الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخواني أكثر من الإخوان

بيتر ابيلارد

2006 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعض الكُتاب يكتب بالمبدأ الهزلي عدو عدوي صديقي، ويتوقع منا أن نوافق على ما يكتبه دون مناقشة بل ينتظر منا التهليل له لمجرد أنه يرفض ما نرفض، بغض النظر عن عبثية ما يقول. واحد من هؤلاء الكتاب هو أحمد صبحي منصور الذي لا أعرف سببا لإصرارة على أن يسبق لقب الدكتور اسمه. فهو دكتور سابق من مؤسسة هو يعتبرها مؤسسة متخلفة، عدوة لدينه، إلخ إلخ؛ بالإضافة إلى قيام هذه المؤسسة نفسها سحب شهادة الدكتوراه منه. وهو في هذه الحالة ذكرني بأحمد زكي في تجسيده الرائع لشخصية ظابط المباحث في فيلم "زوجة رجل مهم". فمهما كانت الظروف فهو الباشا، وليس بعد اللقب إلا الطوفان، أو الإنتحار.
بالأمس سمحت لي الظروف أن استمع لأول مرّة لأحمد منصور في أحد جلساته مع أبناء دينه الجديد والتي استمرت قرابة الساعتين سمعنا فيها الكثير عن حياة الرجل الخاصة وإضطهادة، ولم نسمع إلا القليل عن فكره.
ففي أثناء الحوار كان منصور يحيل كل من يحكي معه في شيء لا يعجبه أو لا يجد عليه ردا إلى مقالته أو كتاباته السابقة. وهو يفعل ذلك بصورة استعلائية ربما يرجع سببها لتربيته الأزهرية. وهو يفعل ذلك محاطا بمجموعة من المريدين الذين يجدون ما يقوله هو عين الصواب، وأن من يختلف مع شيخهم فهو عنصري، مدعي ثقافة، متطرف، وقح، لا يفكر وغيرها من الألقاب التي تطلقها إحدى مريداته بسرعة خمسين لقب في الدقيقة.
وبغض النظر عن علاقة منصور بمريديه ومريداته وبغض النظر عن استعلائه الواضح على كل من يتحاور معه، فسأحاول أن أعرض صفحا عن هذا فأنا بغنى عن الألقاب التي يمكن أن يطلقها علي مريديه ومريداته.
ما يعنيني في الرجل هو ما يطرحه من فكر إن صح أن يطلق عليه فكرا.
فمنصور يحاول أن يقدم لنا صورة جديدة من الإسلام ليست بحكر عليه بل قال بها الخوراج والمعتزلة، وكان هذا الفكر يظهر ويختفي في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي.
الجديد في طرح منصور ليس هو فكره نفسه ولكن تقنية في طرح هذا الفكر، فهو لا يطرح الفكر ليناقشه بل يطرحه لكي يوافق عليه من يسمعه ويصفق له وله في ذلك منطق عجيب وهو "أنا باقول الكلام ده عشان الإخوان ميحكموكوشي ويقتلوكوا"
أو بكلمات أخرى يجب أن نكون مع الرجل فهو عدو عدونا.

والغريب في الأمر أن منصور ربما لا يستمع لما يقول هو نفسه فضلا عما يقوله غيره، فهو يقدم لنا الإسلام على أنه دين فقط لاغير، ويقرر أن الإسلام هو مجرد دعوة علمانية وأحيانا يقدمه على أنه دعوة عالمنية. ورغم ذلك يكلمنا عن حدود، وحروب – دفاعية أو غيره ليس بموضوعي – وحكومات،...
وما يبدوا خافيا عنه أنه لم يختلف كثيرا عن الإخوان أو غيرهم فكلاهما يقدم لنا دينا يحكمنا به. الفرق بينهما أن الإخوان أكثر صراحة منه. فهو يقدم لنا طرحا هيوليا لا معنى له ولا محل له من الإعراب.
فحسب منصور الله أنزل القرآن ولم يلزم به أحد، وقرر الحدود ولا يلزم بها أحد، وفعل كذا وكذا وترك مطلق الحرية للناس. فلو اختار الناس فرعونا فسيوافق الله عليه، ولو اختاروا يوسف الصديق فسيوافق الله، وهو لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ويترك لهم شؤون حياتهم يديرونها كيفما يحلوا لهم. ولكنه في نفس الوقت يخبرنا أن هناك حرب دفاعية في الإسلام – رغم أنها أبغض الحلال عنده؛ أعني منصور وليس الله – وهناك حدود وتشريعات للميراث وغيره.
ويبدا أنه خفي علىه أو يحاول هو أن يخفيه علينا أن هذا الطرح لا يخرج عما قاله المعري "هذا كلام له خبيء معناه ليست لنا عقول" فلو كان الطرح الإسلامي إختياريا ولا علاقة له بالنظام السياسي فوجود مثل هذه التشريعات يعد ضربا من الهذل ولا معنى لها، ولو كانت لهذه التشريعات أي معنى أو علاقة بالمجتمع فمنصور يقدم لنا دولة دينية. وتختلف دولته الدينية عن دولة الإخوان إختلافا كبيرا في الشكل وليس في المضمون، فدولة الإخوان رغم خلافي معها من بدايتها لنهايتها هي دولة محددة المعالم ومحددة المرجعية ويمكن أن نعرف بشاعتها بسهولة شديدة. أما دولة منصور فهي دولة هلامية قائمة على فهم خاص جدا بمجموعة من المسلمين، لايمكن معرفة بدايتها من نهايتها.
والذي لا يفهمه منصور أو لا يريد فهمه هو أننا لسنا في حاجة إلى أي شكل من أشكال الحكم الثيوقراطي سواء منه أو من الإخوان. والعجيب في الأمر أن الرجل يقول لنا إن الإسلام مع الديموقراطية بكل ثقله وأنا متأكد من أنه لا يعي ما يقول لأنه في باقي كلامه يقول لنا "قال الله". فالديموقراطية يا منصور تعني حكم الشعب وهي من كلمتين "ديمو" أي شعب "قراط" أي حكم، بينما ما تقدمه أنت هو حكم ثيرقراطي أي "ثيو" إله "قراط" حكم. فلو كان الإسلام كما تدعي مع الديموقراطية فوجود مائتي آية تشريعية في القرآن يدخل في باب العبث والكلام الذي لا فائدة منه.
الأمر الأخير الذي يضحكني في منهج منصور هو توجهه بالخطاب لشريحة من المجتمع عانت ولازالت تعاني من الفكر الإسلامي المتطرف. وهو يطلب من هذه الشريحة أن تقف خلفه وتؤيده لأنه هو المدافع عنها. ففي مؤتمر الأقباط الأخير قالها صراحة للمستمعين إنه يجب أن يتنحوا هم عن المواجهة مع الفكر الإخواني ويتركوا هذا الأمر له ولجماعته، وهو يفعل ذلك متوقعا من الجميع الشكر والتهليل له، والويل كل الويل لمن يحاول أن ينتقد منصور فكما قالت لي مريدته بالأمس "إنتوا متطرفين ومينفعشي معاكم غير الإخوان".
وهذا المنطق المريض هو ما يحدد ملامح مدرسة هذا الرجل الفكرية، عدو عدوي صديقي.

وبالنسبة لي أنا لا يختلف عندي منصور كثيرا عن الإخوان بل ربما هو أسوأ منهم بمراحل، فالطرح الإخواني يقدم لنا فكرا هو يقولون لنا – صدقا أو كذبا – بإمكانية الخلاف حوله، وأن إختلافهم رحمة.. إلى أخر ما يقولونه من شعارات. بينما منصور يقدم لنا فكرا هو يقول إنه كلام الله الذي لا خلاف عليه ولا ينبغي أن يكون هناك خلاف حوله، وإن كل ما فهمه المسلمون طوال تاريخهم ما هو إلا الضلال الكامل؛ وما فهمه المنصوريون هو الحق الكامل. والفرق الوحيد بينه وبين الإخوان هو أننا نعرف مع من نتعامل فكريا في حال الإخوان، بينما مع منصور فلا نجد له أو لفكره ملامح محددة.
وأخيرا يا منصور إختلافنا السياسي مع الإخوان لا يعني بأي حال من الأحوال قبولنا بفكر آخر ديني لأي تيار كان فالخلاف كله يتمركز حول دور الفكر الديني في المجتمع المدني، ولن نقبل في يوم من الأيام بمقولة عدو عدوي صديقي وخاصة إذا كان إخواني أكثر من الإخوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت