الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشَّعرُ ...غزارة في الإنتاج و سوء في التوزيع

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 6 / 9
الطب , والعلوم


انتبه الكاتب الانكليزي المشهور جورج برنارد شو في أحد الأيام إلى مسألة الصلع أو فقدان الشعر في مقدمة الرأس وغزارته في أماكن أخرى, فقد رُوي عنه جملة مشهورة رداً عن تساؤل الناس لماذا لحيته طويلة وشعر رأسه خفيف قال: إن شعر رأسي يشبه النظام الرأسمالي, غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع.

إن الفهم العميق لبيولوجيا الشعر قد يتيح يوماً ما للباحثين والأطباء أن يبدلوا جينة معيبة في جريبات الشعر بواسطة المعالجة الجينية أو أن ينمو الشعر في أطباق لاستعمالها في الجراحة التطعيمية, لأن تعقد معضلة الصلع يماثل فهم كيفية تشكل أحد الأطراف في الجنين. إنه مطلب طموح؛ إننا نكتشف الكثير, ونكتشف هذا الكثير بسرعة كبيرة. إنه الزمن الأمثل لدراسة بيولوجيّة الشعر. لعل هذه الدراسات والأبحاث تسهم في القضاء على الصلع عند البشر, بحيث تصبح غزارة الإنتاج مترافقة مع عدالة في التوزيع.

اقترح علماء البيولوجية التطورية ثلاثة تفسيرات لسبب فقدان البشر لشعر أجسامهم تدور حول فكرة واحدة, هي احتمال أن تكون هناك فائدة من الفقدان المتزايد للشعر خلال الستة ملايين سنة الأخيرة من عمر البشر على الأرض, أي منذ أن افترق خطّ تطورنا عن خطّ تطور أقرب أسلافنا من الرئيسيات العليا.

النظرية الأولى تقترح أنه قبل ستة ملايين إلى ثمانية ملايين سنة مضت, كان لدى أسلافنا نمط من الحياة شبه مائي, فقد كانوا يبحثون عن الطعام في المياه الضحلة ولم يكن الشعر عازلاً فعّالاً في الماء, ومن هنا فإن النظرية تفترض أن تطورنا أدى إلى الاستعاضة عن هذا الشعر بمستويات مرتفعة نسبياً من الشحوم في الجسم, وذلك شبيه بما حصل للثدييات المائية الأخرى.

النظرية الثانية فتذهب إلى أن التخلص من الشعر أدى إلى تحكم أفضل في درجة حرارة أجسمنا عندما تلاءمنا مع العيش في سهول السافانا. فقد أدى تجول أسلافنا تحت أشعة الشمس إلى معاناة شديدة والشعر يغطي أجسامهم.

وفي الوقت الحاضر تقترح النظرية الثالثة أن التكيف مع البيئات المختلفة يتماشى مع العرى, لأنه قد قلل من انتشار الطفيليات الخارجية. فالشعر الكثيف يقدم ملاذاً آمناً وجذاباً للطفيليات مثل القراد والقمل والذباب القارص. فهذه المخلوقات لا تقتصر على التخريش والمضايقة, بل تتجاوز ذلك إلى نفل أنماط من الأمراض, قد يكون بعضها قاتلاً. ومع تمكن البشر من إضرام النار وبناء المساكن وإنتاج الملابس صار بمقدورهم التخلص مما يحملونه من شعر على أجسامهم, ومن ثم من معظم طفيلياتهم من دون أن يعانوا البرد. ولكن في الأصل ما هي آلية نمو الشعر وكيف نشأت وتطورت؟

هناك إسهامات حديثة من ميادين عديدة وضعت إجابات مقبولة لهذا التساؤل. حيث بدأ علماء الأحياء من سنوات قليلة بإيجاد أدلة جديدة عن سيرورات النماء في الكائن الحي . وقد ساهمت البيولوجية التطورية في إعطائنا وسيلة قوية لاستقصاء منشأ الشعر. في سن الخمسين, يعاني نحو نصف عدد الرجال والنساء فقدان الشعر, الذي يتمثل نمطياً في تراجع شعر فروة الرأس, وفي حدود الصلع لدى الرجال, وخفة منتشرة في شعر النساء. وبالمقابل, يَقلق عدد لا يحصى من الجنسين لأن شعراً أكثر مما ينبغي ينبت حيث لا يرغبون. استنبط المجهريون وعلماء البيولوجية التطورية ومختصون آخرون مخططاً جيداً للخطوات المذهلة التي تؤدي إلى تشكل جٌرَيّبات الشّعر- البٌصَيّلات البالغة الصغر التي تٌنتج ساق الشعرة- في الجنين المتنامي. وكذلك وصفوا دورة إنتاج الشعر عند البشر بين تساقط ونمو جديد.
يتألف جريب الشعرة الناضج من بُنية بصلية تشبه وعاء الأزهار, تنتج ساق الشعرة. ويدور الجريب طوال الحياة بين طوري النمو وعدمه. تشير الدراسات الحديثة إلى أن البروتينات تؤدي دوراً رئيسياً في تحريض الخلايا الجلدية الجنينية على صنع جريبات شعرية, ثم تحث هذه الجزيئات, فيما بعد, الخلايا الجريبية لتنتج الشعر. تتكون جريبات الشعر أثناء الحمل استجابة لتخاطب متبادل بين الطبقة الخلوية الجنينية العلوية, وبين الطبقة الخلوية الوسطى مشكّلة الحٌليمة الجلدية لجٌريب الشعرة. وتتحول هذه البنية إلى ما يشبه القيادة المركزية فهي تأمر الخلايا الشعرية لتتكاثر أكثر فأكثر, وتتحول إلى جٌريب شعري مكتمل. وفي نهاية الحمل, يأتي الوليد إلى العالم ومعه خمسة إلى ستة ملايين جٌريب شعري, تتوزع فوق الجسم بطراز محدّد وراثياُ. ولن تتشكل جريبات جديدة بعد ذلك. وتكاد راحة اليد وأخمَص القدم تكونان المنطقتين الوحيدتين اللتين لا تحتويان حقاً على جريبات شعرية. أما المناطق الأخرى التي تبدو عارية من الشعر, فإنها في الواقع تنتج شعراً قصيراً دقيقاً.
تبدأ الجريبات دورتها في خلال سنتين أو ثلاث سنوات من الولادة. واتضح أن الدورة الواحدة تشتمل على ثلاثة أطوار رئيسية:
1- الطور الهدمي: تموت الخلايا الخارجية المتوضعة تحت الانتفاخ, ولا تخلف وراءها إلا الحٌليمة الجلدية, وغشاءً كان يكسو سابقاً المنطقة الميتة. وفي أثناء موت الخلايا, يتقلص هذا الغشاء, ساحباً الحٌليمة الجلدية إلى الأعلى باتجاه الانتفاخ, وفي فروة الرأس تستغرق هذه الرحلة نحو أسبوعين. وفي أثناء ذلك, تفقد ساق الشعرة مرساتها في أعماق الجلد وتسقط.

2- الطور الإنمائي: طور الهجوع هذا يستمر في فروة رأس الإنسان قرابة ثلاثة أشهر, ولكن يمكن لعدد من العوامل أن تعدّل أمد هذه المرحلة, فمثلاً, بسبب نتف الشعرة أو جرح جريّبها تقصر أمدها.

3- الطور البنائي: تشرع بعض الخلايا الجذعية التابعة للانتفاخ في الانقسام, ثم تهاجر نحو الأسفل, مستهدية بالغشاء القاعدي, لتتحول إما إلى خلايا أمية وإما إلى خلايا الغمد الخارجي للجذر. وما إن تتشكل خلايا أمية حتى تشرع في التكاثر, لتعطي في النهاية خلايا الشعرة والغمد الداخلي للجذر, مكررة الخطوات التي تحدث في أثناء التنامي الجنيني. ويشير التكرار ضمناً إلى أن سيرورة تطور البناء ربما تٌضبط بواسطة عدد من الجزيئات الإشارية نفسها التي تنشط في أثناء مراحل التنامي.

تٌنتج جٌريبات طور النمو بوصة من الشعر كل شهرين تقريباً, وتستمر عادة على هذه الوتيرة ما بين ست إلى ثماني سنوات. ويحدد طور البناء المدة التي تبقى فيها الشعرة الواحدة قادرة على النمو. ونمطياً نجد في اليوم الواحد من حياة إنسان في عامه العشرين أن قرابة 90 في المئة من جريبات الفروة تكون في مرحلة منتجة لشعر نام ٍ, وأن نحو 10 في المئة تكون في مرحلة التوقف عن النشاط , إذ يتساقط منها يومياً ما بين 50 و 100 شعرة. وتحدث خِفة كثافة الشعر عموماً ليس لأن الجريبات تختفي, بل لأن نسبة الجريبات في طور النماء إلى تلك التي في طور الانماء تتحول إلى صالح الأخيرة؛ وكذلك تنكمش كثرة من الجريبات في الإنسان المتجه إلى الصلع انكماشاً مطرداً, لتنتج في النهاية شعراً قصيراً عديم اللون. قلة من الناس تتقبل تساقط الشعر برباطة جأش, كيف إذاً يمكن للعلم أن يساعدهم؟ تتمثل الأخبار البيولوجية السارة في أن جٌريبات الشعر لا تموت في معظم أنماط خِفة الشعر. فمثلاً, تغدو الجريبات في الأنماط الكلاسيكية لفقدان الشعر في الذكور والإناث منمنة, ويٌختصر طور نموها, فتنتج عندئذ شعراً بالغ القصر والنعومة. حتى الصلعان يملكون شعراً قليلاً في قمم رؤوسهم, وفي حالة أكثر ندرة, يٌنهي طور نمو الجريب قبل أوانه بتأثير هجمة مناعية ذاتية, فيتساقط الشعر على شكل لٌطخ, وفي الحالات الشديدة يشمل هذا التساقط الجسم بكامله, ومع هذا, فإن الجريبات تستمر حية.
طرائف علميّة عن الشعر:
-يُروى أن يوليوس قيصر كان يمشط خصل شعره الضئيلة إلى الأمام كي يغطي صلعته, كما كان ينتف الشعر الزائد من جسمه.
-يمكن للصلع المعتاد للرجال أن يورث من أيّ الوالدين. ويبدو أن جينات كثيرة لها صلة بالأمر.
-إن قصَّ الشعر, على خلاف العادة الشائعة, لا يزيد من سرعة نموه أو زيادة كثافته.
-تعطي الجريبات ذات المقطع العرضي المستدير شعراً أسيلاً, في حين تعطي الجريبات الأكثر تسطحاً في مقطعها العرضي-القطع الناقص أو الإهليلج, بالإنجليزية -Ellipse خصلات شعر أشدّ تجعداً.
-تسبب أدوية السرطان الصلع لأنها تقتل الخلايا التي تنقسم بسرعة, بما في ذلك الخلايا التي تتكاثر بطريقة عابرة في أثناء إنتاج الشعر. ويعود الشعر أخيراً إلى النمو لأن الأدوية لا تلحق الأذى بالخلايا الجذعية التي تعوّض الشعر المفقود.
-يقف شعر رأس الإنسان عندما تتقلص على نحو فجائي متساوق عضلات بالغة الصغر ترتبط بجُريبات الشعر, وأسباب ذلك كثيرة منها الفقر, فقد يقف شعر رأس الفقير عندما ينزل إلى السوق وجيوبه من المال خالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط جسم من الفضاء على منزل في فلوريدا.. خبير يشرح لـCNN سبب


.. مدينة أثينا تتحول للون البرتقالي بسبب غبار الصحراء




.. الجزائر تستعد لإعادة إحياء نشاط صناعة الهواتف الذكية بعد توق


.. أبو عبيدة: فاتورة الدماء التي دفعها شعبنا لن يكون مقابلها سو




.. صور الأقمار الاصطناعية تظهر إقامة عشرات الخيام الجديدة في جن