الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فؤاد عارف متصرفا للواء كربلاء

سعد سوسه

2019 / 5 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اعداد د : سعد سوسه
التحق فؤاد عارف في الخامس عشر من تموز بمنصب متصرف لواء كربلاء، اذ صدر في اليوم الاول للثورة المرسوم الجمهوري رقم ( 6 ) الذي يقضي بتعيين فؤاد عارف متصرفا للواء كربلاء ، ويعد فؤاد عارف المتصرف رقم ( 34 ) من المتصرفين الذين تولوا هذا المنصب منذ تشكيل اول حكومة عراقية في عام 1920 ، وبذلك التعيين غادر فؤاد عارف الحياة العسكرية الى مجال العمل المدني، اذ احيل على التقاعد وفقا لقانون التقاعد العسكري، مع عدد من الضباط ممن تولوا وظائف مدنية بعد الثورة . اما سبب اختياره لهذا المنصب فكان اولا وقبل كل شيء تكريما له من قادة الثورة ، على اعتبار انه كان من الضباط المؤيدين لتنظيم الضباط الاحرار قبل الثورة وبعدها، على الرغم من عدم انضمامه اليهم بشكل رسمي، فضلاً عن علاقته القوية بعبد الكريم قاسم الذي اصبح الرجل الاول في العراق آنذاك . كما جمعت فؤاد عارف علاقات مودة واحترام باهالي كربلاء منذ عام 1947 كما ذكرنا سابقا، وهناك من يرجح اختياره لهذا المنصب لأنه ينحدر من اسرة علوية ( السادة البرزنجية ) ويذكر فؤاد عارف في هذا السياق موضحا : (( لقد كان عبد الكريم قاسم يعرف موقف اهالي المحافظة، لا سيما رجال الدين الافاضل مني (فؤاد عارف )، لذا فقد فضل ان اكون متصرفا لها ( كربلاء ) ولمحاولة كسب تأييد رجال الدين للثورة .. )) .
استهل فؤاد عارف عمله في كربلاء، بالقيام بمهمة الحصول على تاييد علماء الدين في كربلاء والنجف للثورة، اذ تم تكليفه بهذه المهمة من قبل عبد الكريم قاسم ، على اثر لقاء الاخير بسفير الولايات المتحدة الاميركية في بغداد ، الذي حضر في مساء يوم الخامس عشر من تموز عام 1958 الى مبنى وزارة الدفاع، الذي اتخذه عبد الكريم قاسم مقرا له، والتقى بعبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف، وخلال اللقاء اثار السفير الامريكي موضوع عدم تأييد قسم كبير من الشعب العراقي للثورة، اذ اعرب لهما ان اعتراف حكومته بالوضع الجديد في العراق يتوقف على تأكدها من التأييد الشعبي للثورة .
قام فؤاد عارف بالذهاب الى علماء الدين في النجف للحصول على تأييدهم للثورة، مصطحبا معه قائمقام قضاء النجف ( محافظة النجف حاليا ) السيد ( تقي القزويني ) وكان الاخير قد تلقى اتصالا مباشرا من وزارة الدفاع لتسهيل تلك المهمة، لما كان يتمتع به من علاقات طيبة مع علماء النجف ، فكان له دورا كبير في مساعدة فؤاد عارف في الحصول على تأييد علماء الدين للثورة، وبذلك تمكن فؤاد عارف من انجاز اول وأهم عمل قام به حين كان يشغل منصب متصرف لواء كربلاء، فقد طمأن علماء الدين من اهداف الثورة ونيات القائمين عليها، فجاءت كتب التأييد على شكل رسائل تحريرية وبرقيات لمؤازرة الثورة والحكومة الجمهورية
وفي الرابع والعشرين من تموز عام 1958، قام فؤاد عارف بزيارة وزارة الدفاع بصحبة السيد تقي القزويني، حاملا معه رسائل التأييد التي بعث بها علماء النجف و كربلاء للثورة وعند وصوله الى هناك كان عبد الكريم قاسم مجتمعا بالسفير الاميركي في بغداد، فطلب فؤاد عارف من المقدم (وصفي طاهر) الذي كان مرافقا لعبد الكريم قاسم، ان يدخل عليه ويبلغه بأن يخرج اليه، لان هناك امراً مهماً يجب ان يطلع عليه، اذ ابلغه الاخير بنجاح مهمته في الحصول على تأييد علماء النجف وكربلاء، فشكر عبد الكريم قاسم فؤاد عارف على ذلك، وقال له بانه سوف يقول للسفير الاميركي : ( افتح اذاعة بغداد هذا المساء، الساعة الثامنة، واصغ الى تأييد علماء الدين الافاضل لثورتنا) . وبعد انتهاء اجتماع عبد الكريم قاسم بالسفير الاميركي، جلس فؤاد عارف مع عبد الكريم قاسم ووزير الارشاد (محمد صديق شنشل) ولد في الموصل عام 1910، ينتمي لأسرة معروفة في الموصل، اكمل دراسة القانون في جامعة السربون في باريس، اصبح مديرا عاما للدعاية خلال انتفاضة عام 1941، اذ اشتهر بخطبه الوطنية ضد البريطانيين، ساهم في تأسيس حزب الاستقلال ذي التوجه القومي العربي في عام 1946، شغل منصب وزير الارشاد في اول وزارة بعد ثورة 14 تموز 1958، واستقال من منصبه في شباط عام 1959، توفي ببغداد عام 1989 ودفن فيها. ، اذ طلب عبد الكريم قاسم من وزير الارشاد كتابة رسائل شكر جوابية لعلماء الدين كل حسب درجته، كما طلب منه اذاعتها مع رسائل التأييد التي بعثوا بها، وتجدر الاشارة الى ان رسائل التأييد تلك ترجمت الى اللغة الانكليزية، واذيعت في وسائل الاعلام باللغتين العربية والانكليزية، التي تمت اذاعتها في السابع والعشرين من الشهر نفسه ، ويبدو ان ذلك الاجراء جاء لكي يتأكد الاميركيون من تأييد غالبية الشعب للجمهورية التي جاءت بها الثورة، كي يعترفوا بها اعترفت الولايات المتحدة الاميركية بالحكومة العراقية الجديدة في الثاني من اب عام 1958، بعد يوم واحد من اعتراف بريطانيا بها.
ومن ابرز العلماء الذين التقاهم فؤاد عارف، بغية كسب تأييدهم للثورة
السيد ( محسن الحكيم ) هو السيد محسن بن السيد مهدي بن صالح الحكيم، ولد في النجف عام 1889، وتتلمذ على ايدي كبار الفقهاء والاصوليين فيها، شارك في حركة الجهاد ضد الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914، اصبح فيما بعد من العلماء الاجلاء والمراجع الكبار، امتدت زعامته الدينية الى خارج العراق، توفي في بغداد عام 1970، ونقل جثمانه الى النجف ليدفن فيها، بعد ان أقيم له تشييغ مهيب من بغداد الى النجف تشكل مجلس السيادة في الرابع عشر من تموز عام 1958، ليقوم بمهام رئيس الجمهورية، اذ نصت المادة العشرون من الدستور المؤقت الذي اصدرته حكومة الثورة على ان يتولى رئاسة الجمهورية مجلس السيادة ويتألف من رئيس وعضوين، واعلن ذلك حين اذيع البيان رقم (2) الصادر في اليوم نفسه، وتألف مجلس السيادة من: الفريق الركن محمد نجيب الربيعي رئيسا وخالد النقشبندي ومحمد مهدي كبة اعضاء. الذي بارك الثورة وايدها من خلال الرسالة التي بعث بها الى ( مجلس السيادة ) ورئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، اذ عبر فيها عن تمنياته لهم بحسن التوفيق لخدمة الدين والاسلام، والمحافظة على الصالح العام، وطالبهم بضرورة اقامة العدل بين الناس والعطف عليهم، كما حذرهم من الاستفراد بالحكم، موضحا ان : ( الظلم والاستئثار من اكبر عوامل الدمار) كذلك اعرب الشيخ ( عبد الكريم الجزائري ) ولد في النجف عام 1872، كان من نوابغ العلم في عصره، اسس مدرسة العلم، حفلت حياته بالكفاح والجهاد، اذ كان من زعماء ثورة النجف عام 1918، وثورة العشرين ضد البريطانيين عام 1920، كما اصبح من قادة الحزب السري النجفي، ومسؤول الحلقة الاولى من قيادة الثورة، التي ضمت الشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد محمد سعيد كمال الدين فضلا عن اخرين، له مؤلفات عدة مثل ( شرح مباحث الظن والقطع ) وله رسالة عملية وديوان شعر مخطوط، وتوفي في النجف عما 1962، ودفن فيها، في رسالته التي حملها فؤاد عارف الى عبد الكريم قاسم، عن امله في ان يكون عهد الجمهورية ( عهدا مباركا تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة والقيم الروحية، ليشعر الفرد بقيمته كمواطن له حريته وكرامته في حدود ما امر الله .. ) ، فضلا عن ذلك فقد التقى فؤاد عارف بعدد من علماء الدين البارزين في النجف وكربلاء حينذاك، والذين باركوا وايدوا الثورة وهم كل من الشيخ عبد الكريم الزنجاني، والسيد محمد الحسني البغدادي، والسيد علي بحر العلوم، والشيخ علي محمد رضا كاشف الغطاء .
ونظرا لما تتمتع به كربلاء من خصوصية، كونها وبعض الاقضية التابعة لها انذاك كقضائي النجف والكوفة كانت النجف قضاء تابعاً للواء كربلاء لغاية اقرار قانون المحافظات عام 1970، الذي بموجبه اصبحت النجف محافظة قائمة بذاتها، بينما اصبح قضاء الكوفة تابعا لها تعد من المدن المقدسة لدى المسلمين عامة والعراقيين بشكل خاص، لذا فان ادارتها تتطلب سلوكا مختلفا في الادارة عن نظيراتها من المدن العراقية الاخرى، وبسبب قلة خبرة فؤاد عارف في مجال الادارة المدنية، فقد كان ذلك اول منصب اداري مدني يتولاه، ولغرض تجاوز المشكلات التي واجهته خلال تلك المدة، سلك فؤاد عارف سياسة متوازنة في ادارة لواء كربلاء، من خلال اعتماده لمبدأين اساسيين، هما تطبيق سيادة القانون وفرضه اولا، ومراعاة ظروف المدينة، ووضعها الديني والاجتماعي ثانيا، للوصول الى سياسة ادارية اكثر انسجاما مع واقع المدينة، معتمدا بذلك على معرفته الشخصية بشؤون كربلاء وعلاقاته الجيدة باهاليها، مذ كان يشغل منصب مدير التجنيد فيها . برزت ملامح تلك السياسة باتخاذه قرارات عدة تخص لواء كربلاء عند تسلمه منصبه الجديد، وكان من اهمها قراره باستثناء مدينتي كربلاء والنجف من قرارات منع التجول التي فرضت بعد الثورة على مدن العراق كافة اعلنت الاحكام العرفية في جميع انحاء العراق من 14 تموز 1958 ,والتي بموجبها فرض حظر التجول، وجاء ذلك في البيان رقم ( 3 ) الذي اذيع في يوم الثورة. ، وذلك لاتاحة المجال امام اهالي اللواء باقامة الشعائر والطقوس الدينية الخاصة بمناسبة عاشوراء خلال شهر محرم قامت الثورة في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة 1377، لذلك لم تمض سوى ايام عدة من تسلم فؤاد عارف منصب متصرف لواء كربلاء، حتى حل شهر محرم الحرام . وقد اذيع ذلك على شكل بيان من خلال مكبرات الصوت التي جابت شوارع كربلاء، مما ادى الى استغراب عبد الكريم قاسم من ذلك الامر، اذ اتصل بفؤاد عارف هاتفيا قائلا له : (( فؤاد شنو، كربلاء مو عراق .؟ )) فاجابه الاخير بقوله : (( كلا، هذه مدينة مقدسة، ليس لنا الا ان نحترم شعائرها .)) فوافق عبد الكريم قاسم على ذلك القرار، كما تصدى فؤاد عارف للتجاوزات التي طالت بعض الشخصيات الكربلائية المعروفة مثل تعرض النائبين في مجلس النواب العراقي في العهد الملكي عبد الحسين كمونة ومحمد مهدي الوهاب، للتهديد والمضايقة من قبل بعض الافراد ، من قبل بعض الذين استغلوا حالة الفوضى التي تلت الثورة، وكان ذلك من خلال مخاطبته للجماهير وافهامهم بأن الجيش العراقي هو صاحب الفضل الاول في الثورة التي قام بها، لذا ليس من حق أي شخص ان يتصرف بشكل يسيء لها .
ومن المشكلات التي واجهها فؤاد عارف في كربلاء، حالة الفوضى التي دبت في المدينة، نتيجة للخلافات والصراعات السياسية بين الجهات الحزبية المختلفة، التي برزت على الساحة السياسية بعد الثورة بشكل علني وواضح، مثل ( الحزب الشيوعي العراقي ) والتنظيمات ذات التوجهات القومية، ما سبب استياء الاوساط الدينية والاجتماعية المختلفة في كربلاء، وازاء ذلك ولغرض تخفيف حالة الاحتقان السياسي التي سادت في كربلاء خلال تلك المدة وعدم تطورها درجة الانفلات، قام فؤاد عارف باتخاذ قرار يقضي بتوقيف مسؤولي تلك المنظمات الحزبية، ومن مختلف الاتجاهات السياسية، وذلك لاعتقاده بانهم كانوا السبب في خلق الفوضى والشقاق بين الجماهير، ومن المفارقات الطريفة في هذا الشأن، انه امر بتوقيفهم في غرفة واحدة، ثم زارهم في الموقف وقال لهم : ( اذا شئتم فسأعطيكم مسدسات، كي يقضي احدكم على الاخر ويتخلص الناس من شروركم، ان لم تتركوا الخلافات جانبا .. ) . فلم تمض الا ساعات حتى اخبره مدير الشرطة بانهم تصالحوا، فأمر باطلاق سراحهم .
وعلى الرغم من ذلك الاجراء، فأن فؤاد عارف كان يسمح بقيام المظاهرات التي كانت تنظمها الاحزاب السياسية المختلفة، بعد ان يتعهد منظمو تلك المظاهرات بالحفاظ على الهدوء وعدم القيام بما يؤدي الى استفزاز الاخرين .
لكن ذلك لم يكن كافيا، اذ اثارت بعض تلك المظاهرات حفيظة رجال الدين في كربلاء، لا سيما المظاهرات التي نظمها الشيوعيون، الذين اتخذوا من تلك المظاهرات غطاءا للتعبير عن المبادئ التي يؤمنون بها، كما كانت من اهم الاساليب التي مارسوها في صراعهم مع المرجعية الدينية ( رجال الدين ) في كربلاء والنجف، لغرض فرض نفوذهم التام في مدن وسط وجنوب العراق اشتد الصراع بين الحزب الشيوعي والمرجعية الدينية في المحافظات الجنوبية بعد ثورة 14 تموز 1958، الذي حسم لصالح المرجعية في عام 1960. ومن الممارسات التي اثارت رجال الدين في كربلاء، دعواتهم لحرية المرأة ومساواتها مع الرجل، التي برزت بشكل واضح في المظاهرات النسائية التي كانوا ينظمونها، اذ خرجت بعض النساء في مظاهرات صاخبة وكن متبرجات، والاكثر تاثيرا في نفوس ومشاعر رجال الدين هو مسير تلك المظاهرات قرب المراقد الدينية المقدسة في كربلاء، فضلا عما يصاحبها من فوضى .اذ يعبر عن ذلك احد رجال الدين موضحا : ( وكان بعض الشباب .. يحيطون بهن ويستغلون الهرج والمرج فيدخلون في المسيرات ايضا ويفعلون المنكرات، وكان يحدث ذلك في بلد المقدسات، بلد الامام الحسين (ع) ..) ومن ابرز مظاهر تلك المظاهرات الشيوعية الشعارات والهتافات التي كانوا يرددونها لا سيما شعارهم المشهور: بعد شهر ماكو مهر ونذب القاضي بالنهر.هذا الشعار الذي اغضب الاوساط الاجتماعية المختلفة، ولاسيما رجال الدين )وقد بلغت ذروة ذلك عندما قامت احدى الشيوعيات وهي مدرسة تدعى (صبيحة الخطيب) بالصعود على كرسي وسط تجمع جماهيري بين الحرمين ، والقت خطبة دعت فيها الى نزع الحجاب .
كادت تلك الحادثة ان تؤدي الى تفاقم الاوضاع في كربلاء، اذ أدت إلى استياء رجال الدين والاهالي في كربلاء، فعقدوا اجتماعا في مرقد الامام الحسين (ع) ، قرروا فيه القيام بمظاهرة مناهضة لتلك التصرفات، كما دعوا الى معاقبة تلك المدرسة برجمها، لانها اهانت قدسية مدينة كربلاء، فضلا عن ذلك فقد شكلوا وفدا منهم للذهاب الى دار المتصرف (فؤاد عارف) للاحتجاج على ذلك التصرف، ومطالبتهم بالسماح لهم بتنظيم مظاهرة دينية تشجب ما حدث في تلك المظاهرة الشيوعية ، ومن جانب اخر فقد تلقى فؤادعارف رسائل من بعض رجال الدين في كربلاء بشأن ذلك، وكان من أبرزها رسالة (السيد مهدي الحسيني الشيرازي ) السيد مهدي الشيرازي: هو السيد مهدي بن حبيب الله الحسيني الشيرازي، ولد في كربلاء في حدود العام 1897 تقريبا، اشتغل في تحصيل وطلب العلوم الدينية منذ نعومة اظفاره، فتتلمذ على يد كبار علماء الدين مثل الشيخ محمد تقي الشيرازي ( قائد ثورة العشرين في العراق )، وكان ممن شاركوا في تلك الثورة، اصبح من مشاهير فقهاء الدين في العراق، افتى في العام 1941 أبان حركة مايس بضرورة طرد البريطانيين من العراق، تصدى للموجة الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، توفي في حدود العام=1961، ودفن في الحرم الحسيني في كربلاء ، الذي حمله فيهما مسؤولية ما حدث، كونه سمح للشيوعيين بتنظيم تلك المظاهرات، التي اتاحت لهم المجال للقيام باعمال منافية للدين الاسلامي والعرف الاجتماعي في المدينة، لم تكن تعرفها من قبل ذلك الوقت لولا سماحه لهم بذلك، كما حذره من عواقب تلك الاعمال موضحا : (.. نحن ( يقصد رجال الدين ) الذين فجرنا ثورة العشرين وطردنا الانجليز من العراق وحفظنا استقلال العراق وكرامته وانك ان لم ترغب في العمل بموازين الدين الحنيف فأخرج من مدينتنا ) ، وازاء تلك التطورات اتخذ فؤاد عارف اجراءات عدة للحيلولة دون تفاقم الاوضاع، بعد ان ادرك خطورة الموقف الذي عاشته مدينة كربلاء في الاسابيع الاولى للثورة، وعلى الرغم من موقفه المحايد تجاه تلك المظاهرات، اذ لم يخرج لتحية أي منها طوال مدة عمله في كربلاء ، الا انه قام بمنعها وبخاصة المظاهرات النسائية ، كما تعهد لرجال الدين ممن قاموا بزيارته بانه سيعاقب تلك المدرسة او ينقلها خارج كربلاء لان ذلك من صلاحياته كمتصرف، وطلب منهم العدول عن فكرة تنظيم مظاهرة مضادة للشيوعية، لانه يرى لا داعي لها في ظل تلك الظروف .
اتخذ فؤاد عراف بعد تلك الحادثة موقفا حازما من تصرفات الشيوعيين في كربلاء، اذ تصدى الى لجان ( المقاومة الشعبية ) تشكلت لجان المقاومة الشعبية بموجب قانون اصدره مجلس السيادة العراقي في الاول من اب عام 1958. لمزيد من التفاصيل عن تلك اللجان ومبررات تشكيلها. التي كان الغرض من تشكيلها حماية ومساندة ا لثورة، فضلا عن اضفاء طابع الشرعية عليها، التي لا تأتي الا عن طريق ارادة الشعب ، فتشكلت تلك اللجان التي سرعان ما تحولت الى قوة عسكرية مساندة للشيوعيين ضد خصومهم من القوى السياسية الوطنية الاخرى ، وقد تجاوزت تلك اللجان الغرض الذي تشكلت من اجله، وهو حماية الثورة في التعدي على المواطنين واملاكهم الخاصة، ومداهمة البيوت وارتكاب اعمال العنف ضد الاشخاص الذين يعارضون نظام الحكم انذاك ، حتى وصل بهم الامر الى التعدي على بعض المسؤولين في الدولة ومنهم فؤاد عارف، اذ تعرضت له احدى مفارز المقاومة الشعبية بالقرب من كربلاء، اثناء عودته من بغداد .
وازاء ذلك فسح فؤاد عارف المجال واسعا لرجال الدين في كربلاء، كي يقوموا بدورهم بحث الناس على عمل الخير والالتزام بالاعراف الاجتماعية وقيم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف، وقد حصل ذلك التقارب في وجهات النظر بين فؤاد عارف ورجال الدين في كربلاء بعد حوار طويل جرى بالصدفة بينه وبين السيد ( محمد الحسيني الشيرازي ) هو نجل السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي ولد في مدينة سامراء، ثم انتقل الى كربلاء مع والده وتلقى تعليمه فيها، حتى اصبح من علماء الدين البارزين في كربلاء، وكان له نشاط سياسي بارز منذ خمسينات القرن الماضي، ولا سيما في مواجهة الشيوعية التي برزت بشكل واضح بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، واستمر في توجيه النقد للحكومات العراقية المتعاقبة فيما بعد، حتى اضطر لترك العراق فيما بعد، واستقر في ايران حتى وفاته، ودفن في مدينة قم الايرانية. وله عدة مؤلفات منها يتعلق بتأريخ العراق المعاصر، ، والذي على اثره تعهد فؤاد عارف بمفاتحة عبد الكريم قاسم بشأن ارسال بعض رجال الدين الى دار الاذاعة العراقية في بغداد، لالقاء بعض الخطب والكلمات الدينية لوعظ وارشاد المواطنين .
وكان من ابرز من القى كلمة في الاذاعة انذاك الشيخ ( عبد الزهراء الكعبي ) ولد في كربلاء وتلقى تعليمه في مدارسها الدينية ,وله مكانة متميزة في الخطابة، لا سيما الخطابة الحسينية، اذ اشتهر في قراءته لمقتل الامام الحسين ( ع ) في يوم العاشر من محرم، توفي في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، متأثرا بالسم ، الذي اذيع ( المقتل الحسيني ) بصوته لاول مرة في تأريخ العراق في ذلك الوقت ، كما اقيم في كربلاء في الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 1959، احتفالا دينيا كبيرا بمناسبة مولد الامام علي بن ابي طالب ( ع ) وجاء ذلك الاحتفال الديني بناء على رغبة اهالي كربلاء، لا سيما رجال الدين الذين طلبوا من فؤاد عارف الموافقة على اقامته ، فرحب الاخير بذلك وتابع التحضيرات التي سبقت اقامة الاحتفال الذي كان برئاسته ويعد ذلك الاحتفال فريدا من نوعه، اذ لم يشهد العراق بشكل عام وكربلاء بشكل خاص مثله من حيث حجم المشاركة والفعاليات فيه، اذ بدأت التحضيرات له قبل شهر كامل، وخلال هذا الوقت اقيمت عدة احتفالات تمهيدية عديدة قبل حلول اليوم الثالث عشر من شهر رجب للعام الهجري 1378، الذي اقيم فيه الاحتفال الديني الكبير، وقد تناقلت اخباره الاذاعات العالمية المختلفة، التي وصفته بـ( المهرجان ) وقد قدرت تلك الاذاعات الاموال التي صرفت على الاحتفال في ذلك الوقت بخمسة ملايين دينار - والمراد بذلك المال والجهد معا - وتحمل اهالي كربلاء مصاريف ذلك الاحتفال، الذي عم المدينة والطرق الموصلة الى مقر الاحتفال.
ومن جانب أخر فقد حظي الاحتفال باهتمام ديني وسياسي كبيرين، فعلى المستوى الديني دعيت للاحتفال شخصيات دينية عراقية وعربية واسلامية من مختلف الدول شاركت في تلك المناسبة شخصيات دينية اسلامية من مختلف المذاهب الاسلامية مثل الشيخ العلامة امجد الزهاوي والشيخ عبد العزيز البدري الذي القى كلمة علماء الدين (السنة)، كما حضرت شخصيات من لبنان وباكستان والهند.، ومن ابرز المشاركين السيد محسن الحكيم الذي القى كلمة بتلك المناسبة، وعلى المستوى السياسي القيت كلمات نيابة عن رئيس مجلس السيادة محمد نجيب الربيعي ورئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، فضلا عن الكلمة التي القاها فؤاد عارف بتلك المناسبة ، كما شهد الاحتفال اصدار كتاب تضمن منهاج الاحتفال بعنوان ( المهرجان العالمي ) ثم اصبح الاحتفال بعد ذلك تقليدا سنويا يقام في كربلاء او المدن المقدسة العراقية الاخرى .
وهكذا استطاع فؤاد عارف ارساء الامن والاستقرار في مدينة كربلاء خلال الاشهر السبعة التي قضاها في ذلك المنصب شغل فؤاد عارف منصب متصرف لواء كربلاء من السادس عشر من تموز عام 1958 ولغاية السابع من شباط عام 1959، ، فكان لاسلوب الادارة الذي اتبعه في لواء كربلاء دور مهم في مواجهة الاحداث والتطورات السياسية الخطيرة التي حدثت في المدينة، ولا سيما في مواجهة ظاهرة الصراع السياسي بين بعض الجهات السياسية المختلفة فيما بينها من ابرز تلك الجهات السياسية الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب القومية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي ,وكانت تلك الاحزاب محظورة في ايام الحكم الملكي ، التي استغلت اجواء الانفتاح السياسي التي وفرتها لها الثورة، بعد ان كان عمل تلك الجهات يعد من المحظورات ابان العهد الملكي، كما كان لفؤاد عارف دور مهم في ابعاد المدينة من خطر الانزلاق في حالة الفوضى التي كادت ان تحصل، بعد ان بلغت حالة الاستياء لدى اهالي كربلاء ورجال الدين فيها اقصى درجاتها، اثر التصرفات التي صدرت من بعض الشيوعيين في المظاهرات التي كانوا ينظمونها في المدينة . اذ امتعض رجال الدين بشكل واضح من تلك التصرفات والشعارات التي كانت تصدر في تلك المظاهرات، وعلى الرغم من قيام بعض رجال الدين بتحميل فؤاد عارف مسؤولية تلك التصرفات، على اساس انه لولا سماحه بتنظيم تلك المظاهرات لما حدثت تلك التجاوزات، الا انه قام بإيضاح الموقف لهم، كما اصدر قرارا منع فيه قيام مثل تلك المظاهرات، بعد ان ادرك خطورة تطور مثل تلك الحالة في مدينة مقدسة مثل كربلاء وتفاقمها، ما قد يؤدي الى قيام حوادث كالتي حدثت فيما بعد في مدن عراقية اخرى اهم تلك الحوادث ما جرى في الموصل في العاشر من اذار عام 1959، وكركوك في تموز من العام نفسه، وكان الشيوعيون وحلفاؤهم طرفا مهما في حدوث تلك الحوادث الدامية في الموصل وكركوك..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر