الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين القذافي وبوش

بيتر ابيلارد

2006 / 5 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ بضعة سنوات وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قال جورج بوش إن أمريكا في حملة ضد الإرهاب، وطبعا الجميع يذكر جيدا إنه استخدم كلمة "crusade" ولم يعلق أي من الصحفيين الذين استمعوا لكلامه على الكلمة في باديء الأمر حيث أن الكلمة تستخدم في أكثر من سياق في اللغة الإنجليزية فمثلا الممثل ستيفان بالدوين يقوم بحملة ضد الإبحاية في السينما (1)، الليبراليون الأمريكان في حملة ضد محلات وولمارت (2) أو حملة شركات الأغذية ضد الجوع (3) وغيرها من مئات التعبيرات. فالمتعارف عليه في كل لغات العالم أن اللغة كائن حي ويطرأ عليها تغيرات، ضمن هذه التغيرات استخدام مصطلح له معنى تاريخي محدد أو يدل على مكان محدد للتدليل على أمر أخر، وهذا يحدث في اللغة العربية مثل استخدام كلمة المحج فنقول :محجا للسياح" أو "محجا للعشاق" أو "محجا للسكارى" وفي كل هذه التعبيرات نحن لا نقصد مكة من قريب أو بعيد والجميع يعرف هذا.
لكن بالطبع في حالة جورج بوش – الذي لا أدافع عنه بأي حال – فالأمر أختلف تماما ولازال الكثير من "المثقفين العرب" بل حتى والحاصلين على شهادات دكتوراه في الأدب الإنجليزي مصرين على أن الكلمة تعني "الحرب الصليبية" رغم علمهم التام بخطأ هذا الفهم.
هذه المقدمة مهمة للتذكير بالموضوع ومقارنته بما قاله العقيد القذافي في تمبكتو- مالي في إبريل الماضي أثناء تعليقه على حادثة الكارتون الدنماركي، والذي أعرف أنه لا علاقة لرسامي تلك الرسوم بالمسيحية من قريب أو بعيد، فالمسيحية ليست ديانة متوارثة كالإسلام. ولكن بالغرم من هذا فقد كانت تعليقات القذافي كلها منصبة في خانة واحدة، وهي الهجوم على المسيحية وبصورة بشعة.
وتراوحت تعليقاته ما بين التهكم على المسيح، إلى الهجوم على التاب المقدس، إلى إلغاء المسيحية كلها من أساسها والإدعاء بنسخها. حتى وصل إلى إعطاء الأوربيين والإمريكان أحد خياران إما الإسلام أو الحرب أو بكلماته: "أوربا الآن في ورطة وكذلك أمريكا، أما أن تقبل أن تصبح مسلمة مع مرور الزمن أو تعلن الحرب على المسلمين"

لا يهمني في هذا المجال دقة أو صحة ما قاله القذافي فلهذا مكانه ومجاله وهو ليس هنا، ولا يهمني الإتهامات التي يكيلها للمسيحية أو المسيحيين فأيضا هنا ليس مجاهل.
لكن الملاحظة التي تهمني هنا هو عقد مقارنة بين موقف العالم "الغربي" مما قاله القذافي وموقف الدول المسلمة من كلمة جورج بوش.

فالقذافي ليس شيخ جامع يخطب في جموع المصلين في المولد النبوي – وإن كان فعلها – وليس بمعتوه كما كان يحلوا للسادات أن يسميه.
فمثل هذا المخرج أصبح ممجوج فقد أصبح كل من يفعل شيئا مزعجا في العالم الإسلامي معتوها، حتى أصبحنا نبحث بصعوبة عمن لن يتهم بالجنون إذا ما أخطأ. ولو كانت فكرة جنون القذافي أو غيره –بدون إثبات علمي – مقبولة كمخرج في العالم الإسلامي فما أسهل المخرج لأي أزمة يمكن أن تحدث فيكفي القول بجنون المتسبب فيها حتى ولو كان رئيس دولة.
لكن الواقع يقول إن القذافي رئيس دولة مهمة في المنطقة، هذه الدولة عضو في جامعة الدول العربي وعضوا في كثير من المنظمات الإقليمية، الدولية، والإسلامية. وطبعا ما لم دعوة الجنون والعته لا معنى لها إلا إذا قبلنا أن الدول العربية لا تمانع من أن يحكمها مخابيل فلم نعرف أن جامعة الدول العربية قامت بسحب عضوية ليبيا بسبب إختلال قائدها.
هل للقاريء أن يتخيل معي رد فعل الدول الإسلامية إذا ما قام رئيس أصغر دولة في العالم بإلقاء خطاب يحتوي ربع ما قاله القذافي مع تغيير طفيف وهو أن يكون الكلام على الإسلام والمسلمين؟
هل يتخيل القاريء ما يمكن أن يكون رد الفعل إذا ما قال رئيس دولة غربية إن القرآن محرف والحديث مزور متمثلا بذلك مقولة القذافي؟ هل تتخيل عزيزي إذا ما قال حاكم غربي "المنهج الإسلامي منهج يدعوا إلى الكراهية ما في ذلك من شك، وهو منهج فاسد ولا إنساني ومنهج مبني على الخطأ ..." مشابها بذلك كلام القذافي؟
والقائمة تطول ولكني أترك للقاريء أن يرجع لما كتبه رئيس دولة عربية من كلام لو قاله ربعه مجرد صحفي غير مسلم لقامت الدنيا ولم تقعد.

هذا يضعنا أمام حقيقة لا يمكن إنكارها في كيفية تعامل العقلية الشرقية أو الإسلامية مع العالم المحيط بها. ففيما يبدو – هذا هو ظاهر الأمر – لا يمانع المسلمون من إنتقاد وسب وتحثير أي معتقد، أي أقليه أو أي شيء ولكنهم في نفس الوقت لا يقبلون أبدا بالتعرض لأي شيء يقولونه أو يفعلونه.
هذا الأمر تكرر كثيرا وسوف يتكرر بصورة أكثر ولعل السبب في هذا ليس فقط هو إزدواجية المعايير في الفكر الإسلامي. ولكن هناك أمر أكثر خطورة وأهمية وهو إحساس المسلم بالعجز التام أمام أي نقد سواء كان نقدا بنائا أو حتى مجرد هجوم صبياني.
فلم يشعر مسيحي واحد بأن العالم الإسلامي في حالة حرب ضد المسيحية بعد قراءة كلمات القذافي، ولم يتظاهر أحد أو يحرق سفارة ليبيا أو غيرها.
حتى ولو كان الواقع يقول بأن هناك بالفعل حالة حرب فكرية – على الأقل في عقلية المسلم – بين الإسلام وبين العالم كله.
إن هذا الإحساس باعجز نتاج طبيعي للحالة التي عاشتها وتعيشها الدول الإسلامية، فهي لم تعرف على مدى تاريخها ما معنى الإختلاف، أو كيف يمكن أن يتحاور طرفان دون اللجوء للعنف،...
فالعالم الإسلامي اليوم يمر بفترة شبيهة جدا بأوربا في القرن السادس عشر أو عصر الإصلاح. الفرق الوحيد بينهما أن الإصلاح في أوربا والثورة على سلطة رجال الدين جائت من داخل أوربا بل ومن داخل الكنيسة نفسها. لكن في حالة العالم الإسلامي لازال الصراع الداخلي ضعيفا جدا وصوته خافت. ولكن هذا الصوت سيعلوا بمرور الوقت إلى أن يجد المسلمون أنفسهم أمام أحد خيارين إما التغيير والتعامل مع الواقع المحيط أو الإنقراض الكامل فكريا على الأقل.
ما أتمناه هو ألا يكون مخاض العالم الإسلامي عسيرا ففي الفترة الحالية ضحايا هذا الميلاد العسير من العالم كله.



1- http://worldnetdaily.com/news/article.asp?ARTICLE_ID=48347
2- http://www.capmag.com/article.asp?ID=4224
3 - http://members.aol.com/pforpeace/EndHunger/ficah/
4 - http://www.akhbar-libya2.com/modules.php?name=News&file=article&sid=23647








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah