الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياخسارة ..كلهم رحلوا

اسماعيل موسى حميدي

2019 / 7 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يا خسارة ..كلهم رحلوا..
د.اسماعيل موسى حميدي..........الحوار المتمدن
......................
لو دخلت الى قاعة طويلة عريضة ووجدتها جوفاء فارغة من كل شيء سوى مقاعدها المتصافة الصامتة ،ثم تربعت وقوفا في مقدمتها وانحنيت ووضعت يديك على منصتها الخشبية مخترقا بنظرك الحاد كل زواياها المتباعدة ومقاعدها الخرساء، ثم تبدأ بسؤال نفسك :يا ترى كم عدد الذين جلسوا على مقاعد هذه القاعة منذ تأسيسها قبل عشرات السنين والى يومنا هذا، أين مضوا ،اين ذهبت بهم الايام،..مهما تكن اعدادهم واعمارهم الزمنية هم بالنتيجة كلهم رحلوا ، نعم كلهم رحلوا واستوعبتهم تفاصيل الايام وذابوا بحجمها....
لو افترضت ان هذه القاعة نفسها دخلها ثلاثة فقط من بين كثير من الاشخاص كنت انت بانتظارهم والبقية لم يحضروا ،(هنا يمكن ان نصف الكل والجزء) الكل الذين لم يحضروا والجزء الذين حضروا لانهم قلة، وهنا نقول ((لم يحضر الا ثلاثة اشخاص فقط)).
وقد فرقنا بين الكل والجزء بـ( الا ) الاستثنائية والتي يكرهها كل العرب لفرط مافيها من تفاصيل في دروس اللغة العربية.
ولو ركزنا قليلا في هذه الجملة فاننا سنجد القاعدة (الكل) هنا هو عدم الحضور اما الجزء (الاستثناء)فهو الحضور
واذا عكسنا العبارة وقلنا (حضر الجميع الا ثلاثة اشخاص) فسيكون ايضا العكس لان الكل سيصبح هو الحضور والاستثناء عدم الحضور.
و(الكل هو الاصل في الاشياء)

يصف الله سبحانه وتعالى بني البشر بالخسران بقوله تعالى (والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
و هنا الكل هو الخسران اما الاستثناء(الجزء) فهم اصحاب الحظ العظيم الذين عملوا الصالحات في الحياة.
بمعنى ان كل بني البشر ضمن دائرة الخسران
يا ترى كم نخسر في اليوم والشهر والسنة والعمر من اشيائنا واموالنا.كم نخسر من صبرنا وحكمتنا وصحتنا، كم نخسر من صالح اعمالنا ورضانا ومتعتنا في الاشياء.

لو تأملنا قليلا بكل ما نحب في الحياة من اشياء اعتبارية ومادية تحتوينا ونمتلكها فانها بالنتيجة في طريقها للزوال والخسران حتما. كم نخسر يوميا من اشخاص حولنا ،نخسر اعز الناس في حياتنا واعمالنا ووظائفنا ، شهاداتنا وبنياننا حتى ينتهي المطاف الى خسران النفس من الرمق الاخير.عندها سنكون نحن ضمن قوائم الخسارة التي يتحدث بها غيرنا بعد ان يخسرونا كابناء او اصدقاء او مقربين او مفكرين.
فبخسارتنا للوقت نخسر معه اشياء عظيمة تمضي ولاترجع.المكان الذي تجلس به او تعمل به او تتحدث فيه مع اشخاص بمجرد ان تمر عليه الثواني والدقائق حتى يمضي بلا رجعة ويصبح كالخيال المركون وسط ذاكرة في طريقها للتلاشي . لتتحول الاعمال الى صحائف فقط لا يفك طلسمها الا في يوم الفصل العظيم.
رجل سبعيني يجلس في باص وهو يمر باحد شوارع بغداد وفي يده عصاه التي يستعين بها ،توقف الباص مقابل احدى البنايات المتروكة،فأومأ هذا الرجل بعصاه نحوها وهو يردد ،(كلهم رحلوا .كلهم رحلوا)...وعندما سأله احد الاشخاص الذين يجلسون بالقرب منه ،بماذا تقصد؟،رد عليه:،هذه البناية كانت احدى دوائر الدولة وكنت انا موظفا فيها في بداية التسعينات ،وكانت تضم مئات الموظفين من مدير عام الى معاونيه الى رؤساء اقسام وشعب ،كانت دائرة حيوية بموظفيها عنيدة بمسؤوليها، ولكن اليوم.اين مديرها العام بحاشيته اللجوجة،اين مسؤوليها الذين كانت تأخذهم الانفة والكبريا،اين الامل الذي كان يحدو الجميع في الصعود للمناصب والاستحواذ على متع الحياة ،حتما كلهم احيلوا على التقاعد او رحلوا عن الحياة ..نعم رحلوا.. ياخسارة كلهم رحلوا.ولم تبق غير الصحائف.
فكم هو الانسان مدعو لتضييق حجم ما يخسر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان