الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2019 / 6 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
واحدة من إشكاليات الدين مع العقل البشري هي طريقة الأخير في قراءته الخاصة بالنص الديني، وما تجر هذه القراءة من بناء شكل المنظومة التعبدية ومخرجاتها ورسمها وفقا للطريقة التي يتعامل معها العقل كما يتعامل مع واقعه الحولي , الدين مثلا يفترض أن التعامل مع النص لا بد له أن يحرز خصوصية من ذات النص كونه محكم ومسند برؤية كمالية ,وأيضا ومن ذات الموضوع الذي هو الدين بأعتباره عقل كامل .
فلا يمكن مثلا معاملة النص الديني على أنه رواية أو نص شعرية أو نظرية علمية بشرية تتداخل فيها الذوقية البشرية أو الحقيقة المادية مثلا , في النص الإبداعي مثلا يحاول المبدع أن يستثير القيم الجمالة في ذهن المتلقي من خلال جمالية الصورة التي يطرحها أو من خلال جمالية البناء اللغوي ,الإبداع الأدبي هنا مرهون بالحسية المجردة وأساس ثم الأنتقال لصناعة الفكرة , النص الديني يفترق عن ذلك بتقديمه الفكرة على الجمالية لطبيعة النص وتوجهاته الخاصة .
العقل من جهته أيضا يتعامل مع النص على أنه خاضع طبيعي لنظامه العملي ويتفاعل معه على أنه مجرد فكرة عليها أن يهضمها ويبسطها في نظامه الفرد السلوكي لو أطبقت يقينيته بدرجة ما على ما في النص من مؤديات سلوكية ,وكأي نقل أخر أو منتج فكري أخر قد يتعامل العقل مع النص الديني فلا يستوجب أصلا أن يفرد خصوصية خاصة للنص أيا كان مصدره , لأنه أصل وظيفته هو تعقل النصوص مهما كان شكلها أو منطقها حتى الحركات الحسية يتعامل معها بنفس الأسلوب .
البعض يحاول الدفاع عن العقل الإنساني حين يتعامل مع النص الديني على أنه نص معرفي خالص لا علاقة له بالمنشئ وليس له حدود خارجة عن البناء الذي جاء فيه , أولا بأعتباره خبرا أو معرفة مجردة على العقل أن يعاملها وفق للمعيار المعرفي الطبيعي بعيدا عن مفاهيم القداسة والمثالية المفرطة ’لأنه وببساطة خطاب موجه له ومن حيث أن المنشئ أو الناص واجب عليه المعرفة بكيفية عمل النظام العقلي وطبيعته عليه أن يتوقع هذا الحال دون تحميل العقل أكثر مما يحتمل .
تأكيدا على ذلك يمنح العقليون أنصار هذا الرأي أحتراما لمنطق العقل ويقدمون مخرجاته ونتائج القراءة العقلية على ما في النص من قصديات أرادها الدين أو لمح إليها من خلال فهم مجمل للرسالة , العقليون أيضا لا يحملون النص مشقة وعناء غير طبيعي كي يظهر ما في دواخل النص من توجهات خارج البناء أو خارج دلالات البناء بأعتبار أن الناص هو من أختار طريقة البناء وأودع فيها ما يريد , فليس من العدل أن نمضي خارج هذه الإرادة أو نفترض ما يريده وغير ما صرح به .
المنطق في ظاهره يحمل شيئا من المعقولية وله مبرر ممكن الأخذ به لولا أن وظيفة العقل الأساسية ليست فقط النظر الفوقي والتفاعل مع النص خارجا وإلا كيف يمكنه التعرف والوصول إلى حقيقة النص من هذا التسطيح والتبسيط في قضية القراءة , حتى في المجال الإبداعي البشري المبدع يستثير العقل ليبحث عن مكمن الجمال وأستخراج الصورة الأكثر تعبيرا عنه روحه , هنا العقل مكلف بالغوص في النصوص والبحث عن أعمق نقطة فيه ومن ثم أستخراج أبعد هدف يمكنه الوصول له من البناء طالما أن البناء اللفظي قادر على أن يفتح أبوابه للمزيد .
هنا نشير إلى أن بعض النصوص يمكنها إغراق العقل في مجاهيلها لأنه نص ثري وقادر على طرح المزيد من الأفكار كلما تعمقنا به , على عكس بعض النصوص الجامدة التي لا تنطق إلا ما في الصورة التي يجسدها البناء فقط , النص الديني في الحقيقية يقودنا إلى بوابات كثيرة , وهنا وقع البعض من الكهنوت في خطأ الأختيار حيث ذهب يفتح أبواب جهنم عليه وعلى من يتبع قراءته بدل أن يحاول جاهدا الوصول إلى النعيم الرحموي في النص .
الرأي الأخر والذي هو قريب من النقيضين يقول أن النص هو مجرد فكرة قد تكون غنية في أعماقها وقد تكون فقيرة وحسب ما يريد الناص , وبالتالي فالمشكلة تكمن أولا ف النص حين يكون غنيا يقع بيد عقل لا يستطيع الذهاب بعيدا في قراءاته لذا يقف عند أول صورة وكأنها هي النهاية الحتمية وبالتالي يبقى النص متفجرا أو ينتظر حركة ما ليتفجر في وجه القاري أو أن تكون الحالة معاكسة عندما يكون النص ضعيفا وفقيرا ويتدخل العقل المركب لتحميله مما ليس فيه والنتيجة أيضا تكون كارثية , المهم في هذه المدرسة أنها تفصل بين النص والناص وتعتبر أن الأول تنتهي علاقته بالثاني بمجرد الانفصال بينهما والوصول للعقل البشري .
هذا الرأي فصل بين النص والناص وأعتبر النص الديني مثلا فكرة طرحها الدين وعلى العقل البشري أن يبحر بها للوصول إلى أخر نقطة ممكنة البلوغ , ولكن دون أن يكون الدين حاضرا في كل قراءة بمعنى أن القارئ سواء أكان متدين أو غير متدين بالفرض أنهما يبلغا نتائج متقاربة في بحثهما عما في النص من أهداف وغايات ,هذا الفصل يمنح النص حرية ويمنح العقل مساحة أكبر للبحث في كل ما يقع تحت نظامه العملي من أفكار أو رؤى تستوجب التدبر غير أنه جرد العقل من خصيصة الانحياز لغائية الدين وقصدياته من وضع النص والتي تتميز دائما بهدفية الخير والأحسنية .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مسلسل الحشاشين الحلقة 18.. سوزان نجم الدين تأمر بقتل إحدى حو
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. صحيفة هآرتس: صفعة من المستشارة القضائية لنتنياهو بشأن قانون
.. عالم الجن والسحر بين الحقيقة والكذب وعالم أزهري يوضح اذا ك
.. واحدة من أبرز العادات الدينية لديهم... لماذا يزور المسيحيون