الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة، ومستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2019 / 5 / 15
القضية الفلسطينية


اليوم، وبعد سبعة عقود من النكبة، وبعد أكثر من قرن من عمر الصراع، تقف الدولة العبرية أمام محطة تاريخية مصيرية، محملةً بأعباء الدور التاريخي الذي أُسند إليها، ومن إشكالية الدور الوظيفي المنوط بها، تعاني من تبعات تركيبتها المصطنعة، ومن افتقارها للعمق الحضاري، وعزلتها عن المحيط الذي تعيش فيه، وقد حكمت على نفسها بأن تظل في حالة حرب مستمرة، وكأنَّ الحرب هي مبرر وجودها، وعداء الآخرين هو سر وحدتها المجتمعية، وشعورها بالخوف هو الذي يبقيها متحفزة على الدوام، حتى باتت إسرائيل بمثابة جيش له دولة، أو إسبارطة الجديدة.. فهل هنالك دولة ما تحتمل فكرة أن تظل في حالة حرب مستمرة وللأبد؟!

الأجيال الجديدة التي وُلدت في إسرائيل بعد قيام الدولة لا تحمل كلها بالضرورة أفكار الآباء المؤسسين، وقد عاشت هذه الأجيال فيما يشبه الاستقرار المجتمعي الذي أدى إلى بروز شرائح اجتماعية ضاقت ذرعا بالحروب، وتريد العيش بأمن وسلام، ولم تعد تعنيها تخاريف الأحبار وأساطير التوراة، ولم تعد تصدق أكاذيب السياسيين ورؤساء الأحزاب.

والمجتمع الإسرائيلي، وهو عبارة عن خليط غير متناسق من الإثنيات والأعراق والثقافات، يعاني مثل أي مجتمع يضم بين سكانه عددا كبيرا من القوميات والأديان واللغات، ولكن إسرائيل لا تحتمل أن تبرز هذه التناقضات على السطح، وما أخّر ظهورها وتفاقمها هو توحّد المجتمع تجاه ما يعتبره الخطر الخارجي، ولهذا فإن أخطر ما تواجهه إسرائيل هو السلام؛ السلام الذي سيُظهر التناقضات الموجودة داخل المجتمع، وسيتيح لها أن تأخذ مجراها الطبيعي.. السلام الذي سيجعل إسرائيل في النهاية تذوب في المحيط العربي، وتختفي المعالم البارزة في هويتها، وتضمحل كل مقومات دعايتها التحريضية وأسباب توحدها.

وإلى جانب التناقضات الداخلية في المجتمع، فإن إسرائيل تعاني من انخفاض منسوب الهجرة ومن تزايد معدلات الهجرة المعاكسة، الأمر الذي يضعف قدرتها على مواجهة الخطر الديموغرافي الفلسطيني، مع أن المتدينين (الحريديم) يعوضون هذا النقص، وكلما مر الوقت ازداد تأثير العامل الديموغرافي خطورة على إسرائيل، وبالتالي تقلصت خياراتها في مواجهته، كما أن تمتعها بالتفوق المطلق في موازين القوى العسكرية ليس دائما في صالحها، فإذا كان الطرف الفلسطيني أعزلاً فإن هذه النقطة بالتحديد قد أكسبته ميزة قوة الضعف، وفي المقابل فإن إسرائيل الدولة النووية المتخمة بالقوة العسكرية، ستعاني من ضعف القوة؛ فهي لا يمكنها استخدام كل هذه الترسانة في مواجهة شعب أعزل يطالب بحقوقه الوطنية، بأساليب حضارية تقرها المواثيق الدولية، وتحظى بتأييد معظم العالم.

هذه المعادلة المختلة ستجعل من مستقبل الصراع محكوما بعوامل أخرى لها القدرة على الحسم والتأثير أكثر من الجانب العسكري، وأهمها وجود الشعب الفلسطيني بحد ذاته كهوية سياسية لها حضور دولي؛ فثبات الشعب فوق أرضه كشف عن مأزق إسرائيل التاريخي المتعلق بطبيعة هوية الكيان الإسرائيلي. فلا هي قادرة على ضم الفلسطينيين، ولا على طردهم، فإن ضمتهم، تقوضت أركان الدعاية الصهيونية (التاريخية والدينية)، وانهارت فكرة يهودية الدولة.. وإن قمعتهم، تضررت صورتها التي تسعى لرسمها في المخيال العالمي (تصبح دولة أبارتهايد)، وعملية طردهم لها تبعات خطيرة، ترغب بتجنبها..

إذاً، إسرائيل ورغم أنها خُلقت للحرب، إلا أنها لا تحتمل أن تظل في حالة حرب للأبد، ولا تستطيع أن تعيش طويلا في حالة عداء مع محيطها ومعزولة عنه، ولا تستطيع تجاهل وجود الفلسطينيين (وبالتالي حقوقهم الوطنية)، ولا تستطيع أن تدير ظهرها للعالم وكأنها دولة فوق القانون، وهي إن كانت تمارس كل ذلك فعليا الآن، إلا أن هذا يحرج حلفائها، ولا تستطيع أن تبقى دولة احتلال.. لأنها بذلك تسير في عكس مسار حركة التاريخ، ولأنها تعتمد في اقتصادها على المساعدات بالكامل فهي لا تستغني عن حلفائها، ولكن التاريخ لم يخبرنا عن كيان اعتمد في وجوده على المساعدات الخارجية للأبد، إذ أنه في حالة حدوث تغيرات معينة على المعادلة السياسية الكونية ستصبح إسرائيل عبئاً على حلفائها، ولذلك فإن السلام الحقيقي بالنسبة لإسرائيل سيحمل في طياته عوامل تفككها.. وانفتاحها على العالم العربي يعني ذوبانها واضمحلال هويتها.. وعاجلا أم آجلا لا بد أن تواجه إسرائيل الحقيقة.

هذه الحقائق حاضرة في ذهن صناع القرار الإسرائيليين، وأي خطط استراتيجية للمستقبل، لا تحتوي أية ضمانات، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تتحكم بحركة التاريخ، ولا يمكنها مخالفة نواميس الكون وقوانين الطبيعة، التي هي بحكم تركيبتها ستكون في مواجهتها، فهذه العوامل لا يمكن ضبطها، وهي ربما تحمل في طياتها عوامل تفكك وانهيار المشروع الإسرائيلي برمته، ولهذا فإسرائيل تعمل جاهدة على تأخيرها، أو تجييرها لصالحها، أو خلق حقائق جديدة على أرض الواقع وبقوة السلاح.

حاليا، على المستوى التكتيكي لإسرائيل قدرة كبيرة على المناورة والتحكم، خاصة وأن الفلسطينيون ليسوا في أفضل حالاتهم، والواقع العربي أسوأ، والظرف الدولي في هذه المرحلة في القبضة الأمريكية، وإسرائيل ما زالت دولة فتية ذات جيش قوي، ولديها اقتصاد ضخم، وقضاء مستقل، وصحافة قوية، وهي دولة مؤسسات.

ومع إنها دولة قوية، ولكن يمكن هزيمتها، وهي الآن تواجه مأزقاً تاريخيا وعليها حله، وعلينا نحن أن نعمقه.

في ظل هذه المعطيات تحاول إسرائيل مواجهة الواقع والخروج من أزمتها، فهي قد توصلت لقناعة باستحالة اقتلاع الشعب الفلسطيني أو تجاهل وجوده، وأنها لا تستطيع الاستمرار بتجاهل الشرعية الدولية وضربها عرض الحائط، أو تجاهل المبادرات السياسية المطروحة.

صحيح أنه في ظل الوضع الراهن للقضية الفلسطينية، ستكون كافة البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين أسوأ من بعضها، فسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، بل تورطه بشكل مباشر لصالح إسرائيل، تعثرت عملية السلام. ولكن، في المقابل، الخيارات الإسرائيلية، وإن كانت على المدى القريب مريحة، إلا أنها على المدى البعيد كارثية.. فبسبب غطرستها، فإن إسرائيل لن تعي دروس التاريخ، وستحكمها قوى التعصب والتطرف اليميني، وعلى أيديهم ستكون نهايتها.

والتاريخ يخبرنا بأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأن إرادة الشعوب الحية أقوى بكثير من الدبابات، وأن هذه الأرض ستبقى فلسطينية عربية، وستبتلع وتمتص الغزوة الصهيونية كما فعلت مع خمسة وعشرين غازيا من قبل في تاريخها الطويل، ولا أعتقد أن نهاية إسرائيل ستختلف عن نهاية نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا..

وإن غدا لناظره قريب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة