الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكاليات التاريخ كردياً- الجزء الخامس

محمود عباس

2019 / 8 / 1
القضية الكردية


ملاحظة: نتوسع في هذا البعد التاريخي، كمحاولة استباقية، لتنبيه البعض من كتابنا الكرد على ما يقدمونه خلال كتاباتهم، وبدون إدراك، من خدمات غير مباشرة للمتربصين بقضيتنا وتاريخنا. ومن جهة أخرى ننبه الأخوة العرب، من أبناء قبائل المنطقة، لئلا يتم استغلاهم من قبل العروبيين ومرتزقة أردوغان من المنظمات التكفيرية في إعادة الماضي المؤلم، ولنبقى وأبناء المنطقة من العشائر المذكورة على الأخوة والتعامل الحسن والذي أستمر على مدى العقود الماضية، ونأمل ألا يتأثروا بالدعايات العنصرية التركية ومرتزقتهم كالتي فعلتها سلطة الأسد والبعث في عام 2004م، خاصة وقد شاهدنا التجمع العشائري في جرمز وتصريحاتهم العنصرية التحريضية ضد الشعب الكردي، ومثله الذي تم في غازي عنتاب وبتخطيط ودعم تركي، متناسين التاريخين، تاريخ هجرتهم من حائل وقدموهم إلى المنطقة، وتاريخ المعاملة الحسنة من أبناء الأمة الكردية المستمرة إلى يومنا هذا.
......
اضطرت القبائل الكردية على طول كردستان الجنوبية، دفاعا عن الذات وعن جغرافيتهم تكرار ما قام به أهلنا في عفرين في نهاية العشرينات من القرن الماضي، فوقفت أمام القبائل العربية المهاجرة من حائل، التي لم تكن تؤمن بالجيرة والعيش المشترك، ومعاركهم المتواصلة بين بعضهم تؤكد هذه الجدلية، فرغم المراعي الواسعة كانوا على صراع متواصل، ومعارك شبه دائمة بين بعضهم رغم أنهم كانوا ينحدرون من القبيلة ذاتها، حتى عندما تركوا مناطقهم في حائل، واستقروا في بادية الشام، بين دمشق وحماه وتدمر ودير الزور، ومعارك الرولة والفدعان والسبعة والشمر وغيرهم خير إثبات، فلم يكن يؤمنون جانب البعض، ومن السهل أن يكون صديق اليوم عدوا في الغد. ففي المرحلة التي انتقلوا فيها إلى الجانب الأخر من نهر الفرات، دفعوا بالعشائر الكردية على دخول معارك عديدة معهم إلى أن انتقلوا من حالة الرحل إلى حالة الحضر في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي. فمن بداية القرن الماضي حدثت معارك بين العشائر الملية بزعامة أبراهيم باشا الملي وعشيرة الشمر وبعض فروع العنزة كالفدعان، والطي، والقبائل الموالية لهم في مناطق الرقة ورأس العين وجبل عبد العزيز والحسكة، ولأنهم كانوا قبائل رحل حتى في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، تركت بعض هذه القبائل مناطق قبيلة الملية، بعد خسارتهم، راحلين إلى شرق الجزيرة، حيث مراعي قبيلة الكوجرا الممتدة حتى جبل شنكال شمالا، وهناك حدثت مناوشات بين أل نايف باشا زعماء قبيلة الكوجرا ونفس العشائر العربية الرحل، الشمر والطي، في جنوب قرجوخ وتل كوجر إلى أن تم الصلح واقتطعت أجزاء من أراضي القبيلة الكردية، ليسكن فيها القبائل المهاجرة من منطقة حائل.
وفي المرحلة الزمنية نفسها جرت معارك بين الكابارا الكردية والبكارا والعكيدات والجبور العربية بعدما أرادت الاستيلاء على أراضي العشيرة الكردية، ورغم أنهم طردوا إلى جنوب الخابور، إلا أنهم تمكنوا من التمركز ما بين الخابور وجبل عبد العزيز، والتي كانت مناطق رعي قطعان عشائر الكابارا والكيكية والدقورية وغيرها. فقد كانت مناطق الملية والبرازية والكيكية والدقورية وغيرهم تمتد حتى جنوب الرقة وجنوب جبل عبد العزيز، وهي الحدود الجنوبية لغربي كردستان حتى الفرات الأوسط.
وفي الطرف الأخر كانت مناطق مراعي العشائر الكردية المتحضرة في قرى سنجقا خلف أغا، كعشيرة، دوركا وحجي سليمانا وكاسكا وعسافاتا، وغيرها، تمتد حتى جبل شنكال مثل العشائر الكردية الأخرى المذكورة سابقا. فلم يكن هناك مركز حضري حتى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي في جنوب قرى أل اليوسف زعماء الكاسكا، وقرية غردوكا (والتي كانت لأل عباس، وكان فيها والدي مع عمه شيخموس عباس حتى نهاية 1944م قبل أن يبني والدي قرية نصران، وينزعها الفرنسيين عن عمه) بل كانت بادية الجزيرة خالية إلى الفرات، ولم تسكن يوما حتى أثناء الغزوات الإسلامية.
فمن الملاحظ من جهة أخرى أن جميع هذه المواجهات والمعارك الجارية في بدايات القرن الماضي، تلي مرحلة فشلهم مع أل السعود في منطقة الحائل، وهي دلالة على عدم وجود منطقة محددة لهم، وكانوا في فوضى من تحديد مراعيهم، وبالتالي كان توجههم المفاجئ إلى جنوب كردستان حيث المراعي الخصبة في الطرف الأخر من نهر الفرات، وبعد عقدين من هجرتهم ظهرت محاولة الاستيطان الأولى في جنوب كردستان، بعدما أصبحت العودة إلى مناطقهم في شمال شبه الجزيرة العربية شبه مستحيلة، وهذا ما تم بمساعدة العثمانيين والسلطات العروبية وبسند من المستعمر الفرنسي. ورغم أن تاريخ هذه الهجرات والاستيطان العربي قريب جدا، وشهد عليها العديد من أجدادنا الذين شاركوا فيها، إلا أن الكتاب العروبيين، لا يقرؤنها على منطق الوطنية أو الإخوة في التعايش، بل يحرفون التاريخ كما يلقنون من قبل أسيادهم كمحاولة للقضاء على كردستانية الجزيرة، والتي سميت في البدايات بالجزيرة السورية، وفيما بعد بالعربية، واليوم بدأت تظهر بيانات التنديد أو الامتعاض من بعض المنادين بالوطنية، من تسمية مدننا قامشلو والحسكة والرقة وعاموده بالمدن الكردية.
ورغم كل هذه الضغوطات، وصراعاتنا مع القبائل العربية القادمة من حائل وشمال شبه الجزيرة العربية ومخططات السلطات العروبية، ومحاولات التعريب، تمكن الكرد، وبروح السلام الذي يتصفون به، من الحفاظ على جزء من جغرافيتهم، والمنتهية بعضها باتفاقيات عشائرية عينية، منها في نهاية العشرينات من القرن الماضي، وعلى أثر أحداها، سميت منطقة سنجقا خلف أغا بـ (أشيتا من أشتي) أي السلام، وبعد سنوات وكترسيخ لتلك الاتفاقية، أقام (أل عباس) في بداية القرن الماضي في قرية دوكر، وليمة للعشائر الكردية والعربية وخاصة الشمر، في الفترة التي كانوا لا يزالون يجولون المنطقة طلبا للكلأ، أي قبل مرحلة التحضر وبناء القرى، وقبل التهجير الأخير من قبل أل سعود والإنكليز من مناطق سكناهم.
وتمت مجالس هدنة مماثلة بين القبائل الأخرى، بين الملية والشمر والعبيدات، وبين الكيكان والجبور، وبين الكوجرات والشمر، وبين الكابارا والبكارة والعكيدات، وغيرها، علما أن بعض القبائل العربية خرقت هذه الاتفاقيات وبتحريض من السلطات المركزية، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما بدأت مرحلة استقطاع أراضي الكرد وتوزيعها عليهم تحت غطاء الإصلاح الزراعي، وحصلت بعضها على دعم من السلطات العروبية وبعضها رفضت الانصياع كعشيرة الشمر. وأخر الصراعات الجلية بين الكرد والعرب ظهرت أثناء الثورة الكردية (أو كما يصفها البعض، المشكك في أبعادها وماهيتها، بانتفاضة عام 2004م حتى بعدما شملت كل سوريا، وأثرت على مفاهيم المجتمع السوري عامة) عندما هاجم أزلام النظام من بعض العشائر العربية وخاصة من الطي والجبور، على ممتلكات الكرد في مدن الحسكة وقامشلو، وهنا وللتاريخ وقفت قبيلة الشمر مرة ثانية موقفا أخويا ووطنيا ورفضت إملاءات السلطة بالتعرض للممتلكات الكردية.
وبالمناسبة تسمية ثورة 2004 بانتفاضة، ليست مبنية على تحليل منطقي بقدر ما هو عدم ثقة البعض من كتابنا الكرد بذاته وبثوراته، إلى جانب غياب الحكمة في ربط العوامل الموضوعية والذاتية بين بعضها البعض، وهذا المنطق لا يختلف كثيرا عن أساليبهم في تناول الدراسات التاريخية، وهي من ضمن الإشكاليات التي يتخبط فيها البعض من كتابنا المتناولين لماضي الجزيرة الكردستانية...
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل