الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب

2019 / 7 / 30
مقابلات و حوارات


أعتقد أنّ القارئَ سيجدُ صعوبة كبيرة في استيعاب فكرة العُزلة الَّتي تتحدّثينَ عنها، وسيسألكِ عن كيفيّة تحقيقها في زمنٍ لا يسمحُ للإنسان بالانعزال عن أيّ شيء تماماً، لربّما فاتكِ أنّ الإنسانَ عليه أيضاً أن يسعى إلى رزقه، ويخرجَ للعمل، ويختلط بالنّاس، وإلّا فإنّ حياته ستتوقّفُ، أليس كذلك؟
*
هذا سؤال مهمّ ومنطقيّ للغاية، والعزلة الَّتي أتحدّثُ عنها عزلة فكريّة، عزلةُ مبدأ وقضيّة. والسّلامُ هو قضيّة القضايا الكبرى، ومن الطّبيعي أن يرى القارئُ أنّ الوصولَ إليه عبر العزلة الفكريّة سيكون صعباً أو مستحيلاً، وخطابي هنا أوجّههُ لمَنْ يعرفُ معنى أنْ تكونَ قابضاً على الجمْر: فالحياة كلّها مطالب ومغريات وتحدّيات، لكن عليكَ أن تختار عزيزي القارئ في أيّة جهة تريد أن تقفَ؟ حينما ستطّلعُ على ذاتكَ من الدّاخل وتعرفُ نفسَكَ من هيَ، ستكون مضطرّاً إلى الاختيار الصّعب بين خياريْن: إمّا أن تكون من أهل السّلام، أو تكون من أهل الغفلة والاحتجاب عن الحقيقة. وإنِّي لأعتقدُ أنّه حان الوقت لأقول لكَ بأنّ التَّاريخَ الرّوحي للإنسان هو تاريخ كسلٍ وتواكلٍ: لا أحد يريدُ أن يتعبَ من أجل الرّقيّ بنفسه، لأنّ الأمرَ صعبٌ للغاية ويقتضي الكثيرَ من الجُهد والصّبر، ولأجل هذا عملَ الإنسانُ خلال الحقب والسّنين الماضية على اختيار أشخاص مُعيّنين جعلهُم أنبياء وقدّيسين وكهنة وأولياء ورجال دينٍ يتولّون أمور الرّوح والإصلاح والإرشاد بدلاً عنه، هذا أسهل بالنّسبة إليه، أسهلُ من أن يكون كلّ إنسانٍ نبيَّ نفسه ووليّ روحه، قادراً على التّغيير والتَّطوّر إلى الأفضل من أجل ختم مسار الحياة بالنّجاة. وهذا يعني أنّكَ عزيزي القارئ في سبيل تحقيق الإصلاح والإرشاد والسُّموّ بالوكالة قرّرتَ حتّى عدمَ الاستماع إلى كلمات الخالق -غير تلك المخطوطة في الكتب المقدّسة-، على الرّغم من أنّه في تواصلٍ مُستمرّ كلّ يوم وفي كلّ لحظةٍ معكَ، وهي الحقيقة التَّواصليّة الَّتي تخشى تصديقَها، لأنّك بالرغم ممّا تبديه من إيمان ويقين فإنّك مازلتَ تشكُّ في نيّة الله تجاهكَ، وهذا الشَّكُّ سببه الخوفُ، الّذي أراه يتضخّم كلّ يوم أكثر فأكثر إلى أن أصبح قوّةً تسدُّ كلّ السّبل نحو اكتشافكَ لحقيقتكَ الإلهيّة. وهذه القوّة ذاتُها الّتي تسمّيها أنتَ بالشَّيطان، فهل ستصدّقني إذا قلتُ لكَ إنّ إبليس لا يوجد، وإنّ الإنسانَ بسبب خوفه يخلقُه في كلّ يوم وبأكثر من شكلٍ، ويمدُّه بالطّاقة اللَّازمة لتحريكه وتفعليه وتجسيده!
سأختارُ لكَ آيةً قريبة منكَ، وسأنتقيها من القرآن وذلك حتى تتأكّدَ من صحّة ما أقوله لكَ، وهي الآتية: ((إنّما ذلكُم الشَّيطانُ يُخوّفُ أولياءَهُ، فلا تخافونهم وخافونِ إن كنتُم مؤمنين)). ألا ترى أنّ الخوفَ في هذه الآية مرتبط بالشَّيطان، وأنّ هذا الأخير هو الخوف عينُه؟ وهو لهذا السَّبب يصفه اللهُ دائماً بالعدوّ المبين.
كل فشل وكلّ هوانٍ في حياة إنسان إنَّما هو بسبب الخوف. تذكّر هذه القاعدة جيّداً. وانزع عنكَ الوساوسَ وأنتَ في حضرة ذاتكَ العليا، وتذكّر أنّكَ إذا تخلّصتَ من خوفكَ ستصبحُ كما الأنبياء، في سلامٍ دائمٍ. ألا تستحقُّ السّلام؟ فلتسْعَ إليه إذن بيديْن منفرجتين وقلبٍ باسم.
لكن حتّى هنا عليك أن تنتبهَ جيّداً، لأنّ السّلام ثمنه باهظ جدّاً، وقد يصل إلى الموت. تذكّرْ أن أهل السّلام الأوائل فيهم من عُذّب وفيهم من قُتل، بسبب خوف النّاس من الحقائق الكبرى. ستجدُ الكثير من النّاس حولكَ يستغربون كيف أنّكَ تعيشُ هذه التَّجربة الرّوحيّة وهُم لا، وستسمعُ الكثير منهم يقولون في ظهركَ وغيابكَ إنّكَ على ضلال بيّن، وإن كلامكَ يشبهُ كلام الملحدين والمجانين، ولكن عليكَ أن تعلمَ أنّ هذا يحدث لأنّهم لا يستطيعون مقاسمَتكَ الفرحَ والسّلام الدَّاخليَيْن. إنّها نسبيّة الأفكار الإنسانيّة الّتي لا تقومُ على قيمة محدّدة ومطلقة، هي المسؤولة عن كلّ هذا، وهذه النّسبيّةُ لا بدّ لها دائماً من قُطبيّة تقوم على محورَيْنِ متعاكسيْنِ، الأوّل موجب هو الحبّ والسّلام، والثّاني سالب هو الخوفُ والحرب: واعلمْ أنّهُ كلّما أحبّ الإنسانُ شيئاً سعى إلى تدميره بسبب الخوف. عيسى مثلاً أحبّه النَّاسُ، ثمَّ حينما ظهر لهم في صورة ملكوتيّة خافوا منه فكان ما كان، الشّيءُ نفسه حدث مع عليّ ومع الحسين (ع)، ومع غيرهم جميعاً من أهل المحبّة، وعدمُ قدرة الإنسان على تصديق الذّات الإلهيّة هي سبب الدّمار الّذي يعيشُ فيه النَّاس إلى اليوم. الإنسانُ يخافُ من الذّات العليا باستمرار، ويشكُّ فيها وهذا يعني أنّ مصير الإنسان نفسُه يُصبح مشكوكاً فيه. إذا شككتَ في ذاتكَ العليا وابتعدتَ عن حقيقتكَ الإلهيّة، فأيّ سلامٍ تريد؟!
((حينمَا جلسَ يسوعُ إلى المائدةِ
لمْ يكنْ ذاكَ عشاءَه الأخير
وإنّي حقّاً لا أعرفُ لماذا تصرّونَ إلى اليوم
على إشاعةِ هذه الكذبة الكبيرة
ألَمْ يكْفِكُم ما فعلَهُ بهِ الفريسيّون؟!
هيّا، قُمِ الآنَ يا يهوذا وانطقْ بالحقيقة؛
قُل لهُم إنَّ المائدةَ لمْ تزَلْ منصوبةً
ويسوع لمْ يَزَلْ جالساً إليْها!
*
أعلمُ جيّداً أنّكَ لنْ تفعلَ ما آمُرُكَ بهِ
فمازال رؤساءُ الكهنةِ يشترونَكَ كلَّ يومٍ
بثلاثينَ مِنَ الفضّة!
وإن كنتَ تُنْكِرُ هذا أيضاً فقُلْ لي إذن:
مَنْ قطّعَ جَسَدَ جدّي رَعْ
ورماهُ للكلابِ في كلّ أرضِ مصر؟
ومَنْ ألقى بيوسُف فِي البئر،
ومَنْ سرقَ قصورَ أمِّي نفرتيتي،
ومَنِ استولى على شجرةِ مريم؟
بلْ مَنْ قطَعَ رأسَ أخي يحيى،
ومَنْ بَاعَ أرضَ الكنعانيّين إلى الذّئابِ،
ومَنْ أشعَلَ فتيلَ الحروب في بلاد آشور وسومر
أَلَسْتَ أنتَ منْ فعلتَ
ومازلتَ تفعلُ هذا كُلَّ يوم؟
*
عبثاً تستمرُّ في الكذب يا سمعان
فالمائدةُ منصوبة شئتَ أمْ أبَيْتَ
ومازال يسوع حيّاً يُرْزَقُ بَيْنَنَا
شِئْتَ أمْ أبَيْتَ
والعشاءُ مازال هُوَ هُوَ لا حَمُضَ ولا تعفّنَ
فعلومُ الحقّ لا تحمُضُ، ولا تجفُّ أنهارُها أبداً
وهيَ وحدها خبْزُنَا وعسلُنا وخمرُنا
ولبَنُنَا الّذي بهِ نُذْهِبُ ظمَأنَا
ومائدتُنا إنْ كنتَ لا تعرفُ
هي جسدُنا وأرضُنَا وسماؤنا الوهّاجة
ويسوعُ مازال يؤَذِّنُ فيهَا
قائماً بكلمةِ الحيّ القيّوم الدّيموميّ الأزليّ
ومريمُ مازالتْ تُرَفْرِفُ حولنا تُضَمِّدُ جراحَنا،
وتمسحُ دمعَنا وتُشْعِلُ شموعَ المحبّة في قلوبنَا
شئتَ أمْ أبَيْتَ
ولتذهبْ أنتَ ومَنْ معكَ إلى الجحيم
وخُذْ معكَ هواتِفَكَ الذكيّة ومحطّاتكَ الفضائيّة
وأقماركَ الصّناعيّة وجواسيسَكَ الآليّة
وحروبَكَ البيولوجيّة
ولا تنسَ قبلَ هذا وذاكَ،
أنّني مازلتُ جالسةً إلى المائدة
أحملُ الشّمسَ فوقَ رأسي
وأشربُ مِنْ عطرِ أبي يسوع
وآكلُ مِن خبزه الحيِّ الّذي لا يموتُ أبداً
شِئْتَ أمْ أبَيْتَ!))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الله الغانم .. كيف تحول حلم بسيط الى حقيقة؟


.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز




.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود


.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991




.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع