الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية واحة الغروب

زهير إسماعيل عبدالواحد

2019 / 7 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في رواية واحة الغروب 
للكاتب المصري بهاء طاهر
الرواية من اصدارت دار الشروق في جمهورية مصر العربية تقع الرواية في 325 صفحة من القطع المتوسط وبالطبعة الأولى والتي صدرت عام 2007حتى وصلت إلى الطبعة الخامسة عشر عام 2017 والتي تحولت إلى مسلسل عرض في رمضان عام 2017 تحت نفس الاسم.
الرواية تبدأ بالبطل , محمود , الضابط الذي عاصر أحمد عرابي البطل الذي تمت خيانته , و شاهد كيف تحولت البلاد من أيدي الخونة في البدء – الخديوي و أعوانه الباشاوات – إلى يد الوطنيين متمثلا في عرابي , ثم هزيمته و عودتها ليد الاحتلال مع الخونة.. و تعامله مع الوضع الجديد. على الرغم من كون الرواية تتعلق بفترة تاريخية حساسة في تاريخ مصر , لكنها لم تأبه بهذا , بل اتجهت نحو المواطن المصري لتحلل نفسيته في صورة جميلة .. صورة تجعلني أقول و بثقة أنها رمزية للمواطن المصري الحالي , الأغلبية السائدة من الشعب الذين يرفعون شعارا واحدا : و أنا مالي .. الأهم مصلحتي مش مصلحة البلد ..
تناقش الرواية في شخصية محمود شخصية العاصي الذي يريد التوبة , فالعصاة نوعان , من يعصي و يستمر بالسير في طريق الشر , و من يسير قليلا ثم يتردد داخله صوت ضميره فيتوقف , أو يرجع خطوات لكنه لا يترك الطريق , فيظل يتأرجح تارة بين الشر و تارة بين نفسه الأمارة بالخير , و هنا شخصية محمود .. شخصية المصريين بل وكل العرب مع الأسف الشديد.
البطلة , كاثرين البريطانية , حقيقة تفاجئت بوجودها , بل و بزواجها من محمود , لكن حين علمت أنها أيرلندية صار الأمر واضحا .. أيرلندا لمن لا يعلمها بلد تحتله بريطانيا , أي انه بلد يشبه مصر كثيرا , و هذا جاء منطقي في تلاقي وجهات نظرها مع نظر محمود وكرهها للاحتلال ... و لكن السبب الأكبر في جعلها أجنبية هو هوسها بالأثار , الأمر الذي إن جعله الكاتب يصدر من شخصية مصرية فهو بكل تأكيد سيكون موطن تساؤلات و حيرة , ففي الوقت الذي تغوص فيه البلاد بالفقر و الدمار تخرج علينا شخصية أنثوية في عصر تتدارى فيه السيدات لتبحث عن أسطورة الأسكندر المدفونة في واحة من واحات مصر .. لهذا جاء الاختيار على شخصية أوربية , و جاء الاختيار ليس على الشراكسة لكرههم الشديد للمصريين , فجاء الاختيار على كاثرين الأيرلندية .. اختيار موفق بالفعل.
إن شئنا التعبير باستخدام التعابير السينمائية فسنقول أن البطل الأول هو محمود و البطلة الأولى هي كاثرين , ثم تظهر لنا صورة لأبطال الثانويين في الكادر بطريقة مبتعدة و متفرقة .. يقولون أن البطل يتم تحديده بأنه محرك الأحداث , المحور فيها , و هذا يجعلني أضع شخصية ثانوية ترتقي سلم المجد لتصير شخصية بطلة هنا .. إنها الفتاة الصغيرة .. مليكة ..
كان لابد للكاتب أن يعالج قضايا إجتماعية محورية بالرواية , و هذا جاء في صورة مليكة , الفتاة التي تزوجت شخصا لا يقدر على أداء حقوقها الزوجية معها , ثم مات و صارت .. غولة ! غولة هو تشبيه للفتاة التي مات عنها بعلها لفترة " لا أتذكر الفترة تحديدا أعتقد أنها ثلاثة أو أربعة أشهر تقريبا " , و إن خرجت الغولة من حجرتها فهي مصدر شؤم للجميع .. و قد خرجت مليكة في حادثة تعتبر الأولى في تاريخ الواحة و من ثم حدثت أمور عديدة منها موتها، مقتلها , ثم ما حدث بعدها من تأنيب ضمير كان سببا في الوصول بالرواية للنهاية.
هناك شخصية الشيخ يحيى وهو عاقل الواحة , و الشيخ صابر وهو ثعبان الواحة و قائد الأجواد – يعني قائد الواحة - , و الشخصيتان الأولى تمثل الصوت الناصح و الرأي السديد للمشاكل الإجتماعية – وهو رغم معارضتي الشخصية لتلك الطريقة لكن لأن الرواية لم تعالج القضايا الإجتماعية بصورة أساسية فلا بأس بتلك المباشرة في النصح – و الشيخ صابر جاء ليمثل لنا كيف يفكر الأشرار في مجتمع فاسد غير متعلم , و كيف يستغل الإنسان كل شيء لصالحه في مبدأ ميكافيللي .. الغاية تبرر الوسيلة..
تأتي بعد هذا شخصيتان ثانويتان أساسيتان :  -وصفي  -فيونا الشخصية الأولى شركسي جاء للواحة , شخص ذو نفوذ , جاء ليعمل مساعدا لمحمود في حركة أدهشته , فهذا المكان لا يطيقه أحد , لكن فيما بعد نكتشف أنه كان في السلاح الجديد الذي سيصير حاليا معروفا بـ " المخابرات العسكرية " جاء به الكاتب ليكون وجها للشراكسة الذين يستعمرون مصر , و صوتا يعارض صوت ضمير محمود داخله و يجعله يتذكر كيف خان الباشاوات الشراكسة الوطني عرابي و تسببوا في دمار البلد .. و قد كانت شخصيته ناجحة في هذا الدور بالفعل .. أما فيونا فدورها لم يكن سوى الملاك الطاهر الذي يكون راحة للاثنين .. لمحمود حيث يتذكر بطريقتها في سرد الروايات محبوبته القديمة , و لكاثرين حيث هي أختها و التي ترتاح لها .. أراد بهاء طاهر هنا أن يخرج نفسه من مأزق تسبب فيه استخدامه لأسلوب الأنا المتعددة , و لكن الشخصية لم تنجح في أداء هذا الدور .. لأنه ببساطة دور أضخم منها .. بالطبع دور هام آخر , و هو توضيح أن التعامل مع البشر يجب أن يكون بنية حسنة صافية حتى يتجنب الجميع الخلافات فيما بينهم , فكاثرين حين جاءت هنا أول مرة كان الكل ينظر لها باشمئزاز , فهي الأجنبية الإنجليزية التي تعاون المصريين في احتلال واحتهم , لكنها حاولت أن تتقرب إليهم في سبيل مساعدتها للبحث في أثار الواحة المندثرة عن مكان قبر الأسكندر , لكن لأن نيتها ليست صافية فلم يعرها أحد أدنى اهتمام .. ومع محاولات عديدة جنونية أحيانا في الأحداث نجد أنه بمجرد ظهور فيونا صارت هناك صداقة بينها و بين أحد السيدات في الواحة , حيث كانت معها بالقافلة و تحدثت معها و صادقتها و صارت تأتي لمنزل محمود من أجل فيونا و ليس لكاثرين , و على الرغم من كرههم الشديد لمحمود بعد حادثة الغولة لكن لم يمنع هذا من حب السيوية تلك فيونا في إشارة واضحة للمقارنة الجميلة التي نجح فيها الكاتب بمهارة.
-ضمير السرد الجديد : حقيقة لم أقرأ الرواية إلا لهذا الأمر , ربما كان غريباً على البعض قراءة رواية بتلك الطريقة , لكن في نظري الشخصي مستقبل الأدب الروائي الرومانسي و الإجتماعي يتعلق بهذا الضمير الأكثر من رائع .. ضمير الشخص الثالث المحدود .. أو الأنا المتعددة. من المعروف لنا جميعا ضمير الشخص الثالث , و ضمير الأنا .. الشخص الثالث هو التنقل بين عقول جميع. الأنا هو التحدث طول الرواية من خلال منظور شخصية واحدة فقط .. معروف للكتاب أن الشخص الثالث يتيح لهم حرية تحرك لا حدود لها في الوصف , في توضيح وجهات النظر , في كل شيء , لكن على الرغم من تلك الميزة الرائعة هناك العيب الأخطر بها وهو أن القارئ لا يقدر على التعلق بشخصية واحدة فقط بصورة كبيرة .. فمهما كان دور هذه الشخصية و مهما صار تواجدها كثيرا طول الرواية يبقى القارئ معزولاً عن الشخصية لأنه ببساطة لا يعرف الكثير عنها و عن تفكيرها .. الأمر الذي يجعل بعض القراء يشعرون بالغربة من الروايات المكتوبة بتلك الطريقة.. بالنسبة لطريقة الأنا , فهي تمثل المخرج من هذا المأزق , فالكاتب يكتب طول الرواية الأحداث من منظور شخص واحد فقط , و بالتالي القارئ يتعلق بتلك الشخصية بسهولة جدا , و يكون عالما بكل جوانب تفكيرها و حياتها , لكن تبقى العيوب الأكثر و الأخطر لتلك الطريقة متمثلة في عدم إتاحة المجال للكاتب في وصف المشاهد و نسج الحبكات بصورة قوية كما في الشخص الثالث , كذلك الثرثرة و شعور القارئ بالملل بسرعة من القراءة كابوس يهدد كتاب تلك الطريقة , و أخيرا ربما يكره القارئ الشخصية من أساسها و بالتالي تتدمر الرواية.. نجد شيئا جميلا .. أن هناك ميزة في كل نظام لا توجد بالأخرى , و عيوب أحدها هي مميزات الأخرى , و من هنا ظهرت طريقة الشخص الثالث المحدود .. أو الأنا المتعددة .. باختصار شديد هي طريقة تعتمد على تقسيم الرواية لمشاهد (فصول) كل فصل مشهد يتم روايته بصورة فردية من منظور شخصية واحدة فقط , أي بأسلوب آخر هي مشاهد مكتوبة باستخدام ضمير الأنا , لكن حين النظر إلى الرواية ككل بعد تجميع تلك المشاهد. الفصول سنجد أن لدينا عدة فصول مكتوبة بشخصية معينة , و عدة فصول أخرى مكتوبة بشخصية أخرى , أي أن الأنا التي تتحتم وجود شخصية واحدة فقط طول الرواية لا يتفق مبدأها هنا , بل يتفق هذا الأمر مع واقع الشخص الثالث , حيث تعددية الأبطال الرواة طوال الرواية , و من هنا جاء هذا الاسم : الشخص الثالث المحدود..الأنا المتعددة.. شرحت هذا الأمر حتى لا يتظلم أحد من الطريقة الجديدة الغير معتاد عليها , لكنها ليست سيئة .. ما هي إذن مميزات تلك الطريقة ؟ ببساطة شديدة هي تجميع لمميزات الطريقتين , فهنا يمكن للكاتب أن يوسع من ضيق الأفق الموجود في طريقة الأنا , فهو يكتب مشهدا مرة من منظور بطل , ثم مشهد آخر من منظور شخصية أخرى , و بهذا يتيح للقارئ مجال أوسع للتفكير و يساعد الكاتب على نسج الحبكة بصورة أكثر سهولة .. نجد أيضا أن القارئ سيكون متعلقا بالشخصيات بكل سهولة ويسر أكثر من الشخص الثالث , حيث فترات ظهور الشخصية الطاغية بوجهة نظرها و طريقة تفكيرها على المشاهد تجعل من القارئ قريباً من الشخصية بشكل أكثر مما هو عليه في الشخص الثالث تعددية الأبطال و تنوع آرائهم و إتجاهاتهم يتيح للقارئ الفرصة لانتقاء ما يحبه و نبذ ما لا يحبه بدلا من ترك الرواية من بابها مثلا. أريد توضيح أمر .. هنا وجدنا التطبيق العملي على الضمير بتلك الصورة : -فصل محمود يتم سرده بضمير الأنا حتى ينتهي من وجهة نظر محمود -فصل كاثرين يتم وصفه بضمير الأنا حتى ينتهي من وجهة نظر كاثرين و هكذا بالتبادل و ظهور فصول شخصيات أخرى مثل الشيخ يحيى بالصورة يجعل من الأمر بديعا.. لكن من يفكر بالأمر هنا يجد أن هناك تحدٍ استطاع الرائع بهاء طاهر النجاح فيه بجدارة , و هو أمر يجعلني لا أقدر على القفز فوقه ولابد من توضيحه .. ذلك الأسلوب المتبع من تبادل وجهات النظر للشخصيات لا مشكلة فيه , فكل شخصية ستورد رأيها فيما حدث دون أي تعارض مع وجهة نظر شخصية أخرى .. لكن حين تجتمع شخصيتان أو أكثر على حدث واحد – وهنا أخص بالذكر حادثة مليكة – بالتفكير البسيط لأي كاتب سيجد أنه في مأزق حتمي .. فالمطلوب هنا ببساطة وصف أحداث مشهد واحد من وجهة نظر شخصيتين عاصرا الحدث مع اختلاف طريقة التعرض للحدث بالطبع , لكن المطلوب أن القارئ حين ينتهي من قراءة المشهدين يجزم أن كل مشهد صحيح , و أن الآخر هو الخطأ , لكن حين يقرأ الآخر يجد الحال يتبدل و أن ما قرؤه لتوه هو الصحيح و الآخر هو الخاطئ .. هنا سيصبح القارئ في حيرة و لو استخدمت تلك الطريقة في رواية بوليسية أو ألغاز سيصبح الأمر مثيرا للقارئ حقاً .. بعيداً عن الاستخدامات المثلى لتلك الطريقة فقد نجح بهاء طاهر هنا في هذا الأمر , و استطاع أن يحنن قلب قارئه على كاثرين من الحادثة و يقتنع أنه لا يد لها و أن محمود هو المخطئ , ثم حين يقرأ مقطع محمود يجزم أن كاثرين هي المخطئة و أن محمود هو الصواب , بالطبع يستحق الإشادة هنا بكل تأكيد .. أعني الكاتب  -الميزة الثانية للرواية , و الأمر الذي جعلني أواصل القراءة رغم عدم استمتاعي بالعمل ككل خلاف الضمير الجديد هو فصل  الإسكندر. الفصل هذا أعتبره رواية بمفرده أسلوب الكاتب فيه تطور بصورة رهيبة ليصير رائعا , بل أسطوريا .. بكل تأكيد المجال نفسه غير مطروق و استخدمه بهاء هنا بصورة المحترف عن طريق ضمير الأنا الرائع , لكن أسلوب الكاتب هنا مختلفا عن أسلوبه و مستواه في الفصول الأخرى في الرواية .. لهذا أهنئه على هذا الفصل.
(وأخيرا النهاية)
النهاية في واحة الغروب تتمثل في خروج محمود من منزله لتدمير المعابد و التي كانت رمزاً للمشاكل كلها في الرواية , ثم موته هو شخصياً منتحراً .. لكن ما سبب خروج محمود من منزله؟ كل المشاكل التي ساقها الكاتب طول الرواية تعتبر أموراً اعتيادية في حياة البطل .. لماذا خرج عن إطاره المعهود الذي يتأرجح بين الشر أو التأنيب ؟! لابد من وجود حدث جلل لهذا .. وهنا لم أجد هذا الحدث بكل أسف .. الحدث كان بسيطا , مجرد خلاف في الرأي بين فيونا العليلة " دورها الآخر بالرواية " و بين زوجته , و قام الكاتب هنا بجعل فيونا تفقد الوعي و كاثرين تتأسف لكن محمود – الذي جعله يحب فيونا بعد ظهورها – يغضب , كيف تكون زوجته سببا في انهيار فيونا و ربما موتها ؟! ببساطة الضمير .. حين نفكر بطريقة الكتاب في هذا الضمير الجديد , سنجد أنه يقسم الرواية لشرائح طولية .. كل شريحة تعتبر رؤية شخصية معينة بالرواية للأحداث .. أي هناك شريحة محمود و شريحة كاثرين و شريحة الشيخ يحيى و صابر .. المشكلة هنا أن الكاتب حين يصل للنهاية يجد أن روايته تحولت لشرائح يجب تجميعها لتصبح واحدة .. وهو أمر لم ينجح فيه لأنه أدرك هذه الحقيقة متأخرا .. فحين انتهى وقته وجد أن الرواية مجرد شرائح طولية لا يجمعها شيء مطلقا سوى حادثة مليكة هي حادثة عرضية , فأراد أن يرمم هذا الخطأ بتجميع الأحداث في هوة واحدة وهو تداخل كل المشاكل سويا حتى يصل بالأحداث للذروة فتصير النهاية.. نصيحتي هنا للكاتب الكبير أنه إن أراد تكرار التجربة مرة أخرى , أو أي شخص يرغب بتجربة هذا الضمير الرائع , يجب أن يضع في اعتباره أنه مضطراً لمواجهة التحدي الخاص بوصف أكثر من مشهد بوجهات نظر مختلفة كما حدث في مشكلة مليكة مثلا , يجب أن يدرك أنه لا يكتب بطريقة الأنا , لا يكتب مذكرات شخصية لأحداث , إنما يصف الأحداث بأبعاد متعددة , أي أن الرواية كانت يجب ان يتم التعامل معها من منظور مشكلة مليكة و ما حدث فيها .. حيث التداخل الأكبر للأحداث ..  لكن بالنظر للتجربة ذاتها , و أنها جديدة و جيدة , فلا بأس .. نحن نخطئ كي نتعلم ..
أخيرا رواية تستحق القراءة بكل تأكيد .. و أراها تستحق الدراسة و التدريس و التعلم منها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ