الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهدف الرابع للتنمية المستدامة واستراتيجية التعليم بالمغرب- الحصيلة الراهنة 2019

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2019 / 6 / 21
الادارة و الاقتصاد


بعدما تعثر برنامج الأمم المتحدة بلوغ كل الأهداف التي حددها خاصة في "التعليم للجميع في أفق 2015" لعدة أسباب تعود بالأساس إلى أسباب سياسية واقتصادية مرتبطة بالدول، اتجه العالم إلى تحديد 17 هدفا من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وهي مرتكزة على ثلاث أبعاد رئيسية: اقتصادية واجتماعية وبيئية؛ أبعاد تعتبر متكاملة/متداخلة وغير منفصلة فيما بينها.
تعتبر هذه الأهداف بمثابة التزامات بين-الحكومات (intergouvernementales) يتعين خلالها وضع استراتيجيات وطنية تصب في اتجاه برنامج عمل الأمم المتحدة من أجل "الانسانية والأرض والازدهار الجماعي". إنها خارطة الطريق واضحة المعالم، لا يبقى على الدول إلاّ إنجازها وفق محيطها الداخلي وبإرادة سياسية واضحة تهدف إلى "المواطنة العالمية" والمساهمة في "عالم تعددي ومترابط ومتشابك" ( un monde pluriel, interdépendant et interconnecté).
بالتأكيد التعليم والتكوين يشكل إحدى هاته الأهداف، فالهدف الرابع للتنمية المستدامة يحث على ضرورة "ضمان تعليم جيد منصف وشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة"، وهو يرتكز على ثلاث مبادئ أساسية: (1) التعليم هو حق أساسي من حقوق الإنسان ويمكن من استخدام العديد من الحقوق الأخرى؛ (2) التعليم هو مصلحة عامة تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية في حمايته واحترامه وإعماله، (3) المساواة بين الجنسين لا تنفصل عن الحق في التعليم للجميع.
كما أن هذا الهدف مرتبط على الأقل ب6 أهداف أخرى للتنمية المستدامة، وهو في تداخل وتكامل معها، وهم : الهدف الأول: "القضاء على الفقر"؛ الهدف الثالث: "الصحة الجيدة والرفاهية"؛ الهدف الخامس: "المساواة بين الجنسين"؛ الهدف الثامن: "العمل اللائق ونمو الاقتصاد"؛ الهدف اثنا عشر: "الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"، والهدف الثالث عشر: "التقليص من تأثيرات التغير المناخي". للإشارة يحدد الهدف الثامن في غايته السادسة ضرورة تقليص عدد الشباب الغير المتمدرسين في متم 2020، أما الغاية 3 من الهدف 13 فإنها ترمي إلى تحسين التعليم والوعي والقدرة الفردية والمؤسسية على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف والحد من آثاره وتعزيز نظم الإنذار المبكر.
إذا كانت التقارير الوطنية والدولية تبين أن هناك مجهود كمي وكيفي في مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالتعليم بالمغرب، إلا أن الاتجاه الحالي في السياسة التعليمية يبين بأننا لن نبلغ أهداف التنمية المستدامة 2030. فالاتجاه التي يتم نهجه من داخل الحكومة يضرب عرض الحائط التوجهات الوطنية والعالمية ويبين بالملموس أن المغرب يعيش ابتلاء من طغمة تريد منه قصدًا أن يبقى داخل مَنْطق القبيلة والزبونية والمصلحة الفردانية والولاءات، إنها غايات مرحلية لهذه الطغمة وذلك بهدف الاستمرار في تحقيق طموحاتها الفردانية والجماعاتية، وثانيا لتخريب بناء مجتمع العلم والمعرفة، المنفتح على قيم التعدد والاحترام والقادر على الاعتراف بهوياته وثقافاته ليس فقط اعتراف دستوري بل اعتراف برنامجي وقانوني والتزام سياسي من الجميع. لماذا هذا التنبؤ المستقبلي "السلبي" بأن المغرب سينزاح على مسار التنمية المستدامة إذا ما تم الاستمرار في سياسته الحالية؟
الغاية 4.1 من الهدف الرابع للتنمية المستدامة تلزم الحكومة على ضرورة "ضمان أن يتمتع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني (ممولة من القطاع العام) ومنصف وجيد، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة بحلول عام 2030"، وهي الغاية التي يتم الاجهاز عليها بشكل صريح من طرف الحكومة الحالية تنفيذا لاستراتيجية العمل التي بدأتها الحكومة السابقة. مجانية التعليم كمكسب تم تحقيقه بدماء أبناءه وبناته في سنوات المخاض العسير الذي عرفها المغرب.
كما يجب أن تلتزم الحكومة في الغاية 4.2 ب"مجانية التعليم الأولي على الأقل لمدة سنة" وفق شرطين أساسين "الالزامية والجودة"، وهذه الغاية لازالت الحكومة تعيش صعوبات عديدة لتحقيقها وتعميمها، ولا زال أعباء مصاريف التعليم الأولي يثقل كاهل الأسر المغربية خاصة بالنسبة للأم العاملة وفي المدن الكبيرة.
ودائما في إطار المجانية، حددت الغاية 4.3 أنه من الضروري "الحد من العوائق التي تحول دون تنمية المهارات والوصول إلى التعليم والتدريب الفني والمهني (EFTP) من التعليم الثانوي إلى التعليم العالي، بما في ذلك التعليم الجامعي، ولتوفير فرص الشباب والكبار للتعلم مدى الحياة"، بحيث يجب أن "يصبح التعليم العالي مجانيًا بالتدريج". في هذا الصدد هناك "خارطة الطريق المتعلقة بتطوير التدريب المهني" وهي استراتيجية ايجابية ومهمة للرفع من فرص الشغل للشباب وتطوير مهاراتهم وكفاءاتهم. عكس ذلك، الاستراتيجية الحكومية المغربية تذهب عكس الغايات العالمية، فإنجازاتها الحالية ترمي إلى ضرب مجانية التعليم تدريجيا من التعليم الجامعي إلى التعليم الأولي، فتعمق بالتالي التفاوت الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص والغضب الفردي والجماعي.
الغاية 4.7 التي ترمي إلى "ضمان أن يكتسب جميع المتعلمين المعارف والمهارات اللازمة لدعم التنمية المستدامة"، بحيث يضع جملة من الآليات من بينها اتباع أساليب العيش المستدامة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والترويج لثقافة السلام ونبذ العنف والمواطنة العالمية والتنوع الثقافي وتقدير مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة في أفق 2030. أين استراتيجية الدولة وإنجازاتها على هذا المستوى؟ للأسف، البرامج والمقررات الدراسية مليئة بالتناقضات التي لا تعزز خاصة لقيم المواطنة وحقوق الانسان ولا تكرس لقيم التعدد اللغوي للمغرب ول اتعزز لمكانة اللغة الأم (الأمازيغية والعربية واللهجات المحلية) في التعليم، لأن "تعزيز نشر اللغات الأم لن يهدف فقط لتشجيع التنوع اللغوي والتعليم متعدد اللغات ولكن أيضًا لتطوير الوعي الكامل بالتقاليد اللغوية والثقافية في جميع أنحاء العالم وإلهام التضامن القائم على التفاهم والتسامح والحوار،" (الأمم المتحدة، 2017). هذا البعد القِيَّمي الذي يشكل قوة المجتمع المغربي (كبلد من بين بعض بلدان شمال إفريقيا) وتمتع بركائز الانفتاح والتعدد واحترام ثقافات وهويات الآخر كأسس لبناء الدولة الاجتماعية-الديموقراطية. لكن، مع الأسف، الابتلاء المغربي بالثقافة الداعشية والمتأسلمين الليبراليين الجدد يريدون هدم هذا التراكم المجتمعي الإيجابي من خلال إدخال سموم التعصب ومنطق "الانغلاق" خاصة في السياسة التعليمية والمرافق العمومية، لتكون استراتيجية فعالة لهدم القيم الجميلة التي خلقت القوة الداخلية للمغرب، وجعلته مثالا للانسجام والتعايش. كأنهم يريدون جر البلاد إلى التطاحن العرقي والديني كمشاكل تتخبط فيها معظم الدول الإفريقية وتشكل حاجزا أمام وحدتها ونمائها الاقتصادي والاجتماعي.
تبقى أهداف التنمية المستدامة محدودة لبلد كالمغرب لأنه مطالب بتحقيق أكثر من الغايات العالمية المسطرة في أفق 2030، فأضعف الإيمان تحقيقها بالجهد والغيرة الوطنية اللازمتين حتى لا نُفَوت الفرص ونهدر الطاقات والامكانيات. أهداف تتطلب مشاركة الجميع وفتح نقاشات ترابية/محلية و جهوية وإدراجها في برامج الأحزاب مع تقييم أدائها في تنفيذه.
إنها دعوة موجهة لكل الغيورين والغيورات من أجل التعاقد المجتمعي والتفاعل الدائم والمستمر مع كل القضايا المصيرية للبلد؛ إنها دعوة لفتح نقاش حقيقي تحضر فيه المصلحة العليا للوطن لوقف هذا الهجوم الليبرالي بقناع ديني على مكتسبات الشعب المغربي؛ إنها دعوة إلى كل الشرفاء من داخل الأحزاب للنضال مع المواطن ومن أجله بعيدا عن منطق صراع "الأنا"؛ إنها دعوة إذا أردتم فعلا تحقيق التعايش المشترك، إنها نقطة انعطاف "إما أن نكون أو لا نكون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ