الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى ، ألكورد و المعضلة العراقية و سياسات التعريب

رزكار نوري شاويس
كاتب

(Rizgar Nuri Shawais)

2019 / 6 / 9
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ألأحداث التي مرّت عبر تأريخ الجغرافية التي اطلق عليها اسم العراق صقلَت الصورة التي عليها البلد الآن ، وهي تؤكد أن التعصب و توأمه العنف جرّا على هذه البقعة من الأرض ( التي يستوطنها خليط ( غير متجانس ) من القوميات و المذاهب ، لكل منها حقها المشروع في الحياة و الحلم بأوضاع أفضل ) ؛ الكثير من المآسي و النزاعات و خلفت جراحا عميقة يصعب البراء منها طالما كانت نزعة التعصب سمة الحكم و الحكام فيها . فعلى مدى عهود الحكم التي تعاقبت عليها لم يتعظ الخلف بما آل إليه مصير السلف و اللعنات التي لاحقت عهده ..
تغيرت الوجوه و استمر التعصب راسخ الجذور في العقول ، فكل تغيير في الحكم حرّكه التعصب و ليس منهجا للأصلاح ، فكان حصاد الشعوب العراقية مع كل موسم حكم جديد المزيد من الفواجع و الكوارث ، و هكذا استمر الحال ، فتغلغلت أخلاقيات العنف و التعصب التي اتسمت بها انظمة الحكم ، في عقائدو افكار العامة و سلوكياتهم و طباع جمعياتهم و احزابهم ..
آفة تعششت في ذهنياتهم و ادمغتهم المخدرة بالخوف و سوداوية النظرة للمستقبل و بالآنانية وانهيار قدرات الثقة بالذات و بالآخرين في مجتمع تفشى فيه روح الولائات المنافقة و جشع استجداء المنفعة من أي كان و بأي وسيلة كانت ، بينما هم ساهون عن ثروات و خيرات بلادهم التي ينهبها من تمشي كلمته على حكامهم من الطامعين في الجوار ومن هم وراء البحار . كل هذا و معها اخلاقيات التشرذم و التكتل العشائري و القبلي التي طغت على السلوك الأجتماعي كناتج لسياسات القمع و ثالوث التعصب العراقي (المذهب – العقيدة السياسية - القومية )التي انتهجها الحكام كل حسب اتجاهه و مزاجه ، و التي جعلت من ارهاب السلطة و الصراعات الداخلية سمة للبلد و لحالة عدم استقرار دائمة ، الأمر الذي يعني فقر مزمن لأهم عنصر من عناصر النماء و التقدم الحضاري .
و في الواقع ( و لابد من قولها صراحة ) ، انه ما من حكومة على كوكب الأرض خرقت كالحكومات العراقية قوانينها و خالفت دساتيرها و انقلبت مرارا و تكرارا على قيم ومواثيق التعايش و مباديء الشراكة الوطنية في مجتمعها ، لذا لم يكن خروجا عن اللباقة الدبلوماسية عندما كانوا يصفونها بالحكومة المارقة أو الخارجة عن القانون ..!
جميع الحكومات التي حكمت العراق كانت رؤيتها للقانون و الدستور أن تكون الاسلحة المعـنوية التي تكتم بها كل احتجاج و صوت معارض و الأقفال التي تغلق بها قبضتها على الحكم ..
حكومات تعاقبت على الحكم و اغلبها بأنقلابات دموية ، منها التي ادعت الديمقراطية و منها الأشتراكية و تلك القومية ، فشوهت و هتكت كل قيم الديمقراطية و الأشتراكية و القومية ، و ربّت الشعب عبر وسائل اعلامها الديماموغية و اقلامها المأجورة على كل ماهو محرف و مشوه و مبتور من الأفكار و العقائد .
مامن ديمقراطية تحترم قيمها و جوهرها ، تسعى الى قمع و محاصرة التعددية الحقيقية بفرض نفس العقيدة و المذهب على الجميع بمسميات مختلفة ، فالديمقراطية الحقة لا تعني تأسيس عشرات الأحزاب تحمل جميعها نفس الفكرة و تمضي على نفس النهج و تلبس نفس اللبس ..!
(2)
أجل .. لقد عانى الشعب العراقي بمجموعه أشد معاناة من عصبيات التمييز العرقي و المذهبي و الفكري السياسي ، و التربية عليها ، و لم تسلم أية قومية أو طائفة أو أسرة أو حتى فرد بمن فيهم الحكام و زمرهم انفسهم من تأثيراتها المأساوية المفجعة ..
و قد كانت المسألة الكوردية ( و أقول عنها المعاناة الكوردية ) في العراق واحدة من أبرز مشاهد القمع و التمييزالقومي منذ تأسيس الدولة العراقية التي كان لكورد كوردستان الجنوبية دورا ايجابيا فاعلا في تأسيسها و في عملية تحقيق نوع من التوازن المذهبي في الدولة الناشئة ، لكن ومقابل هذا الموقف الكوردي و الأمل في بناء وطن شراكة يعيش فيه الجميع بأخاء و سلام ، كان جزاء الكورد كثاني اكبر قومية في نسيج المجتمع العراقي ؛ الأجحاف و الأنكار المتعصب لحقوقهم المشروعة ، و هذه حقيقة تؤكدها العديد من التقارير و الوثائق السياسية و المخابراتية للعديد من الدول ( القريبة و البعيدة ) المعنية بالشأن العراقي و تلك التي كان لها ضلعا في رسم سياساتها .
لقد شوهّتْ المطاليب العادلة للشعب الكوردي و حركته التحررية بأشكال و الوان و صيغ منوعة و فُسرت و حللت باتجاهات متعددة و اغلبها حملت سرا و علنا روح الأنكار و العداء و الرفض الشوفيني المتعصب لهذه المطاليب المشروعة كحق انساني ، بل حملت بعضها عداءً سافرا للأنسان الكوردي لمجرد انه كوردي ..! كل ذلك تحت شعار و فكرة ( وحدة و عروبة العراق كجزء لا يتجزأ من الوطن العربي ) .. الفكرة البعيدة كل البعد عن الواقع الجغرافي و التأريخي و التركيبة الأثنية للبلد .
غالبية انظمة الحكم في العراق جعل من هذا الطرح الشعاراتي العاطفي ، الوسيلة لحشد تأييد عروبي لأنكار حقوق الكورد في العراق بل و حتى شطب وجودهم القومي و هم الأثنية الأصيلة و الأقدم وجودا في المنطقة . و هكذا فإن كافة الثورات الكوردية جاءت كردود أفعال مشروعة على تلك السياسات العنصرية الظالمة و المتعصبة ، و برغم كل ما ارتكب بحق الكورد من ابشع انواع حملات الابادة و القمع ، تمسكوا بمبدأ التعايش و الشراكة العادلة في بلد يسع الجميع و بحاجة لسواعد الكل لتأسيس سلام حقيقي تنعم في رحابه كل الاطياف العراقية بالرخاء و الازدهار .
و اليوم و نحن على عتبة مرور مئة عام على تأسيس الدولة العراقية ، لايزال الوضع الكوردي ازاء تعامل الحكومة العراقية معه يعاني من الكثير من ( الغموض و الخلل ) ، بتعبير اخر ، يعاني و من أوجه عدة من اشكال منوعة من الضغوط و المماطلات و المواقف الشوفينية المتعنتة بل وانكارا صريحا لحقوق تأريخية و جغرافية أساسية في العديد من المناطق الكوردستانية ، مثل هذه المواقف لا يمكن تفسيرها الا بأنها تشكل استمرارا لسياسات الماضي العنصرية ضد الكورد و مناطقهم في كوردستان العراق ، خلافا للدستور و اتفاقات قانونية تؤكد على معالجة و تصفية اثار السياسات العنصرية الغاشمة لنظام الحكم الصدامي البائد في كوردستان و اعادة الحقوق التأريخية لكل ذي حق مغتصب او مفقود .
أن المتابع لتطورات الأوضاع السياسية و الأجتماعية ما بعد احداث ( 16 اوكتوبر 2017 ) و التي كان لاحدى دول الجوار دورا اساسيا فيها ، يلاحظ انها في محافظة كركوك على سبيل المثال لا الحصر ، انها ليست سوى تكرارا صريحا و صلفا لسياسات الماضي المقيتة ضد شعب كوردستان و مناطق سكناهم التأريخية ، فهناك تواجد عسكري مكثف لا يمكن وصفه بأقل من الأحتلال و الحكم العسكري ، الذي يتواصل في حماه سياسات التعريب و ترهيب السكان من غير العرب ، بينما يؤدي المحافظ بالوكالة و هو شخص ذو ماض سياسي مشبوه دور شرطي امن من عهد صدام أو عضو فرقة بعثي يحرض و يحرك بخبث ، يسهل و يمهد بحماس كل السبل لتنفيذ هذه الممارسات العنصرية ، ناهيك عن ابعاد و عزل العشرات من الموظفين و المسؤولين الأداريين من غير العرب عن مراكزهم الوظيفية بل و حتى مطاردة البعض منهم بتهم ملفقة ، و أيضا التغاضي عن اعتدائات المواطنين العرب المستوردين على غيرهم من المواطنين من السكان الاصليين و منها التجاوز على ممتلكاتهم و ملكياتهم و مزارعهم و احراق محاصيلهم ، حيث أتت الحرائق المدبرة في موسم الحصاد الحالي على محصول الاف الدونمات المزروعة بالحنطة ( فقط في الفترة مابين 30 مايس الى 6 حزيران ) و تدبير الحرائق لا يزال مستمرا تحت سمع و أبصار قوى الأمن و الجيش و الميليشيات المذهبية التي تركت ايضا العديد من المنافذ و الممرات مفتوحة امام بقايا عصابات داعش الارهابية ، يتسللون منها لتنفيذ نشاطاتهم الارهابية ضد القرى الكوردية و سكانها الامر الذي يشكل ايضا عاملا قسريا ارهابيا لتهجير و ترحيل سكان القرى الكوردية عن مناطقهم و ذلك بتنسيق غير مباشر ( حسب قول اهالي المنطقة ) بين القوات الحكومة العراقية و داعش .
ما ذكرناه أعلاه ليس سوى لمحة عابرة لمشهد واسع ، كئيب و خطير .
خلاصة القول .. إنّ المطلوب وطنيا و عراقيا وضع حد نهائي لمثل هذه الممارسات البغيضة التي تمثل امتدادا لسياسات الماضي السوداء ، فبناء الوطن الموحدلا يمكن انجازه إلاّ بتأسيس شراكة وطنية حقيقية عادلة و مضمونة بين كافة اطيافه و نبذ كل اشكال التعصب و فرض الارادة السلطوية على اسلوب حياة الاخرين و تحريم و تجريم الاستمرار على انتهاج و تفعيل سياسات الماضي العنصرية و احيائها و الالتزام بالقانون و الدستور لحل المشكلات الاثنية العالقة بعيدا عن افتعال الحجج و التنقيب عن ثغرات للألتفاف عليها .
نعم ، لن يتم بناء الجديد إلأ بطّي صفحات الماضي و التقدم نحو المستقبل في بيئة امنة و مستقرة خالية من مناهج التعصب و العنف و الحكم بعقلية الطغاة و المستبدين ..
بعكس هكذا لن يتغير شيء من حال العراق نحو الأفضل ، بل ستكون وتيرة انحداره الى الهاوية أسرع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط