الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأتمتة أم الحتمية التاريخية ..

محمد ليلو كريم

2019 / 6 / 1
الطب , والعلوم


الأتمتة أم الحتمية التاريخية ..
" الحاجة إلى الفكر لا يمكن إشباعها إلا بالفكر ، والأفكار التي أمتلكها بالأمس لا تشبع حاجة الغد ، اذ هي الأخرى تخضع إلى إعادة النظر " حنة آرنت .
الشيوعية مرحلة تقع بين مرحلة ما قبل الآلة الميكانيكية والإنسان ، ومرحلة ما بعدالآلة الميكانيكية والإنسان ، فالبروليتاريا ( وهي المادة الأساس للشيوعية وبها تُعرَّف ) ظهرت مع اكتشاف الآلات البخارية والآلة الميكانيكية ، فكان تزاوج في مزاولة العمل بين الآلة والعامل ، فقبل اكتشاف الآلة الميكانيكية كان الإنسان منفرد بالعمل يعتمد على جهده والحيوانات ومعدات يدوية فلمّا اكتشف الآلة الميكانيكية صارت هي أداته لإنجاز العمل ، ولكنها وبمرور الوقت تحولت لشريك ، ثم منافس ، فالآلات اليدوية والحيوانات لم تتطور لتُنافس الانسان في إنجاز العمل ، أما الآلة البخارية والميكانيكية فتمكنت وبالتدريج من تقليل نسبة مشاركة الانسان لها في انجاز العمل وسيأتي وقت تحوز فيه على كل وقت العمل وهو ما يُسمى بعصر الأتمتة ، وعصر الأتمتة هو ما بعد عصر الآلة والانسان ، ولهذا فالشيوعية مرحلة تقع ما بين مرحلة الإنسان بلا آلة ومرحلة الآلة بلا إنسان ، وكما أن لا وجود للشيوعية في مرحلة ما قبل النول الآلي والماكنة البخارية فكذلك لن توجد الشيوعية في مرحلة استكمال سيطرة الأتمتة ، وبالنتيجة ، وكمحصلة منطقية نتوصل الى علم بالمستقبل بخصوص الشيوعية إذ لا حتمية كما توقعها كارل ماركس وكل من يقول بحتمية ماركس فهو غارق بمغالطة عجيبة لا أفهم العلة من أخلاصه لها وتفانيه في ترويجها ، ولا أعلم ما العلم الذي يُعالج الذهن المتمسك بهكذا قناعة بدائية ، وأنا أقول إنها قناعة بدائية لأننا اليوم ننظر لعصور ما قبل الصناعة فنصفها بالعصور البدائية وكذلك سيصف أهل المستقبل الأتمتي عصر الشيوعية الذي كتب فيه ماركس ومارس رؤويته منفذًا خطته التاريخية ، فعهد ماركس وانجلز ولينين عهدٌ بدائي بحسب توصيف عهد الأتمتة وهذا ما سوف يُقال بالتأكيد ..
جوهر الشيوعية البروليتاريا ، وهي تلك الطبقة التي لا تملك إلا قوة العمل في عالم الصناعة ، فمصير هذه الطبقة وعيشها وموتها يتوقف على هذا الذي تملك ، وهو قوة العمل ، فالبروليتاري لا يملك غير ما في جسده من قوة عمل لبيعه في سوق الصناعة ، وهو يعيش على ما يجني من قوت يومه . هكذا عرفّت الماركسية البروليتاري ، ولا ماركسية بلا بروليتاريا - وهيَّ تسمية أدبية لطبقة العمال - فالماركسية عرّفت الشيوعية إنها : ( علم شروط تحرر البروليتاريا ) وهذا التعريف هو الجواب على السؤال الأول في كتاب ( مبادئ الشيوعية ) الذي ألفّهُ أنجلز ، والتعريف يدل وبشكل قاطع أن لا وجود للماركسية أو للشيوعية إلا بوجود البروليتاريا وهم طبقة العمال فإن أختفى العمال أختفت الشيوعية وكل الأرث العملي الماركسي ، فالماركسية بلا بروليتارية ووفق المنطق قضية سالبة بإنتفاء الموضوع ، ولا أعلم الصواب المنطقي لأي قول آخر يهدف لتأكيد بقاء الماركسية وحصول لحظة الكمال الشيوعية وتحقق الحتمية التاريخية بحسب الزعم الماركسي ..
هل من الصواب العقلي أن نرفض فكرة سيطرة الآلات بالتمام على الصناعة ، ونجزم قطعًا بأن عصر الأتمتة مغالطة تصورية ؟ .
أن رهان الماركسية الأول والأخير في بقائها يرتكز فقط على بقاء الرأسمالية كنظام صناعي عدو ، وكل ما تطرحه النظرية الماركسية من مُنجز نهائي هو أن يحل النظام الاجتماعي الاشتراكي الجديد في مكان النظام الرأسمالي ، وأول ملمح تُبشر به النظرية الماركسية هو القضاء التدريجي على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وإقامة السلطة الكاملة للطبقة العاملة ، بل أن جواب انجلز على السؤال العشرين الوارد في كُتيب ( مبادئ الشيوعية ) يفرز التصور الماركسي للتأريخ المتوقع ، المُفترض ، وهو تصور شامل لواقع البشرية الشامل ، وهو تبشير شامل للتغيير الذي سيحدثه الشيوعيون في كل الحياة البشرية (( وفي حين أن مسألة ما إذا كان الشيوعيون سيقضون على العائلة أم على الدين أم على القومية كانت تُعتبر في عام ١٨٤٧ مشكلة بالنسبة لكثير من الناس ، فإنه ليستوقفنا ، بشكل خاص ، رد انجلز على السؤال العشرين . هنا نتبين أول طرح علمي متكامل لملامح النظام الاجتماعي الاشتراكي : تخطيط اقتصادي ، تطور صناعي سريع وخال من الأزمات ، تطبيق العلم في الزراعة ، تلاشي التناقضات الطبقية ، تكون الانسان الاشتراكي الجديد ذي التطور الشامل والأتصاف العالي ، التربية البوليتقنية للشبيبة ، زوال التناقض بين المدينة والريف .
وقد يتهيأ لنا أن انجلز كتب هذه الجملة يوم أمس :
إن الصناعة ، التي يخططها المجتمع بأسره ويديرها جماعيًا ، تشترط وجود أناس ذوي قدرات شاملة التطور ، وفي وضع يمكنهم من معاينة مجمل جهاز الإنتاج / مبادئ الشيوعية ، الناشر دار الفارابي - بيروت ، ص ٩ )) ونحن نضع أمام هذه البشارة العقائدية طرح منطقي علمي ونطلب جوابًا واقعيًا ، فنرى أن الذي سيحدث وبالتدريج أن الآلات ستحل مكان الإنسان العامل الى أن تزيحه بالتمام ، وهذا يُبطل النظرية التي تقول أن الشكل النهائي للعصر النهائي هو حلول طبقة البروليتاريا والنظام الشيوعي مكان النظام الرأسمالي ، فالحتمية التاريخية كمصطلح وكنظرية علمية لا يدل إلا على مغالطة ، والأجدى أن نقول ( تطور تاريخي ) دون وضع خط نهائي للتاريخ ونزعم أنه الخط الذي سنصل له ونتوقف لأننا سنكون في الذروة النهائية للتطور العالمي ، الصناعي ، ولا مهرب للشيوعي من التشبث بالركن ( الصناعي ) كفريضة أساس في عقيدته ، الأقتصادية ، ولن يجد الشيوعي غير المجال الاقتصادي كبناء تحتي ، أساسي ، ليبني مقولاته وعلمه وكل ما يقول ، فالثورة الصناعية التي غيرت وجه الاقتصاد العالمي هي بيئة الشيوعي ، وما كان له وجود قبلها ، ولن يكون له وجود بعدها ..
كتب كارل ماركس كتابه ( رأس المال ) وهو يتابع ويُحلل ويُفسر مجريات العملية الصناعية الانجليزية ، وهذا الكتاب هو الصيغة العلمية الدقيقة للنقد الماركسي تجاه النظام الصناعي الرأسمالي ، ولو سمح لي القارئ العزيز أن أبين وجهة نظري ، ولأبين عمليًا حقيقة ما أقول ، فعليه أن يحتمل قليلًا وأنا أضع أمامه جرد بعناوين الفصول التي يتكون منها كتاب رأس المال ، ولأن المتوفر لدي من الكتاب المُكون من ثلاث اجزاء يبدأ من الفصل الثاني عشر إذ لم أوفق في الحصول على الجزء الأول المُكون من أحد عشر فصل فسأكتفي بما متوفر لدي ، وأن عناوين الفصول تُبين موضوع الماركسية ومجال حركتها ، المجال الذي سيتوقف ويندثر خارج مجاله ( النظام الصناعي الرأسمالي ) فهذا النظام هو من يوفر واقع اضطهاد الطبقة العاملة فإن حلّت الأتمتة فأي اضطهاد سيبقى ، وبالتالي أي موضوع ستتحرك فيه الماركسية ؟.
عناوين كتاب رأس المال بإستثناء أحد عشر فصل :
الفصل الثاني عشر : القيمة الفائضة النسبية
الفصل الثالث عشر : التعاون
الفصل الرابع عشر : تقسيم العمل والمانيفاكتورة
الفصل الخامس عشر : الماخينية والصناعة الكبرى .
الفصل السادس عشر : القيمة الفائضة المطلقة والقيمة الفائضة النسبية .
الفصل السابع عشر : التحولات في مقدار قوة قيمة العمل والقيمة الفائضة .
الفصل الثامن عشر : الصيغ المختلفة لمعدل القيمة الفائضة .
الفصل التاسع عشر : تحول قيمة قوة العمل أو ثمنها الى أجر .
الفصل العشرون : الأجر الزمني .
الفصل الحادي والعشرون : الأجر بالقطعة .
الفصل الثاني والعشرون : الفارق في معدل الأجور القومي .
الفصل الثالث والعشرون : التجديد البسيط للانتاج .
الفصل الرابع والعشرون : تحول القيمة الفائضة الى رأسمال .
الفصل الخامس والعشرون : القانون العام للتجمع الرأسمالي .
الفصل السادس والعشرون : سر التجميع البدئي .
الفصل السابع والعشرون : نزع ملكية السكان الزراعيين .
الفصل الثامن والعشرون : التشريع الدموي ضد المنتزعة أملاكهم منذ نهاية القرن الخامس عشر ، تخفيض الاجور بالقوانين البرلمانية .
الفصل التاسع والعشرون : تكون المزارع الرأسمالي .
الفصل الثلاثون : رد فعل الثورة الزراعية على الصناعة . أقامة السوق الداخلية للرأسمال الصناعي .
الفصل الحادي والثلاثون : تكون الرأسمالي الصناعي .
الفصل الثاني والثلاثون : الاتجاه التاريخي للتجميع الرأسمالي .
الفصل الثالث والثلاثون : النظرية الحديثة للاستعمار .

( يُقصد بالمانيفاكتورة : منشأة صناعية يجتمع فيها العمال لإنتاج نوع أو عدة أنواع من السلع اعتمادا على العمل اليدوي ) .
ما يعنيني من ادراج عناوين فصول كتاب الرأسمال أن أبين مجال حركة النظرية الماركسية ، وبالتالي أطرح السؤال التالي : إذا ما أكملت الأتمتة فرض سلطتها ( الصناعية ) فهل من المنطقي الإبقاء على فعالية المناقشات التي جائت في عناوين فصول كتاب رأس المال ؟ .
لنفترض أن في العالم مليون مصنع ، لمختلف الصناعات ، وأن هُناك نصف مليون مزرعة مُنتِجة ، لمختلف المحاصيل ، ولنتصور أن العالم يعيش في العام ٢٢٥٠ ، وأن كل المصانع والمزارع تعمل وفق نظام الأتمتة الصناعي وبأدارة الذكاء الصناعي الفائق الوعي ، فهل من المنطقي أن نتحدث حينها عن طبقة عاملة ( بشرية ) أو أن نُدرِج العناوين للفصول السالفة الذِكر في المعالجات الفعلية في واقع العمل الأتمتي ؟ .
من الواضح ، وحتى على المستوى العالمي ، لم نعد في مرحلة النظام الصناعي الانجليزي الذي عاصره كارل ماركس ، فظروف العمل ، والآلات ، والنظام السياسي ، ونوع المواطن الإنجليزي ، كلها قد طرأت عليها تغيرات عميقة ، بل أن انجلترا نفسها اليوم لم تعد انجلترا القرن التاسع عشر ، ونحن إذ نمر بهذه الموضوعة يحق لنا أن نتسائل : هل أثرّت الماركسية في مسيرة النظام الرأسمالي فحققت فيه ما كان لم يتحقق لو لم توجد الماركسية ؟؟ . هذا سؤال مهم يستحق مبحث خاص ، ولكننا هُنا سنستمر فيما نحن فيه من حديث فنحن نريد معرفة ما إذا كانت الحتمية التاريخية ستتحقق أم الأتمتة ستُنجِز حتميتها في النظام الصناعي .
قلنا أن انجلترا اليوم لم تعُد انجلترا القرن التاسع عشر ، وكذلك ليس كل الأنظمة الصناعية العالمية متشابهة ، فظروف العامل البنغلاديشي تختلف وبشكل كبير عن ظروف العامل الياباني ، والعامل الهندي الذي يعمل في الأمارات العربية له ظروف تختلف عن ظروف العامل الهندي الذي يعمل في الهند نفسها ، بل أن نفس الدولة الواحدة تتفاوت فيها ظروف العمل ، أي أننا مُلزمين بتشخيص أي الدول تعتمد النظام الصناعي الرأسمالي ، وننظر في التفاوت بين الأنظمة الصناعية للدول التي شُخِصت كدول رأسمالية الصناعة ، مما يُلزمنا بتحديد تعريف يشمل الأنظمة الصناعية الرأسمالية الحالية ، ومن ثم نضع تعريفًا علميًا شيوعيًا جديدًا يواجه الأنظمة الصناعية الرأسمالية الحالية ، ونُدقق ما مدى الشبه بين تعاريف اليوم مع تعاريف الماضي ، ونعتمد هذا المنهج الجديد الى حين تحقق السلطة الكاملة للأتمتة وحينها تنتفي الحاجة بالتمام للماركسية ، ولكن ؛ هل تنتفي الحاجة للماركسية ؟؟.. يُذكرني هذا السؤال بسيناريوهات درامية تُنذِر بكارثة تُطيح بالتكنولوجيا وتُرجِع العالم الى عصر بدائي فيضطر أحدهم للبحث عن أدوات ومعدات قديمة ليستخدمها في صناعة راديو أو جهاز بث لاسلكي ويهرع لكل ما تقع عليه يده لتسيير حياته اليومية .. هل فهمتني عزيزي القارئ !! .
الماركسية لا تبحث في تطوير الآلة ، ولا تنهمك في الارتقاء بالتقنيات الألكترونية ، فهي لا تُناقش ما بداخل الأجهزة الكهربائية ومكونات الآلات وما يتعلق بتراكيب التكنولوجيات ، وكذلك لا تبحث في تطوير البايولوجيا البشرية لإنتاج نوع من البشر متفوق ، وأيضًا لا تبحث عبر علم النفس للتأثير في المُلّاك الرأسماليين بما يخدم الطبقة العاملة ، فإذا ما حدثت كارثة ما سببت فناء الأتمتة وأرجعت الناس لعصر ما قبل الثورة الصناعية فلا نتوقع من الماركسية أن تزودنا بأرشيف علمي تكنولوجي ، أو يخبرنا بالطرق العلمية للتعايش مع الظروف الطارئة ، وكذلك لن تنفعنا الرأسمالية في ذلك الإندحار . أن المصنع وآلاته لم يُنتجه شيوعي ، ولا رأسمالي ، والأتمتة ليست من اختراع شيوعي أو رأسمالي ، وكل مافي الأمر أن الشيوعي وكذلك الرأسمالي توجها لقاعدة من الناس فأقنعوها أن هُناك خلاص وعدو ، فالنظام المُروَج له هو الذي سيُحقق الخلاص النهائي ، والنظام الآخر هو العدو الذي ينبغي أن يواجه وبقوة لإسقاطه كشرط لتحقق لحظة الخلاص التاريخية ، فبشرت الشيوعية بالحتمية التاريخية ، وبشرت الرأسمالية بنهاية التاريخ ، مع أن العقيدتين في حقيقتيهما عقيدتين أخلاقيتين أكثر من كونهما عقيدتين علميتين ، وبالحقيقة أن ليس هُناك من عقيدة علمية ، بل هناك مبحث علمي ، فنحن لا نقول بأن نسبية آينشتاين عقيدة ، ولا الفيزياء الكمومية كذلك .. هل فهمتني عزيزي القارئ !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سندوتش بالتنمية البشرية.. ماما دهب بعتبر كل زبون جزء منى و


.. الأمير وليام يستأنف أنشطته بعد إصابة كيت بالسرطان




.. -ناسا- تتهم الصين بالقيام بأعمال عسكرية في الفضاء وتحذر من و


.. كل يوم - متحدث مجلس الوزراء: رئيس الوزراء حريص على القيام بج




.. فريق طبي أردني ينطلق لشمال قطاع غزة لتقديم الخدمات الطبية