الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر

شوقي إبراهيم عثمان
(Shawgi Ibrahim Osman)

2019 / 6 / 14
الادارة و الاقتصاد


التصدير يجب أن يكون ورقة خيار ومساومة وليس عقيدة عبيطة، رؤية نطرحها للشعب السوداني وللإقتصاديين الموهوبين غير التقليديين.

• تاريخ هذه المقالة:

1. كتبت هذه المقالة في عام 2005م لصحيفة الأضواء ردا على بعض صحفيي الرأي العام الإقتصاديين وأصحاب العمل، ثم نقحت للتحسين لكي تأخذ طابعا موضوعيا مستقلا عام 2007م، 2009م والآن 2011م.
2. أزعجت هذه المقالة الإقتصاديين التقليديين الذين يسوسون السياسات الاقتصادية في السودان، وهم لا يدركون أنهم ضحية خديعة البنك الدولي وأدبياته التي روجها في الفترة 1968-1985م بشعار "زيادة معدلات التصدير تزيد من معدلات التنمية للدول النامية"، وهي فترة رئاسة روبرت ماكنيمارا 1968-1981م. تم الترويج للشعار بشكل موازي مع إسقط هذه الدول النامية في الديون غير قابلة للسداد (السودان 16 مليار دولارا فترة النميري) – راجع الكتاب الذي قرأه رئيس الجمهورية ومدحه وأشار إليه في حوار مع قناة النيل الأزرق، وترجمته إعترافات رجل مافيا إقتصادي، تأليف جون بيركينز، confessions of an economical hit man by john perkins.
3. هذه الكتاب طلبته فور إصداره في أغسطس 2004م من الولايات المتحدة الأمريكية وكان ثمنه وقتها 25 دولارا، إستشعارا مبكرا لأهميته، وكتبت عنه بمقالة في صحيفة الأضواء في 20 مايو 2005، وأيضا بنفس التاريخ في سودانيزاونلاين، بعنوان: إعترافات رجل مافيا إقتصادي.
4. أهديت نفس هذا الكتاب للصحفي فيصل محمد صالح في 2005م بهدف أن يروج له، وللأسف لم يفعل.
5. هذا الكتاب ترجمته دار نشر لبنانية إلى العربية في عام 2008م بعنوان مذكرات قرصان إقتصادي: الإغتيال الإقتصادي للأمم، ووصفته على أنه من أهم الكتب. روجت له دار النشر المترجمة وصفحة قناة الجزيرة الإسفيرية بشكل غير أمين في شقيه الذين يتعلقان بدور الملك فيصل، الدور الأول إجبار دول الأوبيك بيع زيتها بالدولار حصريا وليس بسلة عملات 1971-1973م، وبهذه الخدعة أضطرت أو أجبرت 160 دولة غير بترولية لبيع كل صادراتها بالدولار لكي تدفع للأوبيك فاتورة الزيت المرتفعة بالدولار – وهكذا أصبح الطلب على الدولار ثابتا. والدور الثاني: قطع الملك فيصل البترول بأمر وتنسيق من الولايات المتحدة في حرب أكتوبر 1973م – لنشل (إحتياطيات) البنوك المركزية العالمية المتفخة بعملة الدولار (خاصة اليابان، ألمانيا، فرنسا..). ملحوظة: ربط قطع البترول في حرب 1973م بتحرير القدس كذبة روجتها السفارة السعودية في القاهرة عام 1975م على يد صحفيين مستنفعين أمثال إبراهيم نافع الخ.
6. قرأ رئيس الجمهورية عمر البشير الطبعة المترجمة بالعربي عام 2010م ولا نقطع بأمانة الترجمة من عدمها – أي بعد ستة سنوات من الإصدارة الأصلية. هذا التأخير يعكس عدم جدية المستشارين المحلقين حول الرئيس في تنوير رئيس الجمهورية.
7. د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان السابق نال درجة الدكتوراه عام 1982م، وعمل فورا بصندوق النقد الدولي مستشارا لسبعة سنوات 1983-1990م. ترأس بنك السودان لفترة عمرها ستة عشرة سنة أوصلت الوضع الإقتصادي على ما هو عليه اليوم من فساد مالي وتجويع للشعب السوداني وسياسات ترتبط بالبنك الدولي بشكل خفي. أطروحته لنيل الدكتوراه عام 1982م من جامعة سيراكيوزا الأمريكية، هي:

Stability of exports and its impact on the economic development in developing countries, the Sudanese Experience, Syracuse University, 1982. (Trade & Development Financing)

وترجمة الأطروحة: ثبات عمليات التصدير والصادرات وأثرها على التنمية الإقتصادية في الدول النامية، التجربة السودانية مثالا، جامعة سيراكيوز، 1982م، (تمويل التجارة والتنمية).

8. العنوان أو االمحور الرئيسي لأطروحة الدكتوراه لدكتور صابر هو: تمويل التجارة والتنمية. د. صابر قصد تمويل التجارة والتنمية بدولار واشنطون طبعا، وهي نفس فترة روبرت ماكنيمارا = إقتراض قروض loans للتجارة والتنمية عبر تمويل البنك الدولي، هذه القروض في الواقع غبر قابلة للسداد – لأن وكالة الأمن القومي الأمريكية جندت إقتصاديين أمريكيين داخل المؤسسات الأممية والشركات الأمريكية لكي يغروا الدول النامية الضحية بقبول القرض إعتمادا على دراسة جدوى أقتصادية مضروبة أو مغشوشة من قبل هؤلاء المجندين – لذا هي ليست قابلة للسداد. جون بيركينز كان أحد المجندين بدءا من عام 1969م وأعترف بذلك وندم على فعلته – أقرأ كتابه.
9. هذه المقالة هي على نقيض كامل لأطروحة دكتوراه د. صابر محمد حسن.

مع بداية نمو التجارة العالمية في القرن السابع والثامن عشر وحتى التاسع عشر، تبنت الدول الأوروبية ومن خلفها بقية دول العالم ومستعمراتها العقيدة الاقتصادية التي تقول أن التصدير يزيد من الثروة الوطنية، بينما الاستيراد يضر من النمو الاقتصادي المحلي.

هذه العقيدة، وتسمى العقيدة التجارية mercantilism أغرت معظم دول العالم حينذاك لكي تتبنى أساليب الحمائية حتى تستطيع أن تحدث مستوى مرغوب من التوازن في الميزان التجاري، ويعني حرفيا المزيد من التصدير والتقليل من الاستيراد، ولم يدر في خلد تلك الدول حينذاك أنه فخ بريطاني استعماري - تسلم الدول سلعها الحقيقية لبريطانيا مقابل اللهث خلف عملة ذهبية أو ورقية مغطاة بمعدن الذهب، فضلا عن أن بريطانيا نفسها وضعت يدها على مناجم الذهب العالمية في مستعمراتها وهكذا أغلقت الدائرة. وبهذه الدائرة المغلقة الخديعة أصبحت كل موارد العالم الحقيقية تصب في جيب بريطانيا العظمى.

ولكن الإقتصادي آدم سميث كتب كتابه (ثروة الأمم، عام 1776م) لكي يدين ويستنكر هذه العقيدة البريطانية، وحذر الشعب الأمريكي من العقيدة التجارية – وبالطبع قصد آدم سميث بريطانيا العدوة اللدودة لشعب الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أستقل عنها بثورته 1775م وبإستقلاله في 4 يوليو 1776م. وبالرغم من التوجه العام ضد بريطانيا، لكن كتاب ثروة الأمم ما زالت له قيمة في عالم الإقتصاد اليوم، وبشكل خاص ما يتعلق بالليبرالية الإقتصادية، إلى درجة أن جامعة شيكاغو زورت وحرفت أقواله في الليبرالية الاقتصادية وأنزلته أي طبعته وكأنه الأصل – خديعة كبرى، جامعة شيكاغو يمتلكها اليهودي جون دافيد روكفيللر.

لقد حذر آدم سميث من أن نساوي أو نساوق ما بين النقود والثروة – الثروة هي مثل القطن، والضأن، والبترول، والصمغ...الخ، فالنقود مهما تعددت أنواعها..والثروة السلعية هما في رأيه ليسا شيئا واحدا، وذكر في كتابه ما نصه: (الثروة الحقيقية أو الفقر الحقيقي لدولة ما يعتمد بالمطلق على وفرة أو ندرة هذه السلع الاستهلاكية). فإذن على حسب قوله تصدير السلع الحقيقية رذيلة إقتصادية. وأستثنى استيراد سلع رخيصة، ونكرر سلع رخيصة ومفيدة في آن واحد لسد الحاجة الاستهلاكية، وكذلك استيراد السلع الرأسمالية (الآلات، الماكينات..) قد يزيد من ثروة الأمم أكثر من تركيم إحتياطيات من العملات النقدية الورقية أو الذهبية أو الفضية أو جميعهم كمحصلة للتصدير.

ويقول سميث نصا: (الدولة التي -طبقا للمجادلة السابقة- تشترى النبيذ ستجد دائما النبيذ حاضرا عندما تأتي مناسبة الحاجة له، أما الدولة التي تشتري الذهب والفضة وتراكمهما كاحتياطي لن تكون في حاجة أبدا لهذين المعدنين). ولذلك، طبقا لأقوال سميث، يمكننا اعتبار التصدير تكلفة غالية، ينحر أو يستنزف السلع المنتجة محليا لدولة ما أو يستنزف خاماتها، بينما المكسب التجاري يستمد حقيقته من الاستيراد شرطا إذا كان رخيصا ومفيدا، أي تزيد معه ثروة البلاد. عقيدة آدم سميث الاقتصادية هي عكس العقيدة التجارية البريطانية mercantilism التي تتبنى عقيدة التصدير.

الآن يمكننا أن نسأل: كيف يدور الاقتصاد العالمي؟ هل بنظرية ال mercantilism أو بنظرية آدم سميث؟ الجواب على هذا السؤال سيحدد موقفك من قضية عقيدتي التصدير والاستيراد، أي أيهما الرذيلة وأيهما الفضيلة. ليس صدفة أنني استخدمت لفظة عقيدة، أي بمعنى ديانة. ولقد تمت تربية دول العالم الثالث الاقتصادية بأسلوب خبيث وماكر لكي تؤمن بالتصدير على أنه يزيد من ثروتها حتى أصبح التصدير في وعيها ووجدانها ديانة. وعليك أن تستنتج أن الدول الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية طبقت عقيدة آدم سميث في خفية، بينما الكتلة السوفيتية القديمة اكتفت بذاتها وعملاتها المحلية ورفضت الاشتراك في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. رفض ستالين عضوية هاتين المؤسستين بعد العرض الذي قدمه له الأمريكي اليهودي اللتواني هاري ديكستر وايتHarry Dexter White رئيس وفد الولايات المتحدة في معاهدة بريتون وودز وأول رئيس لصندوق النقد الدولي. والدليل على أن الدول الغربية حقيقة تستخدم نظرية آدم سميث في خفية أن الولايات المتحدة تستهلك 95% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي GDP بينما تصدر منه فقط 5%، وما تحتاج إليه إضافيا من سلع حقيقية تحصله بطبع ورقة أو وريقة تسمى الدولار وهي عملة ورقية هوائية لا قيمة لها fiat money ليس مقابلها ذهب منذ 15 أغسطس من عام 1971م. أضف إلى ذلك بدءا من عام 1973م وتلك الخدعة المذكورة في المقدمة، أصبح الدولار مغطى بزيت الأوبيك، رغم أن هذا الزيت لا تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن تعريف النقود الهوائية بالتالي:

A fiat currency: (A fiat currency is an enforceable decree issued by a king, dictator´-or-other government agent. Fiat money is paper´-or-tokens made legal tender by fiat rather than by -convert-ibility into commodity-money).

ولكي نتم التعريف بالكامل نقول أن ال commodity-money هي النقود التي يتم صبها بمعدن نفيس مثل الذهب أو الفضة، وبعض القراء العواجيز قد يتذكرون حبوباتهم عندما استخدمن في سابق الزمان الجنيه الإسترليني الذهبي وكن يعلقنه في رقابهن كعقد بعد معالجته لدى الصاغة بثقبه أو عمل حلقة إضافية لكل قطعة.

أما أوروبا، فتستهلك 90% من إنتاجها السلعي القومي الاجتماعي المحلي الإجمالي بينما تصدر 10% منه فقط. وبإصدار عملة اليورو يناير 2002م، يمكن لأوروبا الآن أن تطبع عملة هوائية ورقية مثل الدولار fiat currency وتتحصل على سلع حقيقية مقابل هذه الوريقات الزرقاء، وسيعيد اليورو تاريخ الدولار.

إذن في كل الأحوال لا يمكن مساواة أو مساوقة العملة الورقية ولا حتى الذهبية أو الفضية بالسلع الحقيقية مثل القطن، والماشية، والصمغ، والسمسم، والبترول..الخ وهي لا شك الثروة الحقيقية لأية أمة. والرسوم التالية عملتها بنفسي لتقريب المسألة للقارئ ذهنيا وهي توضح النظام البريطاني القديم والنظام الأمريكي 1944م الحديث:

وبالطبع يمكنك عمل بعض الرتوش الإضافية لهذه التصميمات مثل إسقاط دول العالم الثالث وبقية العالم أجمع بمجموعها في كمين الديون والفوائد المركبة لكي تصدر سلعها وخاماتها بكل طاقتها القصوى. فتصبح وظيفة دول العالم الثاني والثالث فقط التصدير – أي تصدير سلعها الحقيقية للولايات المتحدة، وبريطانيا وأوروبا.

فمثلا في المثال أو الرسم الأول ما قبل 1944م أي قبل معاهدة بريتون وودز كانت بريطانيا تمنع دول العالم مثل مستعمراتها السابقة وغيرها أن تتعامل أو تتبادل السلع مباشرة ما بينها باستخدام عملاتهن الوطنية وكان عليهن فقط وفقط استخدام الإسترليني، حتى تسلم دول العالم سلعها الحقيقية في آخر المطاف لبريطانيا...خبث إقتصادي! ولكن معاهدة بريتون وودز 1944م أجازت ذلك وكسرت قانون الجبرية البريطاني، وسمحت للدول التعامل بعملاتها الوطنية مباشرة – وأعتبرتها عملات دولية. هذه الجبرية، رغم أن واشنطون كسرت تابو التعامل بالعملات الوطنية، هذه الجبرية استخدمتها الولايات المتحدة أيضا بمكر ودهاء ولكن بشكل مبطن، عندما تآمر سرا هنري كيسينجر مع الملك فيصل 1971-1973م بإجبار دول الأوبيك المنتجة للزيت ألا تبيع زيتها إلا بالدولار بدلا من سلة عملات، فأضطرت 160 دولة غير منتجة للزيت أن تبيع صادراتها بالدولار لكي تدفع فاتورة الزيت بالدولار وهي أكبر فاتورة لأية دولة. وهذا ما صنع الإمبراطورية الأمريكية.

بعد هذه المقدمات التاريخية نرجع للتحليل الاقتصادي لواقع السودان. من يتتبع الصحف السودانية يكتشف أنها تنفخ بحسن نية في كير فضيلة التصدير. وكذلك يتبرأ مسئولو وزارة التجارة من تهمة انخفاض الصادر، بل يؤكد ولاة الولايات بفخر زيادة الصادر، ولسان حال الجميع يتمحور عند نقطة معينة وهي: أن التصدير أو الصادر هما الفضيلة، والعقيدة، وإن انخفاض قيمة الصادر، أو زيادة الاستيراد هي الرذيلة.

ولقد نتج من هذه العقيدة مضاعفات سلبية أخرى مثل الإيمان أو الترويج أنه يجب أن نزيد الإنتاج لكي نزيد من قيمة الصادر والتصدير. وكذلك تنتحب قبيلة التصدير (العاملون في مجال التصدير) وتشكو من كثرة وتعدد الرسوم والضرائب على التصدير ومن ضعف الدولار، والاعتماد على البترول دون المواد البترولية، وضرب بعضهم أمثلة الويل والثبور بالمكسيك ونيجيريا اللتين أهملتا الصادرات غير البترولية وركزتا على البترول فقط: (لتصبح المكسيك مستوردا للسمسم الأبيض بعد أن كانت أكبر منتج له، وأصبحت نيجيريا أكبر مستورد للفول السوداني بعد أن كانت أكبر منتج له). وختم هذا البعض قوله: (ما في جهد واضح من الدولة للنهوض بالصادرات غير البترولية لذلك أخشى لانتقال النموذجين النيجيري والمكسيكي ونفقد بذلك أسواقنا التقليدية –الخارجية- لتتمدد على حسابه الصين والهند وباكستان وأثيوبيا في هذه الأسواق).

وعموما، وفي الحق كل الصحف السودانية مثل طيور الببغاء تضرب على نفس الطنبور أو تنفخ في نفس المزمار – وجوب زيادة معدل الصادرات، وعليهم أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى طبقا لهذه المقالة.

الاستقراء المجمل من المعطيات السابقة يقودنا للتحليل التالي ووضع البدائل:

- زيادة معدلات الصادرات، أو التصدير بالمطلق تحول إلى عقيدة ثابتة باعتباره فضيلة على الاستيراد.
- فضيلة زيادة الإنتاجية أصبحت مربوطة مباشرة بزيادة الصادرات، وليس ارتباطا بالطلب الداخلي للسوق الوطني.
- أصبحت وظيفة الإنتاج القومي هي التصدير، أي نحن نعيش وننتج لكي نصدر – وليس لكي نستهلك مواردنا ومنتجاتنا.
- احتقار السوق الوطني، واحتقار المستهلك السوداني، واحتقار عملتنا الوطنية شئنا أو أبينا أصبحت قناعات إن لم تكن عقيدة ثابتة.
- أصبح المستهلك السوداني ليس الهدف من الإنتاج والإنتاجية بل مستهلك السوق الخارجي.
- تصدير السلع الحقيقية (الصادرات) هو استنزاف لمواردنا المنتجة والطبيعية، طبقا لعقيدة آدم سميث ثروة الأمم، يصبح تكلفة عالية – ويحرم منها الشعب السوداني.
- عدد رجال الأعمال من الأفراد والعاملين في قطاع المصدرين والصادرات لا يتعدى بعض العشرات بينما لهم صوت عالي، غير قادرين أن يميزوا ما بين الطيب والخبيث طبقا لتناقض المصلحة.
- ماذا يعنون باتحاد أصحاب العمل؟ هل يعتبر المصدرون أصحاب عمل؟ كيف نعرف صاحب العمل؟ هل هو من ينتج حقا يخلق وظائف جديدة ويضيف إنتاجيا سلعة منتجة للناتج القومي، أم ذلك المصدر الذي يلعب دور الوسيط والوساطة والسمسرة داخليا وخارجيا؟ هذا إذا استثنينا من يصدرون بمالهم الخاص دون الاعتماد على أموال المودعين (أموال غيرهم) في تمويل الصادر.

ولنلتصق بأهم نقاط استقرائنا وتحليلنا، وأهمها القصور الذهني والفكري بالحث بربط الإنتاجية بالتصدير، وأن التصدير بزعم البعض فضيلة، بينما تغيب حقيقة التصدير بصفته استنزاف للموارد، واحتقار للسوق الوطني وللمستهلك السوداني.

مما لا شك فيه، أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين السودانيين أيضا تقليديون – خذ أطروحة الدكتوراه لصابر محمد حسن من جامعة سيراكيوز وإنطباقها مع الإستراتيجيات والأيديولوجية الأمريكية. وبعضهم متخصص في التحاليل المالية والبنوك دون الرؤية الشمولية للعلاقات البينية للاقتصاديات الكبيرة. وعندما نقول تقليديين نقصد أنهم ضحية المفاهيم التي روج لها الاقتصاديون اليهود للمحافظة على مملكتهم المالية الخاصة التي تسمى جهاز الاحتياطي الفيدرالي، حتى المبدأ الرأسمالي بعدم تدخل الدولة في مسار الاقتصاد يدخل ضمن حرصهم على جهاز الاحتياطي الفيدرالي أن يكون في قبضتهم. وهم -أي اقتصاديو العالم الثالث- ضحية التزييف ليس عبر مؤسسات الأمم المتحدة فحسب، بل أيضا عبر المقررات الجامعية أيضا. ما يُدرس كعلم اقتصاد هو إيديولوجية أكثر منه علما، تخدم أساطين المال والسيطرة على العالم، كما يقول الاقتصادي الكندي الأمريكي الشهير جون كينيث غالبريثJohn Kenneth Galbraith، يقول: ((إنه تحت ستار "العلم الاقتصادي"، يتم إنشاء إيديولوجية يحتاجها سادة المال حتى يتمكنوا من إدارة البشرية بفعالية، وفي النهاية، يصبحون سادة العالم. هذا العلم الزائف ليس له علاقة بالاقتصاد. ما يسمى "العلوم الاقتصادية" تهدف إلى تدمير الإنسان وبناء الاقتصاد، الذي تم إنشاؤه من قبل الأجيال السابقة من الناس)).

وبما أن الشيء بالشيء يذكر وقع أربعون من حملة جائزة نوبل في الاقتصاد على عريضة يحثون الرئيس الأمريكي بوش لوضع دارفور تحت الفصل السابع. ربما يفاجأ الكثيرون، خاصة الاقتصاديون، إذا قلنا أن كل الاقتصاد المالي العالمي يملكه ويديره أصحاب البنوك النيويوركية في خفية، وهذه نتيجة منطقية لأنها تصنع النقود، والشركات الكبرى تقترض أو هي مملوكة للبنوك. وعندما نقول البنوك، هي لفظة غير محايدة، يجب أن تضع فورا في ذهنك القروض والفوائد المركبة الربوية. وهنا يأتي السؤال إذا ما كان الاقتصاد الذي في يدينا هو اقتصاد أم هو أيديولوجية منحولة من قبل رجال المال والبنوك؟ فلماذا إذن أقام اليهود الجامعات منذ مطلع القرن الماضي؟؟! في يدي قائمة من الاقتصاديين اليهود الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد وعددهم 22 تبدأ من باول سامويلسون 1970م وتنتهي بدانيال كيهنيمان 2002م وراجنر فريش. ويشكل اليهود الحاصلون على الجائزة في الاقتصاد بنسبة 53% على مستوى أمريكا و38% من العالم فقط في الثلاثين عاما الماضية. أما قائمة الاقتصاديين من اليهود عامة مثل ميل جرينسبان، ميلتون فريدمان، ومرتون ميلر..الخ فهي طويلة جدا ومعظم الجميع من هارفارد، وهي جامعة يهودية ليس على المجاز اللفظي، بل بحقيقة الأصول والملكية أسسها جي.بي. مورجان. كذلك جامعة شيكاغوا أسسها اليهودي جون د. روكفيللر وما لا أحصي من الجامعات والمراكز اليهودية وهي كثيرة.

ملحوظة جديدة (لنسخة 2011م المنقحة): مدرسة لندن الإقتصادية (London School of Economics (LSE مطبخ إقتصادي دولي كبير، تخرج من تحت باطها 33 رئيس دولة – منهم جون كينيدي، وغير الرؤساء مثل نائب باراك أوباما الحالي الخ و18 من حملة نوبل للإقتصاد. السيدة عابدة المهدي وزيرة الدولة للمالية السابقة 2002-2004م حضرت دبلوم وماجستير من هذه المدرسة، وعملت بصندوق النقد الدولي لعامين ديسيمبر 1988م وحتى يناير 1990م مع د. صابر محمد حسن، علاقتهما قوية حتى بعد خروجها من الوزارة والتوزير، بل كانت وزيرة دولة للمالية من منازلهم وإلى اليوم. سنفرد مقالة خاصة عن بنك السودان. ولكن على الصحف السودانية أن تستنطق كل من المحافظ السابق الممتاز الشيخ سيد أحمد والمخضرم دكتور عبد الرحيم حمدي عن طبيعة الفترة 1990-1993م وماذا حدث فيها سياسيا وإقتصاديا بالدقة.

وهنا يجب أن أفسر بعض القضايا الاقتصادية، ففي السابق كانت مقالاتي تركز على تاريخ البنوك وكررت الكثير من هذا التاريخ لكي أنبه العاملين في الجامعات وصانعي القرار في الدولة من تخطيط..الخ. لنتكلم هنا اقتصاديا الآن. لقد طرحت تساؤلا في مقالاتي السابقة إذا ما كان علم الاقتصاد علم. أتذكر جيدا بعض الأصدقاء الذين أكملوا دراستهم الاقتصادية في جامعة الخرطوم كانوا مغرمين بدراسة سامويلسون، وميلتون فريدمان في النظرية الاقتصادية، ويحملون كتبهم مثل القرآن.

الآن تجدني أسخر من هذا الغرام.

ولكي تفهم سبب هذه السخرية نذكر مثلا نظرية العرض والطلب، هي افتراضية بنيت على سوق مثالي نظري لا يوجد في الواقع، ولأن الافتراضية تقول بحرية قوى العرض والطلب في سوق حر، فحتى هذه الحرية لا توجد في سوق السودان ودعك من سوق الولايات المتحدة، عجلة الاقتصاد في بعض زواياه تدار دائما بطبخات إلا إذا فضلنا أن نموت بجهالة. كذلك، تحوى هذه الكتب على مؤشرات، وتعاريف ومعادلات ومنحنيات مغرقة في التجريد لا يمكن تفسيرها وتفصيلها على واقع السودان مثلا، ولا تجد لها تطبيقا. لماذا؟ لأن هذه الكتب تحوى الكثير من الفرضيات التي بنيت على دراسة واقع الولايات المتحدة المعقد ولكونها تمتلك العملة الدولية.

إذن هذه الخلاصة تجرنا إلى ما يسمى بالاقتصاد الوضعي positive economics. ومعنى ذلك، أنه لا يوجد اقتصاد لدولة ما يشبه اقتصاد لدولة أخرى، ولا يتشابهان في العوامل، ولا الموارد..الخ ولا الرغبات ولا الإرادة السياسية، إذن لماذا التعميم أو الإسقاط الذهني؟ هذه هي سذاجة اقتصاديي العالم الثالث، وليس صدفة أن تطبع بريطانيا سلسلة من الكتب الاقتصادية الكلاسيكية تتميز بأنها رخيصة طبعت خصيصا لطلبة العالم الثالث low priced editions إلا لكي يسقط اقتصاديو العالم الثالث في الخطيئة الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة




.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية


.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط




.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل