الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضحوكة حضرموت

العربي عقون

2019 / 5 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تفتح كتب تاريخ شمال أفريقيا القديم الذي تبارت أقلام من الشرق والغرب في لعب سجالاتها على أرضه فتجد العجب العجاب ، ازدهار مدرسة "شيكسبير الشيخ الزبير" اللهم لا حسد والأكثر عجبا التخريجات المتعلقة بأسماء الأماكن فبعد شرح فهلوي للاسم يخرج إلينا مريدو المسمى بن كولة بمعنى أنيق تؤسس عليه جينيالوجيا البلد بغباوة عندما يستعمل الأغبياء اسم لاتيني : Africus = أفريقش ، للقول بأنه جاء من اليمن فهل الصيغ اللاتينية تأتي من اليمن ؟
أحسن مثال هو "أضحوكة حضرموت" الاسم الذي استخلصه هؤلاء الجهابذة من الاسم القديم لمدينة سوسة (*) وهو Hadrumetum دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث المنهجي الجادّ ولا ريب أن الجدار الذي أقامه الخطاب الدعائي المعادي لهوية البلد وتاريخه قد نجح في إقامة حاجز نفسي عندما ربط بين هوية البلد والاستعمار واستغل البسطاء لإطلاق شعاراته المضللة.
منهجية البحث تقول إن اسم المكان في غالب الأحيان مستمد من تضاريسه أو مناخه أو من نشاط يقام فيه كالأسواق أو من حادثة كالحروب أو من ساكنته ... الخ . ويكون الاسم بلغة البلد في الغالب الأعم ولذلك فإن البحث في مدلول اسم مكان ما (طوبونيم) ينبغي أن يبدأ من لغة البلد قبل الذهاب إلى ما وراء البحار ولكن هذا لا ينسجم مع طروحات جماعة التنظير الأيديولوجي للتاريخ والهوية في شمال أفريقيا . نعود إلى أضحوكة "حضرموت" ومثلها كثير ونأتي إلى الاسم في رسمه اللاتيني وبعد إزالة اللاحقة الدالة على صيغة الجماد (Neutre) وهي (UM) يبقى عندنا الاسم في صيغته الليبية (الامازيغية) : HADRUMET ولمن يعرف لسانيات الامازيغية يعرف أن البادئة "ت" في المتغيرة القبائلية تقلَب "هـ" في متغيّرة الظهرة (تيبازة وعين الدفلى والشلف) وقبيلة آيت بوسليمان في أوراس ففي القبايلية يقال مثلا: ثامورث ولكن في الظهرة يقال هامورث ومنه نستخلص بسهولة أن هاذرومت هي ثاذرومت وهي صيغة تأنيث لـ أذروم (**) وهي الكلمة التي لا تزال مستعملة إلى اليوم بمعنى "فرقة" من قبيلة في مقابل كلمة مشتى عند أهل السهول العليا.
هذا الاجتهاد المتواضع منا جعلني أعيد النظر في كل الأسماء التي تبدأ بحرف "هـ" مثل هيبو (Hippo) الذي يمكن أن يكون ثيبو مثلما أنّ هاذرومت هي ثاذرومت ومثلما أن هامورث هي ثامورث وبذلك نستعيد انتماء هذه المدن إلينا ونلغي اختطافها من حضن الوطن وجعْلها من صنع جاليات وافدة وعندما يكتمل نضجنا الوطني سندافع عن تاريخنا لنكون نحن الأصل ولسنا تُبَّعاً وأتباعا للشرق والغرب وفي حال وجود ما يماثلها من أسماء في جهات أخرى فالأصحّ وطنيا هو أن نقول نحن الأصل لا أن نحكم على أنفسنا أننا الامتداد الهزيل الذليل للآخر وهو محتل غاشم ينبغي أن نطرده من أذهاننا بعد أن طردناه من أرضنا وذهب دون رجعة مهزوما مدحورا.
كانت الكتابات الكولونيالية تتحاشى أن تتكلم بموضوعية عن أصول وهوية البلد لأنها تريد بلدا دون أصول ودون هوية وهو مفتوح للوافدين في السلم والحرب وتنسب كل معْلمة حضارية فيه إلى هؤلاء الوافدين فلا غرو أن تنسب إليهم أيضا أسماء المدن والقرى لتجعل المدينة في بلادنا صناعة أجنبية ولتكرس مقولة عجز الأفارقة وكذا تغييب وطمس وجود كل ما من شأنه أن يوقظ الشعور الوطني لأهل البلد. وهذه الكتابات الكولونيالية مهدت وعبدت الأرضية لأيديولوجية البعث العفلقي التي حلّت محلّها بعد الاستقلال وهي الأيديولوجية التي دمّرت سوريا وليبيا والعراق وهي تزحف علينا إذا لم ننتبه إلى مخاطرها لتصنع فينا ما صنعته هناك.


(*) سوسة هي تعريب للاسم الامازيغي تاسوست وهو كما نعرف اسم لأحدى ضواحي جيجل.
(**) بونفنوشت (مصطفى) العائلة الجزائرية ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر1984 ص 45








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب