رقمية لا يستطيع أغلبنا فهم جوهر حركتها ومسيرتها وتأثيرها على العقل البشري وعلى مجمل تطوّر منظومة الوعي البشري ..
من المعروف لدى أغلبنا ن الذين فهموا ماركس فهماً جيداً أن إحدى خصائص الانتاج الرأسمالي أنه لا يمكن له إطلاقاً أن يتوقف لمدة طويلة عند نقطة معيّنة بل هو دائماً في وضع متطوّر يواكب العصر ليس حباً في الحضارة بل حباً في الربح ، وهذه العملية كما نعلم مشروطة وتبدأ دائماً بتبدل القوى المنتجة وتطورها ( أي تغيير مستوى الوعي لديها بما يتلائم مع ما يُطرح من تقنيات حديثة ) وهذا الشيء يحدث بالفعل بتغيير أدوات العمل وتطورها الى مستويات كبيرة ، لكن ما يجب ان نركز عليه هو ان الجانب القانوني الذي يواكب تطور التقنية هذه يبقى دائماً بيد الأقلية التي تشرّع القوانين من أجل ضمان ديمومة قدرتها على تدجين المجتمع البشري في حاوية تعمل ليل نهار لمصلحتها ولا يمكن للبشر فهمه قبل مضي عقد أو عقدين على تشريع القوانين هذه حتى تتمكن من وضع اللمسات الواقعية للتعامل معها على أرض الواقع سواء من خلال النقابات العمالية أو من خلال النضال الذي تشنه الجماهير لتغيير هذه التشريعات بطريقة تخدمها ، إن أدوات العمل أو التقنيات التي تدخل في صلب الإنتاج الرأسمالي في تطور مستمر ليس اليوم فحسب بل على امتداد التاريخ البشري ، وهذه الأدوات تقوم بدور لا نشعر به دائماً بل نلتمسه في حياتنا وهذا الدور يتمثل في تطوير المجتمع البشري ومنظومة الوعي فيه ، ودرجة تطور هذه الأدوات دليل سيطرة الانسان على قوى الطبيعة وتسخيرها لمصلحته ، ربما يبقى هذا الأمر واضحاً في حدود تصورنا للموضوع بشكله الجزئي ، لكن الصورة الأشمل تعني أن الآلة بقدر توفر العمل على نطاق واسع في المجتمعات فإنها في نفس الوقت تطرد أعداد واسعة من الأيدي العاملة المتمكنة الى الساحات ليلاقون مصير جديد من البطالة قائم على تأثير الآلة على مجرى حياته دون أن يدرك أن للتقدم عواقب يجب أن يتعامل معها من خلال شن نضال لا يتوقف عند حدود من أجل إخراج هذه الآلة من يد الأقلية التي تتحكم بمصير العامل البسيط في كل بقعة من بقاع الأرض ..
لذلك .. تستخدم الآلات والتقنيات الحديثة في النظام الرأسمالي الرقمي الحديث لا في هدف توفير فرض العمل وتسهيلها بل كوسيلة لإستنزاف العمل المجاني بشكل متزايد ، فمن المعروف أن الرأسمالي لا يدفع ثمن عمل العامل بل قيمة قوة العمل التي يستخدمها فقط ، لهذا فالرأسمالي لا يلجأ الى الآلة إلاّ عندما تصبح قيمتها دون قيمة قوة العمل التي تستبدل بها ، لهذا تعمل المنظومة الرأسمالية على إبقاء الأيدي العاملة في حاوية عملاقة تسير بحسب رغبتها لا بحسب رغبة الايدي العاملة ومن ضمن هذا الإطار الذي تموضع بقوة في عصرنا الحديث عبر العولمة والتقنيات الرقمية التي تشكل عناوين جديدة لرداء الرأسمالية الجديدة التي تسير الى التلوّن مع كل أزمة خانقة من أزماتها ..
إن التأثير الكبير الذي أحدثته العولمة لم يقود البشرية الى التقدم روحياً وفكرياً بل ساهمت في تسطيح الوعي البشري بشكل أعمق من السابق بحيث أن كل تقدم في الآلة يقابلهُ تسطيح لهذا العقل وليس تقدماً كما تفترض دورة النظام الرأسمالي التي تحدث عنها كارل ماركس في رأس المال ، فنمط حياتنا أصبح يتلوّن بهذا النظام دون أن نشعر بتأثيراته السلبية العميقة على نمط تفكيرنا إلاّ في الأزمات السياسية والدينية والاجتماعية ، لكن كيف حدث هذا التغيير الذي لم يطرأ على بالنا في دراسة مسيرة تطور هذا النظام وأسباب أزماته وطرقه في التخلص منها ؟
الجواب بكل تأكيد أن التطور التقني ساهم بشكل مباشر في تحويل نمط حياتنا كبشر الى نمط رأسمالي مكمل لدورته الإنتاجية ، هذا الأمر يبدو مضحكاً لكننا نعيش تفاصيله ، فلكل منا نمط حياته الذي أصبح يشكل عالمه الخاص دون أن يشاركه أحد به ، ربما هنا ندخل في إطار دراسة أخرى تتعلق بالمنظومة النفسية للبشر والتي تحاول الرأسمالية إبقائها في إطار تلك الحاوية الكبرى على أن لا تخرج عن السيطرة الفعلية لأدواتها وتقنياتها ..
أمثلة بسيطة ..
ــ الشيوعي القديم يحبس نفسه في إطار ذكريات لا يستطيع الخروج منها كنمط لحياة يعتقد أنه يجب أن يتوقف الزمن عندها ..
ــ المتدين يضع نفسه في قالب لا يريد أن تغيّر أي تأثيرات آيدلوجية كانت أو أي تقنية حديثة هذا النمط الذي يعتقد أنه يقوده الى الجنة ..
ــ المهندس المتمكن في الشركات العالمية الكبرى يحبس نفسه في إطار عمله والراتب المرتفع الذي يتقاضاه دون النظر لتأثيرات العزلة على مسيرة البشر وسيطرة الأقلية عليها فهو ببساطة لا يريد تغيير نمط هذه الحياة لأنها بالنسبة لهُ عقيدة علمية يتحجج بالبقاء او الاختباء تحت ظلها في خدمة الرأسمالية ..
ــ الفنانين الكبار أو المخرجين حبسوا أنفسهم في نمط حياة قائم على الشعور بالتعالي على فئات المجتمع بحجة الجوائز التي ترفدهم بها المنظومة الرأسمالية التي تقيم مهرجانات الجوائز العالمية والتي تصب في النهاية في ابقاء نمط حياتهم في إطار المنظومة الرأسمالية وخدمتها لا في إطار تقديم عمل فني رائع يضع اليد على أسباب الأمراض والحروب والكوارث التي تحدث للبشر لأن عملاً كهذا يتطلب خوض الفنان لنشاط سياسي وهو ما لا تريده الرأسمالية التي تنظر لهم جميعاً على أنهم سجناء الحاوية ..
ــ الرياضيين الذين يتقاضون أجور عالية بحجة الاحتراف التي أنشأت مؤسساتها الرأسمالية نفسها جعلت من الرياضي سلعة تباع وتشترى تنتهي عند حدودها كل معاني الكرامة والانسانية لهذا الرياضي ..
ــ أكاديميون يعتقدون أنهم قدموا للبشرية كل الحلول لألغاز العصر والكون يحبسون حياتهم في نمط من الترف الطفولي الصغير والذي جوهره فكري في الأساس ، هذا النمط هو الذي يحوّل كل الأبحاث العلمية التي لا تروق للأقلية الى أوهام لا تقدم شيء للتاريخ الانساني بقدر تقديمها خدمات أساسها إبقاء التنويم المغناطيسي للبشر بحجة مواصلة الأبحاث العلمية وغيرها ..
هذه الأمثلة البسيطة تشبه مجموعة تجلس في ردهة سجن كل منها يقدم حلول لإدارة السجن على طريقته الخاصة لكنهم نسيوا أنهم في سجن وأن هناك معنى كبير غائب وهو الحرية وكيفية الخروج من هذا السجن الذي يشكل نمط الحياة الجديدة ..
هذا النمط لحياتنا والذي دخل الى غرف النوم عبر التقنيات الحديثة لم يقدم للبشرية سوى الشكل القبيح للتطور ومفهومه ، ومن يحاول الإبتعاد عن نمط الحياة هذه تشن وسائل الإعلام الرأسمالية هجومها عليه وتسخر كل أدواتها لمنعه من الخروج من الحاوية الى الحرية وتنبيه البشر الى أن هناك عام أفضل بإنتظارهم بعيد عن جدران السجن ، لهذا نقول ان الهدف المباشر للإنتاج الرأسمالي بشكله التقليدي القديم أو بشكله الرقمي الحديث يبقى محصوراً في مضاعفة الأرباح لا في سد حاجة الانسان الفعلية التواقة للتحرر والخلاص من العبودية التي تسيّره ليل نهار سواء عبر التقنيات الحديثة أو عبر الآلات التي تشكل محور هدفهم المتمثل في إدخالها ساحة الانتاج عندما تكون قيمتها دون قيمة قوة العمل المُستبدِلْ بها ..
لهذا السبب ولأسباب كثيرة أخرى نقوم يومياً من خلال نمط حياتنا بالمشاركة في ديمومة نظام يقوم في الأساس على إبقائنا أسرى له ، دون أن نبحث في الأسباب لأن البحث في الأسباب سيجعل الآلة الرأسمالية تحرّك ذيولها على كل من يتجرأ من الإقتراب من أعماق الحقائق ..
والخروج من هذا النمط بكل تأكيد ممكن من خلال عقل جمعي يعمل ليل نهار على إخراج الحقائق للعلن لا مناقشة النتائج التي تفرضها علينا طبيعة النظام الرأسمالي وتأثيره على الوعي البشري ، لكن أي نوع من الحقائق تلك التي يجب أن تخرج الى السطح لتشكل نقطة انطلاق في عالم خالي من الحروب والكوارث ؟؟ هذه الحقائق هي الوصول لطبيعة حركة النظام وأدواته عالمياً ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإعتراف بالجهل
فؤاد النمري ( 2019 / 5 / 9 - 23:15 )
حسناً فعل الكاتب أن إعترف بجهله إذ أكد أن الوصول إلى حقائق العصر ممكن فقط من خلال عقل جمعي يعمل ليل نهار وعقل الكاتب نفسه ليس عقلاً جمعياً ولا يعمل حتى في كل سنة فلم نر له كتابات منذ سنوات

لا يعارض ماركس إلا جاهل يزعم أن تطور أدوات الإنتاج لا ينعكس في تطور البروليتاريا ويتحجج الكاتب بملكية الطبقة الرأسمالية لأدوات الإنتاج !!
كارل ماركس كان يعرف أن الرأسماليين يملكون أدوات الإنتاج لكنه كان يعرف أن العمال هم الذين يشغلون الأدوات ويتعلمون كفاءتها وهو ما لا يعرفه الكاتب كما يبدو

ويقول الكاتب الشيوعي القديم يحبس نفسه في إطار ذكريات لا يستطيع الخروج منها كنمط لحياة يعتقد أنه يجب أن يتوقف الزمن عندها
الكاتب هنا يدعو الشيوعيين لأن يرذلوا الشيوعية ويتخلوا عنها وهكذا يعلن الكاتب عن نفسه عدواً للشيوعية

لكن الكاتب ولجهله بكنه النظام الرأسمالي فهو يعادي الرأسمالية كما يعادي الشيوعية فلعله يبتدع للبشرية نظاما لا تعرفه وهو نفسه لا يعرفه بعد

هل ثمة رأسمالية أخرى غير الإتجار بقوى العمل وهو لم يعد تجارة مراكز الرأسمالية الكلاسيكية !؟
أمريكا حصن الرأسمالية الأخير أكبر مستورد لقوى العمل من الخارج


2 - تحياتي ابو عبد اللة
عبد الحسين سلمان ( 2019 / 5 / 10 - 12:39 )
تحياتي الحارة أخي ابو عبداللة

هذا بحث جديد , يؤكد المقولة التي تقول نبدأ من حيث أنتهى ماركس.


3 - حجب التعليق للمكايدة
فؤاد النمري ( 2019 / 5 / 10 - 13:41 )
لم يطلب الكاتب منع التعليق فلمذا حجب تعليقي وقد أرسلته أمس !؟
لقد أشرت علمياً إلى الأخطاء الفظيعة التي اقترفها الكاتب


4 - علمي
فؤاد النمري ( 2019 / 5 / 10 - 15:14 )
علمي أن الحوار المتمدن صحيفة حرة لا تحرر خاطرشن !!!
تحجبون التعليق الذي يحتج على انكار التعليق ولي حجبه فقط
يا للمسخرة


5 - فؤاد النمري يعترض بشدة على انكار تعليقه
فؤاد النمري ( 2019 / 5 / 10 - 19:41 )
ارسلت تعليقي الأول وكنت أتوقع أن يمنع نشره الكاتب
أما أن ينكره التحرير فهو أمر يستدعي إعادة النظر في الحوار المتمدن


6 - انه التنميط المستدام
محمد البدري ( 2019 / 5 / 11 - 05:01 )
شكرا لهذا الفتح الجديد في نقد السلوك الاجتماعي للرأسمالية حيث يجري الحبس في اقفاص ذهبية لانواع كثيرة ممن يمارسون العمل.
كتبت في عدة تعليقات متفرقة ان الرأسمالية استفادت كثيرا من داروين وفرويد وتمكنت بعد ان تبنت المعرفة العلمية ليس فقط في علوم الطبيعة من جني ارباح صناعية هائلة انما ايضا من علوم الاجتماع في تحجيم الثورة عليها بما جاء في هذا المقال الثمين.

تحياتي


7 - رد الى العزيز فؤاد النمري
فواز فرحان ( 2019 / 5 / 11 - 08:38 )
موضوع نمط لحياة كسلعة في النظام الرأسمالي أشار اليه ماركس وطرحته تماماً كما هو , مع استنتاج شخصي يحق للقارئ الاقتناع به أو معارضته هي حرية فكرية وأعتقد هذا المنبر للنقاش وسعة الصدر وتبادل الآراء .. أنا قصدت من أن الشيوعي القديم يتوقف عند محطة معينة ويتجمد بها تمثل فعلاً نمط حياة يساهم في خدمة لرأسمالي والخروج من هذا النمط بالعمل الدائم والتسلح بالجديد هو من يجعل لرأسمالية ونظامها يتخوفون من هذا التغيير .. مثال الثورة الفرنسية لحالية يساندها اليسار لاوربي بأسره ووضعوا في نظر الاعتبار أربعين اسبوعاً لإزاحة نمط لحياة المقرف واستبداله بشكل ألى في ظل قوانين اشتراكية فعلية ربما ستشمل قريبا اغلب دول اوربا .. لآرائك كل التقدير والاحترام وتمنياتي لك بدوام العافية .. تحياتي


8 - سلمانرد الى العزيز عبد الحسين
فواز فرحان ( 2019 / 5 / 11 - 08:41 )
شكراً عزيزي ابو سامر لدي مقالة مقبلة عن اسلمة النظام الرسالمي اتمنى ان ينال اعجابك لك ني كل المحبة والتقدير تحياتي


9 - الاستاذ العزي محمد لبدري
فواز فرحان ( 2019 / 5 / 11 - 08:44 )
أشكرك من القلب على ماخلتك القيّمة وربما هناك الكثير من الجوانب تبقى بعيده عن فهم أغلب القرّاء لأنهم لم يتعايشوا مع طبيعة العمل والآلة هنا ي أوربا وفي ظل نماذج جديدة جعلتنا ندرك الكثير مما كتبه ماركس عن هذه المرحلة .. لك مني كل التقدير والاحترام .. تحياتي


10 - عودة محمودة بعد طول غياب
سائس ابراهيم ( 2019 / 5 / 11 - 11:09 )
عودة محمودة يا سيد فواز، موضوع جيد دون الدخول في التفاصيل، ملاحظة واحدة : ما زال صديق مملكة الشر الوهابية والمحافظين الجدد في أمريكا ـ النمري ـ يهرف بما لا يعرف ولكن أمثاله لا يلوون ألسنتهم في أفواههم مئات المرات قبل أن ينطقوا بالشتائم بدل التحليل وبالحماقات. ه
تحياتي لك
قارئ
ابراهيم

اخر الافلام

.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر


.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو




.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا


.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت




.. لماذا تخشى إسرائيل -النووية- من تهديدات وجودية؟.. محلل سياسي