الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -

الشيخ إياد الركابي

2019 / 5 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


 
في يوم  الجمعة  17  من شهر آيار ودعنا  الأخ  والصديق  العزيز الدكتور   -  الطيب  التيزيني  -  في رحلة  العروج  نحو العالم الأبدي  ،  وإليه  ندعوا الله  مخلصين أن يتغمده بواسع رحمته  ويسكنه فسيح جنته   .
هذا الصديق  العزيز  تربطني  به  علاقة  ممتدة   عبر الزمن   جسدتها  حوارات  ولقاءات  متنوعة  جمعت بيني وبينه  عن  أشياء وأشياء   ،  وشاء السميع العليم  أن تثمر هذه اللقاءات  عن مواقف شبه  موحدة أو قل متقف عليها   في قضايا  تخص العرب والمسلمين فكرية كانت وسياسية وإجتماعية وإقتصادية  وغير ذلك    ،  نعم كان  بيننا إتفاقا كبيرا  وإختلافا  يسيرا  وهذه  من  طبيعة الأشياء   ، وكنا معاً  شديدي الحرص على الوحدة   في شكلها المحمدي ذلك النموذج  الخالد    ،  الذي  وهب  لنا  الإرادة  والفكر  والشجاعة  والثقة  وحُسن الإنتماء    ،  وكانت لنا  معاً  وسوياً  أراء ومواقف عبرت عن روح الحرية التي يشتاق إليها العربي والمسلم  ،  ولهذا كانت بعض مواقفنا   يحسبها  البعيد  غريبة  في وقتها  أو هي كذلك  لأنها لا تنسجم مع المألوف  من لغة الناس في الزمان والمكان   ،   ولم نكن نعني  والله  يدري  فئة من الناس بعينهم  أو فكرا  في الحاضر أو الماضي  معين  ،  بل كنا ننشد  العدل والحرية والسلام   ،  ولهذا  كان لنا موقفا  من بعض  رجال دين ممن  أشتروا الضلالة بالهدى .
هؤلاء التعساء عبر التاريخ كانوا ملعونين أينما ثقفوا  ولهذا  كانوا هم الريح  الصفراء أو الأفيون  الذي يحطم العقول والأبدان   ، وبما  إن الأمر فيه  أخذ  ورد  وقيل وقال   ،  فأخذ عليه البعض مآخذ  من غير تفحص  أو بحث  وتحقيق  فيما يرغب  و يريد الطيب  ،  والحق أقول لكم   لم   أجد في الطيب  ذلك  الماركسي  أو البلشفي  ،  وهو يدافع  عن  الماركسية   بل  كان  مأخوذا  بما  تريده  الماركسية من عدل إجتماعي وتكافل   ،   بحيث لا يطغى أحد على أحد  ولا تكون هناك سطوة للأغنياء  على الفقراء والمعدمين  ،   كان  يشجع   الماركسية  في ثوبها  الإجتماعي  الصافي  من غير فلسفات  أو إضافات  من هنا وهناك    ،   كان همه كما عرفته  سعادة الناس  وعيشهم الكريم  وأمنهم الدائم    ، ولهذا  أبتعد  عن السجالات  في المألات  التي أنتهت  إليها  الثورة البلشفية   ،  ولم يعر كثير إهتماما  للسجالات  الرومانطقية   عن الإستالينية  وعن دورها   والحقب التي أتبعتها    ،   كان يعجبني  فيه  الميل نحو  الواقعية  السياسية والإقتصادية  وإيمانه  بالوطنية  في ثوبها  العربي  من غير تكلف أو إنتماءات حزبية   ، ولذلك  لم يذهب في ذلك  مذاهب شتى   كما هو حال المعاصرين والسابقين  له  ،   بل  كان شديد  الحرص و الإقتراب من  هموم  الناس البسطاء  ومعاناتهم  ، ولهذا  كنت أُكبر فيه هذه الهمة وهذا التوجه  .
وأذكر ذات مرة زارني  في  بيتي  المتواضع  هناك  في الشام القديمة ،  وقد جرت العادة  ان يكون بيننا  مادة  للبحث  نسترسل  فيها  وكان  الكلام   عن الثورة   العربية  وعن الدولة  العربية    ،  ولم  يذهب  كغيره   للتفريق  حسب دلالات اللفظ  والمعنى    ،  ولكنه  تبنى الثورة  في ظل سيادة الدكتاتورية وشياع الظلم  وإنعدام الحريات والعدالة   ،   لكنه  في ذلك لم يكن متطرفاً  إنما يُملي فكرة يجدها أكثر صوابية في ذلك  الوقت   ،   وعن موقفه  من الدولة والحكم   كان  شديد الحرص أن  لا يحسب على فئة ما  ولا يود أن يكون   في عداد المهرجين   وجوقة الأجناد  مع رفضه المستميت  للركون  أو الإستسلام   .
ولأنه  كان واقعيا  لذلك  كان ينظر  للمصلحة  قبل  الخوض في الكلام    عن اللازم  والملزوم   ،   وكان تفسيره  للوحدة العربية  لا  بنمظور تاريخي حتمي ولا من باب  اللازم أو الحالم ،  إنما  كانت رؤيته  في ذلك  تتعلق  بطبيعة  العمل  والمصالح  وتبادل  الخبرات  ،  وتلك  كتاباته  تتحدث  عن ذلك  بشيء من التفصيل    ،   ولم تمنع  الطيب  كثرة الطعنات والنكبات والخيبات   التي اصابت   الجسد  والعقل   العربي   ،   من أن يكون ظهيراً للحق العربي  ولإنصاف  العرب  في قضيتهم  المركزية  -  قضية فلسطين  -  ،   عبر عن هذا  بجلاء  صوته  في المحافل والدوائر التي  شاء الله والقدر أن يكون متواجدا  فيها    ،  ولقد اعجبني فيه  روح  التسامح  في ظل الإختلاف  حتى في هذه  أعني قضية فلسطين  ،  فقد كان ميالا  للأخذ بوجهة  نظر  القيادة الفلسطينية حين أتجهت للسلام  مع مؤتمر مدريد  وما تلاه  في أوسلو  ، معلناً إيمانه  الراسخ بأن للحق وجه واحد وعلى الجميع   البحث عنه ، من غير تزييف للتاريخ   أو  القفز على المسلمات العقلائية أو التضييع المتعمد  للوقت   وإستهلاك  الزمن  ، وفي هذا كان الطيب  أكثر واقعية من كثير ممن  رفعوا  الشعارات  وتنادوا  بالعنتريات  في الفضاءات  المغلقة    ،   وقد عبر عن موقفه  هذا  من  إتفاقية أوسلو  التي أعتبرها  جزءا من مشروع الحل  العام   لكنه  ليس  الحل النهائي   ولكنه  خطوة في الطريق   ،   يتيح للعالم   التعرف  و الإعتراف  بالحق الفلسطيني  في أن يعيش ضمن كيان ذاتي مستقل    ، تحت المظلة الدولية مما يجعل  له إنصار ومريدين في العالم أجمع   ،   ويكون صوته  الأقرب إلى  صوت  المجتمعات المنادية بالسلام والنابذة للحرب  ،  ولم يتخذ طريق المطبلين وأهل الشعارات بل أتخذ موقفاً وسطا يحقق لأهل الحق ما يصبون إليه في الممكن .
وهذه هي السياسة التي أعتمدها النبي محمد مع قريش في صلح الحديبية  ،  وهي نفسها التي مارسها الإمام علي من بعده وكذا الإمام الحسن والحسين مع معاوية  ، وهي الطريقة الأكثر قابلية للحياة في ظل  التدافع والتناحر   ،   ولم  يعد  ممكناً  القبول بفكرة  شطب المجتمعات أوالشعوب أو محاولة الرمي بهم  في عباب البحر  ،  فتلك سياسة عنصرية  أثبتت  فشلها وعقمها   ،   سياسة  طبل لها  وسار  على  وفقها أنصاف متعلمين وجهلة وبعض من العسكريين من ذوي الرتب المتدنية  .
السلام في حد ذاته هدف وقيمة هي أعظم وأكبر من كل القيم في ظل بناء المجتمعات والدول ، فبالسلام يتحقق الأمن وتتحقق العدالة  ،  وإن كان هناك مجالاً  للديمقراطية فلا تتفيء ظلالها إلاَّ  بالسلام ،  ولعل الله سبحانه هو من دعا إلى السلام ودار السلام   ،  ليس من موقع الضعف والهوان كما قد يتوهم متوهم ، بل من موقع القدرة والإقتدار  ،   وهو سبحانه من نهى  عن الإلقاء  في التهلكة  حين تفتقد  المواجهة شرط النجاح  والنصر  ،  فحفظ النفوس والأموال والممتلكات من الهدر أعظم درجة عند الله   ، من المناكفة والتبجح بالشعارات والكلام الكبير الذي ليس  له أو فيه منفعة وفائدة ، ومعلوم بالضرورة إن الشيطان ميال لخلق الفتنة وتأزيم الأوضاع لأنه  لا  يعيش إلاَّ  على أحزان الناس ونكباتهم ، والعاقل من يُضيع على الشيطان  الفرص  ويسد أمامه الأبواب  كي لا ينفذ ويكون له  عليكم  سلطان  .
وفي هذا المقام  وفي هذه المناسبة  أجد من واجبي الفكري والأخلاقي والشرعي   ،  دعوة القيادة الإيرانية متمثلة بالأخ  السيد  علي الخامنئي  دام إحترامه  ،  إلى تفويت الفرصة على من يريد بالشعب الإيراني الهلاك والمظلمة ، فشعب إيران هذا الشعب العظيم  لا يستحق أن يعيش التشتت والألم والضيم ،  والأمر كله يحتاج لمعالجة في الدفاتر العتيقة   ،  والإيمان بأن الحق له طرق ووسائل يمكن من خلالها  الحصول عليه  ، و يشهد الله  إني في ذلك ناصح أمين وأقول لكم : -  أن أجتنبوا المكابرة أوالمزاودة على الغير -  ، فرب  دعوة صالحة  تدعون إليها  ليس لها  أذن وأعية تؤمن بها  وترغب  في تحقيقها  ،  والأمر كله مرهون بشعب فلسطين هو صاحب القرار وهو صاحب الإرادة   ، ونظرة  في السجلات والرقم وفي المعاهدات والمواثيق الدولية ما يغنينا  عن كثير من الكلام   ،  ولندع  اللاهثين  والناعقين  والنافثين  جانباً  متوخين  الدقة  والحذر وعدم تضييع الوقت .
وكلنا شهود  على الطامة الكبرى التي أصابت  بلاد   العرب في ربيعهم الأسود  الذي دمر القيم والأخلاق والمعتقدات  وضيع  الحق ،  ولم يتعد صوت العربي مهما كبر  حيطان بيته ومخدع نومه   ، فأستسلم الجميع ولم يبق  في المخيم غير أمنيات وتلاشت  أجيال  وأندثرت  ممن كانت تعرف الحدود والجغرافيا والتاريخ ، ولم يعد هاجس الجميع غير العيش بسلام مع توفير  لقمة العيش  مع شيء من الحياة الكريمة ، بعدما تشتت الخلق في أرجاء الدنيا الواسعة ، فضاع التلاق والحرص والأمانة والإيمان  .
إن على إيران القيادة والشعب الإبتعاد عن اللعب في الأوراق المحترقة  ،  فليس فيها سوى الرماد الذي تذره الرياح في كل مكان ، ولا تظنون من ناصر أومعين  فقد تكشفت  كل  العورات   ،  وإني  مؤمن  بالحكمة الغالبة في طبائع الشعب الإيراني والتي  ستهديه  للحل عبر التفاوض ، وترك ما لقيصر لقيصر  ولنا ولهم عبرة بالنبي وأهل بيته ،  و الحق أحق أن يتبع ..
رحم الله الصديق والرفيق  الدكتور  الطيب التيزيني ، رحم الله تلك العيون وتلك الروح الطيبة   ،  ودعاء من القلب ان يتقبله ربه بقبول حسن ، ويسكنه واسع رحمته ..
آية الله الشيخ إياد الركابي
19 – 05  - 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا