الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري (1)

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2019 / 6 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


سادتي القراء الأعزاء... في سلسلة جديدة سنأخذ مسقطاً رأسياً على حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري؛ بمعنى؛ هل كانت الفتوحات ‏العربية؛ جرائم حرب أم عبادة وجهاد في سبيل الله؟... وهل كان عدد السبايا أكثر ممن يعتنقون الدين حقاً ! فجميع الشعوب والحضارات مارست ‏التوسع الاستعماري، وبعضها جاءت باسم الدين، فهل أن الديانة المسيحية تشترط الجهاد بقتل غير المسيحي أو إلزامه الجزية كما الإسلام؟ وهل كانت ‏الحملات الصليبية على حق؟ أم أن الفتوحات الإسلامية هي التي على حق؟ ... وهل تقوم الحضارات على عوائد السبي والسلب والنهب وأسواق ‏النخاسة ؟! فإذا كان الأمر كذلك فأجدادي أكثر شرفاً من الصحابة، برغم أنهم لم يكونوا مسلمين، لكنهم شيدوا حضارة من المال الحلال.. من الكد ‏والتعب والجهد والعرق وشيدوا الأهرامات بسواعدهم وصنعوا البرديات بأيديهم ودونوا علومهم بعقولهم .. وليسو وحدهم بل كل شعوب الحضارات ‏فعلت أكثر من ذلك، العراق القديمة وفارس والصين والهند القديمة والشام وأوروبا .. جمع الشعوب المدنية شيدت حضارات بسواعدها ودونت علومها ‏بعقولها، ونشرت ثقافاتها في كل الدنيا ...‏

وربما لا يعرف كثيرون أن كل إنسان مكلف بالفطرة بنشر السلام والدعوة للخير والمعاملة بالحسنى، وكل الشعوب التي تؤمن بوحدانية الله ‏وتعتنق ديانة الإسلام السماوية مكلفة بنشر هذا الخير بين الناس جميعاً. وليس فقط العرب هم المكلفين بنشر الإسلام، فالمسيحيون كانوا قبل الإسلام ‏مكلفين بنشر عقيدة التوحيد والإيمان على نهج عيسى عليه السلام، وربما لا يعرف معظمنا من المصريين الفتاة المصرية فيرينا، وهي مصرية نشأت ‏بالقرب من مدينة الأقصر، ويعنى اسم فرينا‎ ‎باللغة المصرية‎" ‎الثمرة أو البذرة الطيبة". هاجرت فيرينا من مصر ضمن حملة طبية سنة 300م تقريباً وعاشت ‏في وسط أوروبا، وفي سويسرا تحديداً، كانت فيرينا‎ ‎‏ ضمن‎ ‎حملة طبية مع‎ ‎بعض الفتيات المصريات الذين كانوا يعدون الطعام ويقومون برعاية الجرحى ‏وغير ذلك من الأعمال التطوعية الإنسانية، ولما توفى أفراد الحملة الطبية كلهم، لم تغادر المكان عائدة إلى مصر، وإنما اندمجت في الشعب السويسري ‏وقامت بتعليمهم أسس العلاج والتداوي باستعمال بعض الأعشاب الطبية، وليس ببول الإبل، وعلمتهم أن النظافة من الإيمان، وعلمتهم أصول الطهارة ‏والحفاظ على النظافة الجسدية بالاغتسال بالماء وأن الوقاية خير من العلاج.. ‏

مكثت فيرينا في مكانها فعلمت الشعب الوثني أصول ديانتها المسيحية التي جاءت بها من مصر، علمتهم عقيدة التوحيد وعبادة الله بدلاً من ‏الأوثان، واكتشف الحاكم الروماني أمرها فأودعها السجن، ولكنها بعد مدة خرجت من السجن وعادت لما كانت تفعله من أجل الإنسانية.‏‎ ‎وتوفيت ‏فرينا في سنة 344م وبنا سكان المنطقة فوق قبرها كنيسة في مدينة تمبورتاخ‎ ‎بسويسرا، وعند منتصف الجسر المقام على نهر‎ ‎الراين‎ ‎بين ‏سويسرا‎ ‎وألمانيا‎ ‎أقيم لها تمثال وهى تحمل جرة بها ماء، أم اليوم فيبلغ عدد الكنائس التي تحمل اسمها في سويسرا وحدها 70 كنيسة وفي ألمانيا 30 ‏كنيسة‎.‎‏ وما زال المسيحيون يرسمون صورتها وفي يدها أبريق ماء وفي الأخرى"المشط المصري" الذي استخدمته المصريات منذ العصر الفرعوني ضمن ‏أدوات التجميل، ما زال المسيحيون هناك يرسمونها على هذا النحو تخليداً للدور الإنساني الذي قامت به هذه الفتاة المصرية في العناية بالمرضى في هذه ‏المناطق، وفي تعليم أهلها النظافة والإيمان، ومنذ أكثر من سبعة عشر قرناً، لم يكن أحد يعرف الإيمان في أوروبا، لكن اليوم جميع الأوروبيين مسيحيين.. ‏هكذا نشرت هذه الفتاة المصرية دينها في أوروبا.. ‏

وبذات الطريقة الدعوية وصل الإسلام إلى الهنود الحمر في أمريكا الشمالية واللاتينية، ‏‎ ‎فيذكر الشريف الإدريسي في مسالكه عندما تحدث عن ‏مجموعة من الشباب الأندلسيين من مدينة لشبونة ذهبوا في رحلة بحرية للمنطقة الواقعة خلف المحيط الأطلسي (الأمريكتين) ونشروا فيها الإسلام واعتنق ‏سكان هذه المناطق الدين الإسلامي.. وقد أشار باحثون وكتّاب من الغرب إلى علاقة الهنود الحمر بالإسلام‎ ..‎‏ فذكر "ليون فيرنيل" البروفسور في جامعة ‏هارفرد فى كتابه "أفريقيا و اكتشاف أمريكا‎ ":" ‎إن كريستوفر كولومبس كان واعياً الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا قبل مجيئه إليها‎ "‎وقد أورد ‏كولومبس ذلك بنفسه فى مذكراته‎" ‎إن الهنود الحمر يلبسون لباساً قطنياً شبيهاً باللباس الذي تلبسهُ النساء الغرناطيات المسلمات " وذكر أنه وجد ‏مسجداً فى كوبا.. كما أن أول وثيقة هدنة بين كريستوفر والهنود الحمر موقعة من رجل مسلم اسمه محمد ( الوثيقة موجودة في متحف تاريخ أمريكا بتوقيع ‏بحروف عربية من رجل من الهنود الحمر اسمه محمد‎ ‎‏).‏‎.‎‏ وهذا ما يعني أن الإسلام وصل إلى هذه المناطق بالطريق الطبيعي الدعوي الهادئ دون أية حروب.‏

أما ويقول المؤرخون: عندما بدأت حركة الفتح المباركة على أرض‎ ‎العراق، قام الخليفة الراشد‎ ‎أبو بكر الصديق‎ ‎بتكليف قائدين من أمهر قادة ‏العرب وهما‎ ‎خالد بن الوليد‎ ‎وعياض بن غنم الفهري، وكان كلاهما مشغولاً بقتال المرتدين، فأمر أبو بكر خالد الوليد أن يفتح العراق من أسفله، وأمر ‏عياض غنم أن يفتح العراق من أعلاه، وجعل بينهما منافسة شريفة لصالح الإسلام بأن قال لهما‎: «‎أيكما أسبق في الوصول إلى المدائن فهو الأمير‎». ‎‏ ‏‏!!‏

والمدائن كانت عاصمة العراق.. وتبين هذه المنافسة الشريفة والتي بنيت على إرشادات الخليفة – مع حسن الظن بالجميع- أن هذه لم تكن ولا ‏يمكن أن تكون وسيلة لنشر دين.. لا إسلام ولا مسيحية ولا يهودية، ولا يمكن أن تكون وسيلة لدفاع لأنه لم يكن هناك أي تهديد من العراق أو ‏الفرس للعرب، بل إن الخليفة قسم الجيش نصفين ووزعه على جبهات متعددة للهجوم، وهذا ما يعني قوة الجيش وقدرته على محاصرة المدينة واختراقها في ‏ناحتين منفصلتين عن بعضهما، أي تطويق المدينة من الخارج، ومن كان بإمكانه تطويق المدينة ليس في حاجة للدفاع عن نفسه من هجوم هذه المدينة، ‏غير أن العراق لم تكن تمثل أي تهديد للعرب. ثم أن المنافسة الشريفة ! قامت على السلطة والولاية والإمارة لا على نشر السلام والإسلام، حيث قال ‏الخليفة موجهاً خطابه للقادة العسكريين: أيكما أسبق في الوصول إلى المدائن فهو الأمير " ! ‏

يقول جدنا الحكيم المصري "بتاح حتب: وهو يوصي ابنه؛ الذي عمل وزيرًا لأحد ملوك الأسرة الخامسة؛ يوصي ابنه فيقول: «… كن حاذقًا في ‏صناعة الكلام، لأن قوة الرجل لسانه، والكلام أقوى من أي محاربة…»، ويقول له أيضًا: «إن الفرد الذي يحمل فضيلة الحق في قلبه أحب إلى الله من ‏نور الظالم... اعمل شيئًا حتى يُعمل لك بالمثل‎».‎‏(1)‏

وبرغم أن رسالة النبي محمد عليه السلام هي الرسالة السماوية الأكمل، وقد جاء بها رحمة وسلاً للعالمين، وهو خاتم الرسل وهي خاتم الرسالات ‏السماوية، حملها نبي السلام إلى البشرية جمعاء، حمل رايته البيضاء، لكن العرب ما إن توفى رسول الله حملوا راية سوداء واحتلوا بها العالم كي ينادوا ‏بالسلام ! فالدين عقيدة وإيمان، وطبيعة الشعب لا تعبر عن طبيعة الدين وأسراره ومبادئه بأي حال، فالخطأ وارد من البشر أينما كانوا.. ولا نذكي أحداً ‏على الله. فقد ظل فقهاء الإسلام عبر القرون يقنعون الناس بأن الجهاد يعني قتل الكافرين من أجل الله، والاستحواذ على أمواله وأطفاله سبايا لاغتصابهم ‏أو لبيعهم في أسواق النخاسة، وكل ذلك ظل ثابتاً ثبوت العقيدة ومن ثوابت الأمة، وحينما ثارت الأجيال الحديثة ضد هذا الفكر المتطرف، وتساءل ‏الناس كيف للفاتحين أن يمارسوا عادات الجاهلية ويتركوا مبادئ الإسلام في احترام الإنسانية، برغم أنه لم تكن هناك حاجة للحرب أصلاً، صار الفقهاء ‏يبررون بأن طبيعة الحرب كانت كذلك (قتل وذبح وسلب ونهب وسبي واغتصاب واستعباد) وأن الفاتحون ليسوا استثناء من الحروب، فجميع الحروب ‏تغتصب النساء والأموال والدور، وهكذا فعل الفاتحون، ثم إذا تساءل المعترضون (فما الفرق بين المسلم وغير المسلم إذن؟ طالما الجميع يتبع عرفاً إجرامياً ‏واحداً؟) ولماذا قامت الحرب أصلاً؟ برر الفقهاء بأن الحرب في الإسلام ضرورة لصيانة العرض والنفس والمال، وأن الفتوحات إنما كانت لتأمين الدعوة ! ‏إذا رفض حكام البلاد الأخرى دخول المشايخ والدعاة لنشر دين الله فيها ! ‏

ونتساءل، مَن مِن الدعاة المبشرين والمشايخ من الصحابة تم منعه من دخول العراق؟، و مَن مِن الدعاة المبشرين والمشايخ من الصحابة تم منعه ‏من دخول فارس؟ وما أسماء المترجمين معهم؟ و مَن مِن الدعاة المبشرين والمشايخ من الصحابة تم منعه من دخول الشام؟ و مَن مِن الدعاة المبشرين ‏والمشايخ من الصحابة تم منعه من دخول مصر؟ وما أسماء المترجمين بين اللغة العربية واللغة الفرعونية؟ و مَن مِن الدعاة المبشرين والمشايخ من الصحابة ‏تم منعه من دخول الصين وماليزيا وكوريا وأندونسيا؟ ومَن مِن الدعاة المبشرين والمشايخ من الصحابة تم منعه من دخول الأندلس؟ إذ أن طارق زياد لم ‏يكن يجيد اللغة العربية أصلاً ولا يجيد اللغة الإسبانية، ومع ذلك تمكن من دفع رجاله خلسة في السفن المدنية التجارية عبر مضيق البحر المتوسط إلى ‏بلاد الأندلس، وتجمع هناك عدة آلاف، ثم لحقهم طارق بجيشه المسلح في خمس سفنٍ حربية مزودة بالسلاح اللازم لغزو أسبانيا واحتلالها، وكان جيش ‏طارق لا يجيد اللغة العربية أصلاً فكيف أجاد دينها؟ إذ أن هذا الجيش كان أغلبه من البربر الأمازيغ ومعهم فقط ثلاثمائة رجلٍ عربي، فلماذا طالما تمكن ‏الرجال من دخول البلاد في السفن المدنية لم يدعهم ينشروا دين الله وأمرهم بالاختباء حتى عبر إليهم بالسلاح ومزيد من الرجال ثم هجم ليلاً على الناس ‏الآمنين؟ هل كان ذلك لينشر الدين؟ فلماذا خرجوا بعد ثمانمائة عام دون أن ينشروا دينهم في الأندلس؟‎ ‎بينما الفتاة المصرية فيرينا نشرت دينها في أوروبا ‏بأكملها ؟ الفتاة المصرية فيرينا وحدها نشرت المسيحية في أوروبا خلال ثلاثين عاماً فقط، بينما العرب قضوا ثمانمائة عام في أوربا بمئات الآلاف من ‏الرجال والسلاح والدروع ولم ينشروا الإسلام فيها، بقيت الفتاة المصرية خالدة بالمشط وإبريق المياه، بينما عاد العرب بمئات الآلاف من السبايا والأطفال ‏والبنات التي خطفوها واغتصبوها والأموال التي نهبوها.. وهذا ما يعني حتماً أن هذه الفتاة كانت تعرف الإسلام أكثر مما عرفه العرب كلهم، ولهذا ‏تملكت قلوب الأوربيين إلى اليوم، ونقشوا اسمها على جميع منابرهم.. ‏

يقول ابن كثير:" لما فرغ‎ ‎خالد الوليد‎ ‎من‎ ‎اليمامة، بعث إليه‎ ‎الصديق‎ ‎أن يسير إلى‎ ‎العراق، وأن يبدأ‎ ‎بفرج الهند، وهي‎ ‎الأبلة، ويأتي‎ ‎العراق‎ ‎من ‏أعاليها، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله، عز وجل، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية، فإن امتنعوا من ذلك كله قاتلهم في الله، وأمره أن لا يكره أحداً ‏على المسير معه، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام، وإن كان قد عاد إليه، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين، وشرع‎ ‎أبو بكر‎ ‎في تجهيز ‏السرايا والبعوث والجيوش إمداداً‎ ‎لخالد، رضي الله عنه".‏‎ ‎

هذا ما أثبته المؤرخون عن الصحابة في فتوحاتهم، ونتمنى أن تكون هذه الروايات غير صحيحة أو أن يكون هذا التاريخ مزوراً حتى ترتاح ‏ضمائرنا، وحتى لا تدفعنا إلى الإساءة إلى الصحابة، برغم أن هذه الأحداث رواها كافة المؤرخين الإسلاميين أنفسهم، حتى البخاري أورد إيجازاً عنها ‏بذات التفاصيل المفزعة ودون تعليق!، لكن على فرض أنها حدثت بالفعل، فنحن نتساءل، كيف يعهد الخليفة إلى قائد جيش بمهمة نشر الإسلام ‏والدعوة إليه؟ ومنذ متى كان قادة الجيوش رجال دين؟ وهل هناك قائد جيش في مهارة خالد الحربية وكفاءته العسكرية يصلح أن يكون داعية ويرغّب ‏الناس في دينه؟ إذ كان خالد لا يعرف غير لغة السيف والترهيب والتخريب والقتل والذبح، حتى أنه ذبح مالك ابن نويرة وزنا بامرأته وشوى رأسه تحت ‏القدر وطبخ عليها طعامه ليرهب الناس منه قبل أن يروه، فكيف يرغب الناس في دينه؟ واعترض الصحابة على ذلك وذهبوا ليشتكوا إلى الخليفة ‏وتضامن معهم عمر ابن الخطاب، وبرغم ذلك عذره الخليفة أبي بكر، وقال لعمر" لن أشيم سيفاً سله الله على الأعداء" ! ، أي أن الخليفة كان يعلم ‏مدى جبروت خالد وفظاعته في التعامل مع الناس، وتمسك به قائداً على الجيش لأنه خلصه من المعارضين سياسياً ودينياً، وتمسك به قائداً للجيش، وفي ‏ذات الوقت ناشراً للدين؟ وهل تكون طليعة نشر الدين هي الجيوش؟ منذ متى كانت الجيوش تنشر الأديان؟ لكن حتى في هذه الحال، فهل يصلح مثل ‏هذا القائد بالدعوة إلى الدين؟ وهو لم يعد في قلبه رحمه ولا رفق بالناس.. هو قائد عسكري محترف بالفعل، لكن ما علاقة قادة الجيوش والكفاءة الحربية ‏بنشر الأديان؟ فالطبيعي في الماضي أن من يبشر بالدين يكون إما راهباً أو قساً أو شيخاً أو عابداً أو نبياً يتقرب إلى الناس يعرفهم بالدين وأحكامه ‏وحكمه وسماحته، لكن كيف نعهد إلى قائد جيش بنشر دين؟ فالجيش فقط للدفاع عن المجتمع وليس لنشر الدين.. لكن هذه كانت أفكار العرب ‏وطريقتهم في نشر الدين، وهي ليست من الدين في شيء، بل هي من ثقافة العرب التي أصبحت ديناً للمسلمين في ربوع العالم. ‏

بل إننا نتساءل لو تقابل خالد الوليد وماجلان فأيهما سيدخل الجنة ؟؟ ولو تقابلا أمام محكمة العدل الدولية فأيهما سيحصل على البراءة أو ‏الإدانة ؟؟ فكلاهما سعى لنشر دينه متزعماً الجهاد في سبيل الله بالسيف والرمح والدرع معاً، ففي عام 1521 م بمجرد أن توقفت وانكمشت حركة ‏الفتوحات العربية "الإسلامية" اشتعلت حركة الفتوحات الأوروبية المسيحية، حيث وصل الأسبان بقيادة "ماجلان" إلي الأرض المعروفة اليوم بالفلبين, ‏هاجموا جزيرة تدعى "ماكتان" عليها سلطان شاب مسلم يدعى "لابو لابو" الذي رفض الخضوع لماجلان" أو للصليب.. طلب "ماجلان" من "لابو" ‏التسليم قائلًا: "إنني باسم المسيح أطلب منك التسليم، ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد".. فأجابه "لابو": "إن الدين ‏لله وإن الإله الذي نعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم"‏

ففي هذه الواقعة التاريخية، نجد كلا القائدين يتحدث باسم الدين، وكلاهما يتزعم الجهاد في سبيل الله، فماذا يكون المعيار للفصل بينهما؟ هل ‏كل من آمن بدين يصبح له الحق في إكراه الآخرين على اعتناقه وإلا احتلال بلادهم كما طلب ماجلان؟ ومنذ متى تستخدم الكلاب الحربية في نشر ‏الأديان؟

وعندما وصل خالد الوليد مشارف العراق بعث برسالة إلى أهلها يقول: " (( أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم، فأنتم من المسلمين، لكم ‏ما لهم وعليكم ما عليهم، وإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم الجزية فقد أُتيتم بأقوامٍ هم أحرص على الموت منكم على الحياة.. جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا ‏وبينكم)). ثم قبل أهل العراق دفع الجزية وفداء أنفسهم وأموالهم" (2)‏

ويتضح من هذه الرسالة إن صح تأريخها أن خالد الوليد هو أول من بدأ مشروع الحرب لنشر الدين، وأوّل من أجاد كتابة الإنذارات الحربية باسم ‏الدين قبل ماجلان ونابليون بونابرت، أو ربما وافقه على ذلك الخليفة الذي وجهه إلى هناك بجيشه لنشر الدين، فقد انتهى من حرب الردة وانتقل بذات ‏حركته العسكرية إلى العراق قبل أن يجف عَرَقه، وهناك فارق شاسع بين (الحرب التي شنها لتصفية المعارضين دينياً وسياسياً برغم كونها غير مشروعة) ‏وبين (الفضيلة والجهد المطلوب بذله لنشر الدين ومبادئه وقيمه وتعريف الناس به)، لكن خالد جعل من الحرب العدوانية وسيلة لنشر الدين أيضاً ! ‏فكيف استخدم العرب ذات الوسيلة في قمع المعارضين وهي ذاتها الوسيلة استخدموها في نشر الدين؟ فكيف يكون دين سلام ويبدأ نشره بالحرب؟ ‏وكيف يكون التمهيد له بالحرب والتهديد والوعيد؟ وكيف تكون رسالة الإسلام متضمنة في لفافة إنذار حربي؟ .. وبما أننا نحن المصريون لم نكن نعرف ‏اللغة العربية في هذا الوقت ولا يمكننا فهم رسالة خالد، فليتطوع أحد أمراء السعودية اليوم من قبيلة بني مخزوم ليفسر لنا رسالة جده خالد الوليد، أو ‏يشرح لنا ما علاقتها بنشر الدين !‏

أرسل إليهم رسالته والتي في مضمونها لا تصلح تبشيراً بدين حنيف، وإنما إنذاراً حربياً بالإكراه على الدين أو بدفع الجزية وإلا القتل، ذلك لأن ‏نشر الدين يقتضي تعريف ما هو مفهوم الدين ومقتضياته وفرائضه وحكمه وأحكامه السمحة وترغيب الناس فيه، كما نشر إبراهيم عليه السلام دينه ‏ونشر موسى عليه السلام دينه ونشر عيسى عليه السلام دينه، وكما كان يبعث رسول الله بسفرائه إلى البلاد المجاورة يعيشون وسط أهلها ويعاشرونهم ‏ويختلطون بهم ليتعرف الناس على دينهم واقعياً ويحتكون بقيمه ومبادئه لا بمجرد قراءة اسم الدين الجديد في لفافة مطوية بعث بها جنرال حربي، وعند ‏تحليل هذا الخطاب سنجد فيه العجب العجاب؛ إذ أن الدعوة إلى دين جديد يجب أن تبدأ بخطابات ترغيب متكررة، ثم تعريف وشرح وتفصيل. ‏

إلا أننا نجد أن المبادئ التي بُني عليها هذا الخطاب هي مبادئ فاسدة وعدوانية في حد ذاتها تعبر عن ثقافة العرب لا عن الدين، وقوامها خارج ‏تماماً عن الإسلام؛ ذلك لأنه لم يعرّف الطرف المرسل إليه بما هو مضمون هذا الدين، فقط اقتصر بقوله" سيكون لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم" ‏وإلا دفع الجزية، وإن رفضتم فالقتال"، وهذا ما يؤكد فساد المبادئ التي قام عليها خطابه؛ ذلك لأن النبي عليه السلام حينما فرض الجزية على غير ‏المسلمين في مكة، فكان ذلك على أهل مكة الذين عاهدوا الرسول بعدم الحرب والسماح لأصحابه بالحج ثم نكثوا عهودهم وحضوا عليه وعاونوا ‏الأعداء لحربه، فكان جزاءهم هو دفع الجزية، وهي بمثابة التعويض أو الشرط الجزائي المترتب على خرق العهود. أما إخضاع مجتمع عنوة لتحصيل الجزية ‏منه، فهذه حرب استعمارية لم تحدث أبداً وما كان لها أن تحدث في عصر النبي. ‏

ولو قلنا أن خالد حارب العراق بسبب منع حكامها دخول الدعاة المسلمين لنشر الإسلام، فلم يرد ذلك في الإنذار الذي أرسله إليهم، ولم ‏يطلب منهم السماح بدخول دعاة من عنده لتعريف الشعب بمبادئ الإسلام، بل طلب منه تسليم حكم البلاد. ولو قلنا أن حاكم العراق كان يقتل ‏المسلمين عنده، لكان أولى بخالد أن يعنفه على ذلك ويزجره ويمنعه ويأمره بالسماح للمسلمين بالعيش والانتشار وإلا الحرب، لو حدث ذلك ورفض ‏حاكم العراق لكان منطقياً أن يحاصر خالد بلاده ويهدده بالاستسلام وإلا الحرب.. ‏

لكننا نعود إلى مبدأ خالد الذي فرض الجزية على أناس لا يعيشون معه في ذات الوطن، ولم يخرقوا عهده ولم يغدروا به ولم يعتدوا عليه ولا يقدم ‏لهم أي خدمات أمنية، بل هو يأمرهم بالخضوع له عنوة، ثم أنهم في حال رفضهم الجزية سيكون مصيرهم القتل، وهذا يعني أن القتال ليس لرفضهم ‏الإسلام كما في حرب الردة، ولكن لرفضهم دفع الجزية صراحة، كما رفض الردة دفع الزكاة فحاربهم أبو بكر بجيش بقيادة خالد أيضاً. ‏

إذ أن أمر قبول أو رفض الدين قد انتهى ولا إكراه، لكن طالما رُفض الدين بدأ الإكراه!، وبقي الخيار ما بين الجزية والقتل، أحدهما بديلاً عن ‏الآخر، فإن دفعوا الجزية عصموا أنفسهم وأموالهم من القتل، وإن رفضوا الجزية عرضوا أنفسهم للقتال وأموالهم للنهب ونساءهم للاغتصاب وأطفالهم ‏للخطف! فما ذنب النساء والأطفال؟. وهذا بالطبع لا يدخل ضمن الإسلام في شيء، ولا يمكن للإسلام أن يضع إنساناً بين خيارين كلاهما أصعب من ‏الآخر إلا إذا كان هذا الإنسان هو السبب في هذا الوضع، ثم ما ذنب هؤلاء الأبرياء أن يتم حصرهم بين هذين الخيارين (الجزية أو القتل) ؟ أليس ‏الأصل في الإنسان براءة الذمة؟ أم أن ذنبهم أنهم رفضوا الدين؟ أليس الأصل أنه لا إكراه في الدين؟ فهل تترتب عقوبة دفع الجزية على رفض الدين؟ ألا ‏يعتبر ذلك إكراه وعدوان على الناس؟ هل كان ذلك بسبب رفضهم للإسلام؟ فإذا كانوا قد رفضوا الإسلام، فما هي فائدة الحرب؟ وبالطبع لم يكن ‏الأمر نشراً للدين ولكن كان احتلال وإن هم رفضوا احتلال أرضهم ودافعوا عن وطنهم وعرضهم ونسائهم وأطفالهم، فسيكون مصيرهم القتل وخطف ‏أطفالهم ونسائهم وبيعهم في أسواق النخاسة.. ذلك عمل قطاع الطرق في زمنهم، إذ كان اللصوص يهجمون على المدن أو القرى أو القوافل التجارية ‏بذات الإنذار وذات الخيارين، إما الدفع وإما القتل! وكانت عادة العرب قبل الإسلام أن تغير القبائل على بعضها للسلب والنهب وأخذ السبايا من ‏النساء والأطفال.. ولا يمكن أبداً أن تكون هذه السلوكيات هي ذات الوسيلة التي اتبعها الإسلام لتمهيد طريقه للانتشار في البلاد. ‏

وكانت الدولة العربية قد تأسست وتحددت مقوماتها في يد الخليفة، وانصرفت أنظار الجميع إلى الاستمرار في نشر دعوة رسولهم الكريم، وهنا وقع ‏الخطأ الكارثي الثاني؛ فليس بالجيوش الزاحفة والإرهاب والقتل والخطف والنهب والسلب وتشريد الأطفال والنساء تنتشر الأديان.. إنما الأديان هي ‏رسالات السلام.. بل كان من الضروري أن يسعى الخليفة في تشكيل مجموعات من الدعاة وتأهيلهم ونشرهم في البلاد والأحياء يتولون الدعوة إلى الله، ‏بشرط أن يكون سلوكهم الشخصي نموذجاً يحتذي به ويمثل الإسلام، ويعرفون الناس بالدين الإسلامي، كما كان يفعل الرسول بإرساله سفراء ودعاة ‏ومبشرين من أمثال مصعب ابن عمير ومعاذ ابن جبل وغيرهم كثير.. لكن الخليفة عهد بالمهمة إلى شخص وحيد يتكفل بها كاملة.. كان هو قائد ‏الجيش! هذا الشخص هو خالد الوليد.. أكفأ قادة الجيوش الحربية في ذلك العصر.. ولم يكن لديه دراية حقيقية بالدين ولا سمعه أحد يقرأ آية من كتاب ‏الله أو يروي حديثاً عن رسوله الكريم.. فقط هو جنرال يعرف كيف يغرس السيف في صدر الضحية، وكيف يقذف بالسهام وكيف يطعن بالرماح.. ولا ‏يعرف أن يلقي خطبة الجمعة..‏

وهذا ما جعله ينتقل من حرب الردة إلى حرب العراق وفارس مباشرة، بنظرية الحصّادة الدوّارة وبذات الخطوة العسكرية المعتادة.. لم يفرق بين ‏الحرب والقتل والقمع ونشر الدين، واعتبر كلاهما جهاد.. فانتقل إلى العراق وأرسل إنذاراً حربياً إلى أهل العراق يطالبهم بالاستسلام وفرض أحكامه، ‏وإما دفع الجزية، وإما الحرب.. !!!‏

ونعود هنا لنؤكد أن نشر الدين كان بحاجة إلى إعداد لجنة من الدعاة والسفراء المبشرين والمترجمين، لا محاصرة البلاد بالجيوش الجرارة وإرسال ‏إنذارات حربية تهدد بالإكراه على الدين أو دفع الجزية أو القتل.. وما كان يليق بالإسلام أن تقف جيوش العرب محاصرة مدن العراق، ويدور حوار بين ‏قادة الجيوش حول "نشر الدين".. فالدين هو دعوة سلام إلى الله، ولا يجوز مطلقاً الحديث بشأنه في ظل الحصار العسكري؛ لأن الله تعالى يقول " لا ‏إكراه في الدين" وهذه الآية تعبر عن حقيقة مطلقة ومنطقية في عقول البشر؛ لأننا لا يمكن أن نتصور كيف يتم إكراهنا على الاقتناع بفكرة معينة ! أو ‏كيف يتم إكراهنا على قبول تصور ديني معين ! فالله هو من خلق البشر وهو أعلم بنفوسهم ومكنونها، ولذلك قال تعالى " ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة ‏والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".. ونشر الدين يكون بهذه الدعوة، حتى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام والده للإسلام وترك صناعة الأصنام ‏وعبادتها، لكن والده رفض وقال له: إن لم تهجرني ملياً لأرجمنك.. فدعا إبراهيم له بالهداية ولم يهدده بدفع الجزية وإلا القتل.. لكن الغريب أن يتخذ ‏المسلمون من سلوك خالد الوليد ديناً لهم ويتركوا حديث الله جانباً ويعتبروه منسوخاً وموقوفاً ! ولا يستحي الفقهاء من ذلك، وإنما يستحيون من ‏الاعتراف بخطأ بشري وقع فيه الخليفة أبي بكر الصديق أو قائد جيشه خالد الوليد.!‏

ففي البداية كانت الحرب جهاداً وحملاً ثقيلاً عل المكلفين بها، وفي الوقت ذاته كانت مصلحة لآخرين مثل حبيب ابن يساف الذي خرج مع ‏المسلمين في بدر وهو غير مسلم، وحين رده النبي أسلم رغبة في الغنيمة. فكانت الغنائم سبباً رئيساً في مشاركة الكثير من العرب في الحروب، لأن حياة ‏المجتمع العربي بداءة قامت على السطو والنهب والسلب وليس البناء والتعمير، ولم تقم في شبه جزيرة العرب حضارة يوماً ما مثل حضارة سبأ أو الحضارة ‏المصرية، ولم يكن لهم سلطة حكم مركزية تنظم المصالح المشتركة والعلاقات بين القبائل، بل كانت القبائل من عادتها أن تهجم على بعضها البعض ‏وتخطف النساء والأطفال والصبيان لبيعهم في أسواق النخاسة، وتنهب الأموال وتخرب البيوت.. فكانت الحرب والغنائم والسبي في الأصل مصدر دخل ‏قومي رئيس لهذا المجتمع، وعندما جاء الإسلام، بدأ في القضاء على هذه السلوكيات الوحشية، لكنها كانت متأصلة بعمق في نفوس البشر حتى بعض ‏من أسلموا منهم.. ولذلك نجد أن المعارك التي دخلها الرسول وخسرها، كانت الهزيمة فيها بسبب الغنائم، فكان البعض يتسرع في اقتناص الفرصة وغل ‏ما يستطيع قبل اقتسام الغنائم.‏

فنجد في معركة أٌحد، أن الصحابة الرُماة الذين وقفوا فوق الجبل لحماية ظهر المسلمين (لم يكونوا منافقين) لكنهم خالفوا أوامر الرسول بعدم ترك ‏مواقعهم الدفاعية، ونزلوا مسرعين من فوق الجبل لحصد الغنائم، وهو ما أدى إلى انكشاف ظهرهم وأتاح الفرصة للقائد المغوار خالد الوليد (قبل إسلامه) ‏للالتفاف عليهم من خلف الجبل وتطويق المسلمين جميعاً، وهو ما أدى إلى وقوع خسائر فادحة بينهم، حتى أشاع بعضهم مقتل الرسول، وتراجعوا عن ‏الاستمرار في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومن هنا نزل الوحي لأول مرة معاتباً موبخاً إياهم " أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم؟ " فالله جل ‏وعلا يعرف طبيعة المجتمع العربي جيداً.‏

وفي المرة الثانية، في فتح مكة، عندما أمر الله رسوله بمنع كفار مكة من الحج حول بيته الحرام، لأنهم كانوا يطوفون بالبيت المقدس عرايا، فتزمر ‏بعض المسلمين (الصحابة) من هذا الأمر الإلهي لأنه كما قالوا سيفقدون مصدر الدخل ! الذي يحصلون عليه من بيع خدماتهم للحجاج الذين يطوفون ‏عرايا حول بيت الله..! (وهذه المشكلة ما زالت في السعودية إلى اليوم يفرضون جمارك ورسوم باهظة على الحجاج وخدماتهم) ولما قال الله تعالى " ‏سيرزقكم الله من حيث لا تعلمون" فسر المفسرون ذلك بأن المقصود بهذه الآية هو " الجزية " التي سيفرضونها على الناس ! ومن هنا استمرت حروبهم ‏بعد رحيل الرسول باعتبارها رزق ومصدر دخل لهم، كما فهموا من قول الله أنه سيرزقهم مصادر دخل بديلة! ومصادر الدخل البديلة هذه هي الحروب ‏والسطو والنهب وفرض الإتاوات والجزية والخراج.. حتى أن أكبر مفسري القرآن على مدار التاريخ قالوا بأن المقصود بهذه الآية هو الجزية التي سيفرضونها ‏على الناس أو الغنائم التي سيحصون عليها بعد الحروب، فكانوا على قناعة داخلية بأن الحروب والإغارة هي مصدر دخل ورزق لهم..برغم أن الله تعالى ‏يقول في آية أخرى: إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ).. أي أن الفهم ‏الصحيح للقرآن يجعل من المستحيل تفسير الآية الأولى " سيرزقكم الله من حيث لا تعلمون" بأن هذا الرزق من تحصيل الجزية والغنائم والسبايا، لأن ‏الجهاد يبدأ بالتضحية بالمال ثم النفس، وليس من أجل المال، ولا يمكن أن يعلق الله رزقاً إنسان على قتل إنسان آخر، لكن هكذا فهم العرب دينهم.. ‏فهذه فلسفة الصعاليق التي تجعل من الحرب والإغارة رزق لبعض الناس.. وكأن العقلية العربية ترسخت على أن الحرب والقتل هو مصدر دخل رئيس لهم ‏سواء بفرض الجزية لتفادي الحرب أو بتحصيل الغنائم بعد الحرب أو بفرض الجزية والإتاوات..! هكذا العرب يخلقون مصادر رزقهم من الصحراء ومن ‏الصخر والرمال، فهل يعجزون عن استخدام الدين كمصدر دخلٍ سخي لهم؟

وبالنظر إلى طبيعة هذا الشعب البري والاختلاف الجذري بينه وبين الشعوب الدنية مثل العراقيين والمصريين أو الشاميين والصينيين، فهذه ‏الشعوب اعتادت أن تأكل من عمل يدها ومن الكد والتعب وبذل الجهد والعرق، وليس من الإغارة واقتناص أرزاق الناس كما اعتاد العرب، فالصحابة ‏العرب كانوا وما زال أحفادهم يتفاخرون بنهب قصور كسرى وقيصر !.. ولذلك ارتضى العرب بحياة الصحارى والترحال ونقل الخيام من مكانٍ لآخر ‏دون حنينٍ إلى الأوطان، بينما هذه الشعوب المدنية استقرت على أودية الأنهار وأقامت السواقي والنواعير وحفرت القنوات والجسور كي تروي الأرض ‏وتغرس وتحصد وتصنع الورق وتقطع الأحجار وتبني القصور والعمارة، لا أن تخطف وتجري بعيداً في الصحراء كما العرب الثعالب.. ولذلك تفننت هذه ‏الشعوب المدنية في صناعة روافع المياه والآلات الميكانيكية التي تساعدهم على العمل والإنتاج والإعمار، وابتكروا آلياتٍ عديدة.. فحياتهم تقوم على ‏العمل في صمتٍ هدوء، لا الجري بالخيول في الصحراء ورمي السهام... ونقصد هنا العرب بوجه عام، البدو منهم والحضر، لأنه حتى العرب الحضر هم ‏بدو بالنسبة للشعوب المدنية وشعوب الحضارات، فهم بدوا يسكنون في تجمعات صحراوية ومصدر رزقهم هو الصحراء ويأتون للمدنية في زيارات فقط ‏لكنهم لا يتعلمون منها شيء .. ذلك ببساطة لأن الشعوب المدنية تقوم حياتها على منظومة ثابتة وعناصرها متلازمة هي (الفكر والعمل والبناء ‏والإنتاج) وبغير هذه العناصر الأساسية لا تقوم الحضارات، إنما دولة الصحابة العرب قامت بغير هذه العناصر، قامت على بيت المال الحرام والذي ‏شكل مصدر الدخل القومي الوحيد للعرب من عوائد أسواق النخاسة والسبي والأسر والإتاوات والجزية والخراج ...إلخ. وبرغم كل هذا لم يستخدموه في ‏‏(عمل –بناء – إنتاج) وإنما استخدموا ما نهبوه في الاستهلاك فقط ! ولهذا سقطت دولتهم مبكراً في قرنها الرابع لأنها قامت بلا أسس وقواعد متينة... ‏

المصادر؛
‏1-‏ د. حسين دقيل – أستاذ الآثار وكاتب وباحث في الأدب – مقال بعنوان " من أخلاق المصريين القدماء (1) الصدق – منشور على موقع ساسة ‏بوست بتاريخ 1 فبراير 2018 على الرابط التالي : ‏https://www.sasapost.com/opinion/pharaohs‏/‏
‏2-‏ ‏(ابن كثير – كتاب البداية والنهاية ص 513/9)‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ


.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا




.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟