الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزب من ورق

سليم صفي الدين

2019 / 7 / 25
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


التغيير لا يأتى فقط بالثورات، فالثورة هى حدث استثنائى فى مسار الدول، وتحدث غالبًا نتيجة الدكتاتورية وكبت الحريات، وتنتهى غالبًا بالفوضى، إلى حين تمكُّن أحد من السلطة على نحو قوى، وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليها، سواء بتحقيق التغيير المأمول أو بعودة الدكتاتورية مرةً أخرى فى صورة جديدة.

فى رأيى أن عودة الدكتاتورية أو المضى نحو التغيير بخطى ثابتة، مرهون بالسياسة الممثلة فى فن الممكن، فهى العامل الحاسم فى الميل نحو هذا أو ذاك، واللاعب الرئيس فى معادلة السياسة بكل تأكيد يتمثل فى الأحزاب السياسية، وقدرتها على الإدارة السليمة للمعطيات، فى ظل الظروف التى فرضت نفسها فجأة على الساحة، فضلاً عن منظمات المجتمع المدنى. وسواء أجنحت المعادلة إلى الدكتاتورية مرة أخرى، أم مالت نحو الحرية، يظل دور الأحزاب السياسية هو الأهم فى المعادلة.

فإن مال النظام إلى الانتخابات السريعة من أجل كبح جماح حماسة الشارع وتهدئته، فدور الأحزاب التى تتبنى حلم التغيير كبير فى تحقيق أكبر قدر ممكن من التمثيل الجماهيرى فى تلك الانتخابات، سواء أكانت برلمانية أم نقابية، وذلك من أجل تحويل حلم التغيير الممثل فى شعارات كبيرة مثل "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية" إلى واقع ملموس فى مشاريع قوانين تحقق العدل والمساواة والكرامة.

وفى حالة خروج الأحزاب من هذه المعادلة، من دون شك يتحول حلم التغيير إلى كابوس ضخم، يصير معه النظام الذى رفضه الشعب عن طريق الثورة فى حد ذاته حلمًا يصعب إرجاعه.
كنت مثل كثير غيرى من أوائل الذين انضموا إلى حزب الدستور، الذى –للأسف- نشأ وتبلور حول شخص بعينه (الدكتور محمد البرادعى) فكان طبيعيًّا انهياره بعد إعلان "البرادعى" الانسحاب منه. ولأن الحزب لم يكن حزبا –فى رأيى- بالمعنى الحقيقى، لم يستطع التماسك حتى يومنا هذا، فصار مثل مجموعة مشكلة تصدر بيانًا من حين إلى آخر سواء أكان مؤيدًا أو معارضًا لما يحدث على الساحة، ولا تخو تلك البيانات الجوفاء من "فتحة الصدر" التى أصابتنا جميعًا إبان ثورة يناير.

من بعدها فقدت الثقة فى كل الأحزاب السياسية، وقررت الابتعاد مكتفيًا بما أكتب من حين إلى آخر فى الشق ذاته، حتى تابعت بعض الأحزاب التى شعرت أنها تميل إلى العمل السياسى الحقيقى، فهى ليست على يمين السلطة فتوصف بالتملق من أجل تحقيق مصالح شخصية، ولا هى على اليسار من أجل أن يقال عنهم أبطال الحاضر. استوقفنى حزب يقوده شاب يشغل منصب الأمين العام فيه، وكانت تجمعنى به علاقة صداقة ليس قوية، وببعض الاهتمام فى المتابعة، رأيت كل الذين يقومون على الحزب مجموعة من الشباب الطامح والحالم والراغب فى غد أفضل.
قررت الانضمام منذ نحو عام مضى، لكن ظروفى عملى منعتنى من ذلك حينها، وما إن سنحت الفرصة حتى تقدمت إليهم. زرت مقر الحزب الواقع فى وسط القاهرة، فقابلنى شخص أسمر البشرة قوى البنيان، يرتدى "شبشب"! وملابس مهلهلة، كأنه قام من نومه للتو! لم أكترث. تكلمت معه، فطلب منى صورة بطاقة الهوية وصورتين شخصيتين. ملأت استمارة التقدم للعضوية، وقال: "حنبقى نتصل بيك عشان مقابلة من الأمين العام"! استغربت الكلمة، "إنترفيو"! ماحدش قال لى أجيب سيرة ذاتية معايا! حزب ده ولا شركة!

اتصل بى هذا الرجل الأسمر يؤكد علىَّ ميعادا مع السيد الأمين العام، استغربت أكثر، أوليس من الذوق إخبارى بالموعد قبل يومين على الأقل؟ لم أكترث كعادتى، ولحسن الحظ أننى كنت فى إجازة. جهزت نفسى، وخرجت. عاود الشخص نفسه الاتصال بى يعتذر إلىّ لانشغال الأمين العام! وأجل الموعد لأسبوع كامل! مر الأسبوع وأنا فى حالة من الدهشة. هل بالفعل دخلت حزبا سياسيا؟ تقابلت أخيرًا مع الأمين العام، الذى حضر متأخرًا عن موعده، وأبقانى فى انتظاره قرابة الساعة، لحين الانتهاء من "اجتماع"!
صعد بى الرجل الأسمر إلى الطابق الثالث من الفيلا التى يقع بها مقر الحزب، وأدخلنى أخيرا لمقابلة السيد وزير الدفاع! أقصد الأمين العام. لم نجلس معًا أكثر من خمس دقائق، أخبرنى خلالها أننى يجب أن أحضر ما أسموه "مدرسة الكادر" حتى يتسنى لى الحصول على عضوية الحزب! وعندما سألته عن أهمية تلك المدرسة، أجاب: "أنا عايز أى عضو فى الحزب لما حد يسمعه بيتكلم، يقول ده عضو حزب". قلت فى نفسى إنه حزب علمانى يتبنى الأيديولوجية الليبرالية يصنع أشخاصا أحاديى التفكير!
الفضول كان يدفعنى إلى الاستمرار، حضرت تلك المدرسة التى اقتبس (أقول بتأدب: اقتبس) الشباب الذين حاضروا فيها كل ما قالوه حرفيًّا من المفكر المصرى الكبير مراد وهبة. كان سهلاً علىَّ إدراك ذلك بما أننى من قرائه. وما كان يدهشنى أن لا أحد يرتجل، إنما مجموعة من الروبورتات التى تخشى الانحراف عن المسار المرسوم لها!

انتهت آخر المحاضرات مطلع رمضان الماضى، فوجئت بأننى لم أحصل على العضوية، وذلك لأن نسبة حضورى لم تتخط الــ60%! زادت دهشتى، لقد رسبت فى أعمال السنة! علمًا بأننى دخلت تلك المدرسة بعد عقد ثلاث محاضرات فقط قبل أن أنضم إليها، ولم تفتنى محاضرة واحدة من بعدها! تواصلت حينها مع إحدى عضوات اللجنة العليا، بعدما امتنع السيد وزير دفاع الحزب عن الرد علىَّ، فأخبرتنى أنه يجب علىّ أولاً إعادة مدرسة الكادر بالكامل، ثم العمل فى الحزب لمدة 6 شهور كاملة من دون عضوية، حتى يتأكدوا من ولائى! وهنا تذكرت جماعة الإخوان المسلمين التى يدعى السيد الأمين العام كرهه لهم، ولا أفهم ما علاقة الكره والحب بالسياسة، وسألت نفسى ما الفرق بين هذا الحزب الشللى، وبين تلك الجماعة التى قالت عكس كل ما فعلت؟
قررت الذهاب إلى الحزب بعدما انقطع الاتصال بى تمامًا، كى آخذ استمارتى وصورى الشخصية، وأشكرهم على حسن المعاملة، فوجدت الحزب مغلقًا بسلسلة وقفل! صاحب المحل تقريبًا زهق فقرر يرتاح ساعتين!

الأحزاب السياسية فى مصر تعانى إشكالية ضخمة، وكذلك النخبة، وأتعجب عندما يقول لى أحد من الذين ينشغلون بالسياسة، إن مشكلة الأحزاب أن النظام لا يرغب فى وجودها، وأنها تعانى التضييق. على مر التاريخ لم أسمع عن نظام رحب بوجود أحزاب تسعى لنزع السلطة منه، أو حتى معارضته، الأحزاب وجدت من أجل العمل فى أصعب الظروف، وإلا فلماذا عرفت السياسة بفن الممكن؟

اختصرت قدر المستطاع، فالمسألة ليست شخصية، ولم أتطرق إلى زيارة حزبين آخرين أعضاؤهما ليسوا إلا موظفين يقومون بأعمال روتينية شبه يومية. ما زلت أطمح إلى ظهور حزب يعرف أعضاؤه أنهم غير مرحب بهم من النظام ولا من الشارع، فالناس كفروا بكل من تقدم من قبل، والنظام يمضى فى اتجاه لا يريد فيه من يعارضه. حزب يعمل على نحو مؤسسى، ولا يكتفى بالظهور كل انتخابات وحسب، يقوم على كوادر ومشروع، وليس شللية وحبًّا وكرهًا.. حزب يستطيع إدارة المعطيات فى أضيق الظروف، ولا ينسحب تحت أى مسمى.. حزب يتخطى طموحه طموح السلطة ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا