الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا مصرُ استثنائيةٌ؟

فاطمة ناعوت

2019 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في بلاد العالم المتحضِّرة الطبيعية، (لأن الطبيعيَّ أن تكونَ كلُّ البلاد متحضرةً)، يكونُ هناك ما يلي: شعبٌ يعمل بجدٍّ ينتمي لوطنه ويحافظ عليه، حكومةٌ تُديرُ شؤون البلاد بوعي، مجلس نوّاب يراقبُ الحكومةَ بنزاهة واضعًا نُصب عينيه صالحَ الوطن وصالحَ المواطن وفقط، مدراسُ تعملُ بكفاءة تُنشئُ النشءَ على العلم والقيم، مستشفياتٌ تقوم بدورها النبيل في الحفاظ على حقّ الحياة للإنسان، مصانعُ ومؤسساتٌ تبني اقتصادَ الوطن، حقولٌ تُنبتُ الخيرَ والرغدَ والزهور، دورُ عبادة (آمنة دون حراسة) تغرسُ "الأخلاقَ" في النفوس، منظماتُ مجتمع مدني ورجالُ أعمال شرفاء يُساندون الدولة في رعاية الشباب ومشاريعهم الصغيرة، مسارحُ تُقدّمُ الرسائلَ الفنيّة والتربوية لبناء إنسان سويّ، أوبرا تصدحُ بالفنون الراقية التي تُهذِّبُ الروح وتُغذّي الأفئدة، ملاعبُ رياضيةٌ ونوادٍ تبني الجسدَ السليم للمواطن، قضاءٌ شريفٌ يحكمُ بين الناس بالعدل، شرطةٌ يقظة تحفظُ أمنَ الوطن الداخلي، ووراء كلِّ هذا جيشٌ باسلٌ يسهرُ على جبهات الوطن، يحمي الأرضَ والعرضَ والإنسانَ من عدوٍّ خارجي مُحتمَل. ثم حاكمٌ مثقفٌ يُعلي شأنَ دولته أمام العالم. (المُفردُ) من (الجموع) السابقة، هو (مواطنٌ) صالحٌ مُنتَمٍ، يعشقُ وطنَه ويرفع لواءه، ويُقدِّمُ صالحَ الوطن على ما عداه من مصالح.
لدينا مما سبق في مصرَ الشيءُ الكثيرُ. رئيسٌ جسورٌ انتزعَ مصرَ من أنياب الشيطان الإخوانيّ، ومازال يجهدُ ليُخلِّص بقية جسدها من ذيول الأفعى الزاحفة تحت الأرض، ويصلُ الليلَ بالنهار لإعادة بناء وجه مصر الذي تهدّمَ بعضُه بمعاول الإخوان الخونة، جيشٌ عظيمٌ يحمي الحدودَ ويُشيّدُ منشآتِ الوطن وبِنيته التحتية ويُساهمُ في كسر احتكار تجّار الغذاء، قضاءٌ شريفٌ عادل، شرطةٌ تعملُ جهدَها لتأمين يوم مائة مليون مواطن، مدراسُ ومستشفياتٌ في طريقها للتعافي، حكومةٌ واعية في مجملها تكافحُ لإنهاض الوطن من كبواته المزمنة، مسارحُ لا تُسدلُ ستائرُها، أوبرا فاتنة لا تنطفئُ أنوارُها، وغيرها. ولستُ أنكرُ أن هناك عثراتٍ شتّى في كثير مما سبق من مُكوّنات الوطن. بعضُ تلك العثرات تحاول النهوض، وبعضها لا تفكّرُ أصلا في العلاج. أعلم هذا يقينًا وأضعُ يدي على مشاكلنا، التي بإذن الله إلى زوال، حتى يصفو وجهُ مصرَ مشرقًا كما ينبغي لها أن تكون. ولكن.
ولكن المدهشَ في حالة مصر، وما يميّزُها عن (الدول الطبيعية المتحضرة) التي قدّمتُ وصفتها في صدر المقال، هو أن تلك الدولَ غيرُ مهدّدة، لا من عدوّ خارجي ولا من عدو داخلي، إلا في حدود الاستثناءات الفردية التي تمرُّ بالبلاد على مدار التاريخ. بينما مصرُ تُحاربُ أعداءَ كثيرين في أكثر من جبهة. وكلُّ عدوٍّ أشرسُ من الآخر وأشدُّ بغضًا لمصر وحقدًا. تركيا، قطر، منظمات الإخوان العالمية السرطانية الموجودة في انجلترا وألمانيا والنمسا وفرنسا وتركيا وقطر، وغيرها من الدول. ثم العدوُّ الأقذرُ والأحقرُ وهو الإرهاب المزروع (داخل) جسد الوطن، مثل دودة طفيلية خبيثة، لا تُستأصلُ إلا بالدماء. مواجهةُ الأعداء الخارجيين على الجبهات، هي حروبٌ واضحةٌ لها أجروميةٌ عسكرية معروفة، تدرسها الجيوشُ وفق استراتيجيات عالمية ثابتة. ولكن مواجهةَ أعداء (الداخل) أمرٌ عسرٌ وشاقٌّ لا ينتظمه إطارٌ ولا فلسفة. لأنك لا تدري من أين تأتيك الضربةُ من داخل جسدك. بوسع المرء أن يلمح عدوَّه آتيا إليه، فيتأهب للدفاع عن نفسه. لكن أنّى للمرء أن يرى الفيروسَ الكامن في جسده، يضربه حين لا يتوقع؟!
يجبُ أن يعلمَ المواطنُ المصريُّ أن ما يحدثُ بين الحين والحين في مصر من حوادثَ إرهابية، لا يُمثِّلُ أكثرَ من واحد في المائة مما يحاولُ الإخوانُ ارتكابَه كلَّ نهار، ولكنهم يخفقون، بسبب يقظة جهازنا الأمنيّ رفيع المستوى. تلك الجرائمُ الخسيسة التي كان آخرها جريمة "كمين البطل"، ثم عمّال مطار العريش، رحم اللهُ شهداءَ مصر الشرفاءَ من الجيش والشرطة والمدنيين، وأذاقَ الإرهابيين من ويل الثكل والفقد والتيتم، الذي نثروه في أرجاء مصر.
هنا تتجلّى استثنائيةٌ مصرَ في أنها رغم التهديد اليوميّ من (الخارج والداخل)، إلا أنها لا تتوقفُ عن إدهاش العالم بفرادتها وقوّتها. في حفل افتتاح مباريات كأس الأمم الأفريقية، وقف العالمُ مشدوهًا يصفق لمصر التي قدّمت حفلا أسطوريًّا تاريخيًّا لا يُنسى. حتى هِناتُه الطفيفة كانت هي النقصَ الذي يؤكد الكمال. أثبتت مصرُ جاهزيتها الكاملة لاستقبال حدث عالمي رفيع المستوى، تحت وطأة مظلّة الإرهاب الثقيلة التي تمنع الهواء والشمس. وفازت مصرُ، حتى قبل فوزها على زامبيا. فازت في إشراقة عُرسها البهيّ، والجماهيرُ تحتشدُ بأعلام مصر الجميلة في استاد القاهرة، وأمام الشاشات في النوادي والمقاهي والشوارع والبيوت، يصدحُ اسمُ (مصر) على الألسن فيطير إلى مسامع الدنيا بأسرها. فقط في مصرَ الاستثنائية، جنديٌّ يحمي، وبطلٌ يفوز.
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد