الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المزارعون الأوائل قبل عشرة آلاف سنة

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 5 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أين ومتى بدأت الثورة الزراعة الحديثة؟ وكيف حدث هذا التطور في نمط معيشة البشر؟ وكيف انتقلت الزراعة من عصا الحفر إلى المحراث الخشبي؟ في الجواب الذي أسفرتْ عنه نتائج الدراسات الحديثة يقول: إن منطقة الهلال الخصيب كانت مهد القرى الزراعية الأولى, وقبلها كان الإنسان الأول, صياداً وجامعاً للمقتنيات, شأنه في ذلك شأن حيوانات البرية الفسيحة المفتوحة على الغابات الكثيفة, وكان غذاؤه يتألف من لحم تلك الحيوانات, التي ينجح في الإمساك بها وقتلها, ومن الثمار, والأوراق, والجذور الصالحة للأكل التي يعثر عليها فيما حوله. والواقع أن البشر كانوا يقضون جلَّ ساعات نهارهم بحثاً عن الغذاء. وكانوا عندما يستنفدون مصادر الغذاء في المنطقة التي يعيشون فيها, ينتقلون إلى منطقة أخرى, ولم يتعلموا تربية القطعان بدلاً من الصيد, والزراعة بدلاً من الرعي, إلا بعد مئات الآلاف من السنين.

عاش المزارعون الأوائل في الأراضي الدافئة في الطرف الشرقي لحوض البحر الأبيض المتوسط. وكان جو هذه المنطقة, في تلك الأيام, أكثر رطوبة عما عليه الآن, لذلك فقد كان مثالياً للزراعة. وكان هؤلاء المزارعون الأوائل, يحتفظون بالأغنام, والماعز والثيران, والحمير, والجمال. ولم تُثبت هذه الحيوانات أنها مصدر لحم يُعتمد عليه أكثر من حيوانات البرية فحسب, بل أمكن أيضاً استخدامها في الحصول على الحليب, وفي حمل الأثقال, واستفادوا من جلدها في صنع ثيابهم, ومن عظامها في صنع مخارزهم ومكاشطهم وسكاكينهم ,ومن ألواح أكتافها صنعوا أمشاطهم لتسريح شعر أولادهم ونسائهم, ومن روثها المجفف أشعلوا نار مواقدهم.

وفي الوقت تفسه تقريباً أنشئت المنازل الأولى وكانت تختلف من مكان إلى مكان ,تبعاً لنوع مواد البناء المحلية. فقد كان الخشب قليلاً في الشرق الأوسط, مما أدى إلى استخدام قوالب خشبية لصناعة اللبن الطيني المجفف تحت أشعة الشمس.كانت المنازل ذات غرف مستطيلة تتجمع حول الفناء. وكان الطهي يتم في الفناء, فوق نار مكشوفة, ولم يكن لديهم أوعية من الفخار, بل كانت قدورهم وصحونهم تُنحت من الحجر الجيري اللين ,المتوفر حول ديارهم, وذلك بعد صقله وتلميعه. ومن المحتمل أن تكون صناعة الفخار قد بدأت بطريق المصادفة, إذ من الجائز أن تكون النار قد اشتعلت في سلال مُبطنة بالصلصال, لحفظ الماء, وأن يكون الصلصال قد احترق جيداً فتصلّب, وأصبح لا ينفذ منه الماء.

وقد بدأ هذا التغير الهام, الذي يسمى أحياناً بثورة العصر الحجري الحديث Neolithic Revolutionفي منطقة الهلال الخصيب (فلسطين- سورية- العراق) حوالي سنة 8000 قبل الميلاد, حيث كان القمح والشعير ينموان برياً. ولا بد أن شخصاً ما, كان قد لا حظ أنه إذا جمعت البذور البرية, و أعيدت زراعتها, أمكن الحصول على الحبوب أينما يريد. و أغلب الظن أن هذه الحبوب كانت تزرع, في بداية الأمر, في مساحات صغيرة , تشبه الحديقة تُحرث أرضها بواسطة عصاة حفر, أو مجرفة خشبية, اقتطعت من غصن متفرع بعد وضع ثقل حجر عليه. وقد عُثر على حبوب الحنطة البرية والشعير البري وحتى حبوب العدس البري في موقع تل (أبو هُريرة) وهي قرية زراعية سورية على نهر الفرات الأوسط سبقت العصر الحجري الحديث.

وهنا تعلم البشر -أغلب الظن – مهارات الزراعة, فبدؤوا في توفير بعض البذور الصالحة للأكل, التي كانوا يجمعونها كل صيف, لكي يزرعوها في الشتاء التالي في أراضي سبق إعدادها لذلك. وكانوا عندما تنضج المحاصيل يأكلون جزءاً فقط من الحبوب ويحتفظون بالباقي لزراعتها في الموسم التالي. ولا بد أن زراعة المحاصيل, كانت من اختصاص النساء, بينما كان الرجال يخرجون للصيد.

ولقد كان لهذا التقدم الزراعي أثران هامان جداً, إذ تحرر الإنسان من البحث الدائب عن الغذاء, مما مكنه من العيش في أماكن مستقرة دائمة. وأصبح في مقدور الفرد الواحد, أن يزرع من الغذاء أكثر مما يحتاج لنفسه ولأسرته, وبذا تمكن من المقايضة على بعض الفائض لديه, بأشياء أخرى مما ينتجها جاره. وقد أدى شيء من هذا القبيل, إلى ظهور الملكية الخاصة في هذه المجتمعات الأولى. ولقد استمر هذا الاتجاه العام وزاد عدد المتخصصين بالفلاحة وزادت مهاراتهم وكانت فلاحة الأرض تحتاج إلى آلات خاصة, وهي نفسها الآلات التي نسلم باستعمالها حالياً مثل المناجل, والمعازق, والفؤوس, وفي النهاية المحراث الخشبي, الذي قاد الثورة الزراعية وشق الثلم الأول وفسح المجال لظهور القرى الزراعية الأولى, ومن ثم المدن الكبيرة, وحضارات العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة