الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في البلاد العربية

راغب الركابي

2019 / 6 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


سوف أعرض عليكم تحديات الفساد في البلاد العربية ، ولكن من وجهة نظر ليبرالية ديمقراطية خالصة ، ولن نتهاون إنشاء الله في تسمية الأشياء بمسمياتها ، وفي هذا سنتعرض لشيئين أصابا البلاد العربية بالضعة والهوان ، وهما الميوعة وعدم الوضوح واللامبالات لدى أحزاب السلطة الحاكمة ، ولن نزيد على ذلك وسوف نذكركم بما ورد في كتابنا - الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية - ، وهناك قلنا : - إن الفساد في البلاد عرضي سببه التوزيع غير العادل للثروة وهيمنة قوى معينة على مقدرات الدولة - هذا الشيء جعل من غير الممكن العلاج من خلال الوسائل الذاتية ، ولهذا تطلب الإستعانة بالغير الأجنبي في عملية التغيير ، ومع ذلك لم تنتج تلك العملية سوى الفوضى وزيادة نسبة الفساد وتعدد وجوهه .

ولعل الأمية السياسية والجهل وهيمنة فئات تفتقد للحس الوطني والأخلاقي ، قد نمى وزاد في مناسيب الفساد بالحدود غير المألوفة ، ولم يختلف أثنان في أن الفساد عرض زائل لكن أسباب زواله تحتاج إلى حركة من نوع خاص ، هي ثورة في كل المقاييس هي حركة النقلة ، وهذا ما لم يعد متاحاً في ظل تبدل قوى العمل السياسي وإرادات الدول ذات المصالح الضيقة ، والتي لم يعني لها التغيير والبناء الديمقراطي الصحيح شيئا بالمدى المنظور ، ولديها تغليب للمصالح على القيم والتي هي عندها الشيء المباح والمتاح في نفس الوقت ، ولهذا فشلت التجربة في العراق وفي اليمن وفي سوريا وستفشل إذا ما طبقت في إيران ، وتعالوا ننظر للأمر من وجهة نظر محايدة

ونقول : - وهل إن سلامة العمل السياسي يكون لدى الأغيار في سلامة التوجه الوطني ؟ - .

ونقول : - لا فالأغيار لا يهمهم من هذا كله سوى مصالحهم ، ومن حيث تكون ومن حيث تتحقق فهذا هو المطلوب .

وأما الشعارات أو الإرادات الوطنية فليس لها محل من الأعراب عندهم ، وهم في ذلك يعملون بالمقولة القديمة في صحة عمل الحاكم وإن كان قاطعاً للطريق ، مادام يحقق المصلحة ويؤدي ما عليه من ضرائب ، إذن فالتعويل على الغير في التصحيح ومكافحة الفساد هي أمنية بعيدة المنال ، وإنتظار الفرج من خلال ذلك عبث وعمل في الممنوع .

ونعود لنقول إن الحل يكمن في الإرادات الوطنية الشريفة ، والسؤال وهل هناك لازال إرادات وطنية شريفة ؟ ، وسنقول بتجرد نعم لكن صوتها خافت في ظل هذه الإرجوحة التي صنعها المحتل ومن جاء في حضنه وعلى أكتافه ، ولكي تتم عملية النقلة نحتاج إلى وحدة الصف والتراص والإيمان بالوطن المشترك الجامع ، وفي ذلك ثمة مسؤولية أخلاقية وإجتماعية وسياسية ، والتصدي لها يتطلب المزيد من الصبر والتأني والثقة ، بأن الحياة هي دورات وليس دورة واحدة ، ولعل القرآن المجيد أدلى بدلوه في هذا حينما قال : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ومفهوم المداولة قضية حتمية بل هي صيرورة إجتماعية وإنسانية ، ولهذا نعد المفسدين مهما علا صوتهم وتمرسوا في أساليب الفساد وفنونه ، إن الشعب قاهر وهو الباقي بعد الله وبيده القدرة على محو أثار الفساد والطمع والدونية والتحرش بمستقبل الأجيال ، وفي هذا المضمار لابد من تدشين وترسيخ ثقافة الوعي العام الوعي الجماهيري ليكون هو الدافع والمحفز لتوكيد النظرة الوطنية الخالصة .

نعم إن السبيل إلى ذلك هو نفسه السبيل للقيم الأخلاقية وللإيمان بالله وباليوم الأخر ، فكل نزاع أو خلاف أو تشاكس حول الأحقيات في المجال الوطني هو فساد وهو تهديم للوطنية وأسسها ، وهذا الشيء قلناه حين كان خطر الإرهاب يمزق الوطن ويحاول دثر معالم الوحدة الوطنية ، في ذلك الوقت تعرضت سلامة الوطن للخطر، وتعرض المواطن لنوع من الهزات التي كادت أن تبعده بعيد جداً ، وسوف نتذكر بإجلال تلك الفتوى الشجاعة التي سجلت حضوراً لافتاً في صيانة الوطن ووحدته ، وقضت مع الإيام على فتنة الدجال ، وبالنسبة لنا لم تكن قضية الوطن تدخل في حسابات الربح أو الخسارة ، بل كان الحساب هو البناء والتقدم وليس غير ذلك ، ولكن بعض النفعيين وأعوان الغريب لم تكن سلامة الوطن تعني لهم شيئا مقدساً ، ولهذا حين أختلفوا أختلفوا في الموقف منه ، فعرضوا السلامة الوطنية للخطر الجدي

لقد أثبتنا بالدليل إن الفساد هو العدو الأول للوطن والمواطن ، وأثبتنا إن النفعيين والوصوليين والمرابين لا يعملون إلاّ من أجل مصالحهم الشخصية ، وهم يفعلون كل قبيح من أجل ذلك وكلما هدأت نار الفتنة والفساد أوقدوا لها باباً لتظل مستعرة ، وهذا ليس بغريب إنما الغريب أن لا يفعلوا ذلك فالوطن عندهم حقيبة مال وأرصدة وعمارات في دول الخليج وأستثمارات باطلة هنا وهناك ، حتى عم الفساد في البر والبحر ، ومعهم لم يتحقق للشعب سوى الخوف ونقصان الكرامة والإضطهاد والتخوين والتخويف وزرع الفتن وخلق التوتر وإشعال النيران ، لذلك نقول إن الفساد من الأشياء التي لا يختلف في تعريفها ، لدى الجميع وإن أختلفوا في أشياء كثيرة لأنه ببساطة يعني جعل الأكثرية الساحقة من الشعب في حالة من الاضطهاد ، الذي يسلبهم إمكانية الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم ، إن تحقيق مصالح فئة أو أقلية من البشر يجعل من غير الممكن الإيمان بمعنى الوطن أو الشعور به ، وواحدة أخرى من قضايا الفساد هي ضعف الحكومة وسيادة النزعة القبلية وفقدان هيبة الدولة والقانون ، مما سخر إمكانيات الشعب لتكون رهناً لفئة النفعيين ومصاصيي الدماء ، إن تصعيد الموقف ضد الفساد لم يأت بوحي من الأخر ، ولكنه كان حاجة وضرورة بعدما تفاقم الوضع وأصبح الأمر لا يطاق على كل الصعد ، نعم لن نغلق الباب وسنظل متجاوبين مع كل دعوة لرفع الحيف والمعانات من على هذا الشعب المسكين ، إن شرطاً وحيداً يقربنا من الجميع حين نرى ونشاهد الهمة والدقة والنزاهة وعدم المحابات وإحترام القانون ، وإعادة الهيبة لمؤوسسات الدولة ، وفي ذلك يكون الكلام عن إمكانية تغيير الحال واردة في الحسبان ، وحتى تحين تلك اللحظة سنظل مع الشعب نجاهد معه ونشد على يديه وهو يطالب بكرامته وحقوقه وحرياته ..



راغب الركابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق